مجتمع < الرئيسية

ضمان "السلام النووي" العالمي يتطلب جهودا مشتركة من الدول المسلحة نوويا

: مشاركة
2022-03-15 12:16:00 الصين اليوم:Source تشانغ شيوي دونغ:Author

كانت هناك معارضة من العلماء ذوي الضمير الإنساني لبحث وتطوير الأسلحة النووية، وقد دعوا باستمرار إلى التخلص التام من الأسلحة النووية بعد ظهورها، من أجل "عالم بدون أسلحة نووية". إن استخدام الأسلحة النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعجل بإنهاء الحرب فحسب، وإنما أيضا جعل العسكريين اليابانيين يدركون أنهم لا ينبغي لهم الإصرار على مقاومة لا معنى لها، وكذلك جعل صناع القرار الأمريكيين يدركون أن مثل هذا السلاح الجبار يمكن أن يسبب كارثة مدمرة للبشرية. إذا انتشرت الأسلحة النووية في جميع أنحاء العالم، أو إذا استُخدمت في ساحة المعركة بسهولة مثل الأسلحة التقليدية، فلن يضحك أحد أخيرا كمنتصر.

خلال الحرب الباردة التي استمرت نصف قرن، كان احتلال موقع نووي مهيمن أحد الموضوعات الرئيسية في المعسكرين الأمريكي والسوفيتي. أدى ذلك إلى التوسع السريع في الترسانات النووية، التي لا يمكنها إلا توفير راحة نفسية ضئيلة على المدى القصير للجانبين، إضافة إلى زيادة عدد المرات التي يمكن فيها القضاء على الحضارة البشرية بواسطة الأسلحة النووية. لحسن الحظ، قام صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي على الأقل بكبح الرغبة في استخدام الأسلحة النووية في الحروب الإقليمية، خاصة في عام 1985، حيث أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ورئيس الاتحاد السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف بيانا مشتركا ينص على تحمل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي مسؤولية خاصة في حفظ السلم الدولي. صار "لا وجود منتصر في الحرب النووية ولا يمكن شن حرب نووية" و"لا يمكن استخدام الأسلحة النووية" إجماعا وحاجزا حال دون انزلاق "الحرب الباردة" إلى "حرب ساخنة". في المرحلتين الوسطى والمتأخرة من الحرب الباردة، توصلت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي أيضا إلى عدد من اتفاقيات نزع السلاح النووي المهمة، وبفضل الجهود المشتركة من قبل الدول المسلحة نوويا تم تشكيل نظام دولي لنزع السلاح النووي قائم على "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية".

ولكن في السنوات الأخيرة، ومع إدراك الولايات المتحدة الأمريكية أن هيمنتها العالمية أصبحت غير مستقرة بشكل متزايد، بدأت في استعادة إستراتيجيتها لمنافسة القوى الكبرى، فازداد خطر نشوب صراعات عسكرية بين القوى الكبرى. نتيجة لذلك، ظهرت مرة أخرى ذريعة استخدام الأسلحة النووية كوسيلة تكتيكية في الحروب الإقليمية. بعبارة أخرى، لم يتبدد شبح "الحرب النووية" بانتهاء الحرب الباردة. وبدلا من ذلك، ومع تصاعد المواجهة بين القوى الكبرى وزعزعة نظام عدم الانتشار النووي العالمي، أصبح التهديد النووي أحد أكثر التهديدات إلحاحا التي تواجه المجتمع الدولي، في ظل تغيرات كبيرة متشابكة لم نشهدها منذ قرن وانتشار فيروس كورونا الجديد في العالم.

في ظل هذه الخلفية، أصدر قادة القوى النووية الخمس، وهي الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، في الثالث من يناير عام 2022، بيانا مشتركا بشأن منع الحرب النووية وتجنب سباقات التسلح. هذا تقدم مهم في المحافظة على الاستقرار الإستراتيجي العالمي والسلم الدولي. لكن هذا البيان المشترك وحده لا يكفي. يتعين على المجتمع الدولي بأسره بذل جهود شاقة ولفترة طويلة للتقليل التدريجي من خطر "الحرب النووية" التي تواجه البشرية والتخلص منها في نهاية المطاف.

