مجتمع < الرئيسية

ألعاب الهواتف الصينية في الدول العربية.. حصة متزايدة في سوق واعدة

: مشاركة
2022-09-09 12:47:00 الصين اليوم:Source وانغ جيا شيوان:Author

فصل الصيف، على الرغم مما يوفره من مزايا الاستجمام والراحة والترفيه، يحلُّ ضيفا ثقيلا عند البعض ممن لا يتحملون الطقس الحار، ويفضلون الابتعاد عن الجلوس في الهواء الطلق بالحدائق أو على الشواطئ، بينما يُمثل الشباب شريحة لا بأس بها من العازفين عن الأنشطة الصيفية الخارجية، ويحبون الاستمتاع بعالم الألعاب الإلكترونية، عبر قضاء ساعات طوال أمام الشاشات، حيث التجربة الخيالية، والحياة المختلفة عما هي عليه في عالمنا الواقعي.

وعلى ضوء ذلك، بات من الواضح بشكل لافت للجميع تزايد شعبية الألعاب الإلكترونية عالميا، ما جعلها نقطة ساخنة تخلق العديد من الفرص والآفاق لتطوير السوق وتنميتها بشكل أكبر. وفي هذا السياق، كشفت شركة "نيوزو" البحثية المتخصصة في دراسة وتحليل بيانات الألعاب عن توقعات بتجاوز إجمالي عدد اللاعبين من أنحاء العالم ثلاثة مليارات شخص خلال عام 2022، وستتجاوز إيرادات هذه السوق الواعدة 200 مليار دولار أمريكي.

بينما لا تزال مفاصل الاقتصاد العالمي تعاني جراء آثار وتداعيات فيروس كورونا الجديد ومتحوراته العديدة، فضلا عن عوامل عدم اليقين والآفاق الضبابية لمستقبل التوقعات الاقتصادية العالمية، لم تنجرف صناعة الألعاب الإلكترونية للسقوط في مستنقع الانكماش الاقتصادي الدولي، بل على العكس، ينمو حجمها بوتيرة مستقرة، ويُبرهن على ذلك معدل نموها السنوي المركب البالغ 6ر5% منذ عام 2020 رغم تفشي جائحة كوفيد- 19 في أرجاء العالم.

وعلى ضوء هذه الخلفية، بدأت المزيد من شركات الألعاب الصينية تتخذ من نهج "تطوير أسواق الألعاب الخارجية" كخطة إستراتيجية وتشغيلية رئيسة لتنمية وتوسيع أعمالها. وأصبحت منتجات ألعاب الهواتف الصينية في الأسواق الخارجية أكثر تنوعا خلال السنوات الأخيرة، حيث تواصل اكتساب المزيد من السمعة والرواج بين اللاعبين العالميين، فعرف ألعاب الهواتف الصينية عدد كبير من الدول والمناطق، من بينها منطقة الشرق الأوسط.

على قائمة أكثر تطبيقات الهواتف النقالة مبيعا في المملكة العربية السعودية مثلا، وعلى متجري "غوغل بلاي" و"آب ستور"، جاءت نحو 30 لعبة هاتف صينية ضمن أول مائة لعبة، وتُعد ألعاب "انتقام السلاطين" و"صعود الممالك" و"أساطير العرب" وغيرها أسماء مألوفة على مسامع هواة الألعاب العرب، الأمر الذي أفسح مجالا واسعا للكسب المشترك بين الصين والدول العربية.

دخول الألعاب الصينية سوق الدول العربية بين الماضي والحاضر

بدأت مسيرة دخول الألعاب الصينية إلى السوق العربية في عام 2008 بألعاب قليلة، فالشركات الصينية لم تُعر اهتماما كبيرا لهذا المجال، وما يزخر به من إمكانيات كبيرة لهذه السوق الكبيرة.

إلا أن لعبة "كونكر أون لاين" وهي أول لعبة إلكترونية على الإنترنت مُطورة صينيا، قلبت التوقعات تماما، حيث لا يزال صداها يتردد في سوق الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا حتى الآن، منذ أن أُطلقت في الصين عام 2003، وهي عبارة عن لعبة تحكم متعددة اللاعبين على الإنترنت بُنيت أحداثها داخل عالم أسطوري للصين القديمة.

اكتسبت هذه اللعبة، التي تُعتبر من أوائل الألعاب الصينية على الإنترنت لاكتشاف وتطوير الأسواق الخارجية، شهرة كبيرة بين الهواة والمهتمين بها في خارج الصين، منذ طرحها لأول مرة في الأسواق الخارجية في عام 2004، وذلك بفضل عناصر مثل الشهامة والإقدام الموجودة فيها، إضافة إلى براعتها في تصميم مشهد المعركة.

