على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

هل حقا الغرب يجهل تلك الحقائق عن الصين؟

: مشاركة
2021-08-30 12:05:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

في الثاني عشر من مايو 2021، نشرت صحيفة ((ساوث تشينا مورننغ بوست "scmp")) التي تصدر باللغة الإنجليزية في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة مقالة بعنوان "ثلاث حقائق يجب أن يفهمها الغرب عن الصين". كاتب المقالة بول جيمس شيرد اقتصادي أسترالي- أمريكي، وهو زميل باحث في مركز مصفر رحماني للأعمال والحكومة بكلية كينيدي في جامعة هارفارد الأمريكية.

السيد شيرد، البالغ من العمر سبعة وستين عاما، والذي شغل مناصب اقتصادية رئيسية في مؤسسات مالية رائدة في طوكيو ونيويورك، يبدأ بالإشارة إلى ما بات شبه اتفاق بين الباحثين في العالم بأن مصير العالم سيتأثر بشكل كبير بنوع العلاقة التي ستطورها الصين والولايات المتحدة الأمريكية في السنوات والعقود القادمة. ويرى أنه من أجل إقامة علاقة مثمرة غير مملوءة بالقلق، إن لم تكن مدمرة للبلدين وبقية العالم، يحتاج البلدان إلى تغيير جذري في الطريقة التي يتعامل بها كل منهما مع الآخر. ويرى السيد شيرد أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بشكل عام بحاجة إلى الاعتراف بثلاث حقائق عن الصين. الحقيقة الأولى هي أن الصين اقتصاد عملاق يزداد اتساعا، وهو اقتصاد أكثر تقدما من الناحية التكنولوجية. ومع هذه القوة الاقتصادية المتزايدة ستأتي القوة العسكرية المتناسبة. الصين، التي تمثل 19% من الاقتصاد العالمي، تفوقت على الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر اقتصاد في العالم على أساس القوة الشرائية. الناتج الاقتصادي للصين والولايات المتحدة الأمريكية معا أكبر من إجمالي ناتج الاقتصادات الإثني عشر التالية لهما مجتمعة، والواحد وعشرين اقتصادا التالية لهما على أساس سعر الصرف الاسمي.

الحقيقة الثانية هي أن الصين لديها نظام سياسي واقتصادي واجتماعي مختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. قد يبدو حكم الحزب الواحد للصين من قبل الحزب الشيوعي ونظامها الاقتصادي المختلط "رأسمالية الدولة" وتقديمها الصالح العام على الحرية الفردية غير ديمقراطي وغير عادل وقمعي في نظر الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن بالنسبة للصين، هذا النظام وبمساعدة اندماج الصين في الاقتصاد العالمي، أطلق العنان لإمكانات التنمية الاقتصادية في العقود الأربعة الماضية وساعد في انتشال العديد من مواطنيها من الفقر. ومن غير المرجح أن ترغب الصين في تغيير نموذجها الناجح، كما أنها لا ترغب في إعطاء دروس حول الحاجة إلى القيام بذلك من قبل البلدان التي يبدو أن سياساتها مختلة بشكل متزايد والتي يتلاشى ميثاقها الاجتماعي. الحقيقة الثالثة التي تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى فهمها هي أنه في العديد من القضايا، تعكس الصين تاريخها وثقافتها وقيمها، وترى الأشياء بشكل مختلف تماما عن الولايات المتحدة الأمريكية. الفترة الحالية لنهضة الصين وعودة بزوغها تأتي بعد "مائة سنة من الإذلال" على أيدي القوى الاستعمارية، التي يتخلل صداها المستمر الروح الوطنية في الصين. قد تبدو الإجراءات الصينية الأخيرة في هونغ كونغ مختلفة استنادا إلى ما إذا كان عام 1997 (استعادة الصين السيادة على هونغ كونغ) أو عام 1841 (بداية استعمار بريطانيا لهونغ كونغ خلال حرب الأفيون الأولى "1839- 1842") هو النقطة المرجعية. عندما يتم لوم الصين لعدم احترامها النظام الدولي القائم على القواعد، قد ترد الصين بأنها لم يكن لديها سوى القليل من المدخلات في وضع تلك القواعد ولكنها تستحق ذلك الآن. إن عصر "السلام الأمريكي" (فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية)، يجب أن يتبعه عصر "السلام الأمريكي- السلام الصيني". ("السلام الصيني"، مصطلح يشير إلى فترات السلام في شرقي وشمال شرقي وجنوب شرقي آسيا وآسيا الوسطى بقيادة الصين).

رسالة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هي أن "أمريكا عادت"، لكن هذا يحجب حقيقة ثابتة ساعدت في ولادة رئاسة ترامب. لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة وقادرة على لعب دور القوة المهيمنة العالمية الحميدة، حيث تعمل كشرطي للعالم من ناحية، ومن ناحية أخرى كضامنة للنظام الدولي الليبرالي. تراجعت النخب الأمريكية عن شعارات من قبيل "أمريكا أولا" و"اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، لأن مثل هذه الشعارات بالنسبة لهم تجسد دونالد ترامب. وهي تساوي بالنسبة لهم "أمريكا وحيدة" أو "أمريكا في تراجع".

