كلنا شرق < الرئيسية

وفاء لتجربة الصين الرائدة.. الأخذ بمبادرة "الحزام والطريق"

: مشاركة
2021-11-18 12:46:00 الصين اليوم:Source وارف قميحة:Author

لم تتخذ الصين تدابير تخل بالنظام التجاري العالمي، بل نفذت مزيدا من الإجراءات لتوسيع الإصلاح والانفتاح لمصلحة العالم تحت راية المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، فقد خفضت الصين القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية لدخول الأسواق الصينية لزيادة الفرص الاستثمارية، وعملت على تحسين بيئة ممارسة التجارة لجذب المستثمرين الأجانب، وتعهدت بتعزيز حماية الملكية الفكرية استجابة لمخاوف الشركات الأجنبية وأخذت زمام المبادرة لتوسيع الواردات عن طريق خفض التعريفات الجمركية لبعض السلع.

لم تعتمد الصين، التي تطورت من دولة فقيرة وضعيفة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على التوسع العسكري الخارجي والنهب الاستعماري، بل اعتمدت على عمل شعبها الدؤوب والمكافح. تعمل الصين أيضا مع جميع المشاركين الراغبين في بناء مبادرة "الحزام والطريق" على طريق التخفيف من حدة الفقر وتحقيق النمو. ووفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي، يمكن أن تساعد مشروعات "الحزام والطريق" بحلول عام 2030 في انتشال 6ر7 ملايين شخص من الفقر المدقع و32 مليون شخص من الفقر المعتدل في جميع أنحاء العالم.

لا نجادل في صحة توجهات القيادة الرشيدة والحازمة المتمثلة بنواتها الصلبة القائد شي جين بينغ الذي بفعل توجهاته وأفكاره وخطواته العملية، وفّر للصين إنجازات تاريخية ضخمة بتحسين حياة الشعب والقضاء على الفقر بعد سنوات من الجهود، حيث إن جميع سكان الريف في الصين الذين يعيشون تحت خط الفقر الحالي، والبالغ عددهم مائة مليون نسمة تقريبا، تخلصوا من الفقر عام 2020، فيما أُسقطت جميع المحافظات الـ832 الفقيرة و128 ألف قرية من على قائمة الفقر منذ الإصلاح والانفتاح في الصين، ووفقا لمعايير الفقر الحالية، حقق 770 مليونا من فقراء الريف هدف التخلص من الفقر؛ ووفقا لمعايير الفقر الدولية للبنك الدولي، شكّل الصينيون الذين حدّوا من الفقر أكثر من 70% من سكان العالم الذين يسعون إلى الهدف نفسه خلال الفترة نفسها، وتحقيق الرخاء وجعل الصين في مصاف الدول المتقدمة عالميا، وهذا هو الجوهر الفعلي للاشتراكية، وعليه استمر إجمالي حجم الاقتصاد الصيني في الارتفاع ليصبح "قاطرة" النمو الاقتصادي العالمي.

في خريف 2013، اقترح الرئيس شي جين بينغ في كازاخستان وإندونيسيا على التوالي، بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين". خلال ثماني سنوات فقط، تحولت مبادرة "الحزام والطريق" من مفهوم إلى منصّة رئيسية لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية، ومنفعة عامة على المستوى الدولي، ولاقت ترحيبا كبيرا وأصبحت هذه المبادرة عالمية حيث احتوت قرارات هامة صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن على فقرات تشير إلى هذه المبادرة. وأصبحت الصين الآن أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة ومنطقة وحتى نهاية يناير 2021، وقعت 171 دولة ومنظمة دولية 205 اتفاقيات تعاون مع الصين بشأن البناء المشترك "للحزام والطريق".

