كلنا شرق < الرئيسية

العلاقات العربية- الصينية.. شاهد عيان

: مشاركة
2023-01-06 15:10:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

ثمة علاقة شديدة الخصوصية تربطني بالصين، ترجع بداياتها إلى عام 1998. وقد مرت هذه العلاقة بمراحل عديدة، بداية من الدراسة في بكين، مرورا بمرحلة العمل كمستشار إعلامي بسفارة مصر لدى الصين، وصولا إلى المرحلة الحالية بالتخصص في الشؤون الصينية. ولا يمكن فصل هذه المراحل عن السياق العام للعلاقات بين الدول العربية والصين، والتي أثبتت تطورات الأحداث أنها تنمو وتتطور بصورة حثيثة بما يصب في تحقيق مصالح الجانبين.

الدراسة والعمل الإعلامي في الصين

في عام 1998، وبناء على بروتوكول التعاون الموقع بين الهيئة العامة للاستعلامات المصرية والجانب الصيني، تم ترشيحي للسفر إلى جمهورية الصين الشعبية للحصول على دبلوم الإخراج الصحفي واستخدام الوسائط المتعددة بمركز "فاوندر" للكمبيوتر التابع لجامعة بكين. ونظرا لقلة معلوماتي عن الصين، ذلك البلد الذي كان شبه مجهول بالنسبة لي، فضلا عن عدم إلمامي باللغة الصينية، وما سيترتب على ذلك من جعل مهمتي في هذا البلد بالغة الصعوبة، فقد خصصت يوميا جزءا من وقتي لمشاهدة القناة التاسعة بالتلفزيون المركزي الصيني (CCTV 9) الناطقة باللغة الإنجليزية، حيث لم تكن هناك قناة صينية ناطقة باللغة العربية آنذاك، خاصة وأن القناة العربية لشبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN) والتي كانت تُعرف بـالقناة العربية لـ(CCTV) ظهرت في عام 2009، وهي قناة متخصصة ضمن شبكة (CGTN) وتبث على أقمار اصطناعية مختلفة في جميع أنحاء العالم علي مدار الساعة. وقد أتاحت لي القناة التاسعة لـ(CCTV) الناطقة بالإنجليزية فرصة ذهبية للتعرف على بعض ملامح الثقافة والحياة الاجتماعية في الصين، كما قمت أيضا بالحصول على بعض النسخ من الطبعة العربية لمجلة ((الصين اليوم))، وبدأت في تعلم بعض الكلمات المفتاحية للحياة باللغة الصينية.

في حقيقة الأمر، انتابتني مشاعر مضطربة قبل سفري للمرة الأولى إلى الصين، بسبب الصورة الذهنية لدي عن هذا البلد، وخاصة فيما يتصل بالمأكل والمشرب واللغة.. إلخ. ومع ذلك، فقد عقدت العزم وحزمت حقائبي في الأول من سبتمبر 1998، متوجها إلى بكين مرورا بموسكو، حيث لم تكن هناك رحلات مباشرة لشركة مصر للطيران في ذلك الوقت بين القاهرة وبكين. وقد كان للفترة التي قضيتها في الصين خلال دراستي بها أكبر الأثر في حياتي المهنية فيما بعد، من حيث التعمق أكثر في متابعة تطورات الأوضاع في هذا البلد، لا سيما بعد تعرفي على أوجه كثيرة من مناحي الحياة في الصين، جعلتني أشعر أن العادات العربية قريبة إلى حد كبير من العادات الصينية. ثم توالت المأموريات إلى الصين كل عام تقريبا وكان لمسؤوليتي عن الوفد الصحفي المشارك في تغطية فعاليات أولمبياد بكين 2008 والمشاركة المصرية فيها، أثر كبير في ارتباطي وتعلقي بهذا البلد العظيم الذي استطاع في فترة زمنية قصيرة من النهوض والنمو بشكل متسارع، إلى أن سافرت للعمل كمستشار إعلامي بسفارة جمهورية مصر العربية لدى الصين خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2013. وقد كان لي الشرف بعد ذلك أن أكون ضمن الوفد الصحفي خلال الزيارات الرئاسية المصرية لبكين في أعوام 2014 و2015 و2016 و2017 و2018، إضافة إلى العديد من الزيارات الأخرى للمشاركة في مؤتمرات واجتماعات صينية- عربية مشتركة متعددة، وكذا مشاركات باستخدام التواصل الإلكتروني خلال فترة كوفيد- 19.

