ملف العدد < الرئيسية

التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية في العصر الجديد نموذج لتواصل الحضارات في العالم المعاصر

: مشاركة
2022-12-07 14:02:00 الصين اليوم:Source دينغ جيون:Author

تضرب جذور التبادلات الودية والتواصلات الحضارية بين الصين والدول العربية في أعماق التاريخمنذ فترة طويلة، ظل التعاون والتبادل بين الصين والدول العربية يتسم بروح طريق الحرير، المتمثلة في التعاون السلمي والانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والفوز المشتركمنذ دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية إلى العصر الجديد بعد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، تولي اللجنة المركزية للحزب وفي القلب منها الرفيق شي جين بينغ، اهتماما عاليا بالتعاون الخارجي والتبادلات الإنسانية بين الصين والدول الأخرى، ودخل التعاون والتواصل الحضاري بين الصين والدول العربية إلى مرحلة جديدة من التنمية السريعة والرفيعة المستوى والشاملةجاء في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني: "يسعى الحزب الشيوعي الصيني لتحقيق سعادة الشعب الصيني ونهضة الأمة الصينية، وكذلك لدفع تقدم البشرية وتحقيق التناغم في كل العالموينبغي لنا توسيع رؤيتنا للعالم على نحو متزايد، واستكشاف تيار تقدم وتطور البشرية بصورة متعمقة، والاستجابة بنشاط للشواغل العامة لشعوب مختلف البلدان، وتقديم إسهامات لحل المسائل المشتركة التي تواجهها البشرية، والاستفادة من كافة المكاسب الحضارية الممتازة للبشرية واستيعابها بصدر رحب مثل المحيط الذي يستقبل كل الأنهار، من أجل دفع بناء عالم أفضل."

في العصر الجديد في ظل الأوضاع الجديدة، تتمسك الصين والدول العربية، باعتبارهما شريكين طبيعيين في البناء المشترك لـ"الحزام والطريقورابطة المصير المشتركة للبشرية، بالتقاليد التاريخية في التبادلات الودية، وتواكبان تيار العصر في التنمية السلمية، وتعملان معا على دفع وتطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة وتوسيع مجالات التعاون وتحسين آليات التعاون وإثراء مفهوم التعاونفي عام 2018، أعلن الجانبان عن إقامة "الشراكة الإستراتيجية الصينيةالعربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة والموجهة نحو المستقبل"، وحققا تقدما كبيرا وإنجازات ملحوظة في التعاون في مختلف المجالات.وشهدت التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية تطورا سريعا، حيث تحسنت آليات التبادل، وتوسعت مجالات التبادل، وتنوعت محتويات التبادل، وتحققت إنجازات بارزةتعد القمة الصينيةالعربية الأولى، التي ستعقد في السعودية خلال أيام، حدثا كبيرا سيكون مَعلَما في تاريخ العلاقات الصينيةالعربية، والذي سيدفع بدوره التعاون الشامل والتبادل الحضاري بين الصين والدول العربية إلى مرحلة جديدة من التطور.

