حديقة شوقانغ الصناعية، التي أقيمت فيها العديد من المسابقات الرائعة خلال دورة بكين للألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير عام 2022، جذبت منصة القفز على الجليد بها أنظار الرياضيين والجماهير ووسائل الإعلام من الدول المختلفة. وقد أنعشت شركة شوقانغ للحديد والصلب القديمة كتراث صناعي، إذ تجاوز عدد الزوار الذين قاموا بالحجز لزيارتها في الأسبوع الأول بعد إعادة افتتاحها أربعة وعشرين ألف زائر، مما يشير إلى أنها صارت مقصدا سياحيا جديدا. يرغب كثير من الزوار في التمتع بالمناظر الصناعية المميزة ومعرفة المزيد من القصص التاريخية المتعلقة بالمكان الذي احتضن شركة شوقانغ للحديد والصلب.

في السنوات الأخيرة، تشهد سياحة التراث الصناعي في الصين تطورا سريعا.

ظهور حماية التراث الصناعي

في عام 2003، وضعت المؤتمر الدولي للمحافظة على التراث الصناعي (TICCIH) تعريفا واضحا للتراث الصناعي، والذي يشمل البنايات والتجهيزات والورش والمصانع والمناجم ومواقع التصنيع والاستخلاص والمستودعات والمتاجر ومواقع الإنتاج، والمواقع التي اُستخدمت فيها الطاقة، ومرافق النقل الأساسية، بالإضافة إلى أماكن أخرى للأنشطة الاجتماعية، مثل المساكن أو أماكن العبادة أو التعليم، المتعلقة بالإنتاج الصناعي. وعلى ذلك، فإن التراث الصناعي هو مجموعة الآثار الثقافية والصناعية ذات القيمة التاريخية والتقنية والاجتماعية والمعمارية والدراسية.

بدأت بريطانيا تهتم بقضية حماية التراث الصناعي منذ القرن التاسع عشر، وأدرجت سياحة التراث الصناعي ضمن برامج سياحة التراث الثقافي. أما في الصين، فقد بدأت حماية التراث الصناعي وتطويره في عام 2001 تقريبا، حيث قامت الأجهزة المعنية بدراسة وتطوير موارد سياحة التراث الصناعي في المدن الصناعية المشهورة والمدن التي تفتقر إلى الموارد، بالاستفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال.

 في عام 2017، أصدرت الصين قائمة أول عشر قواعد وطنية نموذجية للسياحة الصناعية والقواعد الوطنية لسياحة التراث الصناعي. وفي ذلك العام، تم نشر قائمة الدفعة الأولى لمواقع التراث الصناعي، التي تضمنت ثلاثة عشر موقعا، من بينها مصنع آنشان للحديد والصلب ومنجم الفاناديوم في ونتشو ومصنع هانيانغ للحديد. حتى الآن، أصدرت الصين خمس دفعات من مواقع التراث الصناعي على المستوى الوطني، تضم 166 موقعا.

وفي عام 2018، أصدرت الصين أول قائمة للتراث الصناعي تحت حماية الدولة. وحتى اليوم، تم إصدار قائمتين تتضمنان مائتي مشروع، منها مواقع لمؤسسات حكومية يرجع تاريخ إنشائها إلى نهاية فترة أسرة تشينغ (1644- 1911) ومواقع لبرنامج "المشروعات المائة والستة والخمسين المهمة" الذي نُفذ في الأيام الأولي بعد تأسيس جهورية الصين الشعبية، تشتمل تلك المواقع للتراث الصناعي على بناء السفن، الصناعة العسكرية والسكك الحديدية، وغيرها من القطاعات ذات التمثيل القوي والقيمة البارزة.

في عام 2021، أصدرت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات ومصلحة الدولة للآثار وغيرهما من الأجهزة الحكومية الصينية المعنية ((الخطة التنفيذية لدفع تنمية الثقافة الصناعية (2021- 2025)))، التي نصت على تقديم الدعم لمشروعات سياحة التراث الصناعي وإنشاء مجموعة من القواعد النموذجية لسياحة التراث الصناعي، بالاعتماد على الموارد المميزة القائمة، مثل المعامل القديمة والمتاحف الصناعية، إلخ.

