كلنا شرق < الرئيسية

جولة وزير خارجية الصين في الشرق الأوسط

الدلالات والنتائج

: مشاركة
2021-05-10 12:15:00 الصين اليوم:Source د. خديجة عرفة:Author

في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تحديات متزايدة، في ظل تفاعلات شديدة التعقيد مع وجود إدارة أمريكية جديدة ذات توجهات ورؤى مغايرة تجاه المنطقة والعديد من الملفات الإقليمية، قام وزير خارجية الصين وانغ يي بجولة في الشرق الأوسط شملت ست دول، هي: المملكة العربية السعودية، وتركيا، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، والبحرين. وقد حققت هذه الجولة نتائج إيجابية على أصعدة عدة، وكانت لها دلالات أكثر أهمية فيما يخص التوقيت وطبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية، خاصة أنها أعادت التأكيد على أسس وركائز العلاقات الثنائية والتفاهمات بشأن العديد من القضايا العالمية، ومن بينها الموقف من حقوق الإنسان عالميا وعدالة توزيع لقاح كوفيد- 19 وإصلاح الأمم المتحدة، وغيرها.

أهمية الزيارة

اتسمت الزيارة بأهمية متزايدة في ضوء ما كشفت عنه من تفاهمات بين الأطراف المختلفة؛ إذ كشفت الزيارة عن الأهمية الاستراتيجية لكل طرف في علاقته بالطرف الآخر، فكلاهما ينظر للآخر كشريك إستراتيجي وهناك شعور بالأهمية الإستراتيجية المتبادلة. وهو ما أكده المسؤول الصيني مشيرا إلى أن الصين رفعت مستوى علاقاتها مع 13 دولة من دول المنطقة إلى مستوى العلاقات الإستراتيجية وهو ما انعكس على علاقات الطرفين في كافة الجوانب، لتتحول الصين لأكبر شريك تجاري واستثماري لدول منطقة الشرق الأوسط.

مبادئ عامة.. أسس للعلاقات المستقبلية بين الطرفين

جزء من الحديث عن أهمية الزيارة يرتبط بما أسفرت عنه من نتائج، وخاصة ما أشار إليه المسؤول الصيني عقب جولته في المنطقة، من أن الزيارة نجحت في عدة أمور في مقدمتها: التوصل إلى توافقات عريضة مع الدول الست فيما يخص مواصلة الدعم المتبادل بشأن المصالح الجوهرية، والعمل على دعم التعددية، وتعزيز التعاون البراغماتي، وكذلك العمل على التعاون المشترك لمواجهة جائحة كوفيد- 19، إضافة إلى السعي لإيجاد حلول سياسية للقضايا الشائكة بالمنطقة.

فيما يخص البُعد الخاص بالتوصل لتوافقات عريضة، عكست نتائج الزيارة حجم توافق الرؤى بين الجانبين وخاصة الموضوعات المهمة في إطار العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، والتي تمثلت في ضرورة احترام الاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية لكافة الدول، مع العمل على تعزيز طرق التنمية المستقلة والمتنوعة. كما أن أحد المبادئ الرئيسة التي أعادت الزيارة التأكيد عليها تمثلت في رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا الأخير يُشكل ركيزة أساسية في السياسة الخارجية الصينية. كما تم الاتفاق على ضرورة الدعوة إلى إجراء حوار شامل سعيا لتحقيق تسوية سياسية للقضايا الإقليمية الساخنة، حيث أشار المسؤول الصيني إلى أن: "الصين حريصة على العمل مع الدول العربية وغيرها من الدول الأخرى بالمنطقة لدعم سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتمسك بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والمحافظة على المصالح المشتركة لبعضنا البعض والبلدان النامية". وعلى المستوى الدولي، تم التأكيد على أهمية المحافظة على الأمم المتحدة كنواة وأساس للنظام الدولي مع دعم التعددية وتأكيد العدالة والإنصاف الدوليين. يأتي ذلك في ظل وجود العديد من الإشكالات على المستوى الدولي، حيث يُعاني نظام الأمم المتحدة من العديد من المشكلات والتي تتطلب تضافر القوى الدولية لإصلاحها لمواجهة التحديات على المستوى العالمي.

وفيما يتعلق بالتوافق في مجال حقوق الإنسان، والذي يُشكل أحد إشكاليات العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لدول المنطقة، خاصة في ظل وجود إدارة أمريكية ديمقراطية، أكد وانغ يي على أهمية مراعاة وجهات النظر المختلفة فيما يتعلق بمفاهيم حقوق الإنسان، فالدول الغربية ووجهة نظرها فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان لا تمثل وحدها المجتمع الدولي.

