ملف العدد < الرئيسية

فتاة "صفر فاقد" في أزقة بكين

: مشاركة
2022-05-18 17:01:00 الصين اليوم:Source دنغ دي:Author

في غرفة نوم مجهزة بسرير وخزانة ملابس بسيطة تحتوي على نحو خمسين قطعة ملابس ومكتب كمبيوتر صغير وعدد قليل من أصص الزرع، تنهض يوى يوان من نومها كل صباح، وبعد أن تختار ما سترتديه من ملابس، تستعد لتبدأ يوما جديدا بحيوية ونشاط.

المنزل الذي استأجرته يوى يوان في زقاق بيلوقوشيانغ بوسط بكين، ليس كبيرا، لكنه يبدو فارغا. لكل شيء في هذا المنزل قصة، فعلى سريرها بطانية بيضاء منسوجة على شكل خلية النحل اشترتها خلال نشاط لتجارة السلع المستعملة نظمته مع صديقها في الثالث والعشرين من أكتوبر 2021. وبعد أن غسلتها وطهرتها وجففتها، أصبحت عضوا جديدا في منزلها؛ أما الحامل الخشبي المستخدم لدعم حوض الوجه في حمامها، فوجدته بجانب صندوق قمامة بالقرب من الـزقاق، في طريق عودتها إلى المنزل بعد تناول العشاء.

في بيتها، تطهو يوي يوان الطعام بكمية لا تزيد عن الحاجة، فلا تهدر منه شيئا. هي أيضا تضع المخلفات الغذائية، مثل قشر الفاكهة وجذور الخضراوات، في الثلاجة قبل أن تنقلها إلى صندوق السماد الذي تضعه خارج المنزل، لتصبح بعد شهر أو شهرين مخصبات طبيعية للنباتات في منزلها.

مبدأ حياة يوي يوان هو الاستفادة من كل شيء إلى أقصى حد ممكن. تعترف السيدة يوي بأنها استكشفت أسلوب الحياة الأخضر تدريجيا. ما زالت، حتى يومنا هذا، تُذكّر نفسها بالحذر من الرغبات المادية المفرطة، ونبذ كل ما يشغل وقتها واهتمامها من الأشياء المعقدة وغير الضرورية.

التخلص من القلق

قبل بضع سنوات، كانت يوي يوان، الفتاة العشرينية آنذاك، كغيرها من الفتيات، مهووسة بالتسوق في المتاجر أو عبر الإنترنت. كانت تعمل في شركة أجنبية براتب كبير، وكانت تحب شراء السلع وتخزينها في بيتها وتشتري كل شهر ملابس على أحدث موضة. مع مرور الأيام، وجدت يوي يوان أن السعادة التي يجلبها إشباع الرغبات المادية مؤقتة فقط، وأن العديد من احتياجاتها الاستهلاكية الخاصة قد "اختلقها" التجار. في عمليات الشراء والتخزين، سقطت يوي يوان تدريجيا في قلق من ضيق الوقت وازدحام منزلها تدريجيا بالأشياء غير الضرورية.

جاء التغيير بعد عيد الربيع الصيني عام 2016، عندما مرت بتجربة قاسية في التعبئة والتغليف من أجل الانتقال إلى منزل جديد. خلال هذه العملية، اكتشفت أن مئات الأشياء في منزلها لم تستخدمها سوى مرة واحدة أو مرتين. هنا بدأت تعيد التفكير في أسلوب حياتها المكتظ بالرغبات المادية. قالت: "حاولت في البداية عدم شراء نفس المنتجات الموجودة في بيتي وأعطيت أصدقائي الملابس التي لا أحتاج لها. بعد عملية الجرد، لاحظت أن الأشياء لدي قد أصبحت أقل، مما جعلني أشعر بمزيد من الاسترخاء والحرية." والأهم من ذلك، أنها وجدت أن تكلفة معيشتها انخفضت بكثير، وتشعر بسعادة أكثر.

شجعها هذا الشعور على إجراء المزيد من التغييرات على نطاق أكبر بإلهام من دعاة حماية البيئة داخل وخارج الصين. منذ ذلك الحين، أصبحت تحمل كوب الماء الخاص بها، وأدوات المائدة وماصّة الشرب المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، عندما تخرج من منزلها. وتخلت عن عادة شراء المياه المعبأة، وترفض استعمال المنتجات البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة، وتبحث عن الأدوات التي يمكن إعادة استخدامها أينما كانت لتلبية احتياجاتها اليومية. قالت: "أتذكر في بداية هذا التغيير، عندما كنت أرفض أخذ الأكياس البلاستيكية من الباعة في سوق الخضراوات، فيتعجب الناس في فضول: كيف ستحمل هذه الشابة الخضراوات إلى منزلها من دون استخدام الأكياس البلاستيكية. ولكن عندما رأوا الحقائب القماشية التي أحملها معي إلى السوق في كل مرة، عرفوا موقفي الرافض للنفايات البلاستيكية، ولهذا السبب، أعرب الكثير من الناس عن تقديرهم ودعمهم لي."

