كلنا شرق < الرئيسية

الشراكة الإستراتيجية الصينية- المصرية الشاملة.. بين الواقع والمأمول

: مشاركة
2024-12-16 14:25:00 الصين اليوم:Source الصاوي الصاوي أحمد:Author

تعد اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر، التي أطلقها الرئيسان شي جين بينغ وعبد الفتاح السيسي في 23 ديسمبر 2014، من قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة الصينية بكين، من أهم الاتفاقيات التي تهدف للإرتقاء بمستوى الشراكة الثنائية بين الصين ومصر في جميع مجالات التعاون. ولهذا، رحب الشعبان المصري والصيني بهذه الشراكة، وبناء عليه قام الخبراء الإستراتيجيون من الطرفين بوضع الخطة الإستراتيجية المستقبلية للشراكة الشاملة للاستفادة المتبادلة بين الشعبين في جميع مجالات التعاون والشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية وغيرها. وشجع على ذلك، حرص الصين ومصر على رفع مستوى معيشة الشعبين، وتحقيق الرخاء والازدهار لمواطني الصين ومصر ودول العالم النامي المشاركين في مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013. ولهذا، قام الطرفان الصيني والمصري بوضع البرنامج التنفيذي المقترح لاتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة، والذي تضمن العديد من مجالات التعاون.

البرنامج التنفيذي للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر

قام الطرفان بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة في عام 2014، بعمل دراسات شاملة لجميع مجالات الشراكة المتاحة بينهما. وتم الإعلان عن البرنامج التنفيذي للشراكة الإستراتيجية في يناير عام 2016، بحضور الرئيسين شي جين بينغ وعبد الفتاح السيسي في مصر بمناسبة مرور 60 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وشمل البرنامج التنفيذي للشراكة الإستراتيجية العديد من مجالات التعاون مثل:

1-     المجال الدبلوماسي والسياسي. تضمن البرنامج التنفيذي في مجال الشراكة السياسية والدبلوماسية الاتفاق على الدعم المستمر للمصالح الحيوية للدولتين في جميع المحافل الدولية والسياسية، ورفض التدخل الخارجي في شؤون الدولتين؛ والتزام الطرفين بتبادل وجهات النظر والتنسيق المستمر فيما يخص العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية على أساس المصلحة المشتركة.

2-     التوافق في مجال الشؤون الدولية والإقليمية. تم الاتفاق على التواصل المشترك والتنسيق فيما يخص المسائل الإقليمية والدولية من منطلق ميثاق الأمم المتحدة بشأن سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتسوية السلمية للنزاعات الدولية، مع الاتفاق على الوقوف مع الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته. ووجود حلول سياسية لجميع الخلافات في العديد من الدول العربية مثل ما يحدث في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها. كما طالبت الاتفاقية بضرورة إجراء إصلاح شامل لمنظومة الأمم المتحدة وزيادة تمثيل الدول النامية في مجلس الأمن.

3-     الشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. تضمنت الاتفاقية الدعم والاستفادة المتبادلة في مجالات الشراكة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية المتاحة بين الدولتين. ولدعم هذا التعاون، انضمت مصر لمبادرة "الحزام والطريق"، وتم التنفيذ الفعلي في دعم الصين لمصر في تنفيذ العديد من المشروعات الاستثمارية المشتركة بالعديد من محافظات مصر. كما شملت الشراكة، تأكيد الجانبين على ضرورة تفعيل دور اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة، لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بينهما في جميع المجالات. وقامت الصين بتوفير العديد من فرص التدريب للمصريين في جميع المجالات المطلوبة، وتوفير كل التسهيلات في التعاملات المالية عبر البنوك المصرية والصينية.

