على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

طريق الحرير القطبي

: مشاركة
2021-04-30 09:29:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

خبر قصير بثته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، في الخامس من مارس 2021، أثار مجددا أحاديث وحوارات إعلامية وأكاديمية في أنحاء العالم حول ما يسمى بـ"طريق الحرير القطبي"، فمضمون الخبر المكون من ثلاثة أسطر يتعلق بمستقبل ومصالح بلدان عديدة. جاء نص الخبر كما يلي: "ستشارك الصين في التعاون العملي للقطب الشمالي وبناء ’طريق الحرير القطبي‘، وذلك وفقا لمسودة الخطوط العريضة للخطة الخمسية الرابعة عشرة  للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والأهداف البعيدة المدى حتى عام 2035." 

قناة الشرق الإخبارية، وهي أحدث فضائية في المنطقة العربية وتبث برامجها باللغة العربية من دبي، عرضت في السادس من مارس تقريرا حول "طريق الحرير القطبي"، وطرحت المذيعة غنوة أبو دلة سؤالا على كاتب هذه السطور حول مفهوم "طريق الحرير القطبي" والعائد الاقتصادي له وما يمكن أن يواجهه من صعوبات وتحديات.  

وقد يكون من المفيد بداية الإشارة إلى أن اهتمام الصين بمنطقة القطب الشمالي بدأ منذ فترة، في إطار إستراتيجية الصين بالتخطيط للمستقبل، والتي يندرج فيها استكشاف أعماق البحار، فعلى سبيل المثال، في العاشر من نوفمبر 2020، استطاعت الغواصة الصينية "فندوتشه" الغوص إلى عمق 10909 أمتار في خندق ماريانا بغربي المحيط الهادي، في سابقة هي الأولى للصين في مجال الغوص العميق؛ وفي الساعات الأولى من السابع عشر من ديسمبر 2020، هبط المسبار الصيني تشانغ آه- 5 بنجاح في منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم بشمالي الصين بعد أكثر من عشرين يوما من استكشاف القمر، حاملا أول عينة من سطح القمر تحصل عليها الصين بقدراتها التقنية والعلمية المستقلة؛ فضلا عن المبادرات العديدة للصين لتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية بالمشاركة مع بلدان العالم الأخرى، ومنها بالطبع "مبادرة الحزام والطريق".

في عام 2015، أبحرت سفينة شحن تديرها شركة الصين للشحن البحري عبر ممر شمال شرقي آسيا، قبالة سواحل روسيا، من داليان في الصين إلى روتردام في هولندا إلى ميناء تيانجين في الصين. وفي أغسطس 2017، أبحرت ناقلة نفط روسية من النرويج إلى كوريا الجنوبية دون مرافقة كاسحة جليد لأول مرة. وفي شهر يوليو سنة 2017، بدأ العمل والتعاون العملي الرسمي للصين بشأن "طريق الحرير القطبي"، عندما اتفقت الصين وروسيا على تدشين التعاون بشأن "طريق البحر الشمالي"، وشرع البلدان في العمل معا لبناء ما سُمي آنذاك بـ"طريق الحرير الجليدي". ومن المعلوم أن المنطقة اليابسة في القطب الشمالي تغطي ثمانية ملايين كيلومتر مربع، وتعود السيادة عليها إلى كندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج وروسيا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية، بينما تبلغ مساحة المحيط القطبي أكثر من اثني عشر مليون كيلومتر مربع. وكانت الصين، قبل سبعة شهور تقريبا من اتفاقها مع روسيا، قد شرعت بالفعل في ديسمبر 2016، في بناء أول سفينة أبحاث قطبية وكاسحة جليد مصنعة محليا، والتي أطلق عليها اسم "شيويلونغ- 2" أي "التنين الثلجي"، وتم تدشينها في الحادي عشر من سبتمبر 2018. وفي الخامس عشر من يوليو 2020، انطلق علماء صينيون على متن "شيويلونغ- 2"، في أول رحلة من نوعها إلى القطب الشمالي لهذه السفينة. وفي شهر مارس 2018، بدأت الصين في بناء أول سفينة سياحية قطبية، وهي سفينة يبلغ طولها 4ر104 أمتار وعرضها 4ر18 مترا ووزنها 7400 طن. وفي التاسع عشر من مارس سنة 2019، نجحت هذه السفينة في اختبار المياه الذي أجري في مدينة هايمن بمقاطعة جيانغسو في شرقي الصين. وفي العاشر من سبتمبر 2018، ذكرت ((شينخوا)) أن سفينة الشحن الصينية "تيانإن" التي بنيت خصيصا لكسح الجليد في المياة الجليدية نجحت في الخروج من الدائرة القطبية الشمالية لإكمال رحلتها الأولى داخل الدائرة. وقد بدأت الرحلة الأولى للسفينة في السابع عشر من أغسطس 2018، عبر الممر الشمالي الشرقي بعد عبورها مضيق بيرينغ. وفي الثامن والعشرين من أغسطس 2019، ذكرت صحيفة ((الشعب اليومية)) الصينية، في تقرير لها، أن ناقلة الغاز الروسية "فلاديمير روسانوف" قد وصلت إلى ميناء تيانجين بشمالي الصين لأول مرة، وعلى متنها سبعون ألف طن من الغاز الطبيعي المسال الذي تم نقله من القطب الشمالي عبر "طريق الحرير الجليدي"، في إطار مشروع "يامال" الذي يعتبر أول مشروع تعاون كبير بين الصين وروسيا في مجال الطاقة بعد طرح "مبادرة الحزام والطريق"، ودخل حيز التشغيل في عام 2017. وحسب تقرير ((الشعب اليومية))،  فإن "طريق الحرير الجليدي" يتسم بمزايا آمنة وسريعة مقارنة بالطريق التقليدي الذي يعبر مضيق ملقا وقناة السويس، حيث يمكن التخلص من تهديد القراصنة الصوماليين وقراصنة المحيط الهندي، ومن جهة أخرى، يمكن تقصير الرحلة بشكل كبير وتقليل تكاليف النقل.

