ربما لم يخطر ببال أحد قبل أكثر من عشر سنوات أن شركة "بي واي دي" الصينية، التي لم يكن اسمها معروفا إلى حد كبير في العالم آنذاك، ستتفوق يوما على شركة تسلا الأمريكية في مبيعات السيارات الكهربائية. بيد أن هذا صار واقعا يعيشه الجميع، فشركة "بي واي دي" أزاحت "تسلا" عن عرش مبيعات السيارات الكهربائية خلال الربع الأخير من عام 2023. هذا دليل حي على أوجه التقدم الذي تحققه الصين في مجال سيارات الطاقة الجديدة، حيث تصدرت الصين دول العالم في إنتاج ومبيعات سيارات الطاقة الجديدة لمدة تسع سنوات متتالية، وتمثل أكثر من 60% من المبيعات العالمية. في عام 2023، وصلت صادرات الصين من سيارات الطاقة الجديدة إلى 203ر1 مليون وحدة، بزيادة بلغت نسبتها 2ر77% على أساس سنوي، ما سجّل رقما قياسيا جديدا.
في الوقت الذي طرحت سيارات الطاقة الجديدة الصينية نفسها بقوة في الأسواق العالمية، باتت دول الشرق الأوسط من أهم شركاء شركات صناعة السيارات الصينية، فمن المشرق العربي إلى مغربه، نجد أن سيارات الطاقة الجديدة الصينية، التي كانت شحيحة وتكاد لا ترى في الطرقات، تكتسب حضورا متزايدا يوما بعد آخر في هذه الدول، وهذا ما يحمل في طياته فرصة للجانبين.
حضور متزايد
تعدّ الدول العربية مقصدا مهما للسيارات الصينية المصدرة. وتشير البيانات التي أصدرتها الجمعية الصينية لمصنعي السيارات إلى أن السعودية هي خامس أكبر سوق لصادرات السيارات الكاملة الصينية في عام 2023، فيما جاءت الإمارات كتاسع أكبر سوق على هذا الصعيد؛ وفي البحرين وعُمان مثلا، تتجاوز الحصة السوقية للعلامات التجارية الصينية 10% أيضا.
تزامنا مع هذه الزيادة المتسارعة للسيارات الصينية في المنطقة العربية، أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه أمام سيارات الطاقة الجديدة الصينية لدخول أسواق الشرق الأوسط التي تتخذ العديد من الدول فيها من تطوير الاقتصاد الأخضر والطاقة الجديدة والمتجددة إستراتيجية أساسية لها، مع العلم بأن انبعاثات الكربون لدورة الحياة الكاملة للسيارات التي تعمل بمحرك كهربائي بالكامل تقلّ بنسبة 40% على الأقل عن مركبات الوقود الأحفوري. وتأتي على رأس هذه الأسواق الدول الخليجية؛ كما أنه في الأردن، تمثل سيارات الطاقة الجديدة الصينية حوالي 80% من الحصة السوقية؛ كذلك في عام 2022، تم ترخيص أول سيارة صينية تعمل بمحرك كهربائي بالكامل في الضفة الغربية في فلسطين.
من بين اللاعبين الصينيين الرئيسيين في سوق سيارات الطاقة الجديدة بالمنطقة، شركات صناعة السيارات التقليدية، ومنها شركة "غريت وول موتورز" التي صدرت أول سيارة "بيك آب" إلى الشرق الأوسط في عام 1997، وأطلقت على هامش معرض الرياض للسيارات، السيارة "تانك 500 2023"، وهي كروس أوفر عائلية تعمل بالطاقة الجديدة، وتعمل حاليا على الكشف عن الطراز الآخر الذي يعمل بمحرك كهربائي بالكامل في السعودية والإمارات؛ وشركة "بي واي دي"، أكبر بائع لسيارات الطاقة الجديدة في العالم خلال عام 2023، التي دخلت أسواق الأردن والمغرب وقطر والإمارات والسعودية ودول أخرى بسيارات متنوعة ذات أسعار تنافسية.
الملفت، أنه بالإضافة إلى شركة صناعة السيارات العملاقة، هناك لاعبون جدد يسعون إلى تطوير الأعمال في المنطقة، مثل شركة "شياوبنغ موتورز" الصينية لصناعة السيارات الكهربائية التي تأسست في عام 2014، ففي نهاية فبراير 2024، أعلنت إقامة شراكة إستراتيجية مع مجموعة علي وأولاده في الإمارات لتعزيز توسعها في المنطقة، حيث تخطط لطرح نماذج متعددة للبيع في خمس دول في الشرق الأوسط بداية من الربع الثاني لعام 2024؛ وعلامة السيارات الكهربائية الفاخرة "زيكر" التي تأسست في عام 2021، وتتوقع بيع نحو عشرة آلاف سيارة في أربع دول في الشرق الأوسط بحلول عام 2025؛ وهي الإمارات والسعودية وقطر والبحرين.