4- التعاون الأمني. تضمنت الاتفاقية أيضا التعاون الأمني، من خلال تبادل الخبرات والتدريبات المشتركة. وتفعيل دور اللجنة الصينية- المصرية المشتركة للتعاون في الشؤون الدفاعية، من خلال التنسيق والتشاور فيما يتعلق بالسياسة الدفاعية والقضايا الدولية والإقليمية والتعاون في مجال تكنولوجيا الدفاع. كما اتفق الطرفان على الرفض القاطع للإرهاب بكل صوره، والالتزام بقواعد القانون الدولي. والتعاون المشترك في مكافحة وتهريب المخدرات والجرائم المنظمة عبر الحدود من خلال شبكات الإنترنت.

5-  الشراكة والتعاون العلمي والبحثي في مجال الفضاء وتكنولوجيا المعلومات. تم بالفعل تقديم الدعم المالي والعلمي من جانب الصين للأبحاث العلمية المشتركة، في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأقمار الاصطناعية وغيرها في مصر.

6- التبادل والتعاون الثقافي والإعلامي والسياحي. في هذا الإطار، تمت إقامة العام الثقافي المصري- الصيني عام 2016  بمناسبة الذكرى الـسنوية الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. كما قدمت الصين الكثير من الأنشطة الثقافية وتعليم اللغة الصينية من خلال سفارتها والمركز الثقافي الصيني بالقاهرة ومعاهد كونفوشيوس الثلاث بجامعات القاهرة وقناة السويس وعين شمس.

كما حثت الاتفاقية على الاهتمام بالتعاون السياحي المثمر بين الدولتين من خلال تبادل الخبراء، ودعم الأنشطة السياحية لجذب السياح، وفتح خطوط طيران إضافية بين البلدين، حيث توجد الآن رحلات يومية من مصر إلى عدد من مدن ومقاطعات الصين والعكس. كما أن لوزارة الثقافة المصرية وجمعية الصداقة الصينية- المصرية والمراكز الثقافية بالمحافظات المصرية دورا كبيرا في التبادل الثقافي.  

وفي مجال التعاون الإعلامي، تم دعم وتشجيع المؤسسات الإعلامية من صحف ومجلات ثقافية ومحطات الإذاعة والتلفزيون في الدولتين على التعاون فيما يخص الشعبين من تبادل المعلومات والأخبار، مع الالتزام بحقوق الملكية والمحافظة على خصوصية كل دولة.

وفي مجال التعليم، تضمنت الاتفاقية الشاملة حرص الدولتين على توفير العديد من طرق تبادل الخبرات في مجال التعليم والبحث العلمي سواء في التعليم العالي والعام والمهني والفني والتكنولوجي بين الجامعات والمعاهد والمدارس المصرية والصينية. وكان لي الشرف، بصفتي منسقا للعلاقات بين العديد من الجامعات المصرية والصينية، بأنني ساهمت في تسهيل توقيع وتنفيذ العديد من مذكرات الشراكة بين الجامعات المصرية والصينية.

7- التعاون في المجال الزراعي والبيئي. تضمنت الشراكة الإستراتيجية الشاملة التعاون في المجال الزراعي والمحافظة على البيئة، من خلال تبادل الخبرات في مجال معالجة الصرف الزراعي والصحي وتكنولوجيا المعالجة الشاملة ومعالجة المخلفات الزراعية وتدوير المواد الصلبة لتصبح صديقة للبيئة. كما قامت الصين بتقديم المساعدات لمصر لمواجهة التغير المناخي ومكافحة التصحر واستصلاح الأراضي وإدارة الموارد المائية ونظم الري والصرف وتحلية مياه البحر، إلخ.

8- الشراكة المثمرة في قطاع النفط والغاز الطبيعي والطاقة. حقق البلدان طفرة كبيرة في تعاونهما في مجال طاقة الرياح والخلايا الشمسية والسليكون، والتدريب والدعم التكنولوجي والمواد الخام. هذا بالإضافة إلي التعاون في مجال الاستكشاف النفطي وتدريب الموارد البشرية.

9-     التعاون في مجال الرعاية الصحية الاستباقية. تم الاتفاق بين الجانبين على التعاون في جميع مجالات الرعاية الصحية ومكافحة الأمراض وتقييم المخاطر ومكافحة الفيروسات، كما حدث في مكافحة كوفيد- 19. ونشر الثقافة الصينية في مجال المحافظة على الصحة من خلال الرعاية الصحية الاستباقية.