إن تطوير منطقة القطب الشمالي يستند إلى دراسات علمية متعلقة بتغير المناخ العالمي، إذ تشير تلك الدراسات إلى أن منطقة القطب الشمالي ترتفع درجة حرارتها بضعف المتوسط ​​العالمي. وسيسمح ذوبان الجليد باستخدام الطرق البحرية في القطب الشمالي لربط آسيا وأوروبا، وأيضا تعزيز التنمية الاقتصادية في منطقة القطب الشمالي. وقبل عشرين عاما تقريبا، تحققت بالفعل الرحلات الجوية فوق القطب الشمالي. في الثاني من مارس سنة 2001، هبطت في مطار تشك لاب كوك الدولي في هونغ كونغ الرحلة القارية رقم 99 لشركة كونتيننتال إيرلاينز؛ أول رحلة طيران بدون توقف بين نيويورك ونيوجيرسي وهونغ كونغ بالتحليق فوق القطب الشمالي.

في السادس والعشرين من يناير 2018، نشرت الصين أول وثيقة حول رؤيتها وسياستها تجاه القطب الشمالي، وذلك في الكتاب الأبيض الذي أصدره مكتب الإعلام لمجلس الدولة الصيني بعنوان "سياسة الصين إزاء القطب الشمالي". وقد أكدت تلك الوثيقة على أن الصين لديها مصالح مشتركة مع دول القطب الشمالي ومستقبلا مشتركا مع بقية العالم بشأن القطب الشمالي. يوضح الكتاب أنه بسبب تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة العالمية، يتناقص الجليد البحري في القطب الشمالي بشكل متزايد في أشهر الصيف. يؤدي ذوبان الجليد إلى تغير الظروف لتطور القطب الشمالي، وينطبق هذا بشكل خاص على الاستخدام التجاري لطرق التجارة البحرية والبحث العلمي واستكشاف الموارد واستغلالها. إن الصين، وهي منذ مايو 2013 دولة مراقبة معتمدة في مجلس القطب الشمالي، تعتبر نفسها دولة قريبة من القطب الشمالي ولها مصلحة حيوية في مستقبل القطب الشمالي. ويحدد الكتاب الأبيض مصالح الصين في التنمية المستقبلية لمنطقة القطب الشمالي، مؤكدا على أهمية المبادئ الأساسية مثل "الاحترام" و"التعاون المتعدد المستويات" و"النتائج المربحة للجميع" و"الاستدامة". وينص على أن الصين تلتزم بالحفاظ على سلمية وأمن واستقرار نظام القطب الشمالي. ويؤكد الكتاب غير مرة في مواضع متعددة منه، على أن الصين تهدف إلى تعزيز تنمية القطب الشمالي، بناء على المعاهدات الدولية مثل ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ومعاهدة سبيتسبيرغن (سفالبارد)، وهي المعاهدة التي تعترف بسيادة النرويج على أرخبيل سفالبارد في القطب الشمالي.

مجلس القطب الشمالي، الذي تشير إليه الوثيقة الصينية، تأسس في عام 1996، ويضم مجموعات عمل من العلماء والخبراء في القضايا الرئيسية مثل تغير المناخ وإنشاء الرمز القطبي للشحن الذي يحدد الأمور المتعلقة بالشحن والملاحة من تصميم السفن والبناء والمعدات إلى الاهتمامات التشغيلية والتدريبية والبحث والإنقاذ وحماية البيئة والأنظمة البيئية الفريدة للمنطقة القطبية، والمحافظة على التربة الصقيعية والتنمية المستدامة. يتكون المجلس من ممثلين عن دول القطب الشمالي الثماني ومشاركين دائمين من السكان الأصليين ومراقبين معتمدين. وقد أصبحت الصين دولة مراقبة معتمدة في المجلس في عام 2013. وقد جاء في الكتاب الأبيض أن "الصين تقدر بشدة الدور الإيجابي للمجلس في شؤون القطب الشمالي وتعترف به باعتباره المنتدى الحكومي الدولي الرئيسي بشأن القضايا المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة في القطب الشمالي".