تضع كل دولة مصلحتها الوطنية في قلب دبلوماسيتها وعلاقاتها الدولية، وتحتاج كل دولة إلى تحقيق توازن قابل للتطبيق محليا بين "البنادق والزبدة" أي التوازن بين الاستثمار في الدفاع والسلع المدنية. والبراعة هي جعل تشكيل العلاقات الدولية والسعي لتحقيق المصالح الوطنية محصلة إيجابية وليس لعبة محصلتها صفر، ناهيك عن محصلتها السلبية.

سيتطلب المسار الصحيح للولايات المتحدة الأمريكية والصين من كلا البلدين إيجاد طرق للعمل معا ومع البلدان الأخرى بشكل وثيق، لتعزيز وإعادة تشكيل المؤسسات التي تساهم في الأمن والازدهار العالميين وحل عدد لا يحصى من المشكلات العالمية المشتركة. وهنا تُنصَحُ الولايات المتحدة الأمريكية بالامتناع عن ذكّْر "القِيَم" والظهور على أنها تتدخل فيما تعتبره الصين من شؤونها الداخلية.

يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تفخر بشكل مُبرَر بقيمها المستوحاة من التنوير وسيادة القانون. ولكن عندما يعلن رئيسها لبلاده وللعالم أن "العنصرية المنهجية تجتاح أمريكا والحياة الأمريكية"، فإنه من السخرية أو النفاق أن تضع واشنطن القيم في قلب علاقاتها مع الصين.

من جانب الصين، فإنها تحتاج إلى تطوير جِلْد أكثر ثخانة وإدراك أنه ستكون هناك أصوات تنتقدها في البلدان ذات الأنظمة السياسية والحريات الفردية محل الاختلاف، وعدم المبالغة في رد الفعل تجاهها. وهي بحاجة إلى تهدئة المخاوف من أنها ستستخدم قوتها العسكرية المتزايدة لترويع جيرانها. يجب على الصين قبل كل شيء أن تدرك أنه، بقدر ما قد يحتاج بقية العالم إلى استيعاب صعودها، كأكبر اقتصاد وموطن لما يقرب من خمس سكان العالم، فإنها بحاجة إلى التغيير أيضا. يجب على الصين أن تفكر مليا فيما هي مستعدة للقيام به للدخول في "عصر السلام الأمريكي- السلام الصيني" وأن تنخرط مع الولايات المتحدة الأمريكية والعالم لتحقيق هذه الغاية.

في الثامن عشر من مايو 2021، نشرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، في تقرير تحت عنوان "خبير: الولايات المتحدة والغرب بحاجة إلى معرفة ثلاث حقائق عن الصين"، مقتطفات من مقالة بول شيرد، وبخاصة ما دعا إليه السيد شيرد بأن "المسار الصحيح للولايات المتحدة الأمريكية والصين يتطلب من كلا البلدين إيجاد طرق للعمل معا ومع البلدان الأخرى بشكل وثيق، لتعزيز وإعادة تشكيل المؤسسات التي تساهم في الأمن والازدهار العالميين وحل عدد لا يحصى من المشكلات العالمية المشتركة." وهذا يتفق تماما مع النهج الصيني في التعاطي مع العلاقات الدولية، فالصين تدعو إلى العمل مع الأطراف الأخرى في القضايا المتوافق عليها وتنحية الخلافات جانيا. ونشير هنا إلى ما قاله السيد يانغ جيه تشي عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في الثاني من فبراير 2021 خلال محادثة عبر الإنترنت مع أعضاء مجلس إدارة اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية- الصينية، فقد دعا السيد يانغ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى التركيز على التعاون وإدارة الخلافات حول العلاقات الثنائية من أجل إعادة العلاقات إلى مسارها السابق من التنمية السليمة والمستقرة. ودعا البلدين لتذكر المصالح الأساسية لشعبي البلدين وما هو أبعد من ذلك، واحترام كل منهما للآخر والسعي لإيجاد أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبا وإبقاء الخلافات تحت السيطرة الفعالة وتوسيع المصالح المشتركة.