10-     التعاون في مجال القضاء والقانون المحلي والدولي. قامت الدولتان بالتعاون في مجال القضاء والقانون سواء القانون المحلي والدولي التجاري والصناعي، إلخ. وتم تشكيل العديد من الآليات المشتركة في تبادل المعلومات والخبرات في مجال التشريعات والقوانين، خاصة فيما يتعلق بمجال الاستثمار ومكافحة الإرهاب.

الوضع الحالي للشراكة الإستراتيجية الشاملة

بعد مرور عشرة أعوام على توقيع الرئيسين الصيني والمصري على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة، ما هي أهم الإنجازات التي تمت على أرض الواقع؟ وما هي المعوقات التي واجهت تنفيذ بعض الأهداف؟

ونظرا لأنني تعايشت عن قرب وعلى أرض الواقع مع تنامي العلاقات بين الشعبين الصيني والمصري، كمنسق بين العديد من الجهات الصينية والمصرية، وإدارتي للصالون الثقافي "الصين في عيون المصريين" ومن خلال معايشتي لتدشين العديد من المشروعات المشتركة بين الصين ومصر، سنعرض لأهم الإنجازات التي تمت بالفعل على أرض الواقع وتم تنفيذها بنجاح خلال السنوات العشر الماضية، ومنها:

أولا: زيادة وازدهار حركة التواصل المباشر والودي بين أبناء الشعبين على جميع المستويات الشعبية والحكومية في جميع المجالات العلمية والبحثية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية وغيرها. وقد ساعد على ذلك:

 أ- اهتمام الحكومتين والشعبين الصيني والمصري بالتوسع في نشر ثقافة الآخر لدى مجتمعه، من خلال العديد من المجالات والأنشطة الثقافية والفنية والمجتمعية والندوات والمؤتمرات واللقاءات. وقد قامت سفارة الصين لدى مصر بالعديد من الأنشطة الخاصة بنشر ثقافة التعاون والشراكة الصينية- المصرية في جميع المجالات، من خلال العديد من الندوات والمؤتمرات في المحافظات المصرية. كما قام الصالون الثقافي "الصين في عيون المصريين"بالمركز الثقافي بالسفارة الصينية بالقاهرة، بدور كبير في تفعيل التواصل والشراكة بين الشعبين في جميع المجالات، وتعريف المصريين بحقيقة الصين على أرض الواقع من خلال اللقاءات المباشرة بين الطرفين في جميع المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية والاستثمارية.

ب- قيام الصين ومصر بالدعم الكامل لجميع الأنشطة الثقافية والفنية والسياسية والعلمية لدي المصريين، وإدخال اللغة الصينية في معظم الجامعات والمدارس المصرية.

ج- قيام سفارة مصر لدى الصين بنفس الأنشطة للتوسع في نشر الثقافة المصرية لدى الصينيين في العديد من المدن والمقاطعات الصينية، ونشر اللغة العربية والثقافة المصرية بين الصينيين في العديد من المدن والمقاطعات والجامعات الصينية، مما زاد من التعارف والتبادل بين الشعبين على أرض الواقع.

ثانيا: النقلة الحضارية في الشراكة الاستثمارية والصناعية والتكنولوجية بين الطرفين. كان من نتيجة ازدهار التعاون الثقافي والعلمي بين الشعبين ومعرفة كل منهما للآخر، معرفة كلا الطرفين بثقافة الآخر ومعالم التجارة والاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فأصبحت توجد شراكة حقيقية في مجال الصناعة والتجارة والاستثمار المتبادل، على أرض الواقع حيث يوجد الآن حوالي 2066 شركة صينية صناعية في مصر باستثمارات تصل لحوالي ثمانية مليارات دولار أمريكي. تقع هذه الشركات الصناعية في العديد من محافظات مصر، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. ومن أشهر هذه الشركات شركة "تيدا" الصناعية في المنطقة الاقتصادية الصناعية بالعين السخنة على خليج السويس وشركة العلف في مدينة السادات ومشروع القطار الكهربائي والأبراج الأيقونية في العاصمة الإدارية والعلمين، ومشروع الطاقة الجديدة والمتجددة والبنية التحتية من طرق وموانئ والزراعة والثروة السمكية وغيرها.

