البريك دانس أو رقص التكسير، جزء هام من ثقافة الهيب هوب، يتميز بحركات القدمين الكبيرة ودورات الراقص القوية على رأسه وظهره مع الإيقاع الموسيقي السريع. يرجع تاريخ هذا الرقص إلى فترة منتصف القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدم الفنانون رقصا جديدا مستوحى من حركات الجمباز والووشو ورقص الكابويرا وغيرها من الرياضات والرقصات التي تظهر قدراتهم الكبيرة في التوازن وقوة الجسم والإبداع الفني. وقد انتشر هذا النمط الجديد من الرقص بسرعة بين الأمريكيين وخاصة الشباب، الذين قد بادروا بدراسة حركات رقص البريك دانس في الشوارع والتنافس في أدائها مما دفع تنويع حركات الرقص وأساليبه إلى حد كبير. انتشر رقص البريك دانس في كثير من دول العالم بصورة تدريجية وصار فنا مميزا يعبر عن مشاعر الناس القوية ورياضة مثيرة تعكس حيوية الشباب الكبيرة.

البريك دانس في الصين

عندما نتحدث عن رقص البريك دانس في الصين، علينا أن نذكر الفيلم الأمريكي "بريكين" (Breakin) الذي يحكي قصة ثلاثة راقصين شباب يحبون رقص البريك دانس ويتغلبون على كافة التحديات سعيا لتحقيق أحلامهم. عُرض هذا الفيلم في الصين في عام 1987 وجذب عددا كبيرا من الشباب الذين حاولوا تجربة الحركات الكلاسيكية مرتديين الأشرطة الملونة على الرأس والملابس الفضفاضة والأحذية الرياضية، مع تأدية القفزات الخاصة في الساحات والشوارع في بعض المناطق بالصين. هذا يرمز إلى بداية دخول رقص البريك دانس في الصين. في العام التالي، واستلهاما من الرقص الرائع في فيلم "بريكين" الأمريكي، أنتج المخرج الصيني الشهير تيان تشوانغ تشوانغ فيلم "ياوقون تشينغنيان" (شباب الروك)، الذي يحكى قصة شاب مولع برقص البريك دانس وكفاحه القوي لتحقيق طموحاته، فزاد انتشار رقص البريك دانس في الصين حتى صار أكثر الرقصات شعبية آنذاك في الصين.

مع زيادة عدد ممارسي رقص البريك دانس من الشباب الصيني، استضافت مقاطعة شنشي الدورة الأولى للبطولة الوطنية لرقص البريك دانس ورقص الديسكو في أكتوبر عام 1988 واستضافت تشونغتشينغ المسابقة الوطنية لرقص البريك دانس في ديسمبر من نفس العام. وقد شارك فيهما عديد من الشباب الصينيين المحبين لرقص البريك دانس. وفي يناير العام التالي، دعت جمعية الراقصين الصينيين مع جمعية الرقص بمقاطعة هيلونغجيانغ بعض الراقصين الممتازين لإنشاء فريق رقص البريك دانس الصيني وتقديم العروض الفنية في كثير من المدن الصينية، الأمر الذي ساعد على انتشار هذا الرقص الجديد في الصين في تسعينات القرن العشرين. لكن، بسبب المتطلبات العالية للراقصين والمعرفة المحدودة المتاحة لهذا النوع من الرقص، ظل بعض الآباء والأمهات يشكون من خطورة هذا الرقص وعارضوا ممارسة أولادهم له.

في ظل تلك الحالة الصعبة، ظل بعض الشباب الصينيين المولعين برقص البريك دانس يمارسون الحركات من خلال مشاهدة أشرطة الفيديو الأجنبية ويتدربون في نهاية الأسبوع بصورة سرية ويتناقشون معا حول تعزيز المهارات، فقدموا مساهمات ملموسة في تخفيف القلق والمعارضة تجاه هذا الرقص وتطويره في الصين في الأوقات اللاحقة.

مع الدخول إلى القرن الحادي والعشرين، شهد رقص البريك دانس تطورا سريعا في الصين. فمن ناحية، افتتحت في بكين وشانغهاي وقوانغتشو وتشونغتشينغ وغيرها من المدن الصينية أندية للرقص، حيث يتجمع الراقصون الممتازون للتدريب ومناقشة التكتيكات وتقديم الدروس المتخصصة إلى الأطفال الموهوبين في هذا الرقص. ومن ناحية أخرى، نجحت الصين في استضافة المسابقات الدولية المتعلقة برقص البريك دانس، مما حفز كثيرا من الراقصين الشبان الصينيين على تجربة هذا الرقص المثير والمشاركة في المسابقات لعرض قدراتهم. على سبيل المثال، في عام 2016، استضافت في بكين وشانغهاي وقوانغتشو وتشونغتشينغ سباقات رقص الشوارع الصينية التابعة لبطولة العالم لرقص الهيب هوب التي تُعتبر أهم مسابقة دولية لراقصي الهيب هوب، وشارك فيها أكثر من خمسة آلاف راقص صيني. بفضل نجاحها الكبير، استضافت ووهان وتشنغتشو وكونمينغ وفوتشو هذه السباقات أيضا في الدورة التالية في عام 2017. جذبت سباقات رقص الشوارع في ثماني مدن صينية مزيدا من الراقصين الماهرين في أنواع مختلفة من رقص الشوارع وحظيت بإعجاب من الحضور والمشاهدين الشبان الصينيين. وجدير بذكر أن بعض المشاركين قدموا حركاتهم المتميزة في رقص البريك دانس. مثلا، فاز يانغ كاي ببطولة رقص البريك دانس في سباقات رقص الشوارع الصينية في 2016 ومثّل الصين للمشاركة في بطولة العالم لرقص الهيب هوب في ذلك العام في الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على البطولة في مجموعة رقص البريك دانس لبطولة العالم تلك.

