ملف العدد < الرئيسية

الحوكمة العالمية للأمن الغذائي تتطلب تعاون جميع الأطراف

: مشاركة
2022-08-12 16:00:00 الصين اليوم:Source لو رو تساي:Author

قال تشنغ قوه تشيانغ، الأستاذ بكلية التنمية الزراعية والريفية في جامعة رنمين الصينية ومدير المعهد الوطني لإستراتيجيات الأمن الغذائي: "في الحقيقة، قد بدأت أزمة الغذاء، التي جذبت الكثير من الانتباه هذا العام، منذ مايو من عام 2020، والصراع بين روسيا وأوكرانيا ليس إلا أحد العوامل التي أدت إلى تفاقم الأزمة."

 وفقا لبيانات صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإنه مقارنة مع مايو عام 2021، ارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة 56% هذا العام، وارتفعت أسعار الحبوب إجمالا بنسبة 30%، بينما ارتفعت أسعار الزيوت النباتية بنسبة 45%. وتتوقع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن ما بين 170 مليون شخص إلى 181 مليون شخص في إحدى وأربعين دولة ومنطقة قد يواجهون أزمة غذائية أو مستويات أسوأ من المجاعة في عام 2022.   

في هذا الإطار، يعتقد تشنغ قوه تشيانغ أنه يجب على المجتمع الدولي تعزيز التعاون في الحوكمة العالمية للأمن الغذائي، وقد تقدم الصين تجاربها في ضمان الأمن الغذائي للبلدان النامية.

الأسباب المعقدة لهذه الجولة من أزمة الغذاء

قال تشنغ قوه تشيانغ: "أشارت وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية، إلى أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا هو السبب الرئيسي لأزمة الغذاء العالمية." في الحقيقة، من الواضح أن هذه هي ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية للتنصل من مسؤوليتها. أضاف: "ْ’أزمة الغذاء‘ تعني أن الناس لا يستطيعون الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء اللازم للحياة. ومن الضروري التمييز بين مشكلتَين، الأولى ’لا يوجد غذاء لشرائه‘، والثانية ’عدم القدرة على شراء الغذاء‘. كانت أزمة الغذاء في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ناتجة في الغالب عن عدم كفاية الإمدادات بسبب الكوارث الطبيعية، وهذا ينتمي إلى مشكلة ’لا يوجد غذاء لشرائه‘. أما منذ تسعينات القرن الماضي، فكانت أغلب أزمات الغذاء ناتجة عن الأسعار المبالغ فيها وعدم القدرة على شراء الغذاء." وقال أيضا: "في السنوات الأخيرة على نحو خاص، أصبح اتجاه استخدام الغذاء كطاقة ورأس مال بارزا بشكل متزايد، فشهدت أسعار المواد الغذائية تقلبات متكررة وحادة، مما جعل الكثير من البلدان المنخفضة الدخل غير قادرة على تحمل تكاليف الطعام."  وأضاف: "انتشار كوفيد- 19 وزيادة تداول الدولار الأمريكي هما السببان الرئيسيان لأزمة الغذاء الجديدة التي اجتذبت انتباه العالم هذا العام. على وجه الخصوص، اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية جديدة متعلقة بالتسهيل الكمي غير المحدود في مارس عام 2020، والتي لم ترفع معدل التضخم المحلي إلى أعلى مستوى له خلال ثلاثين سنة فحسب، وإنما تؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار النفط والحبوب الغذائية وغيرها من السلع الأساسية في أنحاء العالم، فظهرت جولة جديدة من ارتفاع الأسعار." أشار تشنغ قوه تشيانغ إلى أن أزمة الغذاء دخلت المرحلة الثانية بسبب اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، باعتبارهما من أهم الدول المنتجة للغذاء وأهم الدول المصدرة للأغذية، فأدى الصراع بينهما إلى تعطل سلاسل الإمدادات الغذائية، كما زادت العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا من التوقعات بارتفاع أسعار الغذاء في السوق الدولية. وفقا للبيانات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن حوالي خمسين دولة في العالم تعتمد على واردات الأغذية من روسيا وأوكرانيا، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوبي آسيا، فيتعين على هذه الدول استيراد الأغذية من الدول الأخرى.