منصة مهمة لتبادل الحضارتين الصينية والعربية في العصر الجديد

تتطور التواصلات الحضارية والتبادلات الإنسانية في العصر الجديد بين الصين والدول العربية بسرعةإن منتدى التعاون الصينيالعربي لا يلعب دور الريادة في دفع العلاقات الإستراتيجية بين الصين والدول العربية في التنمية المشتركة والتعاون الشامل فحسب، وإنما أيضا أقام منصة رحبة وفتح مجالات واسعة للتواصل الحضاري والتبادلات الإنسانية بين الصين والدول العربيةدفعت آليات التبادلات الإنسانية للمنتدى التطور السريع للتبادلات الحضارية الصينيةالعربية بشكل فعالوقد حققت أنشطة التبادل الرائعة نتائج ملحوظة ومثمرةفقد أقيمت أربع دورات للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصينيالعربي حول الثقافتين الصينية والعربية، وتسع ندوات بشأن العلاقات الصينيةالعربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية في إطار المنتدىكما أقيمت أنشطة مختلفة للتبادل الإنساني، بما فيها مهرجان الفن الصيني-العربي والمنتدى الصينيالعربي للتعاون الإعلامي والمنتدى الصينيالعربي لتعاون الإذاعة والتلفزيون وغيرهابالإضافة إلى ذلك، تم إبرام أكثر من أربعين اتفاقية للتآخي والتوأمة لمدن صينية وعربية؛ وتم تشغيل المركز الصينيالعربي لتبادل الأخبار وموقع المكتبة الإلكترونية الصينيةالعربية؛ وقد تم ترجمة ونشر ما يقرب من مائة مؤلَف كلاسيكي صيني وعربي وعمل أدبي حديث ومعاصر، في إطار مشروع الترجمة الصينيةالعربية للأعمال الكلاسيكية؛ و مركز الدراسات الصينيالعربي للإصلاح والتنمية الذي اقترح الرئيس شي جين بينغ تأسيسه، باعتباره مركزا مهما للفكر في إطار المنتدى، عقد بنجاح عشر دورات تدريبية للمسؤولين العرب، كما عقد العديد من الندوات المشتركة مع مراكز الفكر والمؤسسات البحثية للجانب العربي، لتبادل ومناقشة سبل التعاون والإصلاح والتنمية بين الصين والدول العربية، وقد تشرفت بالمشاركة في أنشطة التبادل والحوار هذه عدة مرات.

شهدت التبادلات الإنسانية الصينيةالعربية ازدهارا وتطورا كبيرا في التبادلات المتعددة الأطراف والثنائية والتبادلات على المستوى الرسمي والشعبي، بالإضافة إلى التبادلات الثقافية المتعددة الأطراف في إطار منتدى التعاون الصينيالعربي، فقد وقعت الصين على خطط التنفيذ السنوية الجديدة بشأن اتفاقيات التعاون الثقافي الثنائي مع أكثر من عشر دول عربية، وشجعت على الزيارات المتبادلة بين الوفود الثقافية على المستوى الوزاري من الصين والدول العربية، ونظمت زيارات متبادلة لمئات من فرق العروض الفنية، وشجعت أكثر من مائة مؤسسة ثقافية عربية على التعاون مع نظيراتها الصينيةالجدير بالاهتمام والثناء على وجه الخصوص هو أن التبادلات الحضارية بين الصين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية شهدت تطورا سريعا في العصر الجديد تحت قيادة قادة الصين والدول العربية، وصارت في طليعة التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية تدريجيا، والتطور السريع في التبادلات الثقافية بين الصين والسعودية مثال بارز لهذه التبادلات الحضاريةفي عام2013، كانت الصين ضيفة الشرف في "المهرجان الوطني للتراث والثقافةالجنادريةبالسعودية؛ وفي الفترة من ديسمبر 2016 إلى مارس 2017، أقيم معرض"طريق العرب.. روائع أثار المملكة العربية السعودية عبر العصورفي الصين، وقد زار الرئيس شي جين بينغ المعرض مع الملك سلمان بن عبد العزيز؛ وفي مارس2017، افتتح فرع مكتبة الملك عبد العزيز في جامعة بكين، وحضر الملك سلمان بن عبد العزيز حفل الافتتاح ومنحته جامعة بكين الدكتوراه الفخريةوفي الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر 2018، أقامت الصين "معرض كنوز الصينفي السعودية، والذي لقي إقبالا من الجمهور السعوديفي السنوات الأخيرة، مع التطور السريع للتبادل والتعاون في مجال التعليم بين الصين والسعودية، والزيادة المستمرة لعدد الطلاب الوافدين من الجانبين، وبالدفع المباشر من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، قررت السعودية إدراج تدريس اللغة الصينية ضمن المناهج الدراسية للمدارس الثانوية والجامعات في أنحاء البلاد، وترك هذا الإجراء الكبير انطباعا عميقا في العالم.