موجة جديدة لتطور البريك دانس في الصين

شهد رقص البريك دانس تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد قرار إدراجه في منافسات الدورة الثالثة للألعاب الأولمبية للشباب في بوينس آيرس بالأرجنتين في عام 2018، والدورة الثالثة والثلاثين للألعاب الأولمبية الصيفية في باريس بفرنسا في عام 2024 والدروة التاسعة عشر للألعاب الآسيوية في هانغتشو بالصين في عام 2022، فقد بات تطوره يحظى باهتمام متزايد في دول عديدة من بينها الصين.

من أجل تقدم مهارات الراقصين الصينيين وللمشاركة في دورة بوينس آيرس للألعاب الأولمبية للشباب، أنشأ الاتحاد الصيني لرياضة الرقص الفريق الوطني لرقص الشوارع في عام 2018 وقام باختيار راقصين ممتازين وإجراء التدريبات المكثفة لهم في مايو ذلك العام وإرسالهم للمشاركة في المنافسات التمهيدية التي أقيمت في اليابان. بعد التغلب على منافسين أقوياء من دول أخرى، تأهل الراقص الصيني شانغ شياو يوي البالغ من العمر ثمانية عشر عاما للمشاركة في دورة أولمبياد الشباب في أكتوبر هذا العام، وصار أول مشارك صيني لرقص البريك دانس في هذه الألعاب. في المسابقات الرسمية في بوينس آيرس، قدم شانغ شياو يوي رقصا جميلا وأظهر قوة كبيرة وحصل على المركز الثامن. قال شانغ شياو يوي إنه بذل قصارى جهده في المسابقات ووسع آفاقه من خلال التبادلات مع الراقصين الأجانب ذوي المستوى الرفيع مما عزز ثقته لممارسة الرقص في المستقبل.

ومن أجل تعزيز انتشار رقص البريك دانس في الصين، في يونيو عام 2019، استضافت نانجينغ، الدورة الأولى لبطولة العالم لرقص الشوارع التابعة للاتحاد العالمي لرياضة الرقص وبطولة كأس العالم لرقص الشوارع التابعة للاتحاد الصيني لرياضة الرقص. وقد تضمنت تلك المسابقات فقرات لرقص البريك دانس، وكانت أكبر حدث دولي لهذا النوع من الرقص بعد دورة بوينس آيرس للألعاب الأولمبية للشباب آنذاك، مما أثار اهتماما بالغا بين الشباب الصينيين العشاق لرقص البريك دانس.

ولإعداد راقصين محترفين في البريك دانس، تتخذ الصين سلسلة من الإجراءات الفعالة. أولا، أقامت سلسلة من المسابقات الوطنية لجذب الراقصين الموهوبين. في أغسطس عام 2019، أقيمت مسابقات رقص البريك دانس لأول مرة في الدورة الثانية للألعاب الوطنية للشباب التي استضافتها تاييوان، حيث وفرت للشباب من مختلف مناطق الصين منصة رسمية لتقديم مهاراتهم في رقص البريك دانس. فضلا عن ذلك، أقيمت ثلاث دورات من المسابقات الصينية لرقص الشوارع من عام 2019 إلى عام 2021 بصورة واقعية وافتراضية، وشارك فيها أكثر من ألف راقص. وفي سبتمبر عام 2021، في الدورة الرابعة عشرة للألعاب الوطنية، ظهرت مسابقات رقص البريك دانس لأول مرة في تاريخها حيث قدم 55 راقصا من 17 فريقا أفضل عروضهم في المنافسات القوية. ثانيا، بدأت جامعة بكين للرياضة قبول الدفعة الأولى من الطلاب المتخصصين في رقص البريك دانس منذ سبتمبر عام 2020 وتُقدم لهم التدريبات المتنوعة لتعزيز مهاراتهم في رقص البريك دانس وقوتهم الأساسية، فضلا عن الدروس النظرية حول الرقص والفنون والموسيقى وهذا يساعد الطلاب على تعميق المعرفة برقص البريك دانس من حيث النظرية والممارسات. ثالثا، في فبراير عام 2022، أطلقت الإدارة العامة للرياضة الصينية والهيئات الرياضية المحلية والمدارس الرياضية على المستويات المختلفة أعمال اختيار الأشخاص المنافسين لرقص البريك دانس من الرياضيين الممارسين للووشو وغيرها من الرياضات المختلفة بواسطة إجراء سلسلة من الاختبارات، سعيا لاستكشاف مزيد من الراقصين الموهوبين.

