ثقافة وفن < الرئيسية

الزهور المخملية.. رمز للتراث الثقافي غير المادي

: مشاركة
2022-11-01 14:21:00 شينخوا:Source تشانغ جين لينغ:Author

في مراسم توزيع ميداليات دورتي بكين للألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتويتين عام 2022، تسلم كل الفائزين بالميداليات باقات من الزهور المخملية الدقيقة الجميلة، وهي من الأعمال المميزة للتراث الثقافي غير المادي في الصين. أثارت هذه الباقات اهتماما واسعا في العالم كله.

باقة زهور الأولمبياد الشتوية ليست جديدة وطبيعية في التصميم فحسب، حيث تسلط الضوء على الخصائص المميزة للرياضات الجليدية والثلجية، وإنما أيضا ترمز إلى الدفء والسلام، ويمكن المحافظة عليها لفترة طويلة، وأطلق عليها اسم "الزهور الأولمبية التي لا تذبل أبدا". تضم باقة زهور أولمبياد بكين الشتوية ستة أنواع من الزهور المنسوجة؛ وهي زهرة الورد الأحمر وزهرة الورد الصيني وزهرة زنبق الوادي وزهرة الهيدرانجيا وزهرة الغار وزهرة الزيتون. ترمز هذه الزهور إلى الصداقة والإصرار والسعادة والتضامن والانتصار والسلام، كل على حدة. أما باقة الزهور في الألعاب البارالمبية الشتوية، فأضيفت لها زهرة الكون للتعبير عن القوة.

تصنع باقات الزهور المخملية يدويا من خيوط الصوف، وتقنية الحياكة اليدوية المستخدمة في الصنع هي تراث ثقافي غير مادي للصين. أبدع باقات الزهور المنسوجة بالصوف أكثر من مائة فنان حرفي سليم البدن والعشرات من الفنانين الحرفيين ذوي الإعاقة معا.

تاريخ طويل لثقافة الزهور المخملية

صنع الزهور المخملية من الحرف اليدوية القديمة في الصين، لها تاريخ طويل. وحسب ما جاء في الكتب التاريخية، فإن صناعتها حققت تطورا كبيرا في فترة أسرة تانغ (618- 907). تميزت تلك الزهور بأشكالها الجميلة والمعاني المباركة في نفس الوقت، وذلك لأن نطق كلمة الزهور المخملية "رونغهوا" يشبه نطق كلمة "الرخاء" في اللغة الصينية. كان بعض أبناء جنوبي الصين يقدمون الزهور المخملية إلى الإمبراطور وعائلته، فأطلق عليها اسم "زهور القصر الامبراطوري" أيضا. مع التطور المستمر لحرفة الزهور المخملية في المجتمع، صار أبناء يانغتشو يضعون الزهور في رؤوسهم كزينة.

يرتبط تطور الزهور المخملية ارتباطا وثيقا بتطور تكنولوجيا النسيج الصينية والحرف اليدوية والأذواق الجمالية وما إلى ذلك. إن صنع هذه الزهور ليس عملا سهلا، بل يحتاج إلى إكمال أكثر من ثلاثين حلقة من الأعمال المعقدة. في بداياتها، كانت تلك الزهور تُنسج من حرير دود القز كمادة خام والأسلاك النحاسية كالهيكل. ومع تطور هذه الحرفة في الصين، تم تشكيل عدة مدارس، تتسم كل منها بخصائص منطقة معينة، مثل مدرسة بكين ومدرسة يانغتشو ومدرسة نانجينغ.

ورد ذكر الزهور المخملية في الإبداعات الأدبية للشاعر لي باي والأديب تساو شيويه تشين وغيرهما من شعراء وأدباء الصين المشاهير، ما يدل على مكانتها الفريدة في الإبداعات الأدبية الصينية.

الزهور المخملية مشغولات يدوية تحظى بإعجاب الناس، بفضل جمال شكلها ولونها ومهارات صنعها وما تعكسه من تمنيات ميمونة. اليوم، وبرغم تقدم العلوم والتكنولوجيا وتنوع المشغولات اليدوية، ما زالت للزهور المخملية المندمجة في التقاليد الثقافية الصينية، مكانة هامة في الحياة اليومية للناس.

الاندماج في العادات الشعبية

في فترة أسرة سونغ (960- 1279)، اُستخدمت مشغولات الزهور المخملية لتزيين شعر الرأس والملابس، ونالت إقبالا كبيرا بين طبقة الأثرياء، مما دفع ازدهار صناعة الزهور. وفي فترة أسرة تشينغ (1644- 1911)، وصلت هذه الحرفة إلى أوج ازدهارها، حيث ظهر العديد من المراكز لصنع وتجارة الزهور المخملية في بكين ومدن جنوبي الصين. قيل إن عدد متاجر الزهور المخملية في منطقة هواشي خارج بوابة تشونغون في بكين بلغ ألفا وأكثر. كان الحرفيون الشعبيون يتمتعون بمهارات عالية في صنع الزهور، لدرجة أن محظيات الأباطرة كن يطلبن منهم صنع الزهور الخاصة لهن، على الرغم من وجود "معمل الزهور" في القصر الامبراطوري.

