يعتبر القرع المزخرف من المقتنيات الميمونة في الصين. فن زخرفة القرع، حرفة عريقة في الصين. كان الصينيون يستخدمون ثمرة القرع، كحاوية لتخزين أغراضهم، بالاستفادة من جوفها الكبير وعنفها ذي الفتحة الصغيرة. وفي العصور القديمة، كان الأطباء يعلقون أمام أماكن عملهم ثمرة القرع، التي كانت تستخدم في الأصل لتخزين العقاقير والأدوية، ثم تطورت تدريجيا إلى رمز للطبيب المتخصص في الطب الصيني التقليدي. وفي الوقت نفسه، ظهر أيضا المصطلح الصيني "شيوانهوجيشي" أي "تعليق ثمرة القرع لمساعدة الناس"، للثناء على جهود الأطباء الذين ينقذون المرضى في أوقات الألم، والعرفان بالجميل لهم.

في الثقافة الشعبية، يحب الصينيون القرع كثيرا، لأن كلمة "القرع" تتشابه مع كلمتي "السعادة والغني" في النطق في اللغة الصينية، فتحمل معنى التوقعات والأمنيات الطيبة. بالإضافة إلى ذلك، وبفضل كثرة البذور في داخل ثمرة القرع، فهو يرمز إلى "ازدهار النسل والماشية، والحصاد الوفير"، ويعكس رغبة الشعب الصيني قديما في السعادة وكثرة الإنجاب.

هناك العديد من الأعمال الفنية المتعلقة بالقرع في حياة الصينيين، ومن بينها الرسم على ثمرة القرع وتزيين سطحها بأسلوب الوشم بالحرق، وهي حرفة ومهارة فريدة من نوعها بشكل خاص في بكين. تم إدراج هذه الحرفة إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي في حي دونغتشنغ في بكين، وبالتالي فهي محمية الآن من قبل الحكومة.

أشياء بسيطة تتحول إلى أعمال فنية ساحرة

الرسم بالكي على سطح القرع ينتمي إلى فن البيروغرافيا، الذي يرجع تاريخه إلى أكثر من 2200 سنة، في فترة أسرة تشين (221- 206 قبل الميلاد)، ولكن استخدامه في زخرفة القرع بدأ لأول مرة في نهاية فترة أسرة مينغ (1368- 1644).

وفقا للأسطورة، نشأ هذا الفن بالمصادفة، إذ كانت مجموعة من الفنانين يقدمون جزية للإمبراطور، وهي عبارة عن كمية من القرع. وفي طريق توصيلها خلال موسم الأمطار، تبلل القرع بمياه المطر، فتعفن. خوفا من معاقبتهم من الإمبراطور، توصل الفنانون إلى فكرة رسم أنماط جميلة على سطح القرع بالكي، لإخفاء أجزاء العفن. وكما هو متوقع، أعجب الإمبراطور بثمار القرع المزخرفة بالأشكال الفنية التي صنعوها، ومنذ ذلك الحين، ولد هذا النوع الجديد من الفن.

ومع ذلك، لم تحظ هذه الحرفة باهتمام عامة الناس حتى العصر الحديث. ووصلت إلى ذروتها اليوم بجهود الفنانين المهرة، وأصبحت موضوعاتها الفنية واسعة النطاق، لتضم شخصيات تاريخية وحكايات خرافية وأنماطا ميمونة، ونباتات وحيوانات وحشرات، وما إلى ذلك. في لحظات معدودة وباستخدام مكواة لحام كهربائية كالقلم، والنار كالحبر، يصنع الفنانون أشكالا وحيوانات مبهجة نابضة بالحياة على سطح القرع.

إن الرسم بالكي على القرع هو فن رائع ساحر. من خلاله يمكن لأيدي الحرفيين المهرة، تحويل ثمار القرع العادية إلى قطع من الأعمال الفنية الجميلة يتسابق إليها هواة جمع المقتنيات الفنية النادرة، مما يضفي متعة لا حصر لها على الحياة الثقافية للشعب الصيني.

طريقة الرسم بالكي على القرع

لصنع قطعة فنية جميلة من القرع، هناك ثلاث خطوات رئيسية يجب إكمالها: اختيار ثمار القرع الجيدة، تصميم النمط، والرسم على القرع. هذه الخطوات التي تبدو سهلة قد تستغرق أياما وشهورا لإنجازها.

الخطوة الأولى: اختيار ثمرة القرع الناضجة ذات اللون الذهبي. هناك أنواع مختلفة من القرع ودائما ما تبدو جميلة بأشكالها الطبيعية الأنيقة، كما يمكن زراعة القرع بأي شكل مع التقدم في التقنيات الزراعية، ما يوفر للفنانين مجالا أوسع للاختيار.

الخطوة الثانية: تصميم أنماط إبداعية. لعمل عمل فني جيد، يكون الإبداع دائما أمرا بالغ الأهمية. هناك فرق كبير بين الرسم على القرع والرسم على الورق، فالأول يكون سطحه منحنيا، مما قد يؤدي إلى تشوه النمط أو طراز الرسم.

لا يقوم الفنانون الماهرون بنقل التصميم على الورق إلى القرع ببساطة. بدلا من ذلك، يستفيدون من الشكل الطبيعي للقرع، للرسم عليها بالكي. تكون نتيجة هذه التقنية لوحة ثلاثية الأبعاد أكثر حيوية من الرسم على الورق. في بعض الأحيان، قد يُنتَج من ثمرة القرع ذات الشكل الغريب عمل فني رائع غير متوقع!

الخطوة الثالثة: الرسم على القرع بالكي، أي استخدام مكواة لحام ساخنة كفرشاة للرسم. من خلال التحكم في سرعة وقوة "أقلامهم" الحديدية الكهربائية، يستطيع الفنانون عمل تدرجات لونية دقيقة على سطح القرع. وتكون النتيجة عملا فنيا حيويا.