وتتطابق الرؤية الصينية ليس فقط مع رؤى الدول الست في هذا الشأن، ولكن رؤى أغلب دول المنطقة التي ترفض التوظيف السياسي لملف حقوق الإنسان وفقا للمفهوم الغربي دون مراعاة خصوصية حقوق الإنسان في إطار كل منظومة ثقافية، وكذلك البعد الشامل لملف حقوق الإنسان والذي يشمل التعليم والصحة ومحاربة الفقر وغير ذلك، بحيث لا يقتصر المفهوم على البعد السياسي دون غيره. وتبرز أهمية مناقشة هذا الملف في الزيارة في وجود مؤشرات لتوظيف سياسي متزايد خلال الفترة المقبلة لملف حقوق الإنسان تجاه دول المنطقة بما يتطلب معه طرح رؤيتها الشاملة للمفهوم، في ظل أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المغايرة للوضع في الدول الغربية.

رؤية صينية للمشكلات الإقليمية

أعادت الزيارة التأكيد على أهمية الدور الصيني وتطابق الرؤى بين الجانبين بشأن العديد من القضايا الإقليمية. فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تم التأكيد على أهمية حل الدولتين كأساس لحل القضية الفلسطينية. كما تم التأكيد على أنه في شهر مايو 2021، ومع تولي الصين الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي، ستدعو الصين إلى إجراء مداولات شاملة بشأن القضية الفلسطينية، إضافة إلى الإعراب عن نية الصين لاستضافة ندوة لنشطاء السلام الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي الرؤية التي لاقت قبولا فلسطينيا، حتى أن وزارة الخارجية الفلسطينية أصدرت بيانا على خلفية تلك الزيارة معبرة فيه عن استعدادها للتعاون مع الصين فيما يخص إحياء المحادثات الفلسطينية- الإسرائيلية.

التنمية والتعاون الاقتصادي.. ركيزة أساسية لعلاقات الجانبين

تقوم الرؤية الصينية على أن التنمية أساس لعلاقاتها الدولية، ومن أبرز ما يمكن الإشارة إليه في هذا الشأن مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تقوم على إقامة شبكة من الطرق البحرية والبرية تربط الصين بكافة مناطق العالم، بهدف زيادة حركة التجارة العالمية وزيادة الاستثمارات المشتركة بين دول العالم لتعزيز التنمية، وتعد دول المنطقة جزءا من المبادرة. وفي هذا الشأن أكد وزير خارجية الصين أن بلاده وقعت اتفاقيات مع كافة الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين بلغ ما يزيد على 160 مليار دولار أمريكي خلال العام الماضي، وهو ما مثل ثلثي حجم تجارة الصين مع الدول العربية والذي بلغ 240 مليار دولار أمريكي، لتصبح الصين بذلك أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، كما أن جزءا كبيرا من صادرات النفط الخليجية تتجه للصين.

وعن تآزر الإستراتيجيات التنموية، أكد المسؤول الصيني عن استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع دول المنطقة في مجالات ثلاثة هي: مواصلة تحقيق التآزر بين إستراتيجيات التنمية للدول المختلفة، عبر ربط الدول المختلفة لإستراتيجيات التنمية بها بمبادرة الحزام والطريق كإطار جديد للتنمية في الصين والمنطقة، وتحقيق تكامل أفضل لأسواق الموارد الخاصة بها، والملف الأساسي هو ملف الطاقة، من خلال تكامل السلسلة الصناعية مع تعزيز تيسير التجارة وتوسيع نطاق التبادل بالعملات الخاصة بتلك الدول، والتعاون في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، إضافة إلى تبادل الخبرات في مجال الحوكمة من خلال مساعدة الصين لدول المنطقة على تحسين مستويات شعوبها وتقاسم ثمار التنمية الاقتصادية.

جائحة كوفيد- 19 والتعاون في مواجهة الأزمات والكوارث عالميا

أثارت جائحة كوفيد- 19 عدة قضايا إشكالية، سواء ارتبطت بمحدودية التعاون على المستوى الدولي أو عدالة توزيع اللقاحات وغيرها. إلا أن علاقات الصين ودول المنطقة غلب عليها الطابع التعاوني، وفي هذا الشأن أكد المسؤول الصيني "أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز أول زعيم أجنبي أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ تعبيرا عن دعمه للجهود الصينية في مكافحة الجائحة، كما تمت إضاءة برج خليفة تضامنا مع الأزمة في الصين". وخلال الزيارة كشف وانغ يي على أن الصين أوفت بالتزاماتها الدولية في هذا الشأن، من خلال التبرع وتصدير نحو 38 مليون جرعة لقاح إلى 17 دولة في الشرق الأوسط. كما كشف عن محاور تحرك الصين من خلال: تكثيف التعاون في مجال اللقاحات مع دول الشرق الأوسط؛ إنشاء آلية دولية للاعتراف المتبادل بالرموز الصحية لتسهيل تبادل الأفراد؛ الاتفاق مع دول المنطقة على بناء توافق بشأن مسألة تسييس اللقاح.

