كلنا شرق < الرئيسية

الصين ومخرجات قمة شرم الشيخ.. مشاركة فعالة وإنجازات متميزة

: مشاركة
2023-01-06 15:01:00 الصين اليوم:Source د. رانيا أبو الخير:Author

في واحد من أهم المؤتمرات الأممية في مجال تغير المناخ، استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية في الفترة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر 2022، الدورة الـسابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ المعروف اختصارا بـ"COP27"، والذي مثّل بدوره فرصة مهمة لتفعيل مخرجات المؤتمر السابق المنعقد في غلاسكو عام 2021، ووضع آليات تنفيذية لاستكمال ما ورد في اتفاقية باريس 2015، بما يتطلبه ذلك من حشد للعمل الجماعي بشأن إجراءات التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ، وهو ما تحقق في مؤتمر شرم الشيخ الأخير بمشاركة 110 من رؤساء الدول والحكومات، إلى جانب حضور ما يزيد عن 10 آلاف من منظمات المجتمع المدني، و26 ألفا و500 من الوفود الرسمية والهيئات، و3 آلاف و321 إعلاميا، بإجمالي 44 ألفا و174 مشاركا.

الرؤية الصينية وتغير المناخ في مؤتمر شرم الشيخ

كان من أبرز الوفود المشاركة في هذا المؤتمر الأممي، الوفد الصيني الذي ضم الممثل الخاص للرئيس الصيني لتغير المناخ شيه تشن هوا، ورئيس الوفد تشاو ينغ مين نائب وزير الإيكولوجيا والبيئة، وقد عكست تصريحاتهما ولقاءاتهما المتعددة، أبرز المنطلقات الحاكمة للرؤية الصينية بشأن قضية تغير المناخ والتي يمكن أن نجملها في نقطتين رئيسيتين، على النحو الآتي:

الأولى، على المستوى الوطني، وذلك من خلال البدء في تنفيذ إستراتيجية وطنية للتصدي بفعالية لتغير المناخ وتتبع مسار الأولوية البيئية والتنمية الخضراء المنخفضة الكربون، حيث حددت الدولة هدفها "الكربون المزدوج"، ذلك الهدف المتمثل في بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060، وهو ما كان قد أشار إليه الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته التي ألقاها عبر الفيديو إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني والعشرين من سبتمبر 2020، حيث جاء فيها: "إن الصين تهدف إلى بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060." وسعيا لتحقيق هذا الهدف، أنشأت الصين وكالة وطنية متخصصة، فضلا عن إصدار المبادئ التوجيهية حول كيفية تحقيقه. وفي هذا الخصوص تجدر الإشارة إلى بعض الإجراءات العملية التي اتخذتها الصين للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، من أبرزها ما يأتي:

-        إنشاء بورصة الصين للتجارة الخضراء ببكين في عام 2013 في إحدى المناطق التجارية بحي شيتشنغ، وتعد من أول مؤسسات تجارة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين، وقد تصدرت البورصات الأخرى من حيث حجم تجارة ثاني أكسيد الكربون على مدى السنوات الأخيرة. ويذكر أن هذه البورصة كانت في الأصل بورصة الصين للبيئة ببكين التي أُنشئت في أغسطس عام 2008، واتخذت اسمها الحالي في سبتمبر عام 2021. وخلال 14 سنة منذ تأسيسها، نجحت البورصة في تحقيق أول صفقة للخفض الطوعي لانبعاثات الكربون في الصين، ووضع معيار باندا، أول معيار صيني للخفض الطوعي للانبعاثات، وإصدار أول بطاقة ائتمانية صينية لتخفيض الانبعاثات، وإنشاء أول بنك للأعمال المتعلقة بالحياد الكربوني.

-        خلال دورتي بكين للألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتويتين فبراير 2022، استخدمت اللجنة المنظمة عدة تدابير لتخفيض انبعاثات الكربون، منها بناء الإستادات المنخفضة الكربون وتوليد الكهرباء بالطاقة النظيفة والتشجيع على السفر الأخضر.

