مجتمع < الرئيسية

عشر سنوات معلما في منطقة جبلية

: مشاركة
2022-08-23 13:42:00 الصين اليوم:Source دنغ دي:Author

بالنسبة لتلاميذ المعلم يانغ فِيّ فان، ومعظمهم أطفال يعيشون في منطقة جبلية تركهم آباؤهم وأمهاتهم للعمل خارج مسقط رأسهم، هو ليس معلما يدرّس لهم كل المقررات فحسب، وإنما أيضا المزين الذي يحلق شعرهم والمدرّب الذي يعلّمهم استخدام حذاء التزلج ومرشدهم في الحياة، والأخ الكبير الذي يشاركهم أسرارهم، والمستنير الذي يقودهم إلى العالم المجهول.

في سبتمبر من العام الجاري، 2022، سيكون يانغ فِيّ فان قد أمضى عشر سنوات معلما في مدرسة تشانغدونغ الابتدائية بناحية دونغشان في محافظة باما بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ. تقع هذه المدرسة في منطقة نائية ذات مناظر طبيعية جميلة وخالية من الأوبئة، كأنها جنة عدن. يانغ فِيّ فان، وهو خريج جامعي في تخصص علم النفس التربوي، أنشأ حسابا بمنصة كوايشو لمقاطع الفيديو القصيرة، يبث فيه تسجيلات حول حياة الأطفال في المنطقة الجبلية وأظهر كيف يمكن لفلسفته التعليمية تغييرهم شيئا فشيئا. تتسم مقاطع الفيديو التي يبثها بالبساطة ولكنها محبوبة ومؤثرة، وقد تجاوز عدد المعجبين بحساب "المعلم يانغ في المنطقة الجبلية" مليون شخص.

رحلة من أجل المحبة

يانغ فِيّ فان، ابن مدينة فوتشو بمقاطعة جيانغشي والبالغ من العمر خمسة وثلاثين عاما، تخرج في جامعة تشيتشيهار عام 2010، وسافر إلى بكين للعمل. بيد أن ازدهار المدينة الكبيرة والحياة المشغولة فيها لم يسدا وحشة نفسه، فشعر أنها ليست المكان الذي يمكن أن يجد فيه وجهة حياته.

في عام 2011، قرأ يانغ فِيّ فان بالمصادفة خبرا حول الأطفال المتروكين في مسقط رأسهم بعد سفر آبائهم وأمهاتهم للعمل في المدن الكبيرة، فاستيقظت ذاكرته المغلّفة بالغبار. على الفور، تقدم للعمل معلما مساعدا في إحدى المؤسسات التعليمية في بكين لمدة سنة لمعرفة طريق تفكير الأطفال استعدادا للانخراط في أعمال التعليم في الريف.

في ذلك الوقت، كان عمر يانغ فِيّ فان أكثر من عشرين سنة فقط، وكثير من الشباب من نفس العمر يسعون إلى كسب الأموال، غير أنه اختار ترك العمل في المدينة ليكون معلما في المنطقة الجبلية. بالنسبة إلى يانغ فِيّ فان، الذي وُلد في أسرة عادية، لم يكن هذا القرار سهلا، ولكن اللهب في قلبه دفعه للتقدم بخطوات واسعة. كان في صغره واحدا من الأطفال الذين يعمل آباؤهم خارج مسقط رأسهم، فقد سافر أبواه إلى شانغهاي للعمل وتركاه مع جدته في الريف. على الرغم من مرور أكثر من عشرين سنة منذ ذاك، لا يزال يتذكر اشتياقه إلى أبويه وحاجته إليهما وهو يترعرع، وتلهفه لرؤية أبويه في الطريق عند مدخل القرية يوما ما.

قرر يانغ أن يساعد هؤلاء الأطفال الذين يعيشون تجربة مشابهة لتجربته السابقة، على الدراسة والترعرع بصحة جسدية ونفسية سليمة، من خلال تطبيق المعلومات الاختصاصية التي درسها في الجامعة وتجربته. في إبريل عام 2013، استقال من عمله وسافر إلى مدرسة تشانغدونغ الابتدائية بناحية دونغشان في محافظة باما بمنطقة قوانغشي حاملا تجاربه ومدخّراته المالية.

إتقان المهارات المتنوعة

اختلافا عن الطلاب الجامعيين الذين يساعدون في أعمال التعليم في المناطق المتخلفة، تميز يانغ فِيّ فان بما لديه من آراء عديدة في التعليم في الريف منذ بداية عمله في المدرسة الابتدائية الريفية. خلال العشر سنوات الماضية، لم يقتصر عمله على تدريس المعلومات في الكتب فقط، فلقد كان أيضا معلما للتربية البدنية والموسيقى والرسم والتزلج بحذاء التزلج والرقص والطبخ، وغيرها.

بالنسبة للتلاميذ، هو معلم ممتع يتقن مهارات متنوعة، ولا يقتصر موقع عمله على حجرة الدرس، بل يقود التلاميذ للرقص في الملعب ليعلّمهم كيف يمكنهم الاسترخاء عبر الرقص برشاقة على إيقاع الموسيقى؛ كما يساعد التلاميذ على قصّ الشعر، ويقضي وقتا في الحديث معهم، وذلك قلما يحدث بين الأطفال الريفيين وأجدادهم وجداتهم.

في النشاطات التعليمية اليومية، يمارس يانغ فِيّ فان طرقا تعليمية ابتكارية عديدة. مثلا، أقام "سوبرماركت مساعدة أعمال التعليم" في مدرسته. حيث تتلقى المدرسة السلع والمواد التي تتبرع بها الحكومة وفاعلو الخير من مختلف الأوساط في المجتمع كل سنة. ومن أجل توزيع هذه السلع والموارد بشكل معقول وتجنيب التلاميذ من تكوين عادات سيئة مثل الاتكالية والعزوف عن العمل، أنشأ يانغ فِيّ فان هذا السوبرماركت.