ولكن، هل حقا الغرب لا يفهم الحقائق التي ذكرها جيمس شيرد؟ بعبارة أخرى، هل الساسة والباحثون وصانعو القرار في الغرب، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية يجهلون أن الصين اقتصاد عملاق وتحقق قفزات في مجال التطور التكنولوجي؛ وأن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الصين مختلف عما في الغرب، وأن الحزب الشيوعي الصيني هو الحزب الحاكم في الصين منذ سنة 1949؛ وأن تاريخ وثقافة وقيم الصين حاضرة في مواقف وسلوك الصين في معظم إن لم يكن كل القضايا التي تنخرط فيها؟

ربما يبدو غريبا أن يطالب كاتب غربي الغرب بفهم تلك الحقائق عن الصين، فمن بينها حقائق تبدو بديهيات. خلال لقاءات عديدة داخل وخارج الصين جمعتني بباحثين مرموقين من دول غربية مختلفة، لاحظت أن كثيرين منهم غير قادرين على استيعاب أن الصين، مجتمعا وثقافة وتاريخا وعادات وتقاليد وأنماط معيشة، بلد مختلف عن بلدانهم. ربما هم يدركون أن الصين اقتصاد عملاق ويعرفون أن الحزب الشيوعي هو الحزب الحاكم في الصين، ولكن يبدو أن كثرة منهم لا يستوعبون الفروق الثقافية والاجتماعية والتاريخية بين الصين وبلدانهم. ألين تشاو، وزيرة النقل الأمريكية في إدارة دونالد ترامب ووزيرة العمل الأمريكية في إدارة جورج بوش الابن، قالت ذات مرة في مقابلة صحفية: "الأمريكيون لا يفهمون ما يقوله الصينيون..من الجيد أن يذهب الأمريكيون إلى الصين لفهم التاريخ الصيني القديم الممتد منذ آلاف السنين. يمكن للأمريكيين التعلم من ذلك وفهم التفكير الصيني، وكذا الفلسفة والثقافة الصينية".

ما بات جليا في السلوك الغربي عموما، والأمريكي على نحو خاص، هو أن الغرب يسعى بكل السبل لعرقلة تقدم الصين على كافة المستويات، وبخاصة في مجال التطور التقني. خلال قمة الدول الصناعية السبع التي عقدت في بريطانيا من الحادي عشر إلى الثالث عشر من يونيو 2021، دعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإيجاد حل بديل لمشروع "الحزام والطريق" الصيني. وحسب وكالة أنباء ((شينخوا)) الصينية في الثالث عشر يونيو 2021، فإن المتحدث باسم السفارة الصينية في بريطانيا قال ردا على هذه الدعوة بالقول: "لقد ولت الأيام التي كانت تملى فيها القرارات العالمية من قبل مجموعة صغيرة من الدول. لا يوجد سوى نظام واحد في العالم، وهو النظام الدولي الذي تقع الأمم المتحدة في جوهره، النظام الدولي القائم على القانون الدولي، وليس ما يُسَمى بالنظام الذي تدعو إليه حفنة من البلدان." وفي الثامن من يونيو 2021، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي، خطة ترصد أكثر من مائة وسبعين مليار دولار أمريكي لأغراض البحث والتطوير، بهدف تشجيع الشركات على أن تنتج على الأراضي الأمريكية أشباه الموصلات لدعم الصناعة الأمريكية في الحرب التجارية مع الصين. وفي اليوم التالي، أصدرت لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني بيانا، بثته وكالة ((شينخوا)) للأنباء الصينية، أعربت فيه عن بالغ استيائها ومعارضتها لموافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على "قانون الابتكار والمنافسة الأمريكي 2021". وقال البيان إن مشروع القانون، المليء بالتحيز الأيديولوجي والمدفوع بعقلية الحرب الباردة، يشوه طريق تنمية الصين وسياساتها الخارجية والداخلية، ويتدخل في الشؤون الداخلية للصين ويحاول احتواء تنمية الصين تحت شعار "الابتكار والمنافسة". وأشار البيان إلى أن القانون يُظْهِر أن وهم جنون العظمة المتمثل في السعي وراء الهيمنة الأحادية يشوه الغرض من الابتكار والمنافسة.

في السابع من يونيو 2021، نُشِرت نتائج دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة برتلسمان وصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة الأمريكية (GMFUS)، شملت أحد عشر ألف شخص من إحدى عشرة دولة غربية من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. الدراسة، وجدت أن الغربيين لديهم بشكل عام مشاعر سلبية بشأن تأثير الصين في الشؤون العالمية، ولكن يوجد تباين بين الأجيال المختلفة من الشعوب الغربية عندما يتعلق الأمر بصورة الصين. وحسب ما جاء في تقرير لصحيفة هوانتشيو ((غلوبال تايمز)) الصينية، فإن نسبة من يعتبرون الصين شريكا من الشباب الأمريكيين الذين شملتهم الدراسة بلغت 25%، مقارنة مع المعدل الوطني وهو 15%، ومن الشباب البريطانيين 29% مقارنة مع المعدل الوطني وهو 20%. الجيد في ذلك هو أن نسبة الآراء السلبية تجاه الصين أقل بين الشباب في الدول الغربية. ويُعزى ذلك إلى تحرر الشباب إلى حد ما من الأفكار الأيديولوجية التقليدية وانفتاحهم على وسائط معرفة أكثر تنوعا. السؤال هو: هل الغرب مستعد للاعتراف بحقيقة أن الصين قوة دولية مؤثرة وصاعدة، سواء قَبل الغرب ذلك أو لم يقبل؟ هذا حديث آخر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4