-        تقليل انبعاثات الكربون لوسائل النقل، وذلك من خلال استبدال الحافلات التي تعمل بالديزل بالحافلات التي تعمل بالكهرباء والغاز الطبيعي. ويذكر أنه في الثامن عشر من أغسطس عام 2021، أصدرت مجموعة النقل العام ببكين التقرير السنوي الثامن للمسؤولية الاجتماعية لعام 2020، والذي جاء فيه أن عدد الحافلات بلغ 23948، يعمل 34ر87% منها بالطاقة الجديدة والنظيفة. كما أسرعت الشركة في بناء محطات الغاز الطبيعي ومحطات الشحن الكهربائي وغيرها من المنشآت الأساسية المعنية.

-        في سبتمبر عام 2020، أطلقت بكين منصة MaaS للسفر الصديقة للبيئة، بهدف التشجيع على استخدام طرق السفر الصديقة للبيئة.

الثانية، على مستوى التعاون الدولي، من خلال ضرورة التآزر الجماعي للحد من التلوث وخفض الكربون، كون ذلك بمثابة نقطة الانطلاق نحو تعزيز التحول الأخضر الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا السياق، أشار السيد شيه تشن هوا إلى أن "مشاورات غير رسمية جرت بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشأن المناخ خلال هذا المؤتمر.. وأن الولايات المتحدة الأمريكية أغلقت باب العلاقات.. وأن الصين هي من تحاول فتحه"، مؤكدا على "استعداد الصين للمساهمة في آلية لتعويض الدول الفقيرة عن الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ"، موضحا حقيقة الموقف بأنه إذا كان صحيحا أن الصين ليست ملزمة بالمشاركة، فإنها متضامنة مع أولئك الذين يطالبون بمزيد من التدابير من الدول الغنية بشأن هذه القضية، خاصة في ضوء الضرر الذي عانت منه الصين بسبب الظروف الجوية القاسية الأخيرة المرتبطة بالمناخ"، مؤكدا على أمله في أن "يلبي المؤتمر هذه المرة مطالب الدول النامية بقدر المستطاع، حيث أنه يقام في مصر، التي تعد واحدة من الدولة النامية".

الصين ومخاطر التغير المناخي

ليست مبالغة القول إن الصين، كما أنها من أكثر الدول إسهاما فيما تشهده الكرة الأرضية من ارتفاعات في درجات الحرارة، فإنها أيضا من أكثر البلدان تأثرا بالتغيرات المناخية، فقد واجهت البلاد خلال منتصف هذا العام (يونيو 2022) موجة حر ليست الأولى من نوعها وإنما هي الأشد، حيث استمرت عدة أيام بشكل تصاعدي بما دفع المركز الوطني الصيني للأرصاد الجوية إلى إصدار تحذير من "الدرجة القصوى" بشأن درجات الحرارة الحارقة، محذرا من أن هذه الموجة هي الأقوى منذ عام 1961. وقد أدت هذه الموجة إلى زيادة حجم المناطق الصينية التي واجهت جفافا في فترة حرجة من زراعة حبوب الخريف والتي تمثل 75% من إنتاج الحبوب السنوي للبلاد. ووفقا لوكالة الأنباء الصينية الرسميَة (شينخوا)، ذكرت مديرية الزراعة في مقاطعة هوبي بوسط الصين، أن هناك حوالي 397200 هكتار مزروعة بالمحاصيل تأثرت بنقص المياه. كما تأثرت إمدادات المياه في الريف، حيث جفت بعض الأنهار الصغيرة والمتوسطة بدرجة لا تسمح لها بمواصلة التدفق، وهو ما كان له تأثير كبير في العديد من المناطق الصناعية في البلاد على غرار منطقة سيتشوان التي تعتمد بشكل كبير في تشغيل مصانعها على الطاقة الكهرومائية، مما أدى إلى إغلاق بعض المصانع بها.