الجدير بالذكر أن العلامات التجارية لسيارات الطاقة الجديدة الصينية مهتمة بدخول السوق الراقية، وتقديم حلول القيادة الذاتية أيضا. في أكتوبر عام 2022، أضيفت سيارة "هونغتشي E-HS9" الصينية الفاخرة إلى أسطول الدوريات الفارهة التابع لشرطة دبي، لتصبح واحدة من أيقونات هذا الأسطول الملفت للأنظار في المدينة والعالم. وفي أكتوبر عام 2023، أعلنت نيوم، من خلال ذراعها الإستراتيجية صندوق نيوم للاستثمار، عن استثمار مائة مليون دولار أمريكي في شركة "بوني إيه آي"، ومقرها مدينة قوانغتشو الصينية، حيث ستقدم هذه الأخيرة خدمات المركبات الذاتية القيادة، وتصنيع وتطوير المركبات المتقدمة والبنية التحتية للمركبات الذكية في نيوم، ومنه إلى الأسواق الرئيسية في المنطقة.
تعاون الكسب المشترك
يكتسب توجُّه سيارات الطاقة الجديدة الصينية نحو الشرق الأوسط أهمية ملحوظة في دفع التنمية الصناعية والمساهمة في التنمية المستدامة لدول الشرق الأوسط، حيث تسعى العديد من شركات السيارات الصينية إلى تعزيز التعاون الصناعي والتكنولوجي مع الشركاء المحليين، الأمر الذي يوفر فرص عمل للسكان المحليين، ويسهم في تحسين مستوى صناعة السيارات في هذه البلدان.
على مدار العقد الماضي، أولت الصين اهتماما بإطلاق سلسلة من التدابير والسياسات لتشجيع وتوجيه التطوير العالي الجودة لصناعة سيارات الطاقة الجديدة، وكثفت استثمارها في تطوير وابتكار تقنيات سيارات الطاقة الجديدة، وبناء وتحديث البنية التحتية المعنية بالشحن وتبديل البطاريات، فاحتلت الصين مكانة رائدة في العالم من حيث إنتاج البطاريات وكفاءة الشحن والتحكم الذكي وغير ذلك من التقنيات. كما أن سلاسل التوريد والصناعة في الصين تتطور وتتقدم باستمرار، مما دفع شركات السيارات إلى التحول من تصدير المركبات الكاملة فقط إلى تصدير السلاسل الصناعية الكاملة، من الإنتاج إلى الإدارة والترويج وما إلى ذلك من الخدمات الأخرى.
في مايو عام 2023، وقعت الحكومة المغربية مذكرة تفاهم مع شركة "غوشن هاي تيك" الصينية- الألمانية لإنشاء أول مصنع لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في أفريقيا؛ وفي نهاية فبراير 2024، أعلنت وزارة الاستثمار السعودية توقيع اتفاقية بقيمة 25 مليون ريال سعودي (الدولار الأمريكي يساوي 75ر3 ريالات) مع شركة غولدن بورت القابضة الصينية لتطوير فرص الاستثمار في صناعة وتجميع السيارات وغيرها من المجالات في المملكة؛ وفي الإمارات، أنشأ مستودع الشركة الصينية لمواد البناء بدبي، الذي باع أكثر من عشرة آلاف سيارة لأسواق الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، بالتعاون مع الجمعية الصينية لتجار السيارات، المركز التجاري لمركبات الطاقة الجديدة الصينية بالشرق الأوسط.
على خلفية سعي دول المنطقة إلى تنويع اقتصادها مع التقليل من الاعتماد المفرط على النفط، عززت هذه الدول من جهودها لتطوير صناعة سيارات الطاقة الجديدة ضمن إطار النقل الكهربائي. على سبيل المثال، أعلنت السعودية مؤخرا إطلاق شركة البنية التحتية للسيارات الكهربائية بهدف تطوير بنية تحتية لدعم خدمات الشحن السريع للسيارات الكهربائية في المملكة؛ فيما اتخذت المغرب والأردن ومصر وغيرها تدابير لخفض التعريفات الجمركية وتشجيع إنشاء المصانع المحلية في هذا القطاع الحيوي.
