كلنا شرق < الرئيسية

القمة الصينية- العربية

: مشاركة
2023-01-06 15:06:00 الصين اليوم:Source عماد الأزرق:Author

اكتسبت القمة الصينية- العربية الأولى والتي التأمت مؤخرا بالمملكة العربية السعودية أهمية كبيرة إذ عقدت في ظروف إقليمية ودولية بالغة الحساسية، حيث أكدت على عمق وقوة العلاقات العربية- الصينية، وقد جاءت تتويجا لما تشهده العلاقات بين الجانبين من تنام مطرد وتعاونا كبيرا وتنسيقا لافتا خاصة خلال الـ20 عاما الأخيرة، وقد كان أبرز المحطات خلالها، إطلاق منتدى التعاون الصيني- العربي عام 2004، وانخراط جميع الدول العربية تقريبا في مبادرة "الحزام والطريق"، ورفع مستوى العلاقات بين الصين والدول العربية إلى مستوى العلاقات الإستراتيجية والعلاقات الإستراتيجية الشاملة، والذي تم ترجمته في الزيادة الكبيرة في حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والثقافي والتكنولوجي، إذ تعد الصين حاليا أكبر شريك تجاري للدول العربية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو 330 مليار دولار أمريكي في عام 2021، بعد أن كان نحو 7ر36 مليار دولار أمريكي في عام 2004 عندما تم تدشين منتدى التعاون الصيني- العربي. وبلغت استثمارات الصين في الدول العربية 9ر213 مليار دولار أمريكي في عام 2021.

لقد كانت القمة الصينية- العربية فرصة سانحة للجانبين لتعزيز التعاون الجماعي، والعمل سويا على بناء إستراتيجية متكاملة للتعاون المشترك وبناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية، بما في ذلك تنسيق الإستراتيجيات والتوجهات والخطط التنموية المشتركة اقتصاديا واجتماعيا، والبحث في كيفية التعامل مع شواغل الجانبين في مختلف المجالات، ولا سيما في ظل ما يتمتع به الجانبان من ثقة متبادلة من خلال المواقف الكثيرة التي أثبتت قدر الصداقة بينهما منذ تدشين العلاقات المشتركة بين الصين والدول العربية، إذ تعتبر الصين الدولة الوحيدة في العالم التي لم تتغير مواقفها من دعم كافة القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كذلك دعم الاقتصادات العربية من خلال الاستثمارات الضخمة فيها، والتبادل التجاري، واعتمادها بشكل كبير في توفير احتياجاتها من النفط على الجانب العربي، بالإضافة الى التعاون الكبير في مواجهة جائحة كوفيد- 19.

وتعتبر القمة الصينية- العربية نقطة تحول كبيرة في العلاقات فيما بينهما، بما يرتقي بمستوى العلاقات المتبادلة، ويعزز التعاون في مختلف المجالات، وبما يحقق مصالح الطرفين، وهو ما أكدت عليه القمة في بيانها الختامي من الحرص المشترك على تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية والصين، القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل، والعمل على تعميق التعاون العربي- الصيني في مختلف المجالات من خلال الآليات القائمة في إطار منتدى التعاون العربي- الصيني.

وفي تقديري فإن من أهم صور التعاون التي ستشهد تركيزا كبيرا من الجانبين بعد القمة الصينية- العربية، وفي ضوء ما صدر عنها، تتمثل في تحقيق تنمية حقيقية في المنطقة العربية من خلال توسيع الاستثمارات الصناعية والزراعية، وتوطين التكنولوجيا والتعاون العلمي لتحقيق طفرات تنموية اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية حقيقية بما يحقق المنافع المتبادلة والفوز المشترك، ويمكن المنطقة من امتلاك عناصر القوة المختلفة، في إطار الشراكة والتعاون الذي يستهدفه الطرفان، ويحقق الرفاه والرخاء لشعبي الأمتين العربية والصينية.

ويمكن القول بكل ثقة، إن العلاقات العربية- الصينية مقبلة على مرحلة مفصلية في تاريخها، مما يؤكد أن علاقات ما بعد القمة تختلف تمام الاختلاف عما كانت عليه قبلها، خاصة في ظل التحديات الهائلة التي يواجهها الجانبان والمجتمع الدولي ككل سواء، فيما يتعلق بتأثيرات الأزمة الأوكرانية أو استمرار جائحة كوفيد– 19، وما ترتب على ذلك من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وتأثر سلاسل التوريد والانكماش الاقتصادي وانعكاسه على مستوى معيشة الشعوب، ووجود فرص كبيرة للتعاون بين الجانبين الصيني والعربي بما يملكانه من قدرات اقتصادية وتكنولوجية وخبرات هائلة تمكنهما من التكامل والعمل على تجاوز هذه التحديات وتحويلها إلى فرص تخدم مصالح الطرفين، مما يؤشر إلى أننا مقبلون على مرحلة جديدة من العلاقات العربية- الصينية سيتم البناء عليها خلال العقود المقبلة.

