بلغ عدد مرات البحث عن اسم سو يي مينغ في موقع بايدو الصيني أكثر من سبعة ملايين في نهاية نوفمبر عام 2021، وجاءت كلمة "المتزلج الصيني" كأكثر الكلمات المستخدمة في البحث عنه. سو يي مينغ، البالغ من العمر سبع عشرة سنة، أثار ضجة في أوساط التزلج، بعد أن أصبح أول متزلج جليد صيني على الإطلاق يعتلي منصة التتويج، سواء في سباق الهواء الكبير أو سباق المنحدر. كما أنه أول متزلج جليد صيني ينجح في أداء الحيلة المعروفة باسم "كابالريال 1800"  (the Cab "Caballerial" 1800 trick)، فضلا عن أنه أول شخص في العالم يكمل الحيلة الصعبة المعروفة باسم "BS 1980 Indy Crail" بطريقة رائعة.

ظهر سو يي مينغ لأول مرة كممثل طفل، حيث لعب دور "شياو شوان تسي" في الفيلم الصيني ((الاستيلاء على جبل النمر بالدهاء)) للمخرج تسوي هارك في عام 2014. في ذلك الوقت، ربما لم يكن أحد يتوقع أن سو يي مينغ سيصبح من أفضل المتزلجين في العالم بعد سنوات.

شغف منذ الطفولة

في مقاطعة جيلين، التي تتميز بالشتاء الطويل والقارس البرودة، وُلد سو يي مينغ لأبوين عاشقين للتزلج على الجليد. وقبل أن يتم الرابعة من عمره، أخذه الوالدان إلى حلبات التزلج، في وقت لم تكن فيه ألواح التزلج على الجليد للأطفال متوفرة في الصين. كان سو الصغير يستخدم لوح تزلج للكبار، وبالطبع كان اللوح أطول منه.

أحب سو الصغير كثيرا هذه الرياضة، فظلت رفيقته التي يعطيها كل ما توفر له من وقت فراغ. كان يستيقظ مبكرا في الصباح ليتم واجباته المدرسية، حتى يمكنه الذهاب للتزلج، برغم الألم الذي يسببه الصقيع. بسرعة، صار اسمه معروفا في أوساط التزلج على الجليد، فتقدمت شركة ذات علامة تجارية مشهورة عالمية لرعايته، وهو في السابعة من عمره.

فاز هذا الرياضي المميز أيضا بدور في فيلم ((الاستيلاء على جبل النمر بالدهاء))، وهو فيلم عن قصة جيش التحرير الشعبي بقيادة الحزب الشيوعي الصيني في القضاء على عصابة من قطاع الطرق في الجبال الثلجية في شمال شرقي الصين في أربعينات القرن العشرين. احتاج طاقم الفيلم في أحد المشاهد إلى طفل في مثل عمر سو يي مينغ ويكون ماهرا في التزلج. ووجد المخرج أن سو الصغير هو الشخص الذي يبحثون عنه بعد مشاهدة مقطع فيديو له.

بعد ظهوره لأول مرة في فيلم ((الاستيلاء على جبل النمر بالدهاء))، ظهر سو في المزيد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، مثل "طفل الصخور" و"حياة رائعة في بكين" و"الذئب".

العودة إلى حلبة التزلج

في عام 2015، أعلن فوز بكين وتشانغجياكو باستضافة دورتي الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتويتين 2022. ألهم ذلك سو يي مينغ لتحقيق المزيد من الإنجازات في هذه الرياضة. قال: "عند سمعت خبر إقامة الألعاب الشتوية في بكين، حلمت بالمنافسة فيها. لكن لكي أتأهل، كنت بحاجة إلى نتائج في مسابقات احترافية. لذلك، منذ تلك اللحظة، قررت أن أصبح متزلجا محترفا، فهذه هي الطريقة الوحيدة للدخول في مسابقات احترافية."

في الواقع، كان سو يي مينغ ضمن قائمة المرشحين للمنتخب الوطني الصيني للتزلج على الجليد، بتوصية من مدرب ياباني قام بتدريبه في عام 2012.

