ملف العدد < الرئيسية

أولمبياد بكين الشتوية.. الإنجاز والإعجاز

: مشاركة
2022-01-04 15:17:00 الصين اليوم:Source أحمد سلّام:Author

في شهر يوليو عام ألفين وثمانية، وصلت إلى العاصمة الصينية بكين بقرار من السيد وزير الإعلام المصري آنذاك، حيث تم تكليفي بمسؤولية تسهيل مهام الوفد الصحفي والإعلامي المصري المرافق للبعثة المصرية المشاركة في أولمبياد بكين الصيفية 2008. ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماي أرض مطار بكين، شعرت بالانبهار الشديد بما لمسته من تنظيم واستقبال رائعين لجميع الوفود المشاركة الرياضية والإعلامية والفنية وغيرهم منذ وصولهم إلى المطار وحتى مغادرته. وخلال مدة قيامي بمهمتي الإعلامية، مكثت ببكين ثلاثة أشهر من يوليو إلى سبتمبر 2008، شرفت خلالها بحضور فعاليات افتتاح واختتام أولمبياد بكين الصيفية 2008، وكنت شاهدا أيضا على ما تركته الأولمبياد الصيفية ببكين من انطباعات عميقة وآثار كبيرة أبهرت العالم أجمع.

تذكرت تلك الأشياء والذكريات الطيبة التي جالت بخاطري وأنا أتابع عن كثب الاستعدادات الدؤوبة التي تقوم بها بكين في ظل اقتراب موعد استضافة الصين للنسخة الرابعة والعشرين من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022، التي تقام خلال الفترة من الرابع إلى العشرين من شهر فبراير 2022، بعدما تم اختيارها لتنظيم البطولة خلال اجتماع الجمعية العمومية للجنة الأولمبية الدولية التي عقدت في ماليزيا عام 2015. والحقيقة التى لا جدال فيها أن الصين تُصر على إبهار العالم للمرة الثانية خلال استضافة أولمبياد بكين الشتوية 2022، كما حدث في أولمبياد بكين الصيفية 2008. الشعار الذي أعلنته اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية ببكين 2022، وهو "معا من أجل مستقبل مشترك"، مستوحى من شعار دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2008 والذي كان عنوانه "عالم واحد، حلم واحد". ويعكس شعار 2022 التطلعات المشتركة لكل دول العالم للانضمام معا لتحقيق مستقبل أفضل.

كيف تحدت بكين كوفيد- 19؟

بالرغم من ظروف الجائحة التي ضربت الصين في نهاية 2019 كما ضربت جميع دول العالم، أتمت الصين بكل نجاح أعمال البناء والتجهيز، مع الحرص والمحافظة على سلامة العمال والمهندسين وجميع الموظفين والمتطوعين المشاركين في هذه المرحلة، باتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة وتطبيقها بشكل حازم. وعملت بكين على تطبيق المبدأ الهام وهو "الإنسان أولا والحياة فوق كل اعتبار". وفي هذا الإطار، أصدرت الصين كتيبا حمل عنوان "مكافحة الوباء لدورتي بكين للألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتويتن"، وهو ما يُعد نبراسا ودليلا صحيا شاملا لجميع الأفراد المشاركين بالدورتين.

الإنجاز والإعجاز الصيني

بدأت جمهورية الصين الشعبية في إنشاء الملاعب المخصصة والمتخصصة لاستضافة الحدث الكبير؛ الأولمبياد الشتوية 2022. كان من أولويات الصين في هذا الملف المحافظة على البيئة الإيكولوجية، ووضح ذلك جليا خلال مراحل بناء وتجهيز الملاعب والأماكن المخصصة لإقامة اللاعبين المشاركين.

وقد اطلعت على أحدث المطبوعات التي أصدرتها اللجنة المنظمة وكيف تمت الاستفادة من تكنولوجيا الـجيل الخامس. فعلى سبيل المثال لا الحصر، سيتم تغطية كل مناطق المسابقات بشبكة الجيل الخامس حتى يتم تسهيل مهمة الصحفيين والإعلاميين في تغطية ونقل فعاليات الافتتاح والختام وكافة المنافسات على أكمل وجه. كما تمت الاستفادة أيضا من هذه التكنولوجيا في عدة مجالات، فنجد أن أَسِرَة الرياضيين التي تم تجهيزها، وهي تبدو للوهلة الأولى أسرة عادية، لكنها في الحقيقة مزودة بالتقنيات التكنولوجية الحديثة التي تمكنها من التعرف على أفضل وضع لراحة جسم اللاعب أثناء النوم وتعود إليه تلقائيا بمجرد استلقاء الشخص على سريره في المرات الأخرى، كما يمكن للأَسِرَة قياس ضغط الدم ونبضات القلب ودرجات الحرارة.

