ملف العدد < الرئيسية

إنجازات الدبلوماسية الصينية في عشر سنوات

: مشاركة
2022-09-01 14:03:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

منذ انتخاب السيد شي جين بينغ رئيسا لجمهورية الصين الشعبية في مارس عام 2013، وحتى العام الجاري 2022، جرت مياه كثيرة في نهر الدبلوماسية الصينية في إطار سعيها لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية وبناء نمط جديد للعلاقات الدولية يرتكز على المصير المشترك للبشرية، استرشادا بفكر الرئيس شي حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وفي القلب منها أفكاره بشأن دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية، والتي قادت الصين إلى تحقيق إنجازات ملموسة في مجال السياسة الخارجية لبكين وعلاقاتها الدولية، جعلت الصين تقترب من تبوؤ صدارة المشهد العالمي.

لماذا الدبلوماسية الصينية في عشر سنوات؟

تطورت الدبلوماسية الصينية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر عام 1949، عبر مراحل عديدة، كان لكل مرحلة منها سماتها وخصائصها، أثبتت خلالها قدرة الصين الجديدة على مواكبة التحديات والإشكاليات الخطيرة التي واجهتها في سياق تحركها نحو تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية. ومن هنا، تبرز أهمية الحديث عن مرحلة جديدة من مراحل تطور الدبلوماسية الصينية في الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 2013 و2022، لاعتبارات عدة تتعلق بأداء السياسة الخارجية الصينية على المدى المنظور.

أولى هذه الاعتبارات، يرتبط بمحاولة استقراء وتقييم أداء الدبلوماسية الصينية، بغية التعرف على جوانب ومكامن القوة بهدف تعظيمها من جهة، وكذلك التعرف على نقاط الضعف والقصور- إن وجدت- بهدف العمل على تلافيها مستقبلا من جهة أخرى. الاعتبار الثاني، يكمن في أن الفترة المذكورة، والتي تغطي فترة رئاسة الرئيس شي جين بينغ، شهدت العديد من التطورات والأحداث الداخلية والخارجية المهمة التي كان لها انعكاساتها على الدبلوماسية الصينية. فعلى المستوى الداخلي، تجلى أبرز تلك التطورات في: انعقاد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، وإطلاق خطتي التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخمسيتين الثالثة عشرة (2016- 2020) والرابعة عشرة (2021- 2025)، ووصول الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يزيد عن 100 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات حاليا) خلال عام 2020، علاوة على انتشار جائحة كوفيد- 19 وتأثيرها على شتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الصين. أما على المستوى الخارجي، فقد تمثلت أبرز تلك التطورات في: تنامي مظاهر الاضطراب وعدم الاستقرار في النظام الدولي، والمحاولات المتكررة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين لاحتواء الصين وإعاقة تنميتها (الحوار الأمني الرباعي "كواد"- أوكوس)، وأزمة الحرب الروسية- الأوكرانية، والركود العميق للاقتصاد العالمي وتصاعد النزعة الأحادية والحمائية، واستمرار تفشي جائحة كوفيد- 19 في العالم.

الاعتبار الثالث، المكانة المهمة والمحورية التي باتت تحظى بها الصين في إطار النظام الدولي الراهن، والتي تجعلها تحظى باهتمام ومتابعة كبيرين من جانب المجتمع الدولي، ولاسيما فيما يتصل بسياسات وتوجهات وأداء الدبلوماسية الصينية. فما يحدث في الصين يجد صدى له في العالم بأسره. الاعتبار الرابع، محاولة التعرف على ما حققته الدبلوماسية الصينية من إنجازات عديدة خلال الفترة المذكورة في سياق تفاعلها مع النظام الدولي الحالي، وما طرحته من رؤى وأفكار لتحقيق أهدافها من جهة، ومحاولة طرح رؤية صينية مغايرة للرؤية الغربية لطبيعة النظام الدولي الراهن والعلاقات الدولية فيه تحظى بالقبول والتأييد من جانب المجتمع الدولي.

الاعتبار الخامس، أن العام الحالي يُعد عاما حاسما في إطار سعي الصين نحو تحقيق الهدف المئوي الثاني. حيث سيشهد انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، والذي سيكون أهم حدث في الحياة السياسية للحزب والدولة. وهو ما يفرض على الدبلوماسية الصينية جهدا مضاعفا لخلق بيئة خارجية أكثر استقرارا وملائمة للقضية العظيمة للحزب والدولة.

الدبلوماسية في فكر شي جين بينغ

تُعد الشؤون الدبلوماسية من المسائل التي تُبدي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ونواتها الرئيس شي جين بينغ، اهتماما كبيرا بها. فقد قامت بوضع مخطط إستراتيجي لدبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية، انطلاقا من الخطة الإستراتيجية العامة المتمثلة في تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، مع الأخذ في الاعتبار خصائص العصر الذي تتوازى فيه التغيرات الكبيرة في العالم مع المرحلة الجديدة للصين.