شهدت التجارة بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق، نموا قويا وارتفع إجمالي واردات وصادرات الصين مع هذه البلدان بنسبة 5ر27% على أساس سنوي لتصل إلى 35ر5 تريلونات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 4ر6 يوانات حاليا) في الفترة من يناير إلى يونيو 2021، وشكل حجم التجارة 6ر29% من إجمالي التجارة الخارجية للصين في نفس الفترة، في حين سجل النمو 4ر0 نقطة مئوية أسرع من الوتيرة الإجمالية، وتوسعت صادرات الصين إلى الدول الواقعة على طول الحزام والطريق بنسبة 1ر29% على أساس سنوي في فترة الأشهر الستة وفي الوقت نفسه، ارتفعت الواردات من هذه الدول بنسبة 6ر25%، مع حدوث نمو مطرد في الواردات من النفط الخام والمنتجات الزراعية وخام المعادن.

تشير التقارير إلى أن خدمة قطارات الشحن بين الصين وأوروبا أسهمت بشكل كبير في استقرار التجارة على طول "الحزام والطريق". وأظهرت أن الخدمة تعاملت مع 7377 رحلة في النصف الأول من عام 2021، بزيادة بلغت نسبتها 43% عن نفس الفترة من العام السابق. وحتى الآن، وصلت قطارات الشحن الصينية- الأوروبية التي تسافر على طول 73 خطا إلى أكثر من 170 مدينة في 23 دولة أوروبية. كما قدمت خدمات القطارات دعم النقل من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان والمناطق الواقعة على طول "الحزام والطريق".

في عام 2020، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين مائة تريليون يوان للمرة الأولى، وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تساهم الصين بأكثر من ثلث النمو الاقتصادي العالمي في عام 2021. اليوم يتجاوز متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالصين عشرة آلاف دولار أمريكي، وتحسنت مستويات معيشة الناس تحسنا كبيرا؛ وتم بناء أكبر نظام للضمان الاجتماعي في العالم، مع تأمين طبي أساسي يغطي أكثر من مليار وثلاثمائة مليون شخص وتأمين معاش أساسي يغطي ما يقرب من مليار شخص؛ كما زادت مساحة الغابات في الصين لأكثر من 30 عاما متتاليا، نحو ربع المساحة الخضراء التي نشأت في العالم حديثا من عام 2000 إلى عام 2017، وتحتل نسبة مساهمتها المرتبة الأولى في العالم. 

بمناسبة احتفال الصين بالذكرى السنوية الأربعين لتأسيس مدينة شنتشن كأول منطقة خاصة للإصلاح الاقتصادي، خلال زياراتي المتعددة للصين ولا سيما زيارة شنتشن في عام 2018، وجدت أن الإصلاح والانفتاح فى الصين لا يقتصر على عدد قليل من المناطق الاقتصادية الخاصة والمدن الكبرى، بل إصلاح وانفتاح شاملان ممتدان من الشرق إلى الغرب، ومن المناطق الحضرية إلى الأرياف. لذا، إن سبب نجاح الصين في حدوث "المعجزات الصينية" واحدة تلو الأخرى، هو القدرة القوية للشعب الصيني على التعلم والتكيف مع البيئة، إضافة الى أن القادة الصينيين حكماء جدا وهم طرحوا فكرة تأسيس المنطقة الاقتصادية الخاصة في شنتشن، الأمر الذي وفّر ضمانا نظاميا صلبا لنهوض الاقتصاد الصيني فى السنوات الأربعين الماضية. وبعد أربعة عقود من النمو السريع، تأتي شنتشن الآن في المرتبة الخامسة بين المدن الآسيوية، من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، الذي زاد بمعدل سنوي بلغ 7ر20%، ليصل إلى 7ر2 تريليون يوان في 2019، مقارنة مع 270 مليون يوان في عام 1980. لذا، تدرك الصين وقيادتها جيدا أهمية الاستثمار في التكنولوجيا ودخول الصين في رحلة جديدة نحو التحديث الاشتراكي.

لا بد لنا من الإشادة والتطلع بفخر إلى التجربة الصينية الغنية والأخذ بمندرجاتها، وهي التي استندت إلى عوامل مميزة وفرت لها سبل النجاح، إن عبر التمسك بالنواة القيادية الصلبة باعتبارها الضمانة، أو عبر الأخذ بالأفكار المرشدة الصحيحة، انطلاقا من أن الشعب وحده محور الاهتمام. وما كان ليتم ذلك إلا بتعزيز دور الحزب الشيوعي الصيني بفعالية لتطوير المكاسب والتصدي للمخاطر. 