عند النظر إلى الخطوات الثلاث، فإن الخطوتين الأولى والثانية هما الأهم، فبعد اختيار ثمرة القرع المناسبة، قد تستغرق عملية التصميم الإبداعي عدة أشهر، أما عملية الرسم بالكي على ثمرة القرع، فقد ينجزها الحرفي الماهر في عدة دقائق.

اليوم، هناك العديد من الحرفيين المتخصصين في فن الرسم بالكي على القرع، لكن القليل منهم يستطيع أن يبدع أعمالا فنية رائعة. لكي يكون المرء فنانا ماهرا في فن الزخرفة والرسم على القرع، يجب أن يكون متعدد المواهب، ورساما من الدرجة الأولى، وخبيرا جيدا في الرسم على القرع، وأن يمتلك يدا جيدة في استخدام مكواة اللحام الكهربائي كالقلم. ولكن بالنسبة لعشاق الفن العاديين، فإن الدورات التدريبية في متحف بايقونغفانغ للحرف اليدوية في بكين تلبي حاجتهم تماما.

الحياة كفنان في هذا المجال!

يحظى جي شون بشهرة واسعة في مجال زخرفة القرع ببكين، وهو الآن في أواخر الستينات من عمره. هذا الفنان الصيني البارز في الحرف اليدوية هو ممثل وارثي التراث الثقافي غير المادي للرسم بالكي على القرع في حي دونغتشنغ.

السيد جيلد لديه أستوديو خاص به في متحف بايقونغفانغ للحرف اليدوية، ولكن هذا العام قام بنقل الأستوديو الخاص به إلى منزله في حي فنغتاي بسبب أعمال ترميم وتجديد المتحف. في غرفة نومه الصغيرة في شقته، تم تعليق أعماله الفنية من القرع المزخرف والخط والرسم على الحائط، قتبدو كأنها معرض فني.

قضى السيد جي معظم حياته في الصحافة. ثم في عام 2000 تقريبا، أفلست المؤسسة التي كان يعمل بها بسبب الأزمة المالية التي اجتاحت آسيا في ذلك الوقت. فافتتح السيد جي معرضه الخاص في بكين لتحقيق حلمه بأن يصبح فنانا، وهو يجيد الكتابة والرسم. في هذا المعرض، تعرف بالصدفة على فن الرسم بالكي على القرع.

بالإضافة إلى الرسم والخط الصيني، كان السيد جي يكتب الشعر أيضا في أوقات فراغه. وقد غذت هذه الهوايات مسيرته المهنية منذ بداية كونه فنانا ناشئا في فن الرسم بالكي على القرع. إن أعماله الفنية جديدة وفريدة من نوعها، وتلقى إقبالا كبيرا، مما أتاح له فرصة تقديمها في المعارض الخارجية، كعضو في فرقة فنية حكومية لاحقا.

عندما سُئل عن أفضل ميزة في أعماله، أجاب السيد جي بأنه يتبع الشكل الطبيعي لثمرة القرع ويستخدم الخيال والأفكار الجريئة في إنجاز الأعمال الفنية الحية. إلى جانب ذلك، فإنه لم يكتف بأسلوب الرسم الصيني التقليدي كأسلوب تعبير رئيسي، مثلما يفعل معظم الحرفيين، وبدلا من ذلك، قام بدمج تقنيات الحداثة في الرسم بالكي على القرع، مما جعل أسلوب أعماله متميزا بالتغيرات.

في سنواته الفنية الأولى، كان السيد جي يحب أن يصنع أعمالا فريدة من ثمار القرع ذات الأشكال الغريبة. لكنه أدرك تدريجيا أن التحدي الأكبر هو خلق أفكار جديدة باستخدام ثمار القرع ذات الشكل العادي. في بعض الأحيان، يحمل ثمرة قرع جديدة ويحدق فيها تحت الضوء قبل أن يفعل أي شيء بها. قال: "بينما أحرك ثمرة القرع بين يديّ، فإن التغييرات في شكل ظلالها تلهمني دائما." وأضاف، وهو ينظر إلى عمل فني يعتز به من بين أعماله العديدة: "في البداية، كنت أنا وزوجتي نرسم على ثمار القرع من أجل المتعة فقط. زوجتي رسامة ماهرة وهي أفضل مني في الرسم الواقعي. لفترة من الزمن، انغمس كلانا في هذا الفن. ثم بطبيعة الحال اتخذت هذا الفن كواحد من مجالات مسيرتي المهنية."

تعلمت السيدة شيوي تشينغ، زوجة السيد جي، من والد زوجها، شيوي يونغ كانغ، أستاذ الرسم الواقعي الصيني التقليدي، رسم الزهور والطيور، ووريث فن الرسم اليدوي على الحرير، وهو تراث ثقافي غير ملموس آخر، في بكين. من وجهة نظر السيد جي، فإن لوحات زوجته أكثر دقة من لوحاته. لسنوات، عمل الزوجان معا وأثر كل منهما في الآخر.

قال جي: " كنا نناقش الحرف التي نقوم بها معا. في بعض الأحيان كان هذا النقاش يتحول إلى ما يشبه الشجار، لكن في معظم الأحيان، كان كل منا يحفز الآخر."

في وقت سابق من هذا العام، توفيت زوجة جي تاركة فراغا كبيرا في قلبه وحياته. لكن على الرغم من ألمه، قال إنه سيواصل مسيرتهما الفنية، ولديه رغبة في تنظيم معرض في يوم من الأيام ليشارك فيه عشاق الفن الذي كرس هو وزوجته حياتهما من أجله.