تُعد روسيا المصدر الرئيسي في العالم للأسمدة النيتروجينية واليوريا والسماد الفوسفاتي وسماد البوتاس. لقد أثر الصراع بين روسيا وأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية الغربية على إمدادات الأسمدة الكيميائية وأسعارها من نواح عديدة في أنحاء العالم. قال تشنغ قوه تشيانغ: "إذا أعيقت إمدادات الأسمدة العالمية بشكل كبير، فمن الناحية الفنية، قد يؤدي ذلك إلى انخفاض بنسبة تتراوح بين 30% و50% في إنتاج الغذاء، مما يعني أن وضع الإمدادات الغذائية العالمية سيكون خطيرا ومعقدا بشدة." بالإضافة إلى ذلك، تأثرت العديد من الدول الرئيسية المنتجة للقمح في العالم، بما فيها الهند وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بالعوامل المناخية مثل الجفاف منذ بداية عام 2022، فزادت حالة عدم اليقين في إنتاج القمح. قال تشنغ قوه تشيانغ إن اصطدام زيادة أسعار المواد الغذائية مع انخفاض الإنتاج يتسبب في تفاقم أزمة الغذاء الحالية، وقد تستمر حتى نهاية عام 2023. قال تشنغ قوه تشيانغ: "لذلك، اتخذت العديد من الدول المصدرة للغذاء والمنتجات الزراعية تدابير مراقبة الصادرات بسبب التوقعات غير المؤكدة، كما قامت بزيادة احتياطيات الغذاء من أجل ضمان الإمدادات الغذائية المحلية كأولوية." بحلول نهاية مايو من عام 2022، أعلنت أكثر من عشرين دولة مصدرة للمنتجات الزراعية مثل الهند فرض قيودا على تصدير المنتجات الزراعية، مما كان له تأثير سلبي على استقرار أسعار الغذاء في العالم.

الصين لديها الثقة في ضمان الإمدادات الغذائية

يبلغ عدد الصينيين أكثر من 4ر1 مليار نسمة، ويستهلكون يوميا حوالي سبعمائة ألف طن من الحبوب و98 ألف طن من الزيت و92ر1 مليون طن من الخضراوات ومائتين وثلاثين ألف طن من اللحوم. في إطار تفاقم أزمة الغذاء العالمية، اجتذب وضع الأمن الغذائي في الصين الكثير من الانتباه. قال تشنغ قوه تشيانغ إنه منذ بداية عام 2013، اتخذت الصين سياسة جديدة بشأن الأمن الغذائي وفقا للظروف الصينية وتركيز مواردنا على ضمان الاكتفاء الذاتي الأساسي من الحبوب والأمن المطلق للحصص الغذائية، كما قال الرئيس شي جين بينغ: "حتى يمسك الصينيون بوعاء الأرز الصيني بقوة في أيديهم."

في عام 2021، تجاوز إجمالي إنتاج الحبوب في الصين 85ر682 مليون طن، بزيادة بلغت نسبتها 2% مقارنة مع العام السابق، وبزيادة 82ر15% مقارنة مع عام 2012، وقد حققت الصين حصاد وافرا لمدة ثمانية عشر عاما متتالية منذ عام 2004.

مع دخول الصين مرحلة جديدة من التنمية، تعمل الصين على ضمان إمدادات الغذاء بشكل فعال، بينما تقوم بتعميق وتوسيع مفهوم الأمن الغذائي. قال تشنغ قوه تشيانغ إن الرئيس شي جين بينغ اقترح إنشاء "الرؤية الأوسع للأمن الغذائي"، سعيا إلى تلبية حاجة الشعب إلى حياة أفضل وضمان إمدادات الغذاء واللحوم والخضروات والفواكه والمنتجات المائية بشكل فعال في نفس الوقت، وعدم السماح بوجود نقص في أي نوع من أنواع الأغذية.

في الوقت الحاضر، يبلغ معدل اكتفاء الصين الذاتي من الحبوب أكثر من 95% بشكل مستقر، وحققت اكتفاء ذاتيا في الحصص الغذائية بنسبة 100%. قال تشنغ قوه تشيانغ إن الصين تُصدّر وتستورد منتجات زراعية وفقا لمبدأ "استيراد المنتجات بكمية مناسبة على أساس الوضع المحلي"، ويعتمد استيراد وتصدير الحبوب والمنتجات الزراعية في الصين بشكل أساسي على تعديل أصناف الحبوب. أصدرت الصين الكتاب الأبيض بعنوان ((الأمن الغذائي الصيني)) في عام 2019، والذي يشير إلى أنه في الفترة من عام 2001 إلى عام 2018، احتلت نسبة استيراد فول الصويا 4ر75% من إجمالي واردات الصين السنوي من الحبوب، بينما مثلت نسبة الأرز والقمح معا أقل من 6%. أوضح تشنغ قوه تشيانغ أن الصين تستورد منتجات الحبوب الخشنة مثل فول الصويا والذرة لصنع الزيوت النباتية والأعلاف وليس لتلبية الطلب على الحصص الغذائية. ومن هذا المنظور، فإن طلب الصين على هذه المنتجات الزراعية دفع بشكل مباشر التنمية الزراعية في أمريكا الجنوبية وغيرها من المناطق.