البناء المشترك لـ"الحزام والطريققوة محركة دافعة للتبادلات الحضارية الصينيةالعربية في العصر الجديد

في يونيو عام 2014، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة في افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصينيالعربي، شرح فيها الرئيس شي بعمق روح طريق الحرير المتمثلة في "التعاون السلمي والانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك"، وطرح البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريقبين الصين والدول العربيةفي يناير 2016، أشار الرئيس شي جين بينغ مرة أخرى بوضوح في خطابه بمقر جامعة الدول العربية إلى أن الصين والدول العربية تنفذ البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق"، وتتمسك بمفهوم العمل المتمثل في "السلام والابتكار والقيادة والحوكمة والتكامل"، وتدعم تشكيل المزيد من الملتقيات في عملية نهضة الأمتين الصينية والعربيةلقي البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريقبين الصين والدول العربية ترحيبا واسعا واستجابة إيجابيةتخطط العديد من الدول العربية بنشاط لمواءمة إستراتيجيات تنميتها مع "الحزام والطريق"، كما أصبحت مبادرة "الحزام والطريقموضوعا ساخنا في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام ومراكز الفكر العربيةيهتم العرب في الأوساط السياسية والتجارية والأكاديمية بشكل متزايد بالثقافة الصينية واللغة الصينية وخبرات الإدارة والحكم ذات الخصائص الصينية، ويعبرون عن إعجابهم العميق وثنائهم على ما حققته الصين من إنجازات عظيمة والتحديث الصيني النمط تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني.

جلب البناء المشترك لـ"الحزام والطريقبين الصين والدول العربية فرصا تاريخية وزخما واقعيا، لتعزيز التبادلات الحضارية الصينيةالعربية في العصر الجديد.أصبحت التبادلات الحضارية الصينيةالعربية ركيزة مهمة في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق". منذ طرح مبادرة "الحزام والطريق"، أجرت الصين والدول العربية أنشطة التبادلات الإنسانية بأشكال مختلفة لدفع الاستفادة المتبادلة بين الحضارات والمساهمة في تفاهم الشعبين الصيني والعربي، ويتنوع ويتوسع التبادل والتعاون في مختلف المجالاتأقيمت، في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، سلسلة متنوعة من أنشطة التبادلات الإنسانية الصينيةالعربية، بما فيها "عيد الربيع الصيني السعيد"و"جولة ثقافية على طريق الحرير الصينيالعربيو"فهم الصين"، مما دفع ودعم أكثر من مائة مؤسسة ثقافية عربية في التعاون مع نظيراتها الصينية؛ وموّل "مشروع طريق الحرير لنشر الكتبالمئات من مشروعات ترجمة الكتب الصينية إلى العربية؛ كما يتطور التعاون السياحي الصينيالعربي بشكل سريع، حيث قدم منتدى التعاون السياحي الصينيالعربي ومؤتمر تجار السفر الصينيين والعرب وغيرهما من الأنشطة المؤسسية منصة لترويج الموارد السياحية الصينية والعربية ومنصة للتعاون والتفاوض، مما ساهم في بناء علامة تجارية للتبادلات الثقافية والسياحيةفي عام 2018، بلغ عدد السياح من الدول العربية إلى الصين 8ر338 ألف فردمرة، بينما تجاوز إجمالي عدد السياح من الصين إلى الإمارات ومصر والمغرب 5رمليون فردمرةمنذ عام 2020، فتحت مختلف أنشطة التبادل الإنساني قنوات على الإنترنت بسبب تأثير الوباء، حيث أظهرت الأنشطة مثل المعارض السحابية والعروض السحابية الصينيةالعربية أشكالا وألوانا للتبادلات الإنسانية في العصر الجديد.كما تطور التبادل والتعاون الصينيالعربي في مجالات الإذاعة والسينما والتلفزيون والصحافة والنشر بشكل سريع، وحقق إنجازات بارزةفي ديسمبر عام 2021، عُقدت الدورة الخامسة لمنتدى التعاون الصينيالعربي للإذاعة والتلفزيون عبر تقنية الفيديو؛ وقد غطت القنوات العربية والإنجليزية والفرنسية التابعة لمجموعة الإعلام الصينية المنطقة العربية على نطاق واسع، كما تحظى البرامج التلفزيونية الصينية بترحيب متزايد من المشاهدين في العالم العربي.

