ثقافة وفن < الرئيسية

المدينة المحرمة: مأدبة ثقافية عمرها ستمائة سنة

: مشاركة
2020-11-03 12:57:00 الصين اليوم:Source تشانغ شياو:Author

يصادف عام 2020، ذكرى مرور ستمائة سنة على إتمام بناء المدينة المحرمة، ومرور خمسة وتسعين عاما على افتتاح متحف القصر الإمبراطوري. متحف القصر الإمبراطوري، بالإضافة إلى كونه نموذجا للبناء الحضري الصيني القديم والطراز المعماري للقصور، هو ناقل مادي لحضارة الطقوس والموسيقى الصينية وتاريخها الطويل. من رمز القوة الإمبراطورية الى متحف القصر المفتوح للجمهور، ما هي قصة ماضي وحاضر المدينة المحرمة؟

حكاية عظيمة للثقافة الصينية

بدأ بناء المدينة المحرمة في السنة الرابعة لحكم الإمبراطور يونغ له (1403-1424) خلال فترة أسرة مينغ (1368- 1644) واكتمل بناؤها في سنة 1420. تتميز بنايات المدينة المحرمة بتصميم يفوق الخيال، وفي جنباتها قصص تملأ مجلدات ومجلدات.

إن من يقف داخل المدينة المحرمة لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره، فأمام روعته ومهابته لا يليق سوى الصمت، فالكلمات لا يمكنها التعبير عن مدى روعته وجماله. في كتابه ((من المدينة المحرمة إلى متحف القصر الإمبراطوري))، يقول تشو يونغ، مدير معهد دراسات ثقافة المدينة المحرمة بمتحف القصر الإمبراطوري: " إن عظمة المدينة المحرمة لا تجعل البناء مذهلاً فحسب، بل يصعب أيضًا التعبير عنه. أجد صعوبة في سرد ​​مثل هذه القصة البالغة العظمة، فالكلمات تقف عاجزة عن وصف هذا القصر العظيم ".

كيف يمكننا أن نستكشف ستمائة سنة من التاريخ في هذا القصر الإمبراطوري؟ يتم ذلك عن طريق معرض "القصر الخالد: ستة قرون على بناء المدينة المحرمة"، الذي افتتح في العاشر من سبتمبر عام 2020. يقدم المعرض تاريخ المدينة المحرمة وثقافتها من خلال ثلاثة أقسام رئيسية و18 سنة رئيسية للأحداث التاريخية، ويبرز المستوى الرفيع للجمع بين تقنيات وفنون العمارة الفخمة والثقافة التقليدية الصينية المتميزة.

من مظهر المدينة المحرمة الذي وصفه الفنان شيوي شيان تشينغ، لأسرة مينغ، في ألبوم لوحات رسم، إلى نموذج المدينة المحرمة المعماري بمقياس 1:350 والذي تم ترميمه، يبرز هذا المعرض مشاهد بوابة وومن وساحة قصر تايخه خلال منتصف وأواخر فترة أسرة مينغ. يستطيع كل زائر أن يتخيل نفسه شارلوك هولمز العصر الحديث ويبحث عن أدلة حول التغييرات في الهندسة المعمارية للمدينة المحرمة خلال فترة أسرة مينغ وفترة أسرة تشينغ.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد كبير من القطع الأثرية الشهيرة المعروضة أيضا، على سبيل المثال، تماثيل الحيوانات الأسطورية التي تجلس على حافة سقف المدينة المحرمة والكأس الذهبية التي ترمز الى خلود أرض وسلطة الامبراطورية. قال تشانغ جيه، مسؤول التخطيط لقاعة عرض بوابة وومن: " كانت هذه المجموعة من تماثيل الحيوانات الأسطورية جزءا من زخارف السقف الإمبراطوري الأصلي عندما أعيد بناء قاعة تايخه في سنة 34 من عهد الإمبراطور كانغ شي (1662- 1722) خلال فترة أسرة تشينغ (1644- 1912). كل حيوان أسطوري له معنى رمزي جميل."

بالإضافة إلى القصص المألوفة التي حدثت خلال فترة أسرة مينغ وفترة أسرة تشينغ، يعرض في قاعة عرض برج الجناح الشرقي عدد كبير من الصور ومقاطع الفيديو القديمة والأرشيفات التاريخية والتحف. قال شيه آن بينغ، مسؤول التخطيط لقاعة معرض برج الجناح الشرقي: "توفر تلك اليوميات والمذكرات والمقالات منظورا آخر لفهم جزء من التاريخ."

أحد زوار المعرض واسمه هُوُ تشنغ يانغ، قال: "هذا المعرض الواسع النطاق رائع للغاية، لأنه لا يعرض القطع الأثرية الرائعة فحسب، وإنما أيضا يروي تاريخ متحف القصر الإمبراطوري الذي يمتد لـ600 عام بطريقة سهلة الفهم."