المبعوث الحكومي الصيني للشرق الأوسط تشاي جيون، صرح بأن بلاده قدمت حتى اليوم قرابة مائة مليون جرعة من اللقاح الصيني إلى الدول العربية كمنح وصادرات، وأنجزت تعاونا مثمرا مع كل من مصر والإمارات في الإنتاج المشترك للقاح، الأمر الذي قدم مساعدة قوية في المعركة ضد الجائحة، مؤكدا أنه في النصف الأول من عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية 27ر144 مليار دولار أمريكي، بزيادة بلغت نسبتها 7ر25% على أساس سنوي، ما جعل الصين مستمرة كأكبر شريك تجاري للدول العربية، وأنها استوردت 130 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية، لكي يكون العرب أكبر موردي النفط الخام للصين، كما أحرز التعاون بين الجانبين تقدما، في مجالات اتصالات الجيل الخامس والبيانات الكبرى والطيران والفضاء والذكاء الاصطناعي وغيرها من التكنولوجيا المتقدمة والحديثة، مشيرا إلى أن هناك إمكانيات كامنة ضخمة لتطور الاقتصاد الأخضر في الصين والدول العربية، وأن التعاون تطور في مجالات الطاقة الشمسية والطاقة النووية وغيرها من الطاقة النظيفة، بما يساهم في بناء "طريق الحرير الأخضر".

منذ القدم وعبر طريق الحرير، كانت القوافل التجارية الصينية تنطلق من مدينة شيآن لتحط في مرفأ مدينة صور بجنوبي لبنان، آخر مدينة آسيوية لطريق الحرير، حيث كانت البضائع الصينية تحمل بالزوارق الفينيقية إلى البندقية في إيطاليا.

تمثّل تاريخ العلاقات اللبنانية- الصينية في توقيع الاتفاق التجاري بين البلدين بتاريخ 31 ديسمبر عام 1955، بغية المساهمة في تدعيم الصداقة بين شعبي لبنان والصين عن طريق العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك على أساس المساواة والمنافع المتبادلة. وقد سبق هذا الاتفاق تواصل ثقافي تمثل في ترجمة أعمال جبران خليل جبران التي أصبحت الترجمة الرسمية الثانية لنتاج ثقافي عربي في الصين بعد "ألف ليلة وليلة". وقد تولى هذه الترجمة كل من الروائي الشهير ماو دون والأديبة الصينية بينغ شين. ومن المفيد الإشارة الى أن رائد هذه العلاقات كان جورج حاتم (ما هاي ده) الطبيب اللبناني الأممي باني المنظومة الصحّية الصينية والذي ناضل الى جانب الزعيم ماو تسي تونغ في مسيرته الطويلة. كان لحاتم أعمال جبارة تمثلت في بحوثه العملية والطبية وأصبح في عام 1949 مواطنا صينيا، وهو أول أجنبي يحصل على الجنسية الصينية. وقد اختير في عام 2009 ضمن مائة شخصية أثّرت في الصين الجديدة. والجدير بالذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والصين أقيمت في التاسع من نوفمبر عام 1971.

وإداركا لأهمية هذه العلاقات تم التوقيع في سبتمبر 2017 على مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة الجمهورية اللبنانية حول "الترويج المشترك للتعاون في إطار "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين". وتنص المذكرة على تعاون الجانبين في مجالات ذات اهتمام مشترك، منها النقل واللوجستيات والبنى التحتية والاستثمار والتجارة، والطاقة المتجددة والتبادل الثقافي بين الشعوب، والصحة والرياضة.

 سبق هذه المذكرة التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين البلدين في شتى المجالات، من بينها اتفاقيات هبات قدمت إلى وزارة الخارجية اللبنانية، وزارة الصحة العامة، وزارة الأشغال العامة والجيش اللبناني، عبارة عن مستلزمات طبية وتجيهزات ومعدات متخصصة لمواجهة جائحة كوفيد- 19. وفي إطار آخر ساهمت الصين بالتبرع بقمية مليون دولار أمريكي في المؤتمر الدولي الذي خصص لدعم لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، كما شارك ضباط وجنود من الدفعة التاسعة عشرة لقوات حفظ السلام الصينية التابعة لليونيفيل في أعمال رفع الأنقاض وتنظيف مرفأ بيروت وثلاثة شوارع وبناية وزارة الخارجية اللبنانية (قصر بسترس) في فترة قياسية.