في المستقبل، ستمارس الصين "الرؤية الأوسع للأمن الغذائي" لاستخدام الطريقة المناسبة لتنسيق موارد الأراضي وتوزيع الموارد الزراعية على أساس المحافظة بشكل صارم على الحد الأدنى البالغ 8ر1 مليار مو (الهكتار يساوي 15 مو) من الأراضي الصالحة للزراعة، وتحدد الإنتاج الزراعي المناسب في الأماكن المختلفة وفقا لطلب السوق والمزايا النسبية الإقليمية، فتقوم بزراعة الحبوب أو تطوير الاقتصاد أو تربية الحيوانات أو صيد الأسماك أو تطوير صناعة الغابات، كل على حدة، في الأماكن المناسبة لها، مما يعزز تحسين هيكل نظام الإنتاج الزراعي وتوازن الإمدادات وتحقيق التنمية المستدامة. كما قال تشنغ قوه تشيانغ إنه في نفس الوقت، يجب على الصين العمل على تطوير التكنولوجيا لضمان الأمن الغذائي. وأضاف: "الطريقة الأساسية لضمان الأمن الغذائي الوطني تكمن فى الابتكار العلمى والتكنولوجى الزراعى ورفع القدرة الإنتاجية الشاملة."

العالم بحاجة إلى التضامن لمكافحة أزمة الغذاء

يركز تشنغ قوه تشيانغ، بصفته عضوا في اللجنة الاستشارية للإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، اهتمامه على الحوكمة العالمية في مجال الأمن الغذائي دائما، ويعتقد أن الدول النامية ضحية أزمة الغذاء العالمية. قال: "طالما أن هناك تغيرات في سوق الغذاء العالمي، فإن العديد من الدول النامية ستعاني من أزمة نقص الغذاء." وعلى الرغم من أن أسباب هذه الأزمة معقدة، يجب علينا الانتباه إلى تأثير الامتداد الناجم عن الدعم الزراعي المرتفع في البلدان المتقدمة. وأضاف: "بينما تقدم البلدان المتقدمة الدعم لمزارعيها، تدخل المنتجات الزراعية الفائضة المنخفضة الأسعار السوق العالمية، مما يؤدي إلى الخلل في تجارة الحبوب الدولية والسوق العالمية، ويجعل البلدان النامية تعتمد على سوق الحبوب الدولية بشكل مفرط، ونتيجة لذلك، لا تستثمر في الإنتاج الزراعي المحلي بشكل كاف، وتفتقر إلى نظام إنتاج أغذية فعال." كما قال إن هذا هو السبب أيضا في عدم قدرة البلدان النامية على التعامل مع تقلبات أسعار المواد الغذائية، وفي أنها معرضة للوقوع بسهولة في أزمات الغذاء.

فيما يتعلق بالحوكمة العالمية للأمن الغذائي، يري تشنغ قوه تشيانغ أنه يجب تعزيزها من الجوانب التالية: أولا، ينبغي للبلدان المتقدمة تحمل المسؤولية في المحافظة على الأمن الغذائي العالمي وخفض الدعم الزراعي الذي يُحدث خللا في التجارة، لتوفير بيئة تجارية دولية عادلة ومقبولة للبلدان النامية، في نفس الوقت، يجب عليها تقييد استخدام المنتجات الزراعية كطاقة بشكل كامل ومنع استخدام المنتجات الزراعية مثل الحبوب كمواد خام للطاقة الحيوية؛ ثانيا، يجب على البلدان النامية التركيز على زيادة الاستثمارات الإستراتيجية في الصناعة الزراعية وتحسين القدرة على إنتاج الغذاء وتعزيز بناء البنية التحتية المعنية مثل احتياطي الحبوب والخدمة اللوجستية والسعي إلى معالجة الإمدادات الغذائية الأساسية بنفسها، وهذا أيضا هو مفتاح الصين لحل مشكلة الغذاء كأكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم؛ ثالثا، يجب على المجتمع الدولي تحديد قواعد للحد من المضاربة على المنتجات الزراعية مثل الحبوب من أجل المحافظة على استقرار أسعار الحبوب في السوق العالمية.

يعتقد تشنغ قوه تشينغ أيضا أنه في هذا الإطار، يجب على المجتمع الدولي أن يولي المزيد من الاهتمام لتعزيز التعاون، ولا سيما أن تتحمل الدول الرئيسية المنتجة للغذاء والدول المصدرة مسؤولياتها، وتقوم بإزالة جميع التدابير المتعلقة بتقييد صادرات الحبوب من أجل ضمان تجارة المواد الغذائية دون عوائق في العالم؛ يجب على جميع الأطراف في الصراع الجيوسياسي، سواء كانت دولا متنازعة أو دولا مشاركة في العقوبات الاقتصادية، أن تتمسك بالنزعة الإنسانية لاتخاذ الإجراءات بشكل مشترك من أجل ضمان إمدادات الغذاء والمدخلات الزراعية بدون عوائق، وجعل إنتاج الغذاء وتجارة الغذاء والخدمة اللوجستية تعود إلى وضعها الطبيعي، كما ينبغي لها التعاون معا للحد من الاتجاه المتفاقم لأزمة الغذاء العالمية وحماية الأمن الغذائي. 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4