غيرت يوي يوان مفهومها الاستهلاكي، ولكنها أكدت أن هذا لا يعني التوقف عن الاستهلاك، وإنما وضع حد للاستهلاك غير العقلاني. هي، على سبيل المثال، يمكن أن تدفع آلاف اليوانات ثمنا لمعطف كلاسيكي مريح ومتين، وتذهب أيضا إلى سوق السلع المستعملة لشراء الأشياء القديمة التي تحتاج إليها فعلا. بهذا الشكل، يمكن تعظيم قيمة الأشياء القديمة من خلال إطالة عمرها الافتراضي. قالت: "التغييرات التي جلبتها لي الحياة البسيطة، لم أكن أتخيلها على الإطلاق. على سبيل المثال، الحمام والمطبخ وغرفة النوم في منزلي، أصبحت كلها نظيفة ومرتبة للغاية. كان لدي مائتان أو ثلاثمائة قطعة ملابس، وأظل حائرة في ارتداء أي منها كل صباح. أما الآن، كل ملابس فصول السنة الأربعة مرتبة في خزانة صغيرة، ويمكنني أن أجدها بسهولة وسرعة. الأشياء الأقل، تجعل الاختيار أسهل، وتوفر لي المزيد من الوقت."

الاستهلاك الأخضر

يوي يوان، وهي سيدة أعمال حاليا، استفادت جسديا وعقليا من أسلوب الحياة الأخضر، فقد تركت وظيفتها في الشركة الأجنبية لتكرس نفسها للدعوة إلى الحياة الخضراء. يقع المتجر الصغير "بيت البيع بسعر الجُملة (The Bulk House)"، الذي أسسته بالبناية رقم 70 في زقاق بيلوهقوشيانغ بحي دونغتشنغ في بكين. في متجرها المميز ببابه الأخضر الزمردي، العديد من السلع، بما في ذلك الحقائب القماشية، والكيس الشبكي للخضراوات، وأدوات المائدة المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، وأدوات المطبخ الخشبية، إلخ. وفي زاوية المتجر، يوجد أيضا رف كتب صغير به مطبوعات مستعملة يمكن أن يأخذها الزبائن.

يقوم مبدأ "صفر فاقد" لبيت البيع بسعر الجُملة على ست قواعد ذهبية (6R): منع الفاقد من المنبع (Refuse)، تقليل الاستهلاك (Reduce)، إعادة الاستخدام (Reuse)، إصلاح التلف (Repair)، إعادة التدوير (Recycle)، تحويل نفايات المطعم إلى سماد (Rot). تعتقد يوي يوان أن أكثر ما يستحق الاهتمام في الوقت الحالي هو مسألة التأثير الصحي للبلاستيك على البيئة.

قالت يوي يوان: "تتم إعادة تدوير أقل من 9٪ من المنتجات البلاستيكية على مستوى العالم، وبالتالي، يبقى أكثر من 90٪ من النفايات البلاستيكية على الأرض، وفي السلسلة الغذائية والهواء وأجسادنا. لذلك نحن بحاجة إلى معالجة هذه المشكلة من جذورها، ويجب علينا تقليل استخدام البلاستيك والبحث عن بدائل له."

يطبق بيت البيع بسعر الجُملة مفهوم "صفر فاقد" بطريقة عميقة وشاملة. فبالنسة لكل ما يتم شراؤه من البضائع على منصة متجرها عبر الإنترنت، تختار يوي يوان فقط الكرتون القابل للتحلل والأشرطة الورقية القابلة للذوبان في الماء، لتغليفها، وصناديق البريد السريع لها عبارة عن الكراتين التي تجمعها هي وصديقها عندما يستلمان البضائع كل يوم، أو ما يتركه الجيران منها بعد استخدامها، ولا تستخدم أي رغوة بلاستيكية أو أكياس بلاستيكية في التغليف. كل صناديق الشحن التي تستخدمها قابلة لإعادة التدوير بنسبة 100٪ من الخارج إلى الداخل. على الرغم من أن ذلك يزيد التكلفة بشكل كبير، ترى أن هذا النهج يمكن أن يحقق أفضل استخدام ممكن للموارد. قالت: " ينبغي أن نواصل الجهود حتى نحقق غاياتنا."