وثيقة "سياسة الصين إزاء القطب الشمالي"، التي تحدد سياسات الصين تجاه القطب الشمالي وتدعم بناء "طريق الحرير القطبي"، تتضمن المحاور التالية: المشاركة النشيطة في التعاون الدولي في شؤون القطب الشمالي؛ بناء وصون نظام الحوكمة في القطب الشمالي؛ تأمين الطاقة والتنمية الاقتصادية العامة للصين؛ استكشاف واستغلال موارد القطب الشمالي (النفط والغاز والمعادن والموارد غير الحية الأخرى وموارد الطاقة النظيفة؛ المصالح الاقتصادية في الزراعة والغابات ومصايد الأسماك والصناعة البحرية والسياحة في القطب الشمالي؛ تطوير واستخدام الطرق البحرية في القطب الشمالي مثل طريق البحر الشمالي؛ إنشاء طريق حرير قطبي يربط بين الصين وأوروبا عبر المحيط المتجمد الشمالي؛ التوسع في الاستثمار الأجنبي المباشر في دول القطب الشمالي؛ تعزيز الربط الرقمي في القطب الشمالي (أي كابلات الألياف الضوئية البحرية والبنية التحتية للاتصالات)؛ توسيع تغطية نظام بيدو الصيني للملاحة بالأقمار الاصطناعية؛ البحث العلمي في القطب الشمالي والبعثات وتطبيق "تكنولوجيا القطب الشمالي" (أي تكنولوجيا الحفر)؛ المشاركة في شبكة مراقبة القطب الشمالي وتعزيز التعاون الدولي في أبحاث القطب الشمالي؛ تطوير منصات البحث في القطب الشمالي (أي محطات البحث والسفن وكاسحات الجليد من النمط الجديد؛ استكشاف أعماق البحار؛ الاستجابة لتغير المناخ في القطب الشمالي وحماية البيئة). ويخلص الكتاب الأبيض إلى أن "مستقبل القطب الشمالي يتعلق بمصالح دول القطب الشمالي ورفاهية الدول غير القطبية ورفاهية البشرية ككل".

وفي حين يرى كثيرون أن منطقة القطب الشمالي هي مركز المعركة للمحافظة على الكوكب من آثار تغير المناخ، وأنها تمتلك القدرة على تقديم مساهمة كبيرة في التنمية المستدامة ويرحبون بالتزام الصين بالتنمية السلمية في تلك المنطقة من خلال "طريق الحرير القطبي"، هناك من يزعجهم اهتمام الصين بهذه المنطقة، في ظل رؤية تسود بعض الدوائر الغربية بأن أي مصلحة تحققها الصين تكون بالضرورة اقتطاعا من مصالح الدول الغربية. في كتاب بعنوان "طريق الحرير القطبي: كمين الصين في القطب الشمالي (The Polar Silk Road: China's Arctic Ambush)"، الصادر في سنة 2018، يقول ضابط القوات الجوية الأمريكية السابق كريس نولز (Chris Knowles): "عندما تبنت الصين أجندة عدوانية في استغلال طريق الحرير القطبي لتعزيز تجارتها مع الغرب، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لضمان اقتصار تلك المبادرات على المكاسب التجارية وعدم احتوائها على المغامرات العسكرية. بعد التشاور مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، عُهد إلى روسيا بمسؤولية ضمان استخدام طريق الحرير القطبي لأغراض تجارية فقط. لم يوافق الصينيون بالضرورة أو يلتزموا بهذه القيم أو القيود." في حواري مع ((الشرق الإخبارية))، سُئلت عن المعارضة التي يمكن أن تواجهها جهود الصين في "طريق الحرير القطبي"، وقلت إن مبادرات الصين، ومنها "الحزام والطريق" تجد ترحيبا واسع النطاق في كافة أرجاء العالم، ولكن هناك أيضا من يشكك دائما في نوايا الصين وخطواتها برغم أن الحقائق قد أثبتت عبر سنوات صدق الصين في نهجها السلمي وحرصها على مصالح كافة الأطراف المنخرطة في أي تعاون، وليس "طريق الحرير القطبي" استثناء. وأعتقد أن المصالح التي ستتحقق من خلال التعاون العملي للقطب الشمالي وبناء "طريق الحرير القطبي"، وفقا لمسودة الخطوط العريضة للخطة الخمسية الرابعة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والأهداف البعيدة المدى حتى عام 2035، ستدحض المزاعم التي تثار بشأن نوايا الصين في تلك المنطقة. 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4