نجوم بارزون

بفضل تلك الإجراءات المختلفة، يتعزز انتشار رقص البريك دانس في الصين وأصبح من أكثر أنواع الرقص تفضيلا بين شباب الصين حاليا. وفي نفس الوقت، يظهر جم غفير من الراقصين الناشطين والماهرين وهم يُعدون نجوما صاعدين في الرياضات الصينية.

شانغ شياو يوي المولود في عام 2000 في مقاطعة لياونينغ يُعتبر أشهر راقص في الصين ويحقق إنجازات مدهشة لنفسه وحتى لقضية رقص البريك دانس في الصين كلها. أظهر شغفه الكبير لرقص البريك دانس بالمصادفة عندما شاهد زملاءه يرقصون في عرض فني بالمدرسة وكان في الثالثة عشرة من العمر. بحث شانغ شياو يوي عن المعلومات المتعلقة برقص البريك دانس عبر الإنترنت وقلّد بعض الحركات بمتابعة مقاطع الفيديو وزيارة الراقصين المخضرمين من أجل تعلم الرقص. على رغم من معارضة والديه في البداية، أصر على ممارسة الرقص وقضى ساعات طويلة كل يوم في غرفة التدريب على الرقص وتعزيز قوة جسده حتى نال موافقة والديه. بعد خمس سنوات من التدريبات المجتهدة، حقق شانغ شياو يوي تقدما سريعا ونجح في التأهل لدورة بوينس آيرس في عالم 2018، الأمر الذي زاد من ثقته بنفسه وجعل منه مَعلَما تاريخيا للصين في رقص البريك دانس.

بعد عودته إلى الصين، وضع شانغ شياو يوي خطة جديدة وواضحة له وواصل التدريبات بدون تردد أو تراخ لتحسين حركاته وإبداع أسلوب رقص خاص به. في الدورة الثانية للألعاب الوطنية للشباب في عام 2019، فاز بالمركز الأول في سباق المجموعة الأولى للرجال في رقص البريك دانس، وفي الدورة الرابعة عشر للألعاب الوطنية في عام 2021، حصل على الميدالية البرونزية في سباق رقص البريك دانس.

بفضل التدريبات الدؤوبة والنتائج المميزة، أثبت شانغ شياو يوي تفوقه في هذا الرقص وصار مثالا يُحتذى به للشباب الصينيين المحبين لرقص البريك دانس ويشجعهم على بذل كل الجهود في مسيرة تحقيق أحلامهم في الحياة.

كما هو الحال في الرياضات الأخرى، تبدي شابات صينيات كثيرات حبهن المخلص لرقص البريك دانس، ومنهن ليو تشينغ يي، الفتاة الحيوية والذكية من مقاطعة خنان. درست ليو تشينغ يي التايكوندو منذ أن كان عمرها سبع سنوات وأظهرت موهبتها الخاصة في الرياضة ووصلت إلى درجة الحزام الأسود بسرعة وفازت بكثير من البطولات. لم تبدأ ممارسة رقص البريك دانس إلا في عام 2015 بعد أن شاهدت عرضا لرقص البريك دانس. من أجل إحراز تقدم في الحركات، كانت ليو تشينغ يي تبقى في غرفة التدريب وحدها للممارسة مرارا وتكرارا بعد انتهاء الدروس كل يوم. واعتمادا على أساسها في التايكوندو وجهودها الكبيرة، استغرقت حوالي نصف سنة فقط لإتقان حركات الرقص التي يحتاج الراقصون العاديون إلى سنتين أو ثلاث سنوات عموما لإجادتها.

كما يقول المثل "من جد وجد"، حققت جهود ليو تشينغ يي نتائج مشجعة. في مايو عام 2021، فازت في سباق مجموعة السيدات للمسابقات الصينية لرقص الشوارع وفي سبتمبر من نفس العام، حافظت على أدائها الممتاز وأظهرت تفوقها في الحركات والقوة والتوازن والجمال والإبداع في كل المسابقات فأحرزت الميدالية الذهبية في رقص البريك دانس في الدورة الرابعة عشرة للألعاب الوطنية.

فضلا عن شانغ شياو يوي وليو تشينغ يي، مع زيادة انتشار رقص البريك دانس في الصين ومشاركة مزيد من الشباب والفتيات في هذا الرقص الرياضي المثير، تظهر مجموعة من الراقصين الصينيين الممتازين وهم يبذلون الجهود لتعزيز حركاتهم سعيا لتقديم أداء أفضل وأروع في دورة هانغتشو للألعاب الآسيوية في سبتمبر 2022 ودورة باريس للألعاب الأولمبية الصينية في عام 2024 وغيرهما من المسابقات الإقليمية والدولية. نحن نتطلع إلى إنجازاتهم وتقدم الصين في هذا الرقص بكل ثقة وفخر.