غرفة استقبال للثقافة الصينية

متحف القصر الإمبراطوري، الذي يشتهر بكونه أقدم تراث ثقافي عالمي في الصين، لا يستقطب أعدادا لا حصر لها من السياح الأجانب فحسب، وإنما أيضا يلعب دورا هاما في التبادل الثقافي بين الصين والدول الأخرى.

يجذب المتحف كل يوم زوارا من جميع أنحاء العالم ممن يحبون الثقافة الصينية التقليدية، وكثير منهم يزوره أكثر من مرة. قام رجل بريطاني اسمه ويليام بزيارة متحف القصر لأول مرة في عام 2008.  وعبر عن رأيه قائلا: "إنه شيء لا يصدق"، هكذا كان الانطباع الأول للسيد وليام وهو يقف أمام هذا المجمع المعماري الرائع. وأضاف ويليام: "غمرني تاريخ وقصص هذه البنايات التي يرجع تاريخها إلى مئات السنين." وليام يعمل حاليا في الصين، ويقول مازحا إنه على اتصال وثيق بالمدينة المحرمة كل شهر، فقد أصبح "تقويم المدينة المحرمة" مادته التعليمية لفهم الصين. يعشق وليام السفر السحابي حول متحف القصر الامبراطوري خلال أوقات فراغه. وأضاف: "اندمجت ثقافة متحف القصر تدريجيا مع الحياة العامة، وتاريخه الطويل والرائع يتلألأ بمجد جديد".

أصبح العديد من الشخصيات الأجنبية المرموقة معجبين بمتحف القصر الإمبراطوري أيضا. قال شان جي شيانغ، المدير السابق لمتحف القصر الإمبراطوري: "خلال السنوات الأخيرة، بينما واصلت الصين توسيع عملها الدبلوماسي، زار بلدنا المزيد والمزيد من الرؤساء والسياسيين الأجانب. نتيجة لذلك، كانت هناك زيادة في أنشطة استقبال الشخصيات الأجنبية المرموقة في متحف القصر الامبراطوري. إننا نسعى جاهدين لجعل متحف القصر الإمبراطوري غرفة استقبال للثقافة التقليدية الصينية، حتى يتمكن زواره من الشعور بعمق الحضارة الصينية من خلال العرض الذي يقدمه متحف القصر الإمبراطوري."

بفضل فتح هذه النافذة الثقافية للصين على نطاق أوسع لتقديم سحر الصين إلى بقية العالم، أصبح متحف القصر الإمبراطوري معروفا لعدد أكثر من الناس. في سبتمبر 2019، أجرى مسؤولو متحف القصر الإمبراطوري ومتحف الإرميتاج الوطني الروسي محادثات رفيعة المستوى، وضعوا خلالها خططا لتنفيذ فعاليات واسعة النطاق مثل تبادل معارض التحف والمنتديات الثقافية على مدار العامين التاليين. حتى قبل المحادثات، كان هناك تواصل وتعاون بالفعل بين المتحفين. في سبتمبر 2018، ألقت الباحثة ماريا مينشينكوفا من متحف الإرميتاج كلمة بعنوان "مجموعة القطع الأثرية التاريخية لقصر أسرة تشينغ في متحف الإرميتاج" في إستوديو المعهد الرقمي لمتحف القصر.

رسول التبادل الثقافي

منذ عام 2005، كممثلين للكنوز الثقافية والفنية للصين وفرنسا، قام متحف القصر الإمبراطوري ومتحف اللوفر بمجموعة متنوعة من الأنشطة، مثل تبادل الأفراد وإقامة المعارض، وإجراء حوارات متعمقة حول تجربة الجانبين في حماية القطع الأثرية التاريخية وتطوير المتحفين.

إلى جانب ذلك، هناك اتصالات مستمرة بين متحف القصر وقصر فرساي. في سلسلة المعارض التي تحمل اسم "الذكرى المئوية السادسة للمدينة المحرمة" في عام 2020، سيتم تنظيم معرض "فرساي في الصين" على أساس معرض 2014 "الصين في فرساي: الفن والدبلوماسية في القرن الثامن عشر"، والذي أقيم في قصر فرساي. سيعرض هذا المعرض بشكل شامل التألق التاريخي للمشاهد الثقافية والفنية في الصين وفرنسا في القرن العاشر عن طريق القطع الأثرية الرائعة من البلاط الفرنسي وتلك التي جلبها المبشرون أو الدبلوماسيون إلى الصين والتي أصبحت الآن جزءا من مجموعة متحف القصر الإمبراطوري.