متابعة حثيثة لملف العلاقات العربية- الصينية

كل ما سبق جال بخاطري قبل أن أبدأ في كتابة هذا المقال. وفي حقيقة الأمر، فإنه من خلال اقترابي من ملف العلاقات المصرية- الصينية والعربية- الصينية لاحظت تطورا سريعا ومتناميا، خاصة خلال العقد الماضي، والذي يُعد عقدا استثنائيا في العلاقات المصرية- الصينية وكذا العربية- الصينية، خاصة وأن الصين ترتبط بعلاقات تاريخية متميزة وقديمة قدم الزمان مع الدول العربية، وهي علاقات ترتكز على مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بين الجانبين، مما جعل العلاقة تستمر إلى يومنا هذا وتنمو بسرعة كبيرة. وقد عزز الجانبان العربي والصيني الحوار والتبادلات والتعلم المتبادل، والعمل على أساس مبدأ المنفعة المتبادلة، وليس أدل على ذلك من انضمام قرابة عشرين دولة عربية إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، مما جعل التجربة الصينية حُلما يراود الشباب العربي في نماذج النجاح والتنمية المستدامة، مع أهمية الاستفادة من التجربة الصينية في مجال التنمية ومحاربة الفقر، وفي مجال الإصلاح الاقتصادي، وفي النضال ضد الاستعمار. حقا استطاعت الصين تحقيق التنمية الاقتصادية والاستقلال السياسي، وأصبحت بلا منافس نموذجا يُحتذي به.

محطات بارزة في العلاقات

مصر هي أول دولة عربية اعترفت بجمهورية الصين الشعبية وأقامت علاقات دبلوماسية معها فى عام 1956. وتوالى بعد ذلك إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية. وتُعد الصين حاليا شريكا إستراتيجيا لكثير من الدول العربية، خاصة مع إعلان الرئيس شى جين بينغ فى عام 2013 عن مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تعد أساس انطلاق العلاقات الإستراتيجية الصينية الحديثة. الدول العربية هي مصدر رئيسى للنفط الخام إلى الصين، فالسعودية والعراق وعمان والكويت من بين أكبر الدول المصدرة للنفط إلى جمهورية الصين الشعبية، كما أن قطر تمد الصين بقرابة ثلاثة ملايين طن من الغاز الطبيعى المسال.

وفي إطار منتدى التعاون العربي- الصيني، عقد المنتدى اجتماعا وزاريا عام 2004، وفى عام 2010، عُقد المؤتمر الوزاري الرابع للمنتدى فى مدينة تيانجين الصينية، والذي اتفق فيه الجانبان على زيادة التعاون الصيني- العربى وتعزيز العلاقات الإستراتيجية.

ثم جاء الخطاب الهام للرئيس الصيني شي جين بينغ أثناء زيارته لمصر فى 22 يناير 2016 أمام جامعة الدول العربية بالقاهرة، والذي جاءت ثماره فى يوليو 2018، حيث تم الاتفاق على الشراكة الإستراتيجية الصينية- العربية نحو المستقبل والتعاون الشامل والتنمية المتبادلة من قبل الجانبين. وكانت الوثيقة الأكثر أهمية هي "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية"، الصادرة في يناير 2016، والتي نصت على أن "الصين مستعدة لتنسيق خطط التنمية مع الحكومات العربية، وإنشاء قدرة إنتاجية دولية، وتعزيز التعاون فى مختلف الصناعات".