قال يانغ فِيّ فان، "في عام 2014، قمت بتوزيع الملابس والكتب واللعب وغيرها من السلع والمواد التي تبرع بها أصدقائي من خلال سوبرماركت يديره التلاميذ بأنفسهم. حوّلت مسكني إلى سوبرماركت، وطبعت مجموعة من العملات التي يمكن تداولها داخل المدرسة، ويعمل التلاميذ في السوبرماركت بوظائف مختلفة، فمنهم البائع والطباخ والمصمم الفنيّ والمنظّف والحلاّق ومشرف المكتبة ومساعد معلم الرقص، إلخ." بعد انتهاء الدوام المدرسي كل يوم، يحول يانغ فِيّ فان المدرسة إلى مجتمع افتراضي يشارك كل التلاميذ فيه، تمحورا حول هذا السوبرماركت. وبعد انتهاء بعض التلاميذ من دوامهم في السوبرماركت، يحصلون على الأجر الذي يمكنهم به شراء البضائع من السوبرماركت، بينما يعمل تلاميذ آخرون بنظام العمل مقابل السلع. رأى يانغ فِيّ فان أن هذه الطريقة تزيل ظاهرة عدم الإنصاف في توزيع التبرعات، كما تكوّن عادات جيدة للتلاميذ في حب العمل.

قال يانغ فِيّ فان إن شعار "سوبرماركت مساعدة أعمال التعليم" هو إطلاق العنان لمواهب التلاميذ والاستفادة الكاملة من كل الأشياء، أي جعل كل التبرعات من السلع والمواد تظهر فوائدها إلى أقصى حد، وجعل كل تلميذ يفهم قيمة نفسه ويثق بنفسه.

في عطلتي الشتاء والصيف، يقود يانغ فِيّ فان التلاميذ على نفقته الخاصة أو عن طريق جمع التبرعات المالية للسفر الدراسي ليتعرفوا على العالم خارج الجبال ويشعروا بالجمال والقبح في العالم الحقيقي، ويتبادل معهم في السفر الآراء في القضايا الاجتماعية الساخنة. قال: "أرجو أن يحب التلاميذ الوطن ويعترفوا بجميل غيرهم ويجتهدوا ويكونوا شجعان، كما أرجو أن يربطوا معلومات الكتب بالحياة الحقيقية، ويواجهوا الحياة متفائلين أينما يعيشون في المستقبل."

استكشاف التعليم المتفق مع تنمية الأرياف

في السنوات العشر المنصرمة، ظل يانغ فِيّ فان يبحث عن مصدر مشكلات التعليم للأطفال المتروكين في الريف، والسبب الجذري لعدم تمكن بعض هؤلاء الأطفال من العيش حياة كريمة بعد ترعرعهم. وأوضح: "قيل إن السبب يرجع إلى نقص الموارد التعليمية في المنطقة الريفية، وغياب الأبوين وظاهرة التعليم الموجه للامتحان. أوافق على هذه الأسباب، ولكنها ليست أسبابا جذرية." وأضاف: "بفضل تذليل المشكلات المستعصية للتخلص من الفقر في السنوات الماضية، أصبحت بنايات التدريس والملاعب والمقاعد والكراسي والأجهزة التدريسية المتعددة الوسائط وغيرها من المنشآت الأساسية للتعليم الريفي لا تختلف كثيرا عما في المدن. بيد أن أكبر مشكلة تواجه التلاميذ في الريف هو الافتقار إلى مرافقة الأبوين والإرشاد الصائب لهم، مما يجعل عددا كبيرا منهم يفتقرون إلى وجهة النظر الصائبة إلى العالم. الآباء يتحملون بعض المسؤولية عن تلك العيوب، ولكن يمكن لنظام التعليم الريفي أن يصلح العيب الناتج عن تغيب الأبوين من خلال الإصلاحات والطرق التعليمية الأدق والأكثر فعالية. مثلا، في ظل نقص التعليم بأقوال وأفعال الأبوين، نعلّم التلاميذ أثناء الدرس طيبة القلب والمودة، كما نعلّمهم أن يكونوا العنصر الأساسي والأكثر أهمية وحماية أنفسهم."

قال يانغ فِيّ فان إنه خلال هذه السنوات، قام بزيارة عائلات تلاميذ وأولى اهتماما طويل المدى لبعض التلاميذ وقام بزيارات استطلاعية للمدارس الريفية في مقاطعتي يوننان وهاينان، واستطاع من خلال ذلك صياغة الكثير من الطرق التعليمية المفيدة للتعليم الريفي. قال: "إذا أتيحت لي فرصة في المستقبل، أود أن أنشئ قاعدة تعليمية لتطوير بعض المقررات الابتكارية التي تناسب نمو وترعرع الأطفال الريفيين وتنمية التعليم الريفي. يجب أن يكون التعليم في طليعة أعمال نهضة الريف، ولن يفيد غير التعليم الذي يناسب الريف."

بعد عيد المعلمين في العاشر من سبتمبر عام 2022، سيغادر يانغ فِيّ فان عمله كمعلّم مساعد لدعم التعليم الريفي، ويبدأ رحلة جديدة في حياته. خلال هذه السنوات، ساعد الأطفال المتروكين في الريف، وفي ذات الوقت أزال هواجسه وشكوكه بشأن الحياة. قال إنه سيظل يهتم بهؤلاء الأطفال وبالتعليم الريفي.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4