تم ضمه رسميا للمنتخب الوطني في عام 2018. وفي عام 2019، فاز بالمرتبة الأولى في نهائي مسابقة التزلج المنحدر بمنتجع كاردرونا ألبين في نيوزيلندا. تغلب سو يي مينغ على العديد من المتزلجين المشهورين عالميا، الذين تعلم سو منهم من خلال مشاهدة مقاطع فيديو لأدائهم. وقد عزز هذا الإنجاز ثقته بنفسه. قال مستذكرا لحظة الفوز بأول بطولة دولية له: "كان التنافس معهم متعة كبيرة في حد ذاته. كنت واثقا من إكمال مجموعتي، لكنني لم أتوقع أن أفوز بالميدالية الذهبية. شعرت بسعادة غامرة في تلك اللحظة. كان الانتصار تأكيدا على الذات وكذلك بداية جيدة لمسيرتي في التزلج على الجليد."

سلسلة "أول شخص"، الهدف منها الميدالية الذهبية

في السنوات التالية، فاز سو يي مينغ بالمزيد من الجوائز وحقق المزيد من الأرقام القياسية. في عامي 2020 و2021، فاز بالميدالية الذهبية في كل من التزلج المنحدر والهواء الكبير في المسابقات الوطنية الرسمية. في مارس عام 2020، نجح في إكمال الحيلة المعروفة باسم "BS Triple Cork 1620 Mute"، وهو أول متزلج صيني يحقق ذلك. في يناير عام 2021، صنع التاريخ مرة أخرى في التزلج على الجليد بالصين، عندما أتم أول سباق للحيلة المعروفة باسم "Cab 1800". وفي أكتوبر عام 2021، أصبح أول شخص في العالم يكمل الحيلة المعروفة باسم "Backslide 1980 Indy Crail" في النمسا. حتى الآن، لم يتمكن سوى خمسة أشخاص حول العالم من إكمال هذه الحيلة، وسو يي مينغ هو أصغرهم سنا.

قال سو يي مينغ: "أعتقد أن مستوى المتزلجين الصينيين قد تحسن بشكل عام. التزلج على الجليد رياضة جديدة نسبيا في الصين، كنا متأخرين عن المستوى الأعلى في العالم. كان يبدو أننا لن نستطيع اللحاق بالركب. بعد أن اخترت أن أكون متزلجا محترفا، كنت أحاول اتباع خطوات أفضل المتزلجين في العالم. قد تكون أهدافي هي ما حققوه قبل خمس أو عشر سنوات، لكنني أحقق تقدما خطوة خطوة." وأضاف: "وضعت الكثير من الجهد والوقت في التدريب وأواصل تحسين قدراتي. أنا الآن على قدم المساواة مع أفضل المتزلجين في العالم."

عندما سُئل عن هدفه في أولمبياد 2022 الشتوية، قال بصراحة: "هدفي دائما هو الميدالية الذهبية، ولكن على أي حال، سوف أبذل أقصى جهدي. إذا استطعت أن أنجز ما أريد القيام به، بغض النظر عن النتيجة النهائية، سأكون سعيدا جدا." 

التدريبات الشاقة والدقيقة للوصول الى المستوى العالمي الأعلى

لتحقيق هدفه، يلتزم سو يي مينغ بنظام تدريب شاق. خلال التدريب في جبال تشانغباي في شمال شرقي الصين، كان سو دائما أول من يصل إلى ميدان التدريب حتى يتمكن من الحصول على ساعتين أو ثلاث ساعات إضافية للتدرب. كما زاد من كثافة التدريب وحاول القيام بمزيد من الحركات المثيرة الجديدة. ونتيجة لكثافة التدريب تم كسر عدة ألواح تزلج في أسبوع واحد.

لدى هذا الرياضي الشاب متطلبات أكثر دقة من مدربه في التدريب. قال سو: "أنا الوحيد الذي يعرف ما إذا كنت قد وصلت إلى المستوى المقبول أو لا. من الصعب التعبير عن ذلك بالكلمات. تتضمن العملية من القفز إلى الهبوط الكثير من التفاصيل. قد يكون ما يبدو للمتفرجين مختلفا عما أتصوره عن نفسي. ما أتصوره عن نفسي هو الأهم. سوف أعيد مرارا وتكرارا التدرب على مجموعات الحركات حتى أصبح راضيا تماما عن نفسي."