سبب اشتداد خطر "الحرب النووية" يعود إلى تصاعد المواجهة بين القوى الكبرى

الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الدولة الوحيدة المهيمنة عسكريا في العالم التي استخدمت الأسلحة النووية في القتال الفعلي، تثير سياستها بشأن استخدام الأسلحة النووية في الحروب الحديثة انتباه المجتمع الدولي دائما. لفترة طويلة، اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية ما يسمى بسياسة "الغموض الإستراتيجي المحسوب"، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية تضع قيودا على استخدام الأسلحة النووية ضد معظم الدول غير المسلحة نوويا، ولكنها لا تستبعد إمكانية استخدامها في ظروف محددة. وهذا يمنح صناع القرار الأمريكيين المرونة الكاملة للمحافظة على رادع إستراتيجي ضخم لجميع الخصوم المحتملين. في المقابل، فإن الصين، وهي أيضا دولة حائزة للأسلحة النووية، تعهدت بوضوح أمام المجتمع الدولي بأنها ستنتهج دائما سياسة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية في أي وقت وتحت أي ظرف، والالتزام غير المشروط بعدم استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها ضد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية والمناطق الخالية من الأسلحة النووية، والدعوة إلى الحظر الكامل والتدمير الشامل للأسلحة النووية.

كان العديد من رؤساء الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة يحاولون تحسين العلاقات الأمريكية- الروسية واستعادة الثقة الإستراتيجية المتبادلة بين الجانبين التي تضررت بشكل خطير، للمحافظة على الاستقرار الإستراتيجي العالمي. ومع ذلك، فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية المتعلقة بالمصالح الجوهرية لروسيا والأمن والاستقرار الأوروبي، مثل توسيع الناتو باتجاه الشرق، فإن الجانبين لديهما صراعات حادة. كما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية على التوالي من عدد من المعاهدات الأساسية في مجال تحديد الأسلحة على الصعيد الدولي، بما في ذلك "معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى"، ودفعت العقوبات المتبادلة العلاقات الأمريكية- الروسية إلى الحضيض. فيما يتعلق بقضية أوكرانيا، تخاطر روسيا والناتو بوقوع صراع عسكري مباشر في هذه المرحلة. في الوقت نفسه، زادت الولايات المتحدة الأمريكية إنفاقها العسكري عاما بعد عام، في ظل ارتفاع العجز الفيدرالي، بما في ذلك الإنفاق على تحديث وتوسيع ترسانتها النووية، فضلا عن تطوير أسلحة إستراتيجية وأجهزة إطلاق جديدة. نتيجة لذلك، فإن إستراتيجية التنافس بين القوى الكبرى (أو حتى مواجهة القوى الكبرى) التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد منافسين مثل الصين وروسيا، ستؤدي حتما إلى رد صارم من الصين وروسيا، مما سيزيد من حدة سباق التسلح الذي أثارته الولايات المتحدة الأمريكية، مثل تطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت والفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات الناشئة في سباق التسلح.

خطوة إيجابية لكنها محدودة لمنع "حرب نووية"

الحلقة المفرغة لخطر "الحرب النووية" جعلت صناع القرار الأمريكيين يدركون ضرورة عدم الهوس الأعمى بمواجهة القوى الكبرى في مجال الاستقرار الإستراتيجي، وضرورة المحافظة على ضبط النفس المناسب. هناك أيضا العديد من الأصوات التي تشكك في السياسة النووية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية. على سبيل المثال، هناك رأي بأنه لا توجد أدلة كافية لإثبات أن "التهديد النووي يمكن أن يمنع وقوع الحرب التقليدية". وقد اقترح بعض الخبراء أنه إذا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية "عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية"، فإن ذلك يمكن أن يقلل بشكل فعال من خطر سوء التقدير الإستراتيجي، بحيث لا يضطر الخصم الإستراتيجي للقلق بشأن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بشن ضربة وقائية. وفقا لآرائهم، فإن مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الأسلحة النووية ضد العدو ليس فقط غير ضروري، ولكن قد تؤدي إلى تصعيد الحروب التقليدية إلى "حروب نووية".