ضمان الأمن الإقليمي.. أساس للعلاقات بين الطرفين

يرتبط أمن الخليج ارتباطا وثيقا بالأمن في منطقة شرقي آسيا، في ضوء المصالح المتبادلة والقضايا المشتركة بين الطرفين. وهذا ما أكدت عليه الزيارة، حيث تمت الإشارة إلى أهمية إنشاء منصة حوار إقليمية للمحافظة على أمن الخليج واستقراره من خلال التواصل والتشاور. كما قدم المسؤول الصيني خلال زيارته للمملكة العربية السعودية مبادرة مكونة من نقاط خمس، تقوم على: تأييد الاحترام المتبادل، والتمسك بالمساواة والعدالة، وتحقيق عدم الانتشار(النووي)، والعمل على تعزيز الأمن الجماعي، وتسريع التعاون التنموي. وحظيت المبادرة بقبول من قبل قادة دول المنطقة. وخلال الزيارة، طرحت الصين رؤيتها للخروج من الفوضى في المنطقة عبر عدة محاور، هي: تخليص المنطقة من التجاذبات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، مع وضع مسار تنموي له خصائص شرق أوسطية.

نتائج الزيارة وآفاق علاقات الطرفين

تشكل الزيارة، في ضوء ما أسفرت عنه وما صدر عنها من تصريحات، ترسيخا لدور صيني أكبر في قضايا الشرق الأوسط، خاصة في ظل وجود توافق بين الجانبين حول مختلف القضايا الإقليمية الهامة وخاصة القضية الفلسطينية. لذا، من المهم البناء والعمل على نتائج تلك الزيارة، خاصة في ظل تراجع الدور الأمريكي وقبول دول المنطقة لدور صيني أكبر بحيث يتجاوز الدور الصيني في المنطقة المصالح الاقتصادية لينتقل إلى دور أكبر في العديد من الملفات الأخرى.

ومع أن الزيارة عكست توافقا حول العديد من القضايا الثنائية، فإن الأهم هو توافق الرؤى بشأن الملفات والقضايا المطروحة على الساحة الدولية وفي مقدمتها إصلاح الأمم المتحدة وعدالة توزيع اللقاح، والتأكيد على وجود رؤى متباينة بخصوص ملف حقوق الإنسان. لذا، من المهم مراعاة رؤية دول الجنوب في هذا الشأن، وهو ما يتطلب التأكيد عليه مستقبلا في المحافل الدولية لطرح رؤية دول الجنوب بشأن هذا الملف.

وقد أكدت الزيارة على مبادئ هامة في العلاقات الدولية، وفي مقدمتها مبدأ المسؤولية الدولية في مقابل المصلحة الدولية، فالدول المختلفة وخاصة الكبرى عليها مسؤوليات والتزامات دولية من المهم العمل على تحقيقها. ومن الموضوعات الرئيسة في هذا الشأن ما أكدت عليه الزيارة من التزام الصين بعدم تسييس اللقاح.

أحد الأمور التي أكدت عليها الزيارة بناء رابطة المصير المشترك الصيني- العربي. فوفقا للوزير وانغ يي، فإن العلاقات الصينية- العربية قدمت نموذجا يُحتذى به في علاقات الجنوب- الجنوب. مشيرًا إلى أن بناء رابطة المصير المشترك هذا: "يجب أن يركز على تعزيز التضامن والتنسيق بين البلدان النامية، وتعزيز إصلاح النظام الدولي وصياغة القواعد الدولية لتعكس بشكل أفضل أصوات وشواغل البلدان النامية". فهناك حاجة للطرفين للمواءمة بين إستراتيجيات التنمية، وتوطيد التعاون في سلسلة صناعة الطاقة برمتها، إضافة إلى تعميق التعاون في مجال التقنيات الجديدة، والارتقاء بالاستثمار المالي وترتيبات التجارة الحرة، وتحقيق التنسيق بين القواعد والمعايير على نحو أوثق.

وتجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع أن يشهد عام 2021 انعقاد أحد أهم الأطر المتعددة الأطراف للتعاون الصيني- العربي وهو "منتدى التعاون الصيني- العربي"، إضافة إلى منتدى أمن الشرق الأوسط لتعزيز تبادل الخبرات في مجال الحوكمة، وتعزيز الحوار بين الحضارات، وتعميق التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف. ومن شأن تلك الأطر المؤسسية الارتقاء بعلاقات الطرفين وتعميق التفاهمات فيما بينهما مع التأكيد على أهمية تحويل نتائج تلك الزيارة إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وبذلك تعكس الزيارة وما صدر منها تحولا في سياسة الصين تجاه المنطقة نحو ممارسة دور أكبر في قضايا الشرق الأوسط ونزاعاته، بعد أن نأت الصين بنفسها لفترة عن مشكلات المنطقة، والمهم أن هذا الدور الصيني يلقى قبولا شديدا من قبل دول المنطقة الحريصة على مشاركة الصين بشكل أكبر خاصة في ظل توافق الرؤى بين الطرفين.

--

د. خديجة عرفة، باحثة في العلاقات الدولية من مصر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4