يعد التواصل مع المدرب أمرا مهما للرياضي، خاصة عندما يكون المدرب من دولة أخرى. لا يجد سو يي مينغ، الذي يتحدث باللغة الإنجليزية واليابانية بطلاقة، صعوبة في التواصل مع المدربين الأجانب. قال: بالطبع، أنا بحاجة للتحدث مع مدربي حول القضايا الفنية الرئيسية، ولكن الأهم هو بذل الجهد والوقت في دراسة حركات التزلج وممارستها. أتدرب عادة على الحركة الجديدة لمدة ست ساعات في اليوم، وأحيانا يستغرق الأمر صيفا كاملا لإتقان حركة واحدة." وأضاف أنه لا يحمل جسده وعقله أكثر من طاقتهما. بعد أن أتقن أكثر الحركات المثيرة تحديا في العالم حتى الآن، لا يرى ضرورة لمواجهة صعوبات أكثر، بل ينصب تركيزه بدلا من ذلك على ضمان الأداء المستقر لهذه الحركات المثيرة.

قال سو يي مينغ ذات مرة في منشور على موقع "ويبوه"، إنه يحب ذلك الشعور عند القفز عاليا والتحليق في المرتفعات. لكن الآن ليس لديه وقت للاستمتاع بذلك الشعور أثناء أداء الحركات. أضاف: "عند القيام بمجموعة بسيطة، لست بحاجة إلى التفكير كثيرا فيها، ويمكنني التمتع بالنظر حولي أو لأعلى في السماء. ولكن عند القيام بحركة صعبة، يجب أن أفكر في كل التفاصيل ".

مواصلة الاهتمام بالتمثيل

نما شغف سو يي مينغ بالتزلج على الجليد خلال العقد الماضي عندما مارس وتنافس كرياضي محترف. قال: "عندما كنت هاويا، شاهدت مقاطع فيديو لدراسة حركات التزلج على الجليد. بصفتي متزلجا محترفا الآن، لا أحتاج إلى مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بي وبمتزلجين آخرين فحسب، وإنما أيضا أحتاج إلى دراسة الحركات والتكتيكات.

مارس سو يي مينغ التزلج أثناء تصوير فيلم ((الاستيلاء على جبل النمر بالدهاء))، كما كان مطلوبا في الدور الذي لعبه. لكنه يعتقد أن التزلج على الجليد أكثر روعة. كتب ذات مرة في منشور على موقع "ويبوه"، أنه يرغب في تقسيم وقته بين تلقي التعليم والتمثيل والتزلج على الجليد. لكنه في الوقت الحالي هو ملتزم بنسبة 100% بالرياضة استعدادا لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. قال: "إنه شرف عظيم لي أن أتنافس في الألعاب الأولمبية. أشعر بالضغط بالإضافة إلى الدافع الكبير، حيث أعرف أن الكثير من الناس يشاهدونني ويدعمونني، ولديهم توقعات وأمنيات في فوزي بالمنافسات. هذه فرصة نادرة بالنسبة لي ولرياضة التزلج على الجليد. سأضع كل جهدي في المنافسات الأولمبية. ومهما كانت النتيجة، لن أشعر بأي ندم طالما أنني حاولت ".

مثل معظم أقرانه، سو يى مينغ نشيط جدا على وسائل التواصل الاجتماعي، يتفاعل مع غيره من المتزلجين على الجليد في العالم. قال سو: "المتزلجون مثل عائلة كبيرة. نحن نتنافس في المسابقات، لكننا أصدقاء خلف الكواليس. يسعدني جدا أن أرى متزلجين آخرين يكتبون تعليقات على مشاركاتي وأن يشارك الاتحاد الدولي للتزلج مقاطع الفيديو الخاصة بي على حسابه الرسمي في موقع الاتحاد الدولي للتزلج."

بالنسبة للمستقبل، يخطط سو يي مينغ لمواصلة دراسته مع المحافظة على مسيرته الرياضية. كما سيستأنف التمثيل في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية. قال: "أود أن أقدم نفسي في مجالات مختلفة، وأتمنى أن يذكرني الناس بأدوار مختلفة؛ سواء متزلج على الجليد، أو ممثل، أو طالب. مهما فعلت، سأكرس نفسي لذلك." أضاف: "لا يمكن للمرء أن يفعل شيئا جيدا إلا عندما يبذل أقصى جهده".

--

تساو يا تشي، مراسل صحيفة ((تيتان الأسبوعية)) الصينية.