ووفقا للترجمة العربية لكتاب ((الدبلوماسية الصينية في فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد))، الصادر في يونيو 2022، يُنظر إلى فكر الرئيس شي جين بينغ بشأن الدبلوماسية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد على أنه (حكم أساسي، وهدفان إستراتيجيان، وثلاث نقاط للعمل). الحكم الأساسي هو التمسك بحزم بموضوع عصر التنمية السلمية، والهدفان الإستراتيجيان هما دفع تأسيس علاقات دولية جديدة، ودفع بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، ونقاط العمل الثلاث هي: دفع بناء "الحزام والطريق"، والمشاركة في الحوكمة العالمية، والمساهمة في القيم المشتركة للبشرية. وقد قام الرئيس شي بطرح وصياغة نظرية دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية، كإطار نظري وعملي لإدارة الأعمال الخارجية للصين.

ويتضمن فكر شي جين بينغ حول الدبلوماسية العديد من النقاط الرئيسية، ومن أهمها: رابطة المصير المشترك للبشرية، المحافظة على العدالة مع السعي لتحقيق المصالح المشتركة على المستويين السياسي والاقتصادي، العلاقات الدولية المربحة للجميع، العلاقات المخلصة والودية مع أفريقيا والبلدان النامية، وبناء نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى. وفي تقرير المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، رفع الرئيس شي جين بينغ راية "السلام والتنمية والتعاون القائم على الفوز المشترك" عاليا، وأوضح أهمية دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية في دفع العلاقات الدولية الجديدة، وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. وهو ما يعكس أفكار الحزب الشيوعي الصيني في بناء رابطة المصير المشترك للبشرية وتحمله مسؤولية تحقيق سلام وتنمية العالم.

إنجازات مثمرة للدبلوماسية الصينية

حققت الدبلوماسية الصينية في العصر الجديد نتائج مثمرة في إطار سعيها لتحقيق الأهداف الرئيسية التي ترتبط بكافة مجالات التحرك الخارجي للصين في سياق علاقاتها الدولية، وهو ما كتب فصلا جديدا في إطار دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية. وتتمثل أبرز تلك الإنجازات في الآتي:

- الدور المهم الذي لعبته الدبلوماسية الرئاسية في قيادة الدبلوماسية الصينية، وتمثلت أبرز ملامحه في الاتصالات الهاتفية للرئيس شي جين بينغ مع قادة الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، وكذلك مشاركته في الأحداث والفعاليات الدبلوماسية الكبرى، فضلا عن القمم التي يعقدها مع قادة وزعماء الدول الأجنبية، سواء في الصين أو خلال زياراته الخارجية.

- المساهمة بفعالية في قضية التنمية العالمية، حيث طرحت الصين العديد من المبادرات بهذا الشأن، ومنها مبادرة التنمية العالمية، بهدف بناء تضافر عالمي بشأن تسريع تنفيذ أجندة التنمية المستدامة لعام 2030. وقد حازت المبادرة على تأييد ودعم العديد من المنظمات الدولية بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة وما يقرب من 100 دولة.

- الدفاع عن العدالة في الدبلوماسية المتعددة الأطراف، حيث رفعت الصين راية التعددية، ودعمت القيم المشتركة للإنسانية والنظام الدولي القائم على القانون الدولي، وفي القلب منه الأمم المتحدة. وقد عززت دبلوماسية رئيس الدولة التعددية. ففي 25 أكتوبر 2021، ألقى الرئيس شي خطابا مهما لإحياء ذكرى استعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة قبل 50 عاما، داعيا إلى بذل جهود مشتركة لممارسة التعددية الحقيقية وتعزيز التنمية المستدامة والسلمية في العالم.

- الوفاء بالتزامها الرسمي بشأن توظيف الدبلوماسية من أجل خدمة الشعب. فقد أقامت الصين نظاما بشأن حماية مصالح مواطنيها في الخارج، وبشأن التحذير من المخاطر والوقاية منها، كما نجحت في إنقاذ العشرات من الرهائن الصينيين.

- الدفاع بحزم عن سيادة الصين الوطنية وأمنها وكرامتها، ومواجهة التدخلات والاستفزازات الخارجية في شؤونها الداخلية، ولاسيما الأوضاع في تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ وقضايا حقوق الإنسان.

- تنامي العلاقات الثنائية للصين مع دول العالم وتوسعها بشكل مطرد، حيث تُقيم الصين في الوقت الراهن علاقات دبلوماسية رسمية مع 181 دولة من دول العالم، على أساس مبدأ الصين الواحدة، والذي يحظى بتوافق عام لدى المجتمع الدولي كأحد المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. كما عززت الصين دائرة الشراكة الإستراتيجية مع مختلف دول العالم، ما أدى إلى زيادة انخراطها في المجتمع الدولي، وتسارع صعودها وتنميتها المستدامة، وتحقيق مكانتها كقوة عظمى.