وفي السياق ذاته، جاء التقرير الصادر في الثاني عشر من أكتوبر 2022 عن مجموعة البنك الدولي والذي حمل عنوان "تقرير المناخ والتنمية الخاص بالصين"، ليشير إلى أن تغير المناخ يشكل خطرا كبيرا على ازدهار الصين في الأمد الطويل مقدرا بأنه قد يؤدي إلى خسائر في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 5ر0% و3ر2% بحلول عام 2030. ورغم ذلك، أشاد التقرير أيضا بوضع الصين الجيد، حيث يُمكّنها من الوفاء بالتزاماتها المناخية والتحول إلى اقتصاد أكثر اخضرارا وبما يحقق أهدافها الإنمائية، وذلك في ضوء ما تمتلكه من قدرات تكنولوجية متقدمة تمكنها من المضي قدما على طريق تحييد أثر انبعاثات الكربون، ليفتح لها ذلك آفاقا جديدة للتنمية، ليس فقط على مستوى الداخل الصيني، بل على مستوى العالم بأسره، إذ أنه وفقا لتقديرات مجموعة تعقب العمل المناخي (CAT)، فإن تحقيق "الحياد الكربوني" في الصين في عام 2060 يمكن أن يخفض توقعات الاحتباس العالمي بحوالي من 2ر0 درجة مئوية إلى 3ر0 درجة مئوية بحلول عام 2100.

التغير المناخي ورابطة المصير المشترك.. قراءة في رؤية الرئيس شي

صحيح أن الرئيس الصيني شي جين بينغ لم يشارك في فعاليات مؤتمر شرم الشيخ، إلا أن رؤيته الحكيمة في تعميق الربط بين قضية التغير المناخي والرؤية الإنسانية التي يحملها بشأن رابطة المصير المشترك للبشرية جمعاء، برزت في مواقف الوفد الصيني خلال لقاءاته وتصريحات كما سبق الإشارة، حيث كانت هذه الرؤية هي الحاكمة للتوجهات الصينية حيال قضية تغير المناخ. وقد عبر الرئيس شي عن هذه الرؤية بجلاء في خطابه السابق في قمة المناخ السادسة والعشرين المنعقدة في إبريل 2021، حينما أشار إلى ذلك بوضوح بقوله: "في وجه التحديات غير المسبوقة أمام الحوكمة البيئية العالمية، يجب على المجتمع الدولي التحلي بطموحات واتخاذ خطوات غير مسبوقة، وتحمل المسؤولية بشجاعة وتضافر الجهود لإقامة رابطة حياة مشتركة للإنسان والطبيعة"، تلك الرابطة التي تحددت ملامحها في عدة محاور وردت في هذا الخطاب، والتي تتمثل أبرز عناصرها فيما يأتي:

-        الالتزام بالتناغم بين الإنسان والطبيعة، حيث تعد الطبيعة مهدا لجميع المخلوقات بما فيها البشرية، وتوفر ظروفا أساسية لبقاء البشرية وتنميتها. يجب علينا أن نتعامل مع الطبيعة باعتبارها جذرنا ونحترمها ونحميها ونتبع قوانينها.

-        الالتزام بالتنمية الخضراء، وذلك من خلال "التخلي عن الأنماط التنموية التي تخرب بل وتدمر البيئة، ونبذ المقاربات القصيرة النظر التي تسعى وراء التنمية القصيرة المدى على حساب البيئة وتدهورها".

-        الالتزام بالحوكمة المنهجية، واحترام القواعد الفطرية للنظام الإيكولوجي وحسن التوازن بين كافة العوامل الطبيعة، وذلك من أجل تعزيز دوران النظام الإيكولوجي والمحافظة على التوازن فيه.

-        الالتزام بمقاربة مركزها الإنسان. إن البيئة تخص رفاه شعوب العالم، فيجب علينا أخذ تطلعات شعوب العالم إلى حياة أفضل وبيئة متميزة ومسؤولياتنا إزاء الأجيال القادمة في عين الاعتبار. ونحتاج إلى إيجاد سبل لحماية البيئة والتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل والقضاء على الفقر في آن واحد، سعيا إلى تحقيق العدالة والإنصاف الاجتماعيين وزيادة إحساس كافة الشعوب بالكسب والسعادة والأمن في عملية التحول الأخضر.