من أجل الحد بشكل فعال من خطر "الحرب النووية"، اقترحت إدارة الرئيس جو بايدن في مارس 2021، في "التوجيه المؤقت لإستراتيجية الأمن الوطني" أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية خطوات وتدابير للتقليل التدريجي لدور الأسلحة النووية في إستراتيجية الأمن الوطني. في يونيو 2021، عقد الرئيسان الأمريكي والروسي اجتماعا وجها لوجه في جنيف بسويسرا، وأصدرا بيانا مشتركا مهما حول قضايا الاستقرار الإستراتيجي. من ناحية، تم بذلك تمديد "المعاهدة الجديدة لخفض الأسلحة الإستراتيجية"، التي كان من المفترض أن تنتهي في فبراير عام 2021، لمدة خمس سنوات، ومن ناحية أخرى، تقرر استئناف الحوار الثنائي حول الاستقرار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. يشكل هذا الحوار آلية ثنائية تهدف إلى استعادة الاستقرار والقدرة على التنبؤ في العلاقات الأمريكية- الروسية، قد تم عقد جولتين من هذا الحوار في يوليو وسبتمبر عام 2021، وتم إنشاء فريقي عمل من خبراء في مجالات متعددة، أحدهما مسؤول عن صياغة مبادئ وأهداف الحد من التسلح في المستقبل، والآخر مسؤول عن تخطيط بناء القدرات وخطط العمل ذات التأثير الإستراتيجي.

الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن للأمم المتحدة ودولا نووية بموجب "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، أصدرت لأول مرة بيانا مشتركا بشأن منع الحرب النووية وتجنب سباق التسلح. بالإضافة إلى التأكيد على أن الأسلحة النووية يجب أن تخدم أغراضا دفاعية وردع العدوان ومنع الحرب، فإن لهذا البيان ثلاث نقاط مهمة: أولا، إعادة التأكيد على عدم توجيه الأسلحة النووية إلى بعضها البعض أو إلى أي دولة أخرى، مما يؤدي إلى تعزيز الثقة الإستراتيجية المتبادلة، وتقليل مخاطر اندلاع صراع نووي ناجم عن  سوء الفهم وسوء التقدير؛ ثانيا، التأكيد على أهمية المحافظة على الاتفاقات والالتزامات الثنائية والمتعددة الأطراف للحد من التسلح والالتزام بها، مما يؤدي إلى زيادة ثقة المجتمع الدولي في امتثال القوى الكبرى لمعاهدات الحد من التسلح؛ ثالثا، التأكيد على تجنب المواجهة العسكرية ومنع سباق التسلح، الأمر الذي يفضي إلى تصحيح الفكرة الخاطئة المناصرة للمواجهة الإستراتيجية بين القوى الكبرى، وتحسين العلاقات بينها، وتعزيز التعاون للتعامل مع النزاعات الإقليمية وقضايا النقاط الساخنة.

إن الصين، كدولة داعية بنشاط للتعاون بين الدول الخمس النووية، من ناحية، ساعدت على استئناف التعاون المتعثر بين الدول الخمس النووية، من خلال استضافة اجتماع بكين للدول الخمس النووية في عام 2019، ومن ناحية أخرى، عملت على أن يتضمن البيان المشترك محتويات هامة مثل إعادة تأكيد الدول النووية على عدم توجيه الأسلحة النووية إلى بعضها البعض أو إلى أي دولة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، ترى الصين أيضا أنه يجب زيادة المجالات التي تغطيها قضية الاستقرار الإستراتيجي، وأن الدول الخمس النووية ينبغي أن تواصل إجراء حوارات متعمقة حول جملة واسعة من القضايا مثل الدفاع الصاروخي والفضاء الخارجي وشبكة الإنترنت والذكاء الاصطناعي.

بالنسبة لنزع السلاح النووي العالمي، يمكن وصفه بأنه عملية طويلة الأجل، ولكن أول شيء ينبغي للمجتمع الدولي، وخاصة الدول الخمس النووية، القيام به هو استبدال سباق التسلح المتصاعد بالحوار والمفاوضات، وتقليل خطر المواجهة الإستراتيجية بين القوى الكبرى، وفي نفس الوقت الاستمرار في ترسيخ أسس النظام الدولي لعدم الانتشار النووي. على الرغم من أن البيان المشترك لزعماء الدول الخمس النووية يعد خطوة محدودة، فإنها ضرورية لتحقيق الهدف البعيد. إن ضمان "السلام النووي" العالمي يتطلب جهودا مشتركة مستمرة للدول المسلحة نوويا.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4