أثناء فترة وباء كوفيد-19، أسست يوي يوان علامة تجارية فرعية باسم "كوكب لاغوم (كوكب الاعتدال)"، متخصصة في صنع المنتجات الصديقة للغابات مثل المناديل الورقية المصنوعة من لب الخيزران الطبيعي والمعطرات ومرطبات الشفاه وغيرها. قالت إنها استلهمت فكرة هذه العلامة التجارية من كتاب سويدي، فكلمة "لاغوم (Lagom)" في اللغة السويدية تعني "الاعتدال". قالت: "إنها مثل مبدأ الوسطية الذي نؤمن به نحن الصينيين. هذه العلامة التجارية تمثل موقفي الذي يشجع كل من يحبون البيئة على إيجاد أفضل حل يناسبهم ويفيد الطبيعة."

من منظور التنمية الاجتماعية، يمكن للقوة الاستهلاكية أن تعزز الإنتاج والتطور التكنولوجي وتنمية الاقتصاد، ولكن من ناحية أخرى، الاستهلاك المفرط يؤدي إلى مشكلات بيئية لا يمكن تجاهلها. قالت: "عادات الاستهلاك غير المسؤولة تشبه قنبلة موقوتة، قد تتعرض حياتنا وصحتنا وبيئتنا للخطر في أي وقت."

من وجهة نظرها، نحن، كمستهلكين، لنا الحق في أن نطلب من الشركات منتجات خضراء وتعبئة خضراء قابلة لإعادة التدوير، ودفع عملية الإنتاج الأخضر. قالت: "كل اختيار واستهلاك نقوم بهما، يجب أن يساعدا كوكبنا ليصبح أكثر خضرة."

مزيد من الداعمين

أثّر أسلوب حياة يوي يوان وعملها على العديد من الشباب الذين لديهم نفس أفكارها. في السنوات الأخيرة، نجد أن موجة النزعة الاستهلاكية قد اجتاحت حياة المزيد والمزيد من الناس، ولهذا السبب تحديدا انتهج العديد من الشباب الصينيين أسلوب الحياة البسيط وفقا لفلسفة "دوان شه لي" (بمعنى التخلص من الأشياء غير الضرورية وغير الملائمة والتي عفا عليها الزمن، والتخلي عنها وقطع التعلق بها". وأصبحت المناقشات حول هذا الموضوع شائعة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أيضا.

أعضاء مجموعة "حياة الحد الأدنى" التابعة لموقع Douban.com، البالغ عددهم حوالي 367 ألف عضو، يتفقون جميعا على مبدأ "لا تضف أشياء غير ضرورية، واختر المفضل لديك لو كنت بحاجة له، واستفد من كل الأشياء إلى أقصى حد واستخدمها حتى نهايتها." يجد العديد من الشباب أن الحياة المادية الثرية لا تخفف بشكل فعال القلق الناجم عن الحياة الحضرية المزدحمة.

تشارك يوي يوان بنشاط في المناقشات حول هذه الموضوعات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتشارك تجربتها مع الجميع. في عام 2021، نظّمت العديد من أنشطة تداول السلع المستعملة في متجرها الصغير، انطلاقا من اقتناعها بأن "نفايات شخص ما يمكن أن تكون كنزا لشخص آخر". ونجحت هذه الأنشطة في جذب أشخاص من مختلف الأعمار. قالت: "بدأ الكثير من أصدقائي في تقليل النفايات تأثرا بقصتنا، فأصبحوا يستخدمون الحقائب القماشية عند شراء الخضراوات، بدلا من الكيس البلاستيكي، ويستخدمون مخلفات المطبخ كسماد. أرى أن قوة الشخص قد تبدو صغيرة، إلا أنك إذا قمت بذلك بالفعل، فسوف تؤثر على العديد من الأشخاص من حولك."

حاليا، يبلغ حجم النفايات المنزلية غير القابلة لإعادة التدوير لكل من يوي يوان وصديقها علبتين بسعة ألف مليمتر فقط كل عام. وهدفها القادم هو جعل مرطب الشفاه الذي يباع في متجرها قابلا لإعادة التعبئة، فيحتاج المستخدم فقط إلى شراء المادة المرطبة وإعادة تعبئتها بعد الانتهاء من استخدامها. ولكن حتى الآن، لم تجد الغلاف القابل لإعادة التعبئة المناسب والدعم الفني المعني. قالت: "التحدي مستمر وأنا بحاجة إلى العمل بجدية أكبر". 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4