أُطلقت النسخة العربية لـ"كونكر أون لاين" (النسخة التجريبية العامة) في سبتمبر 2009 رسميا، فشُغلت هذه اللعبة في منطقة الشرق الأوسط لمدة 13 عاما وحتى اليوم، ولا تزال قصتها مستمرة إلى لآن، ويُعد ذلك بحد ذاته معجزة حية بالنسبة إلى الألعاب الإلكترونية على الإنترنت التي تتميز بإمكانية تنقل عالية للمستخدمين وتحديث وتجديد سريعين للغاية.

أرسى نجاح "كونكر أون لاين" في سوق الشرق الأوسط أساسا معتبرا لدخول الألعاب الصينية إلى المنطقة، كما فاق توقعات شركات الألعاب الإلكترونية الصينية حينئذ، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لم تكن تمتلك قدرات تنافسية ذاتية قوية، فبدلا من الانخراط في المنافسة الشرسة على السوق المحلية الصينية، من الأفضل استكشاف سوق محتملة في الشرق الأوسط لإيجاد ساحة جديدة وواعدة لتطوير الأعمال، والأهم من ذلك، هنالك سابقة تاريخية ناجحة في هذا الشأن.

"انتقام السلاطين"، قد يكون هذا الاسم معروفا أكثر بين اللاعبين العرب، وربما تُعتبر من أنجح ألعاب الهواتف الصينية من الجيل اللاحق بل الأجيال التي تلي "كونكر أون لاين". إنها لعبة هاتف مطورة خصيصا للاعبين العرب، بدليل أنها لا تحتوي حتى على نسخة صينية منها، حيث بُنيت أحداثها في العالم العربي، وانفردت بتصميم دقيق يعكس الثقافة العربية، وهي أول لعبة حربية إستراتيجية ملحمية عربية بالكامل.

بعد إطلاقها في سبتمبر عام 2015، احتلت "انتقام السلاطين" بسرعة الأسواق العربية، وخصوصا في السعودية والإمارات، وأحرزت نتائج مثمرة، ففي فبراير عام 2016، أي بعد أقل من ستة شهور على إطلاقها، تصدّرت قائمة أكثر تطبيقات الألعاب مبيعا على منصة "آب ستور" و"غوغل بلاي" في عدة دول عربية؛ حتى مايو عام 2019، رشحها متجرا "غوغل بلاي" و"آب ستور" 27 مرة إجمالا في الصفحة الرئيسية في مختلف دول الشرق الأوسط.

وبعد نحو سبع سنوات على إطلاقها، لا تزال لعبة "انتقام السلاطين" تواصل نجاحها حتى الوقت الحاضر، ففي الموقع الإلكتروني للشركة الصينية المطورة لها شركة "لونغتنغ جيانخه"، تتلألأ الجوائز العديدة التي حازت عليها الشركة واحدة تلو الأخرى في مجالات كثيرة وعلى مستويات متعددة بفضل "انتقام السلاطين". ولذا، يمكن القول بأنها فازت بشهرتها في الدول العربية، وبدأ حضورها يعمّ في كل العالم.

الخلف ينعم بظلِّ ما غرس السلف. بعد أن حققت "انتقام السلاطين" هذا النجاح الملفت للنظر، عملت بقية الشركات الصينية المطورة للألعاب، من شركات التكنولوجيا التي تأسست في السنوات الأخيرة إلى "تنسنت"، شركة الألعاب المصنفة رقم 1 في العالم، على تسريع خطواتها لتوسيع نطاق أنشطتها في الدول العربية، فمن "صعود الممالك" و"صراع الملوك" و"أساطير العرب" إلى "ببجي"، حظيت جميع تلك الألعاب برواج واسع، وحصدت نتائج جيدة في الدول العربية، ما وفّر للهواة العرب ألعاب هواتف أكثر تنوعا ومتعة.

وهناك أربع ألعاب صينية ضمن قائمة الألعاب الخمسة الأولى الأكثر مبيعا على منصة "آب ستور" الخاصة بالمملكة العربية السعودية في شهر يونيو عام 2022، حسب نتائج بيانات من موقع شركة "آب آني" للاستشارات. والجدير بالذكر أن اللعبة الوحيدة غير الصينية ضمن القائمة هي لعبة "يلا لودو- لودو دومينو" التي مقرها في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفريق البحث والتطوير لها صيني، في مدينة هانغتشو بشرقي الصين. والحال نفسه ينطبق على الإمارات أيضا، فهناك أربعة مراكز للألعاب الصينية أيضا في قائمة الألعاب الخمس الأولى، وتصدرت اللعبة الصينية "ببجي" القائمة. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على مدى شغف وإعجاب اللاعبين العرب بالألعاب الصينية.

عوامل نجاح الألعاب الصينية التي لا يمكن تجاهلها

أشار التقرير الصادر عن لجنة أعمال نشر الألعاب التابعة للرابطة الصينية للنشر الصوتي والمرئي والرقمي، إلى أن الألعاب الصينية في الخارج أظهرت اتجاها تصاعديا مستقرا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث حافظت على نمو ثابت من حيث عدد مرات تحميلها، ووقت الاستخدام، وحصة الدفع للمستخدمين، بينما شهد عام 2021 زيادة ملحوظة في عدد الدول والمناطق التي دخلتها الألعاب الصينية، وتنوعا أكبر في أنواع الألعاب الصينية في الأسواق خارج الصين.