وأتاح ذلك فرصا هائلة للجانبين الصيني والعربي على حد سواء في مجال سيارات الطاقة الجديدة، مع مواصلة الصين استكشاف أسواق الشرق الأوسط، والمساهمة في تنفيذ إستراتيجية التنمية العربية لتحول الطاقة، خاصة في الوقت الذي صارت فيه التنمية المستدامة مشروطة أكثر من أي وقت مضى بتخفيض الانبعاثات. وفقا لتقرير صادر عن شركة غلاسكو للبحوث والاستشارات، ومقرها دبي، فإن علامات السيارات الصينية تتوافق بشكل كبير مع الاحتياجات التنموية لدول الشرق الأوسط.
ما وراء التزايد وما بعده
في عام 2023، وصلت صادرات الصين من السيارات الكاملة إلى 91ر4 ملايين وحدة، ومن بينها نحو 2ر1 مليون وحدة من سيارات الطاقة الجديدة، ما يعني أن هناك سيارة تعمل بالطاقة الجديدة من بين كل أربع سيارات صينية مصدرة إلى الخارج. ثمة أسباب عديدة، داخلية وخارجية، لهذا العدد الضخم من سيارات الطاقة الجديدة المصدرة على مستوى العالم، والحضور المتزايد على المستوى العربي.
بالنظر إلى الداخل الصيني، وبفضل السلاسل الصناعية الكاملة للسيارات والتخطيط الاستباقي من ناحية السياسات، اكتسبت الصين مزايا كبيرة في مجالات المحركات وأجهزة التحكم الإلكترونية والبطاريات التي تشكل معا "قلب" السيارة الكهربائية. وما يميّز سيارات الطاقة الجديدة الصينية يتمثل أيضا في بيانات المستخدمين الضخمة في السوق الصينية، فهي ترسي لشركات سيارات الطاقة الجديدة أساسا معتبرا للبحث والتطوير؛ ومن ناحية أخرى، فإن مشاركة مختلف الشركات التي جاءت من خلفيات متباينة، ومن ضمنها هواوي وتنسنت وشياومي في صناعة سيارات الطاقة الجديدة، وتعاقدها مع شركات صناعة السيارات من شأنه ضخ زخم تنموي جديد لصناعة سيارات الطاقة الجديدة في الصين، بما لدى شركات التكنولوجيا العملاقة هذه من تراكم في الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرهما من المجالات.
أما على صعيد الأسباب الخارجية، فإن مبادرة "الحزام والطريق" توفر دعما لسيارات الطاقة الجديدة الصينية للتوجه نحو الخارج. في إطار البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، تطور العمل المشترك للصين ودول الشرق الأوسط التي تتمتع بموقع إستراتيجي، وعدد كبير من السكان الشباب، وقوة شرائية قوية، في تعزيز تواصل الأعمال وتداول الأموال ومجالات أخرى، بشكل سريع. كما أن هذا التزايد لسيارات الطاقة الجديدة الصينية مرهون بمنتجات بعينها، فتحسنت في السنوات الأخيرة السيارات الصينية المصدرة إلى الشرق الأوسط من حيث المستوى الفني والمظهر الخارجي والتصميم الداخلي، فضلا عن أنها ذات أسعار معقولة وطرز متنوعة تمكّنها من تلبية احتياجات متعددة للمستهلكين المحليين، بما يجعلها تحظى باعترافهم وإقبالهم المتزايد.
إلى جانب الفرص، تواجه شركات السيارات الصينية بعض التحديات التي تعوقها عن تطوير سوق الشرق الأوسط، حيث جاءت في المقام الأول، مشكلة توفر محطات وركائز الشحن وتوزيعها في الأماكن العامة وعلى الطرق السريعة، يليها عدم وجود التدابير والسياسات الداعمة بما فيه الكفاية لشراء واستخدام سيارات الطاقة الجديدة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى خدمات الإصلاح والصيانة. إلا أنه يمكن القول إن هذه التحديات مرحلية وعابرة مع اهتمام دول المنطقة بتطوير هذا القطاع الحيوي، وسيكون انتشار سيارات الطاقة الجديدة الصينية ضمن نطاق أوسع، مثلها في ذلك مثل بقية منتجات "صنع في الصين" في الشرق الأوسط والعالم بأسره.
--
وانغ جيا شيوان، إعلامي صيني متخصص في الشؤون الصينية- العربية.