التبادلات الحضارية الصينيةالعربية في العصر الجديد تتجاوز "صراع الحضارات"

تشترك الأمتان الصينية والعربية في تجارب تاريخية متشابهة، وتتمتع كل من الحضارتين الصينية والعربية بنظامها وخصائصها المميزة، وفي الوقت نفسه، يجمع بينهما العديد من القيم المشتركةمثلا، كلتاهما تشتمل على المفاهيم والأحلام المشتركة التي تشكلت خلال مسيرة تقدم وتطور البشرية، وكلتاهما تهتم بالوسطية والسلام والولاء والتسامح والانضباط الذاتي وغيرها من مفاهيم القيم، وكلتاهما قدمت مساهمات مهمة في تقدم الحضارة البشريةعلى مدى التاريخ الطويل، ظل السلام والتعاون والانفتاح والشمول والاستفادة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك محورا تاريخيا للتبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية. "الوئام أثمنو"التناغم مع التباين "، هذه الروح الثقافية جعلت الحضارتين تبقيان على التواصل دائما من دون تباغض، والتواصل من أجل التفاهم والتناغمترفع التبادلات الحضارية الصينية-العربية في العصر الجديد راية الحوار بين الحضارات عاليا، وتدعو إلى التعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة بين الحضارات، وإجراء التبادلات الإنسانية بنشاط لتعزيز تفاهم الشعبين، والعمل معا على استكشاف نقاط التلاقي بين الطرق الإيجابية للتعامل مع العالم في التقاليد الثقافية الوطنية والعصر الحالي، ومواصلة تعزيز التحول الإبداعي والتطوير المبتكر للثقافة التقليدية، وممارسة مفهوم التبادل بين الحضارات القائم على "التبادلات الحضارية تتجاوز التباعد الحضاري، والتعلم المتبادل بين الحضارات يتجاوز صراع الحضارات، والتعايش الحضاري يتجاوز التفوق الحضاري"، وبذل الجهود المشتركة لتشكيل طريق التعايش للتبادلات بين الحضارات العالمية، الأمر الذي لا يوفر قوة روحية ثرية وغذاء إنسانيا لتعزيز تفاهم الشعبين والمساعدة في تطوير الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والدول العربية فحسب، وإنما أيضا يظهر الحكمة العظيمة الكامنة في "التواصل فالتفاهمو"التواصل فالتناغمبين الحضارات المختلفة للمجتمع الدولي، ويضع نموذجا ومثالا للتبادلات والتعلم المتبادل والتناغم والتعايش بين حضارات العالم.

في عالم اليوم، لا تزال "نظرية صراع الحضاراتو"نظرية تفوق الحضاراتسائدتين، وتواصل القوى المتطرفة المختلفة خلق صدوع بين الحضارات المختلفة، وتستمر الدول المسيطرة على الخطاب الدولي نشر "نظرية التهديد الصينيو"نظرية التوسع الصينيو"نظرية التهديد الإسلاميو"الإسلاموفوبياوغيرها من المغالطات، في محاولة التدخل وإعاقة وتدمير التبادل والتواصل والتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة بين الحضارتين الصينية والعربيةمع ذلك، أثبت تاريخ وواقع التبادلات الودية بين الصين والدول العربية بشكل كامل أن العلاقات بين الصين والدول العربية والتعاون بينهما صمدت أمام اختبار مختلف التحديات، وأن الصين والدول العربية شريكان طبيعيان، يمكن أن يثق كل منهما بالآخر في تبادل المساعدةوطالما تتمسك الصين والدول العربية بالتقاليد الودية، وتطوران روح طريق الحرير، وتتعاونان بإخلاص نحو المستقبل، فإن آفاق التعاون والتبادلات الحضارية بينهما ستكون واسعة للغايةمن المؤكد أن الممارسة العظيمة للتبادلات الحضارية الصينيةالعربية في العصر الجديد ستسجل فصلا جديدا من التعايش المتناغم في تاريخ التبادلات بين حضارات العالم، وستساهم بمزيد من الحكمة في البناء المشترك لـ"الحزام والطريقورابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية ورابطة المصير المشترك للبشرية.

__

دينغ جيون، أستاذ ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية في شانغهاي.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4