ملف العدد < الرئيسية

تأمّلات في صعود الصين السريع في مجال العلوم والتكنولوجيا

: مشاركة
2022-09-01 14:01:00 الصين اليوم:Source أندي موك:Author

في العاشر من يناير عام 2000، تلقى عالم الأعمال صدمة بإعلان شركة أمريكا أون لاين (AOL) لخدمات الإنترنت والتي أسسها ستيف كيس، أنها قد اندمجت مع شركة تايم وارنر في صفقة بلغت قيمتها 162 مليار دولار أمريكي، وهي أكبر عملية اندماج في تاريخ الأعمال التجارية الأمريكية. في العاشر من مارس نفس العام، وصل مؤشر ناسداك المركب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 5048 نقاط. في ذلك الوقت، لم يكن قد مضى وقت طويل على قدومي إلى بكين كمتدرب من إحدى شركات رأس المال المغامر بتمويل من رجل أعمال أمريكي ناجح، للبحث عن فرص للقيام بأعمال في الصين. كانت تلك الشركة ترى أن الصين أرض الفرص والأمل.

يحب أصحاب الرأسمال المغامر الكلمات الرنانة العصرية. مع تأسيس شركة التجارة الإلكترونية الأمريكية eBay في عام 1995، أصبح من الممكن بيع أي شيء عبر الإنترنت، وبدأ بيع دمى بيني بيبيز المحشوة ذات الإصدار المحدود، والتي أصبحت رمزا لهذه المنصة الجديدة في المعاملات التجارية من المستهلك إلى المستهلك (consumer- to- consumer business activity)، والتي سرعان ما تمت تسميتها اختصارا "C2C".

في صيف ذلك العام، جئت إلى الصين كمفوض من شركة للرأسمال المغامر في مهمة للعثور على فرص لـ "C2C" على هذه الأرض. ولكن في الصين، هذا لا يمثل "C2C" بالضرورة، بل كان الغرض هو البحث عن فرص لنسخ هذا النموذج في الصين. لقد أردنا أن نرى من لديه القدرات والإمكانيات ليصبح غوغل وأمازون وeBay في الصين.

كان هذا يعكس وضع الابتكار التكنولوجي في الصين في ذلك الوقت. فالأشخاص الذين لديهم معظم الأفكار والمهارات والخبرات، بما في ذلك مطورو البرامج ومصممو تجربة المستخدم ومديرو المنتجات، كانوا جميعهم من الولايات المتحدة الأمريكية. يمكننا أن نرى بوضوح أنه على الرغم من أن رواد الأعمال الصينيين شجعان ومثابرون، فإنهم يفتقرون إلى الخبرة المهنية والمعرفة. لذلك، فيما يتعلق بالمستثمرين، فإن الاختيار الأكثر حكمة هو النسخ السريع للنموذج الذي نجح في مكان آخر، وغالبا ما يكون الفائزون هم أولئك الذين ينسخون بشكل أسرع وأكثر دقة من الآخرين.

ومع ذلك، لم تكن الصين في ذلك الوقت مستعدة لهذا النموذج المبتكر الجديد، مما دفع العديد من المستثمرين الأجانب بشكل مباشر إلى الاعتقاد بأن الصين لا تملك القدرة على الابتكار. لقد أدهشني بشكل خاص حقيقة أن بعضهم كانوا مقتنعين جدا بهذا الاستنتاج. ولكن، الصين أثبتت في النهاية أنهم مخطئون.

في عام 2011، طور فريق في شركة تنسنت بقيادة تشانغ شياو لونغ تطبيقا يسمى ويتشات وهذا حطم فكرة أن الصين لا تستطيع الابتكار. لسنوات عديدة، اعتبر العالم الغربي أن ويتشات ليس أكثر من برنامج مراسلات فورية مشابه لتطبيق واتساب. لكن في الواقع، فإن البرنامج الذي طوره السيد تشانغ وفريقه ثوري برؤية لتغيير المستقبل، حيث كان الهدف من ويتشات في الأصل أن يكون جهاز التحكم عن بُعد الذي لا غنى عنه في حياة كل الصينيين تقريبا على الإنترنت وخارجه، وقد حقق هذا الهدف بنجاح. في الواقع، فيما يتعلق بتطوير الإنترنت، ربما يكون لتشانغ شياو لونغ تأثير أكبر من مارك زوكربيرج مؤسس ميتا (فيسبوك سابقا)، كما كتبت في مقالة لي في عام 2016 بعنوان ((من هو تشانغ شياو لونغ ولماذا قد يكون أهم من مارك زوكربيرج)).

