كلنا شرق < الرئيسية

العرب والصينيون.. والطريق الثالث

: مشاركة
2022-12-07 14:39:00 الصين اليوم:Source أحمد سعيد العلوي:Author

في أكتوبر من عام 1962، كان الرهان الكبير الذي بلغ حد المراهنة بمصير البشرية، حينما قام زعيم الاتحاد السوفيتي السابق خروتشوف بنصب صواريخ نووية في كوبا، واضعا العالم على حافة المواجهة النووية الأولى، وذلك بعد أن نصبت الإدارة الأمريكية صواريخ نووية في تركيا في وجه المارد الأحمر وقتها.

الجميع يعرف جيدا تفاصيل هذه الواقعة ويذكرها، والبعض يستعيد أجواءها الملبدة مرة أخرى، ولكن الأمر الذي كان خطيرا في تلك الأزمة، أنها جعلت المراهنة إلزامية على العالم وعلى أوروبا على نحو خاص، فبات على القارة العجوز أن تختار بين واشنطن وموسكو.

لتأتي اللحظة التي أُجبر فيها الجنرال الفرنسي شارل ديغول على اختيار بلاد العم سام، منهيا فترة الاستقلال النسبي في السياسة الخارجية التي دشنتها أوروبا، خاصة فرنسا وتحديدا في الفترة منذ بداية عام 1958. كانت فرنسا ساحبة خلفها القطار الأوروبي، وقد رسمت في ذلك مسارات خاصة لطريق ثالث في سياستها الخارجية يسير في تعرجات ونتوءات وسط أتون الحرب الباردة.

وفي أكتوبر من عام 2022، ظلت ذات المراهنة بمصير البشرية على حالها، وكأن النظام العالمي لا يريد أن يتعلم أو نسي درس أزمة الصواريخ الكوبية، ليتكرر المشهد مرة أخرى مع الأزمة الأوكرانية يُجبر فيها العالم على أن يختار بين موسكو وواشنطن.

ووسط هذه المواقف المتشنجة وغيرها الكثير التي تجر العالم إلى أتون حرب تجاوزت حرارتها مقاييسها المعتادة، باردة وساخنة، لتهدد بتجربة الضغط على الزر النووي، لا بد أن نقرأ بعناية شديدة الموقف الصيني الذي يرسم طريقا ثالثا.

ويمكننا أن نقتبس التعبير الذي كان يطلقه بعض خبراء السياسة الأوروبيين في وقت سطوع نجم الاتحاد الأوروبي بأنه "القوة التحويلية"، أي الطريق الثالث بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، الذي يدفع الدول إلى التغيير عن طريق تبني مجموعة من المعايير والاشتراطات التنموية التي تجعل الدولة تتحول من مسار الصراعات للانعطاف نحو مسار التنمية.

إن هذا الطريق نراه الأول والوحيد وسط عتمة الحروب والصراعات، إنه طريق التنمية والاستقرار، والتأكيد على أن العالم وكل خرائطه ودوله قد ودعت قولا وفعلا عصر الحروب والصراعات المفتوحة التي لن تخدم أحدا ولا حتى مصالح مَن ينفخون النار في رمادها.

هكذا قال الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد انتخابه لولاية جديدة على رأس الحزب الشيوعي الصيني، أعلنها مدوية حين أكد أن "العالم في حاجة إلى التنمية والاستقرار وليس في حاجة إلى الحروب"، مضيفا أن "العالم في حاجة إلى الصين، والصين في حاجة إلى العالم".

نعم.. نحن أمام طريق ثالث يقدم قراءة واضحة لعالم ما بعد كوفيد- 19 وما بعد الأزمة الأوكرانية، يقوم على وضع أسس جديدة للنظام العالمي تخلع عباءة القطب الواحد.

وفي منطقتنا، يخط الطريق الثالث مساره بشكل واضح، عبر مواقف الدول العربية، خاصة الخليجية، التي أحدثت دويا قويا ثلاث مرات، حينما اختارت أولا عدم الانحياز إلى الموقف الأمريكي والغربي بشأن الأزمة الأوكرانية، وثانياً حينما صوّتت مع ما يدعو إلى وحدة الأراضي الأوكرانية، وثالثا حينما جاء قرار "أوبك+" الاقتصادي السليم بخفض إنتاج النفط رغم الضغوط الأمريكية لحماية هذه السلعة المهمة في أمن الطاقة العالمي في هذا الوقت الحرج من تلاعبات التسييس الطائشة.

يمكننا أن نقول بكل وضوح إن العرب إلى الصين اليوم، وفي ظل ما يجري حولهم، يرون الطرح الصيني قادرا على إعادة التوازن للنظام العالمي، ليصبح أكثر عدالة وتمثيلا للمصالح المشتركة لدول العالم، بكل تقسيماته وتفريعاته مع التركيز على إعادة التوازن للنظام الاقتصادي العالمي.

يجب أن نعترف بأن الصين سبقت العالم بهذه الرؤية الإصلاحية، فهي قدمت قبل عشر سنوات مشروع طريق الحرير الجديد، الذي يتجاوز المفاهيم الاقتصادية ليمنح العالم بصيرة إستراتيجية تسهم في تطوير النظام العالمي الجديد.

نؤمن نحن العرب بأن منطقتنا نقطة التقاء قارات العالم القديم، والرابط الجيواقتصادي والقاعدة لهذا الطريق الصيني الجديد، الأمر الذي يعبّد مسارات الطريق الثالث أمام الاقتصاد العالمي حتى يتمكن من استعادة عافيته ويتجاوز لحظة الانكفاء التي يعاني منها حاليا.

وفي الختام، وكما بدأنا بالتاريخ نعود إليه لننهل منه ما يخدم فكرتنا، فنحن كلما استدعينا خط الحضارة الإنسانية وجدنا ترابط الصين بالعرب وبغناء المنتوج الحضاري للعالم.

فالبوصلة والورق والبارود هي أشياء لا يجمع بينها سوى أنها اختراعات يظن الكثير من عامة الناس أن الذي ابتكرها هو الغرب، ولكنها في الحقيقة ابتكارات صينية كانت في مسار تطويرها مساهمات عربية وحتى غربية، لتجسد أبسط دليل من التاريخ على وحدة الخط الحضاري البشري.

التمسك بهذا المسار الحضاري الذي ينصهر فيه الجميع لخدمة البشرية هو الأمل الذي يعلو فوق النبرة التي يعلو أوارها بين الحين والآخر عن صراع الثقافات، وهو يقدم أبسط دليل على أن الثقافة هي إرث تملكه البشرية جمعاء؛ فليست ثمة ثقافة تملك القدرة على الانتشار والتطور بمعزل عن باقي الثقافات.

نحن العرب لدينا مقولة راسخة متجذرة تقول "اطلبوا العلم ولو في الصين"، مقولة تؤكد مكانة الصين في نفوسنا، خاصة في اللحظات الحالية التي يمر بها العالم. إننا بالفعل في حاجة إلى الصين.

--

أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير العين الإخبارية بدولة الإمارات العربية المتحدة.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4