-        الالتزام بتعددية الأطراف، إذ يحتاج الأمر إلى العمل على أساس القانون الدولي والتمسك بمبدأ العدالة والإنصاف والتركيز على الخطوات الفعالة، لصيانة المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها، واتباع الأهداف والمبادئ الواردة في "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" و"اتفاقية باريس"، وبذل جهود لتنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة؛ ونحتاج إلى اتخاذ خطوات أقوى وتعزيز علاقات الشراكة ورفع مستوى التعاون، والاستفادة المتبادلة لتحقيق التقدم المشترك في المسيرة الجديدة نحو الحياد الكربوني العالمي.

وتنفيذا لهذه الرؤية الإنسانية، جاء التعهد الرئاسي الصيني كما ورد في الخطاب ذاته بأن: "الصين باعتبارها مشاركة ومساهمة ورائدة في بناء الحضارة الإيكولوجية في العالم، ستلتزم بتعددية الأطراف بكل ثبات، وتعمل على إقامة منظومة الحوكمة البيئية العالمية التي تتسم بالعدالة والإنصاف والتعاون والكسب المشترك"، مدللا على هذا بما أطلقته الصين في هذا الخصوص من مبادرات خضراء عدة ضمن تعاونها الإيكولوجي في مبادرتها العالمية "الحزام والطريق"، حيث أطلقت سلسلة من مبادرات العمل الأخضر.

ومن نافلة القول إن هذه الرؤية قد تأكدت بشكل أكثر وضوحا وتحديدا في الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينغ في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني قبيل قمة شرم الشيخ في أكتوبر 2022، حيث أكد على أن "احترام الطبيعة والتكيف معها وحمايتها أمر ضروري لبناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، مع أهمية اتباع نهج شامل ومنظم للمحافظة على الجبال والأنهار والبحيرات والغابات والحقول والمروج والصحارى وتحسينها"، موضحا الخطوات التي تتخذها الصين في هذا الخصوص، والتي أجملها فيما يأتي:

-        إجراء تخطيط شامل لتعديل الهيكل الصناعي ومعالجة التلوث وحماية البيئة ومواجهة تغير المناخ، وتنسيق الجهود لخفض انبعاثات الكربون والحد من التلوث وتوسيع نطاق التنمية الخضراء واستدامة النمو الاقتصادي.

-        الدفع بالتنمية القائمة على إعطاء الأسبقية لحماية البيئة والاستغلال الاقتصادي والمكثف للموارد والأساليب الإنتاجية الخضراء والمنخفضة الكربون.

-        تنفيذ إستراتيجية شاملة للمحافظة على البيئة، تعزز الصناعات الخضراء والمنخفضة الكربون، وتشجع الاستهلاك الأخضر. مع القضاء بشكل عام على تلوث الهواء الخطير، فضلا عن المسطحات المائية السوداء ذات الرائحة الكريهة في المدن. إلى جانب تعزيز الوقاية من تلوث التربة ومكافحته من المصدر.

-        استخدام الفحم بطريقة أنظف وأكثر كفاءة، مع تسريع تخطيط وتطوير نظام لمصادر الطاقة الجديدة.

-        المشاركة بنشاط واسع في الحوكمة العالمية استجابة لتغير المناخ.

جملة القول، إن ما حققته الصين من إنجازات في مجال التحول الأخضر كان نتاجا لرؤية قائد وحكمته، وجهد حكومة وسعيها، وتضامن ووعي مجتمعي. تلك هي ثلاثية النجاح في أي مبادرات أو مشروعات أو إستراتيجيات وطنية. وقد تحققت هذه الثلاثية في الصين، ليس فقط في مواجهة التغيرات المناخية وإنما في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات، وهو ما أهل الصين لأن تصبح دولة صاعدة إلى قمة النظام الدولي على أسس متينة وركائز ثابتة.

--

د. رانيا أبو الخير، رئيسة مجلس إدارة جمعية ((صوت الخير))، في مصر.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4