- تأكيد وجود الصين الواحدة في العالم، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها، وقد تم تأكيد ذلك في القرار رقم 2758 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1971.

- استضافة المؤتمرات والأحداث الدولية الرفيعة المستوى، حيث استضافت الصين العديد من الأحداث العالمية والإقليمية. ومنها: اجتماع قادة مجموعة العشرين في هانغتشو في سبتمبر 2016، والدورة الثامنة عشرة لقمة منظمة شانغهاي للتعاون في تشينغداو في يونيو 2018، وقمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي في سبتمبر 2018، والدورتان الأولى والثانية لـ"منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي" في بكين في مايو 2017 وإبريل 2019، وقمة مجموعة بريكس الرابعة عشرة والحوار الرفيع المستوى بشأن التنمية العالمية عبر تقنية الفيدو في يونيو 2022، وقمة مجموعة بريكس مرتين في عامي 2020 و2021.

- دفع عملية العولمة الاقتصادية من خلال سياسة الانفتاح، فقد قامت الصين بدور نشيط في المفاوضات التي سبقت التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في نوفمبر عام 2020، وكانت أول دولة تصدق على الاتفاقية، التي مثلت انتصارا للصين، لجهة زيادة فرص نموها الاقتصادي وزيادة دورها العالمي. وباعتبارها الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي سجل نموا إيجابيا في التجارة الخارجية للسلع في عام 2020، قدمت الصين مساهمات مهمة في المحافظة على استقرار الصناعة وسلاسل التوريد العالمية وتعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي.

- أصبحت مبادرة "الحزام والطريق" التي اقترحتها الصين أكبر منصة للتعاون الدولي في العالم. حيث وقّعت الصين على ما يزيد عن 200 وثيقة تعاونية حول بناء المبادرة مع 147 دولة و32 منظمة دولية حتى يناير 2022. وبحلول عام 2020، تجاوزت تجارة الصين مع الدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق" 2ر9 تريليونات دولار أمريكي، في حين بلغ إجمالي استثماراتها المباشرة في هذه البلدان ما يقرب من 140 مليار دولار أمريكي.

- في المجال العسكري والأمني، ساهمت الصين في الحوكمة النووية العالمية، وأبدت استعدادها للتعاون مع جميع الدول المحبة للسلام، وتبنت إستراتيجية نووية ذات طبيعة دفاعية، وتبنت سياسة عدم استخدام الأسلحة النووية أولا، وحافظت على قوتها النووية عند الحد الأدنى المطلوب لحماية الأمن الوطني. كما طرحت الصين مبادرة الأمن العالمي إسهاما منها في تقديم حلول وحكمة الصين لمواجهة التحديات الأمنية في العالم، وتحقيق الأمن المشترك تأكيدا على مبدأ السلام والتعاون.

- تعزيز التعاون الدولي ضد التهديدات الرئيسية مثل تغير المناخ، حيث تعهدت الصين بالوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060. كما قامت بإطلاق صندوق بقيمة 5ر1 مليار يوان لدعم حماية التنوع البيولوجي في البلدان النامية.

- الدور الكبير في مكافحة جائحة كوفيد- 19، مما يعكس إحساس الصين القوي بالمسؤولية الدولية. فقد عززت الصين التعاون العالمي ضد الجائحة، ودعت إلى أن تصبح اللقاحات منفعة عامة عالمية، وتوزيعها بشكل عادل. كما بذلت الصين جهودا شاملة لتقديم لقاحات كوفيد- 19 والإمدادات الضرورية للدول النامية بتكلفة ميسورة. وقدمت ملياري جرعة من اللقاحات إلى أكثر من 120 دولة ومنظمة دولية.

- تحقيق إنجازات مرموقة في مجال استكشاف واستغلال الفضاء الخارجي للأغراض السلمية. حيث تعمل الصين بنشاط على تعزيز الحوكمة العالمية للفضاء الخارجي، كما تسعى الصين أيضا إلى تعزيز التعاون الدولي في مجالات علوم وتكنولوجيا الفضاء وتطبيقات الفضاء، من خلال توظيف آليات التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف.

لقد نجحت الدبلوماسية الصينية خلال السنوات العشر الماضية، والتي كان التعاون القائم على الفوز المشترك عنوانها الأبرز، في تحقيق إنجازات كبيرة في إطار سعيها نحو تنفيذ الأهداف والمصالح الوطنية للصين، التي استطاعت إثبات مكانتها كدولة كبيرة في النظام الدولي الراهن، وتطمح عبر خطى متدرجة ومدروسة من جانب قيادتها والحزب الشيوعي الصيني إلى تحقيق إنجازات أكبر، بالرغم مما تواجهه من تحديات ورياح معاكسة من البيئة الخارجية، وهي التحديات التي ستكون محل اهتمام كبير من الحزب خلال المؤتمر الوطني العشرين المرتقب في العام الحالي.

--

عادل علي، إعلامي وباحث مصري في الشؤون الصينية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4