فرص كبيرة للتعاون العربي- الصيني

هناك فرص كبيرة يمكن العمل عليها بين الدول العربية والصين، خاصة في ضوء مبادرة التنمية العالمية التي طرحتها الصين مؤخرا، والتي تهدف إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى قضايا التنمية، ودعم تقوية الشراكات الإنمائية العالمية، وتعزيز التعاون الإنمائي الدولي، وتسريع تنفيذ أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، بما يدفع تنمية عالمية خضراء بشكل أقوى، وقد أعربت كل من مصر والسعودية والجزائر والإمارات وقطر والمغرب وغيرها، عن دعمها لهذه المبادرة.

ومن هذه الفرص، علي سبيل المثال لا الحصر، الاستثمار المشترك في مجالات التعدين، خاصة في مصر والسودان والجزائر وموريتانيا، وإقامة قواعد صناعية مشتركة توظف فيها القدرات الصينية والعربية تقنياتها وخبراتها، ويستفاد فيها من المواد الخام التي تمتلكها الدول العربية، مع التركيز على مواد خام تنتجها بعض الدول العربية بشكل حصري، كالرمال السوداء في مصر، والتي تشكل مصدرا مهما للثروة المعدنية فيها، حيث تعد أحد الكنوز المهمة والطبيعية التي تسعى مصر إلى استغلالها أفضل استغلال. وتوجد الرمال السوداء في 11 موقعا على السواحل الشمالية لمصر تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة. وكذلك هناك الصمغ العربي والذي ينتج السودان منه 80% من الإنتاج العالمي والذي يدخل في غالبية الصناعات الغذائية والدوائية، وكذا الصناعات العسكرية، ويعد الصمغ العربي مادة واحدة من المواد الخام النادرة التي تزخر بها الدول العربية.

تعاون يصب في مصلحة الجانبين

لا شك أنه يجب على الجانبين العربي والصيني، أن يكونا شريكين في الفوز والتنمية المشتركة، والعمل على مواصلة دفع البناء المشترك. ونظرا للتطور السريع والمتنامي خلال السنوات العشر الماضية، فقد حققت العلاقات الصينية- العربية تطورا كبيرا على مختلف الأصعدة، رغم جائحة كوفيد- 19، خاصة على الصعيد التجاري والاقتصادي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية حوالي 330 مليار دولار أمريكي في عام 2021، مما جعل الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية، وقامت الصين باستيراد 264 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية في عام 2021، وهو ما يمثل نصف واردات الصين من النفط الخام. وهذا يؤكد تطور ونمو العلاقات العربية- الصينية.

والحقيقة أن اجتماعات ونتائج المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، أكدت أنه لا يمكن للصين أن تتطور من دون العالم، والعالم يحتاج أيضا إلى الصين، وهذه المبادئ الصينية تصب في مصلحة الدول العربية والصين. وقد أثبتت الأحداث أن العالم كله يعيش في كوكب صغير وتحرص الصين على مشاركة خبراتها وتجاربها مع كافة البلدان العربية، كما أنها لم تبخل في نقل تجربتها إلى كل مَن يريد الاستفادة منها من الدول، سواء الدول النامية أو غيرها. ومن المؤكد أن الصين تختلف جذريا عن الدول الغربية المستعمِرة التي تتعامل مع الدول العربية من أجل نهب ثرواتها الطبيعية.

وفي الختام، يحدوني الأمل في أن يتم تفعيل مخرجات القمة الصينية- العربية الأولى، بما يحقق الاستفادة القصوى مما يزخر به الجانبان من إمكانيات اقتصادية وثروات طبيعية هائلة، وبما يؤدي إلى تحقيق نقلة نوعية مهمة في العلاقات العربية- الصينية من جهة، وضخ مزيد من الزخم في التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي لشعبي الجانبين من جهة أخرى. 

--

أحمد سلام، خبير في الشؤون الصينية، والرئيس الأسبق للمكتب الإعلامي بسفارة مصر لدى الصين.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4