تنشيط ذاكرة المدن

 تتحول مواقع التراث الصناعي إلى مقاصد جديدة للزيارة والترفيه، بعد إجراء سلسلة من أعمال التطوير وإعادة البناء حتى يمكن للزوار أن يعرفوا مزيدا من المعلومات عن الثقافة الصناعية.

مع تحول المصانع والورش والمنشآت القديمة إلى مقاصد جديدة للسياحة الثقافية في بعض المدن والمناطق المجاورة لها، تتعزز ذاكرة تلك المدن ويتوسع فضاء حياة الثقافة الثقافية لعامة الناس. وقد ازدادت تدريجيا شهرة العديد من مقاصد السياحة الصناعية في أنحاء البلاد، مثل حديقة شوقانغ الصناعية في بكين والمتحف للفنون المعاصرة بشانغهاي وفندق شيماو شنكنغ في شانغهاي وحديقة أرتشانغ للثقافة الإبداعية في تشونغتشينغ، وغيرها من مواقع التراث الصناعي.

بكين مدينة مهمة لحماية التراث الصناعي وتطويره. تشهد حديقة شوقانغ الصناعية، التي أثارت اهتماما واسعا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي داخل الصين وخارجها، تحولا لشركة شوقانغ للحديد والصلب، القديمة التي يعود تاريخها إلى مائة سنة، حيث يمكن للزوار اليوم التمتع بالمناظر المفعمة بالحيوية في منطقة معرض الصين الدولي لتجارة الخدمات والفرن اللافح رقم 3 للأنشطة المختلفة وبحيرة تشيونمينغ. كما يمكنهم أن يشتروا المنتجات المفضلة لهم في حديقة الثقافة الإبداعية ومتجر البضائع المرخصة لأولمبياد بكين الشتوية. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل حديقة شوقانغ للألعاب الخطيرة، التي بدأ تشغيلها في أول مارس عام 2022، على إدخال مزيد من مسابقات التزلج على الألواح وتسلق الصخور لجعل الحديقة موقعا مهما لإقامة البطولات الدولية وإجراء التدريبات الرياضية. وفي نفس الوقت، تقوم حديقة شوقانغ بجذب مزيد من الشركات والمؤسسات سعيا لتحويل موارد الأولمبياد الشتوية إلى قوة محركة للتنمية الاقتصادية بصورة أكبر.

وكذلك اكتشفت شانغهاي نمطا جديدا لحماية التراث الصناعي وتطويره بعد نجاحها في استضافة معرض إكسبو شانغهاي العالمي في عام 2010. على سبيل المثال، فإن جناح مدن المستقبل في المعرض والذي كان في الأصل مصنع نانشي لتوليد الكهرباء، تحول بعد توسعته إلى متحف الفن المعاصر في شانغهاي. أما متحف الزجاج بشانغهاي الذي كان في السابق المصنع رقم 1 للأواني الزجاجية بشانغهاي، فيشتهر اليوم بالتجارب التفاعلية الممتعة على أساس الأواني الزجاجية الجميلة.

وفي مدينة تشونغتشينغ، في جنوب غربي الصين، حديقة أرتشانغ للثقافية الإبداعية في حي يويتشونغ، كانت في الأصل مصنع طباعة الأوراق النقدية للبنك المركزي خلال فترة حكومة جمهورية الصين في النصف الأول للقرن العشرين وتحولت إلى مصنع تشونغتشينغ للطباعة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية. أما الآن، فصارت موقعا لتصوير الأفلام ولا تزال محتفظة بشكل المصنع القديم في الخارج، مع ديكورات وزخارف حديثة في الداخل. بفضل المقارنة الواضحة، تجذب حديقة أرتشانغ للثقافة الإبداعية عددا كبيرا من الزوار، بل وأُدرجت في الدفعة الأولى لمناطق الاستهلاك السياحي والثقافة الليلية على المستوى الوطني.