أهم المناطق التى ستقام بها المباريات

تم تجهيز عدة مناطق لاستضافة منافسات الدورة، فهناك ثلاثة مناطق رئيسية وهي: وسط بكين وحي يانتشينغ بشمال غربي بكين ومدينة تشانغجياكو في مقاطعة خبي المجاورة للعاصمة الصينية بكين. ورغم كل الصعوبات التي فرضتها جائحة كوفيد- 19، نجحت الصين في تشييد مدينة أولمبية متكاملة الخدمات في منطقة "تايتسيتشنغ"، التي لم تكن سوى منطقة جبلية لا يقطنها أحد ولا يوجد بها ماء ولا كهرباء، ما مثل صعوبة كبيرة في بداية مراحل التشييد في تلك المنطقة. وتضم "تايتسيتشنغ" منطقة تجارية للتسوق ومنطقة الملاعب وقاعة مؤتمرات ومجمعات لإقامة الرياضيين المشاركين وساحة لتكريم الفائزين ومركزا إعلاميا وصحفيا كبيرا، مما يجعلها بحق مدينة أولمبية متكاملة.

الصين تحقق أرقاما قياسية جديدة

في سياق استعداداتها لاستضافة دورة الألعاب الشتوية، حطمت بكين العديد من الأرقام القياسية بهذا الصدد. حيث يمكن تحويل مركز ووكسونغ للألعاب الجليد في بكين إلى ملعب لكرة السلة والعكس خلال ست ساعات فقط. وفي صالة التزلج السريع في بكين، أنشأت الصين أول وأكبر نظام تبريد خافض لانبعاثات الكربون في العالم على خلاف غيره من أنظمة التبريد داخل صالات التزلج التي ينتج عنها الكثير من انبعاثات الكربون. كذلك، تُعد الصين من أوائل الدول المستضيفة للأولمبياد الشتوية التي تربط جميع مناطق المسابقات بشبكة من القطارات الفائقة السرعة والطرق السريعة والمطارات. كما يُعد مركز التزلج في منطقة "يانتشيغ" الأكثر صعوبة في العالم، من حيث عملية التأسيس والبناء، وهو ثاني أكبر مركز للتزلج من حيث الحجم في قارة آسيا.

من بين 44 موقعا رياضيا ومرفقا رياضيا لأولمبياد بكين الشتوية، هناك 25 موقعا تم تجديدها وستة مواقع مؤقتة وستة مواقع من ضمن مشروعات التشييد لبلدية بكين وسبعة مواقع جديدة فقط وهي تمثل 16% من إجمالي المواقع الرياضية، مما يُحسن الاستخدام لتراث دورة بكين للألعاب الأولمبية ويقلل تكلفة البناء في آن واحد.

الأولمبياد والمحافظة على البيئة

سعت اللجنة المنظمة لأولمبياد بكين الشتوية 2022، للمحافظة على البيئة الطبيعية للمنطقة، حيث كانت الكثير من الحيوانات البرية الأليفة والطيور تعيش في منطقة "تايتسيتشنغ" الجبلية، فقد روعي عدم التأثير بالسلب على معيشة تلك الحيوانات والطيور. كما تم استخدام مواد البناء القابلة للتجدد وتم البناء وفقا لظروف التضاريس المحلية، مما قلل التأثير السلبي على المجاري المائية والنباتات في الجبال. كما تم بناء نظام تنقية مياه الثلوج والأمطار، ومعدات توليد الكهرباء باستخدام طاقة الرياح والشمس وغيرهما من مصادر الطاقة المتجددة.

في الحقيقة لا تُعد استضافة الصين للألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية 2022 فرصة هامة لتقديم حكمة بكين في الابتكار واستخدام التقنيات الحديثة والاستفادة من التراث الأولمبي وتعزيز الصداقة بين مختلف الدول فحسب، وإنما أيضا تعرض لجميع دول العالم الروح الأولمبية للرياضيين الصينيين وشغف الصينيين لممارسة الرياضات الشتوية، التي كانت مقتصرة على الدول الأوروبية. ومن أجل زيادة تحسين المستوى، تلقى الرياضيون الصينيون تدريبات منظمة وجادة مما يجعل الصين تحقق تقدما كبيرا في رياضات الجليد والثلج.

كنت أتمنى أن أكون ضمن الإعلاميين المشاركين في أولمبياد بكين الشتوية، لأحظى بشرف مشاهدة ما ستقدمه الصين للعالم من إبهار واعجاز جديد، خاصة وأن بكين بتنظيم هذه الدورة الأولمبية الشتوية ستكون أول مدينة تستضيف الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية. أتوقع أن يشاهد العالم ما لم يشاهده من قبل في دورات الألعاب الأولمبية، من حيث التنظيم والترتيب واستخدام تكنولوجيا الجيل الخامس، وستثبت الصين للعالم أجمع من جديد أن الشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني قادر على تخطي كل الصعاب، خاصة وأن تنظيم الأولمبياد يأتي في ظل ما يعانيه العالم من جائحة كوفيد- 19. ولا شك في أن ما ستُظهره الصين خلال فعاليات دورتي بكين للألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية سيكون درسا ونموذجا تتعلم منه الدول الأخرى.

--

أحمد سلّام، المستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين وخبير في الشؤون الصينية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4