في فترة أسرة تشينغ، صار ارتداء الزهور المخملية عادة شعبية مهمة للغاية خلال "الأعياد الثلاثة" (عيد الربيع وعيد قوارب التنين وعيد منتصف الخريف) وحفلات الزفاف. كان الحرفيون يعرضون أعمالهم المتنوعة في الأسواق خلال فترات الأعياد لجذب عدد كبير من الزوار لشرائها. فضلا عن بيع الأعمال الجاهزة، كان بعض الحرفيين يصنعون الزهور في الحال وفقا لمتطلبات الزبائن. وفي حفلات الزفاف، كان تاج العنقاء الذي ترتديه العروس يصنع في الغالب من الزهور المخملية، المفعمة بالمعاني المباركة الجميلة والتي تضفي أجواء احتفالية أكثر على المناسبة.

مع تطور صناعة الزهور المخملية، لم تعد أنماطها تقتصر على الزهور، فقد أبدع الفنانون والحرفيون أشكالا عديدة من الفواكهة والحيوانات المخملية أيضا. للزهور المخملية لغة الزهور الفريدة الخاصة بها، حيث يتم دمج مجموعة من الزهور المتنوعة، مع أخذ العديد من المعاني الميمونة. وعلى سبيل المثال، ترمز الأعمال اليدوية بشكل زهرة الجمفرينا غلوبوسا والتميمة اليشمية رويي، إلى الرخاء الدائم والحياة السعيدة في الثقافة الصينية؛ وترمز الأعمال ذات شكل الزنبق واللوتس والبرسيمون مع كتابة الكلمة الصينية "" (السعادة) إلى الحظ الجيد. ولذلك، يجب على الناس، عند ارتداء الزهور المخملية في الأعياد، أن يختاروا أنماطها للتعبير عن المعنى المناسب في الوقت المناسب.

وردت كثير من المعلومات عن الزهور المخملية في الكتب الصينية. مثلا، كانت المرأة، سواء الطفلة أو العجوز، تفضل تزيين شعر رأسها بالزهور خلال عيد الربيع، طلبا لتحقيق التمنيات الطبية في السنة الجديدة. وحتى في ثمانيات القرن العشرين، ظلت الزهور المخملية من الزينات الرئيسية لأبناء بكين خلال عيد الربيع. ترمز الزهور اليدوية الحمراء في رأس الطفلة والمقصوصات الحمراء الملصقة على النوافذ، إلى السعادة والسرور. وبالإضافة إلى ذلك، كان من عادة الناس شراء باقات من الزهور المخملية ليرتديها أطفالهم في طريق العودة من مهرجان المعبد إلى منازلهم، مما يعني "جلب البركات إلى المنزل".

ولادة جديدة خلال حماية التراث الثقافي غير المادي

مع تغير أسلوب حياة الناس، تراجع تقليد استخدام الزهور المخملية كزينة خلال عيد الربيع منذ تسعينيات القرن العشرين بصورة تدريجية. وباعتبارها حرفة يدوية مهمة في الصين، أصبحت إعادة تشكيلها وتطويرها وفقا لمتطلبات السوق مهمة لا بد منها.

في الحقيقة، لم تختف حرفة صنع الزهور المخملية، مع أنها لم تعد تحتل مكانا مهما في حياة الناس اليومية، مثلما كانت في التاريخ. فقد قام كثير من الحرفيين والفنانين بإبداع تصميم الأعمال اليدوية الجديدة والزينات الرائعة لدمجها في حياة الناس اليومية. كما تحظى الأعمال المخملية بإقبال متزايد في المجتمع الدولي، وتُباع في كثير من دول العالم.

مع إدراج حرفة صنع الزهور المخملية في قائمة التراث الثقافي غير المادي بالصين، حققت هذه الحرفة الرائعة تطورا جديدا. والأهم من ذلك، أن الكثير من شباب الصين يقبلون على صنع الزهور المخملية ويعملون على نشرها إلى المزيد من دول العالم.

تتفق الزهور المخملية مع متطلبات اللجنة الأولمبية الدولية المعنية، وتعكس خصائص الفنون الصينية البارزة، وهذا يجسد التمنيات المستدامة لكل الفائزين بالميداليات وتطلع الدولة المضيفة لإقامة المزيد من المسابقات الرياضية.

--

تشانغ جين لينغ، باحث في معهد بحوث أوروبا وأمين عام مركز بحوث الماركسية والحضارة الأوروبية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4