تحظى مشروعات التحويل الناجحة للتراث الصناعي، بشعبية كبيرة بين الصينيين حتى في المدن المتوسطة والصغيرة في غربي الصين. في مدينة باوجي بمقاطعة شنشي في شمال غربي الصين مثلا، توجد حديقة تشانغليوان، حيث التراث الصناعي الصيني الأكثر اكتمالا وحفظا من فترة حرب المقاومة ضد الغزو الياباني، وبالاستفادة من مواقع البنايات المختلفة، تنظم الحديقة عروضا ضوئية ساحرة، تتيح للزوار مشاهدة الأفلام خلال زيارتهم في الليل.

تطوير التراث الصناعي وفقا للحالات الواقعية

يهتم كثير من الناس بكيفية حماية وتطوير التراث الصناعي الواقع داخل المدن أو في المناطق المجاورة لها. قال البروفسور ون تونغ من كلية السياحة بمعهد الإدارة في جامعة جينان، في مقابلة صحفية، إن الصين قامت بتطوير التراث الصناعي أيضا، بالاستلهام من أفكار التراث الصناعي الأجنبي، فحولته إلى متاحف أو مناطق ثقافية لريادة الأعمال وغير ذلك، بأشكال مختلفة وتأثيرات متنوعة.

أضاف ون تونغ أنه من أجل إعادة استخدام التراث الصناعي، علينا الاهتمام بالحالات الواقعية للتراث قبل وضع الخطط المعنية. مثلا، في قوانغتشو، بُنيت حديقة تشونغشان تشيجيانغ على أساس مصنع للسفن؛ تم تحويل مستودعات رصيف تايقوتسانغ إلى دار سينما ومطاعم بصورة مناسبة، حتى تحولت بعض المصانع القديمة إلى متاحف نظرا للظروف المعنية. كل ذلك نتاج التنمية وفقا للحالات الواقعية.

قوانغتشو، التي أنشئت قبل أكثر من ألفي سنة، مدينة تاريخية وثقافية مشهورة، تتمتع بحضارة صناعية رائعة. في يونيو عام 2021، أصدرت قوانغتشو الدفعة الثانية لمسارات السفر للتراث الثقافي في منطقة خليج قوانغدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى، حيث شكلت الطريق من الموقع الأصلي لمصنع شيتونغخه للأجهزة إلى الموقع الأصلي لرصيف تايقوتسانغ، ثم إلى الموقع الأصلي لرصيف دابانتسانغ، مسار السفر للتراث الصناعي الحديث في قوانغتشو. وبحلول نهاية عام 2020، أدرجت قوانغتشو أكثر من 200 بناية من بنايات التراث الصناعي وأكثر من أربعين منطقة مناظر صناعية تاريخية في قائمة حماية التراث الصناعي، مما يوفر بيانات دعم للخطوة التالية من التخطيط العلمي وحماية التصنيف والاستخدام الفعال للتراث الصناعي.

أُنشئ رصيف تايقوتسانغ في عام 1904 وكان أكبر ميناء في قوانغتشو من حيث عدد السفن وقدرة شحن وتفريغ البضائع. هذا الرصيف شاهد على تطور التجارة الخارجية والنقل في قوانغتشو في العصر الحديث والمعاصر. بدأت أعمال إصلاح رصيف تايقوتسانغ في عام 2008 فتحول إلى مكاتب ومعارض ودور سينما ومطاعم مفتوحة للجماهير.

قال ون تونغ، إنه في حماية التراث الصناعي وتنميته، ينبغي لنا أن نهتم أيضا بتطوير مسارات السفر الجديدة لسياحة التراث الصناعي، مستشهدا بما قامت به ألمانيا من إصلاح للتراث الصناعي في حوض الرور وربط المواقع المختلفة للتراث الصناعي بطرق المواصلات العامة، مما شكل مسارات السفر المشهورة للتراث الصناعي الألماني، حيث يمكن للزوار أن يعرفوا تطور الصناعة في ألمانيا على مدى القرون الماضية. حاليا، تُعد مسارات السفر الثقافية لمنطقة خليج قوانغدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى والمسار الثقافي "للآثار الصناعية" في قوانغتشو مساعي جيدة في هذا الصدد.

--

لي تسون قن، صحفي في ((جريدة يانغتشنغ المسائية)).