في عام 2015، كتبت كوني تشان، الشريكة في شركة أندريسن هورويتز (المعروفة باسم "a16z")، وهي شركة رأس مال استثماري أسسها مارك أندريسن (مطور نتسكيب، أول متصفح إنترنت يستخدم على نطاق واسع في العالم)، وبن هورويتز، واللذان كانا من أوائل الأشخاص في وادي السيليكون الذين أدركوا أهمية ويتشات، في منشور على مدونة مؤثرة بعنوان ((عندما يتحكم تطبيق واحد فيهم جميعا: حالة ويتشات والهاتف النقال في الصين)): "يوجد عدد كبير من المقالات عن ويتشات في سياق اتجاهات تطبيقات المراسلة، لكن مجموعة صغيرة من الناس خارج الصين يفهمون كيف يعمل، وكيف يمكنه أن يحقق ما يُعتبر رؤية بعيدة المنال للعديد من الشركات (والبلدان) في عالم يُدار بالكامل من خلال هواتفنا الذكية."

يمكننا جميعا أن نرى بوضوح كيف غيّر ويتشات الحياة في الصين وأهمية الاختراقات التقنية والتسويق له. ولكن، مثل العديد من الأمثلة التي نشأت ونجحت في الصين، لم يحقق ويشات إلا نجاحا محدودا في الخارج، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الابتكار الصيني لا يمكن أن يكون ناجحا إلا في الصين.

تُعد شركة هواوي نموذجا بارزا لشركات التكنولوجيا الصينية التي حققت نجاحا عالميا في سوق ناضجة وذات قدرة تنافسية عالية. لكنها أيضا قصة تحذيرية لكيفية تصادم طموحات شركات التكنولوجيا الصينية مع المخاوف الجيوسياسية للبلدان التي تخشى فقدان مكانتها ونفوذها. ستؤثر نتيجة الصراع الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير على التطور المستقبلي لشركة هواوي، وحتى الآن، فإن مستقبل هواوي غير واضح. لكن ما هو واضح هو أن هواوي تسلط الضوء على القدرات الغنية لشركات التكنولوجيا الصينية لتأسيس قيادة عالمية إذا لم تقف الجغرافيا السياسية عائقا أمامها.

أما شركة تيك توك، فهي شركة تكنولوجيا صينية أخرى تغلبت على الحواجز اللغوية والثقافية التي يبدو أنها لا يمكن التغلب عليها وحققت نجاحا عالميا. الجدير بالذكر أن تيك توك حقق نجاحا كبيرا في بلدان WEIRD (اختصار جوزيف هنريش لكلمات غربية، متعلمة، صناعية، غنية وديمقراطية). لأن وجهة النظر التقليدية هي أن الاختلافات الثقافية الضخمة سوف تؤدي إلى إمكانية أقل لتحقق النجاح في البلدان التي ليست WEIRD.

على الأقل، يكمن نجاح تيك توك في الفهم (أو سوء الفهم) عنها، تماما مثل ويشات في بدايته، حيث اعتقد الناس أنه تطبيق للمراسلات فقط، وغالبا ما يعتبر الناس تيك توك مجرد تطبيق لمقاطع الفيديو القصيرة، لكنه في الواقع أول مؤسسة ذكاء اصطناعي عالمية ناجحة على مستوى العالم. إن إطلاق تطبيق في الصين ووصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية ونجاحه في إحداث صدمة ثقافية في هذه السوق الناضجة والمغلقة للغاية، هو بمثابة جرس إنذار لشركات التكنولوجيا الفائقة في الولايات المتحدة الأمريكية.

شهدت الصين خلال العقدين الماضيين تحولا من آلة نسخ سريعة إلى دولة رائدة عالمية في العديد من مجالات الابتكار التكنولوجي. علاوة على ذلك، فإن هذه الابتكارات لا تحدث فقط على مستوى المنتج ولكن أيضا في الأنظمة والمبادئ والفلسفات التي ترشد وتشكل المنتجات التي نراها ونستخدمها بشكل غير محسوس. مع التقدم السريع في اليوان الرقمي "e-CNY"، وتقنية الجيل الخامس "G5"، ومركبات الطاقة الجديدة، وغيرها من التقنيات المتقدمة، يتم صنع الكثير من المستقبل التكنولوجي للعالم في الصين، بخصائص صينية، وبدأ العالم كله في الانتباه لهذا.

--

أندي موك، باحث بارز في مركز الصين والعولمة، وهو معلق منتظم في الجزيرة نت، وشبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN)، وغيرها من وسائل الإعلام العالمية، والرئيس السابق لنادي وارتون في بكين.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4