بصفته سيد الثقافة الصينية التقليدية، يتحمل متحف القصر الإمبراطوري دائما المسؤولية الهامة المتمثلة في إبراز الثقافة الصينية الرائعة أمام العالم وتعزيز التبادلات الثقافية بين الصين والدول الأخرى. في محاولة للوفاء بهذه المهمة العظيمة، أنشأ متحف القصر الإمبراطوري معهد التبادل الثقافي الدولي في عام 2015. قام هذا المعهد بإعادة اكتشاف قيمة عشرات الآلاف من الآثار الثقافية الأجنبية، مثل لمبة فيليبس "Philips Bulb" وموسيقى EMI، كما يجري أبحاثا حول تاريخ التبادل الدبلوماسي بين بلاط الحكم في الصين وفي البلدان الأجنبية، وطريق الحرير والتبادلات في مجالات الأدب والفن والعلوم والتكنولوجيا، ويقوم بشكل منهجي باستخلاص مجموعات الآثار الثقافية الأجنبية والمحفوظات ذات الصلة في بلاط أسرتي مينغ وتشينغ. كما يدرس أنشطة التبادل بين الصين والدول الأجنبية منذ إنشاء متحف القصر، من أجل توفير مراجع واقتراحات قيمة للشؤون الدبلوماسية والثقافية الصينية.

في الوقت الحاضر، لا يجلب متحف القصر الامبراطوري ثقافات مختلفة من جميع أنحاء العالم إلى الصين فحسب، وإنما أيضا يقدم معارض كبيرة في الخارج. في عام 2018، تم افتتاح "معرض المنتجات الإبداعية الموروثة من متحف القصر" في طوكيو باليابان، وقد أشاد به رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ ورئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي. منذ ذلك الحين، سافرت معارض مماثلة إلى بروكسل وسيول وسيدني وسنغافورة، ولاقت استقبالا جيدا.

من بين مقتنيات متحف القصر، هناك ما يقرب من عشرة آلاف قطعة أثرية ثقافية مجلوبة من دول أجنبية، العديد منها مرتبط بالحزام والطريق، وهي شهود تاريخية على التبادلات الثقافية بين الحضارة الصينية القديمة وبقية العالم.

بالإضافة إلى التواصل الثقافي مع المتاحف الأخرى، تعاون متحف القصر أيضا مع دول مختلفة على طول طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري في مجال البحوث، مما حقق نتائج ملموسة. علاوة على ذلك، أقام متحف القصر بنشاط معارض وأنشطة تتعلق بمبادرة "الحزام والطريق"، بما في ذلك: عرض 140 قطعة أثرية وكنوز ثقافية في معرض "المدينة المحرمة وطريق الحرير البحري".

قدم متحف القصر الإمبراطوري مساهمات كبيرة في توسيع الوجود الدولي للثقافة الصينية والترويج لمبادرة "الحزام والطريق".

استكشاف المستقبل

منذ عام 2012، زادت نسبة المساحة المفتوحة للجمهور في متحف القصر الإمبراطوري من 30% إلى 80%، وأصبحت خدماته أكثر إنسانية.

تجاوز عدد مشاهدات موضوع "600 عام على ميلاد متحف القصر الإمبراطوري في 2020" على موقع التواصل الاجتماعي الصيني "ويبوه" 200 مليون مشاهدة. موضوع النقاش الساخن حاليا، هو كيف يمكن أن تستمر المدينة المحرمة الرائعة في الستمائة سنة القادمة.

بعد أن تفقد ثمانية وثلاثين قسما، اقترح وانغ شيوي دونغ، المدير السابع لمتحف القصر الإمبراطوري الذي تولى منصبه في سنة 2019، جعل "متحف القصر الإمبراطوري نابضا بالحياة".

على الرغم من أن المستقبل لا يزال مجهولا في الوقت الحالي، يمكننا إلقاء نظرة على تطور متحف القصر الامبراطوري: سيستمر تطوير المنتجات الإبداعية والثقافية وستؤثر بشكل كبير في الحياة الثقافية للناس؛ سيستمر توسيع مساحة المتحف المفتوحة للجمهور، بنسبة متوقعة تبلغ 85% بحلول الذكرى المئوية للتأسيس؛ سيستمر المتحف في استخدام التكنولوجيا الرقمية، وسيتم أيضا دمج التقنيات المبتكرة مثل تكنولوجيا الواقع المعزز وتقنية الواقع المختلط والليزر مع الموارد الكلاسيكية لمتحف القصر في أشكال فنية لتمكين الكنوز المخبأة في هذا القصر الملكي من خدمة المجتمع والجمهور بشكل أفضل.

لقد شهد متحف القصر الامبراطوري ستمائة سنة رائعة، وأمامه مستقبل جدير بأن نترقبه.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4