أظهرت القيادة الصينية الحكيمة حرصها الشديد، إن بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أو بالاستجابة لضرورات العزل وحصر الوباء. وعلى هذا المنوال، بادرت الحكومة المركزية والحكومات المحلية الصينية وشركات صينية والجالية الصينية في لبنان منذ تفشي كوفيد- 19 في لبنان بتقديم دفعات من المساعدات الطبية إلى الجانب اللبناني شملت 140 ألف جرعة لقاح وثلاثة آلاف وحدة من فحص "BCR" وأكثر من مليون وعشرين ألف كمامة طبية وعشرين ألف بزة واقية طبية وثلاثة آلاف زوج من النظارات الواقية ومائة ألف زوج من القفازات الطبية وستة آلاف وحدة من فحوص المناعة وأكثر من عشرة أجهزة حرارية لقياس درجات الحرارة في المراكز الحدودية ومائتي جهاز قياس حراري يدوي. ومن أجل تنفيذ الوعد المهيب من فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ بجعل اللقاح الصيني منتجا عاما عالميا، سيقدم الجانب الصيني دفعة جديدة من ثلاثمائة ألف جرعة من اللقاح الصيني كهبة للجانب اللبناني.

 في عام 2017 قمت بزيارة قرية ليانغجياخه في مقاطعة شنشي، القرية الصغيرة الجبلية التي عمل فيها الرئيس شي جين بينغ فلاحا وقضى فيها سبع سنوات عندما كان عمره بضعة عشر عاما. رأيت بأم العين الحياة الرغيدة التي يتمتع بها مواطنوها، حيث البنية التحتية والمواصلات والكهرباء والمياه وشبكات الإنترنت الفائقة السرعة والخدمات البريدية والخدمات السياحية المتاحة للزوار والسياح التي لا تقل عن خدمات المدن الحديثة. والأمر المميز والملفت هو أن المرأة شريكة الرجل في تأمين سبل العيش وفي التنمية المحلية. شاهدت الأراضي الزراعية التي تم استصلاحها وكيف تحولت إلى مصدر رزق وفير للمزارعين واستخدامهم الآلات الحديثة في قطاف غلة المحاصيل. ليانغجياخه التي حولت أيضا بعض أماكنها إلى متحف مفتوح، يأتي الآلاف من الزوار إليها لرؤية أسلوب الحياة المتواضع والقاسي في الماضي الذي ساعد في تشكيل فكرة الرئيس شي والفهم الأفضل لمعركته الصعبة ضد الفقر.

كنا نسمع عن الصين أنها ثاني اقتصاد في العالم وعن الحلم الصيني، ولكن عندما تشاهد بأم العين شبكة الطرق والأنفاق والجسور والقطارات السريعة والمترو والمطارات والموانئ والتطور التكنولوجي والمناطق الاقتصادية الحرة الخاصة، كل هذا في سبيل خدمة المواطن والتجارة والاقتصاد، لا يمكن أن تضل الطريق. طريق الحرير الجديد أصبح واقعا وليس علينا إلا ركوب القطار لكي لا يفوتنا.

في الذكرى السنوية الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية اللبنانية وجمهورية الصين الشعبية، نتطلع وبكل صدق لتطوير وإرساء هذه العلاقات بين بلدينا. وكلنا أمل أن يستفيد بلدنا الصغير لبنان من هذه التجربة الصينية الرائدة التي رعتها وطورتها القيادة الحكيمة. وللتأكيد، نحن بأشد الحاجة لأن الانهيار الكبير قد دق الأبواب جميعها على الصعد الاقتصادية والمالية والسياسية والمؤسساتية كافة.

--

وارف قميحة، رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني- الصيني.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4