إن جمهورية الصين الشعبية، رغم كونها دولة كبيرة وذات تاريخ عريق، تتميز بأنها لا تمتلك تاريخا استعماريا، بل على العكس من ذلك عانت كثيرا من الاستعمار الأجنبي في حقب عديدة من تاريخها شأنها في ذلك شأن المنطقة العربية، لذا فإن الصين تنتهج في سياستها الخارجية ما يعرف بـ "الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية"، والتي تعتمد على التنمية السلمية والاستفادة المتبادلة والفوز المشترك، وبرز ذلك من خلال تأكيد القمة الصينية- العربية على ضرورة تكريس القيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، ورفض التدخل في الشؤون الدول الداخلية بذريعة الحفاظ على الديمقراطية، وكذلك احترام حق شعوب العالم في اختيار طرق تطوير الديمقراطية والنظم الاجتماعية والسياسية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية بإرادتها.

وبالتالي فالصين، في تقديري، لا تنتهج أساليب القوى الاستعمارية الكبرى، فهي لا تبحث عن تابعين ضعفاء أو مناطق نفوذ تفرض عليها هيمنتها سعيا لاستغلالها واستنزاف ثرواتها بقدر ما تسعى إلى شركاء أقوياء يكون لديهم القدرة معا على التعاون المثمر والبناء لصالح الطرفين ولصالح المجتمع الدولي، فيما يمكن أن نطلق عليه "شراكة القوة وقوة الشراكة أو صداقة القوة وقوة الصداقة"، ولذا أطلقت القيادة الصينية ما يعرف بـ"رابطة المصير المشترك للبشرية"، والتي ينبثق منها "رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية".

لقد جاءت القمة الصينية- العربية في وقت يشهد فيه النظام الدولي حراكا وجهودا مكثفة في محاولة لبناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، يمكن أن يحقق العدالة والإنصاف بين وحدات المجتمع الدولي المختلفة، فيما تواجه هذه الجهود معارضة شديدة من الولايات المتحدة الأمريكية مدعومة بعدد من حلفائها، خاصة بعد إعلان واشنطن مؤخرا أن الصين وروسيا هما "التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية للولايات المتحدة الأمريكية"، ما يجعل للتعاون العربي- الصيني أهمية جيوسياسية هائلة خاصة مع ما يمتلكه الجانبان من إمكانيات وقدرات بشرية واقتصادية وثقافية وحضارية هائلة.

لقد عانت المنطقة العربية كثيرا في ظل النظام الدولي، سواء ذلك الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية أو بعد الحرب الباردة أو قبلهما. والآن إذ يتشكل نظام دولي جديد، فإن الدول العربية مطالبة بأن تشارك بإيجابية في إعادة صياغته حتى تكون أحد الفاعلين المؤثرين فيه. وفي تقديري، فإن التعاون العربي- الصيني من شأنه أن يمكن الدول العربية من امتلاك عناصر القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، فضلا عما تمتلكه المنطقة من قوة ثقافية وحضارية هائلة، ما يجعل الجانبان قادرين على إيجاد نظام دولي.

إن الصين، التي يتطلع إليها الكثير من دول العالم خاصة الدول العربية، باعتبارها تقدم نموذجا يحتذى ويمكن الاستفادة منه في مواجهة التحديات والأزمات والمشاكل وصولا إلى تحقيق الحلم الصيني العظيم، قادرة على دعم ومساندة الدول النامية وفي القلب منها الدول العربية على وضع أسس نظام دولي جديد يحقق العدالة والإنصاف يقوم على التعددية بدلا من الأحادية، والتعاون بدلا من الصراع، وتبادل المنافع بدلا من الاستغلال، والفوز المشترك بدلا من الاستنزاف، وبما يحقق الأمن والاستقرار والسلم العالمي ليوفر بيئة دولية مناسبة للتنمية السلمية والتعاون بما يساهم في تحقيق الرفاه والرخاء لمجتمعات العالم، بما في ذلك المجتمعات العربية التي تمتلك مقومات ذلك.

--

عماد الأزرق، رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4