وتحرص مصر والصين على العمل في إطار مجتمع المستقبل المشترك من خلال تبادل الرؤى السياسية والاقتصادية والإستثمارية والدولية لهذا انضمت مصر لمبادرة "الحزام والطريق" ومجموعة بريكس.

كما استفادت مصر من التجربة الصينية في إعادة تأهيل المدن والقرى المصرية على النمط الصيني، وإدخال نظام المدن الذكية والطاقة المتجددة. ويتوافد كل يوم العديد من رجال الأعمال والصناعة الصينيين إلى مصر للتعاقد على إنشاء المزيد من المصانع المشتركة في العديد من المجالات، فأصبحت مصر الآن تعتمد شبه كليا على الإنتاج الصيني المصنع داخل مصر أو من خلال الاستيراد من الصين.

وركزت الاتفاقية على أهمية تحقيق التكامل بين رؤية مصر2030 للتنمية المستدامة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير 2016 للتوافق مع مبادرة "الحزام والطريق". كما شاركت مصر في تنفيذ مبادرة "التنمية العالمية" ومبادرة "الحضارة العالمية" اللتين أطلقهما الرئيس شي جين بينغ.

كما حققت الاتفاقية وجود فرصة الشراكة الإستراتيجية والعلاقات الدولية مع الصين، من خلال منتدى التعاون الصيني- الأفريقي ومنتدى التعاون العربي- الصيني، والمساهمة في إصلاح المؤسسات الدولية لتكون أكثر عدالة وإنصافا.

رؤية مستقبلية للشراكة الإستراتيجية

من خلال ما تم إنجازه من اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تم توقيعها بين الدولتين في عام 2014، من المتوقع أن نشهد زيادة مستمرة للاستثمارات المشتركة بين الصين ومصر في جميع مجالات الحياة، من خلال الاستفادة المصرية من التطور العلمي والتكنولوجي والصناعي والفضائي، والذي تحرزه الصين على مدار الساعة. ونتوقع التطور الي الأفضل في جميع مجالات الشراكة والاستثمارات، كما نتوقع أن تستفيد مصر من نهضة الصين في جميع مجالات الحياة، ومن الطب الصيني التقليدي والمتطور في رعاية وزراعة الكبد والكلى والصحة الاستباقية وغيرها.

ولكن بالرغم من هذه النهضة الإيجابية في التعاون المشترك بين الصين ومصر في العديد من المجالات، هناك العديد من المجالات يرغب الشعبان في التعاون فيها وتواجه بعض المعوقات، منها على سبيل المثال:

1-     ضعف التفاهم والتواصل المعلوماتي لدي بعض رجال الأعمال والتجار من الطرفين، نظرا لضعف معرفة اللغة الصينية والثقافة التجارية لدى رجال الأعمال المصريين واللغة العربية لدى الصينيين. ونظرا لأن اللغة والثقافة جسر التواصل، نأمل التوسع في تعليم اللغتين ونشر الثقافتين حتى يستطيع رجال الاستثمار التواصل بينهما.

2-     وجود معوقات قانونية لدى الطرفين تعرقل تنفيذ بعض المشروعات والاستيراد والتصدير.

3-     سعي اللوبي الأمريكي والغربي في مصر والعالم العربي لإبعاد المستثمرين المصريين والعرب عن الصين.

لذا نأمل العمل الجاد بتوعية رجال الأعمال والمستثمرين من الطرفين بالخطة الأمريكية المضللة.

مع تمنياتي بالتوفيق للشعبين المصري والصيني.

 

 

--

أ. د. الصاوي الصاوي أحمد، الأستاذ بجامعة بنها المصرية وخبير العلاقات المصرية- الصينية.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4