كما احتضنت العائلات العربية ألعابا إلكترونية عبر منصات أركيد، وجهاز الأتاري ومنصات سيغا ونينتندو وغير ذلك في وقت أبكر مما يتصوره كثيرون. وبالتالي، فإن البلدان العربية تمتلك عددا من اللاعبين المحتملين الذين يمثّلون إمكانات السوق الهائلة الخاصة بها، بينما تتطلع شركات الألعاب الصينية لتلبية احتياجات ممارسة الأعمال في الخارج. وعند التأمل في عوامل نجاح ألعاب الهاتف الصينية في الأسواق العربية، يمكننا أن نجد في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، النقاط التالية:

أولا، توقيت إطلاق الألعاب ودخولها إلى السوق. يشهد عالم اليوم فترة التطور السريع للإنترنت عبر الهاتف النقال، حيث يتواصل توسع سوق الأجهزة النقالة الذكية المتمثلة بالهواتف الذكية بشكل رئيسي. وعلى ضوء ذلك، أشار تقرير سوق الهواتف النقالة العالمية الذي أصدرته شركة "نيوزو" إلى أن العدد الإجمالي لمستخدمي الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم سينمو بمعدل نمو سنوي مركب قدره 1ر6% بين عامي 2019 و2024، بينما سيرتفع الرقم إلى 5ر4 مليارات شخص بحلول عام 2024 مقارنة مع 4ر3 مليارات شخص في عام 2019.

وتزامنا مع هذا التيار، ازداد معدل اختراق الهواتف الذكية بسرعة في الدول العربية، مما نتج عنه عدد متزايد من اللاعبين. وتتوقع شركة "نيكو بارتنرز" لأبحاث السوق والاستشارات أن يتضاعف حجم سوق ألعاب الفيديو في السعودية والإمارات ومصر إلى 14ر3 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2025، وأن يرتفع عدد اللاعبين النشيطين في الأسواق الثلاث إلى 76ر85 مليون لاعب في ذلك الوقت، من 32ر65 مليون حاليا، ما يمهّد الطريق لإطلاق الألعاب الصينية ودخولها إلى الأسر العربية.

ثانيا، تركيز الاهتمام على رغبات ومتطلبات المستخدمين. يتيح عالم الألعاب الافتراضي للاعبين فرصة للتمتع بالتجربة الجيدة والمتساوية، بغض النظر عن الدخل والخلفية. وهذا ما سعى إليه مطورو ومشغلو الألعاب الصينيون وراء الشاشة أيضا من خلال تركيز اهتماماتهم على إعطاء تجربة إيجابية للمستخدمين. فنرى العديد من الشركات الصينية قد استجابت بنشاط لاحتياجات المستخدمين في عمليات تطوير الألعاب والترويج والتشغيل، وقامت بعمل رائع في هذا الصدد.

وإذا أخذنا لعبة "انتقام السلاطين" مثالا، فعندما نفتح صفحتها الرئيسية على منصات التواصل الاجتماعي، نجد جهودها المبذولة في الاهتمام برغبات ومتطلبات مستخدميها، حيث يُلاحظ أن مشغلي اللعبة طرحوا صورتي الدخول المحتملتين عبر منشور في "فيسبوك"، وتركوا المتابعين يختارون بأنفسهم الصورة التي أعجبتهم أكثر؛ أو طرحوا استفسارات قاموا بجمعها مسبقا من اللاعبين حول إصدار اللعبة الجديد أو إستراتيجيات اللعب الخاصة بهم، ثم أجابوا عليها في وقت مناسب. وهناك إجراءات عديدة مشابهة لذلك.

ثالثا، الاحترام الكافي للعادات والثقافات المحلية. باختلاف واضح مع الكثير من الألعاب "المترجمة" مباشرة إلى النسخة العربية، أظهرت الألعاب الصينية، على الأقل الألعاب الناجحة أو التي تسير في طريق النجاح منها، احتراما بما فيه الكفاية للثقافة العربية والإسلامية، حيث قامت بتعريب منتجاتها بدلا من ترجمتها إلى اللغة العربية فقط.

تُقرأ اللغة العربية من اليمين إلى اليسار، وهذا يتطلب أن تكون قراءة النص والصور المرئية على اللعبة مرتبة من اليمين إلى اليسار أيضا بشكل سليم، بالإضافة إلى العادات المختلفة في التفكير والمعتقدات، وكل هذا من الأمور التي تأخذها الشركات الصينية بعين الاعتبار وتولي لها اهتماما كبيرا، حتى أنها تهتم بأنماط وألوان ملابس الشخصيات في اللعبة عن طريق التحقق من البرامج التلفزيونية والأفلام العربية... ما أصدق من قال بأن "التفاصيل الصغيرة تُحدث فرقا".

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4