عين صينية < الرئيسية

الصين والدول العربية.. التقدم معا في ظل التغيرات العالمية

: مشاركة
2021-02-04 14:51:00 الصين اليوم:Source هو يوي شيانغ وو سي كه:Author

لا نبالغ إذا قلنا إن 2020 كان عاما خاصا في تاريخ البشرية، حيث تفشى الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد- 19) في العالم بصورة مفاجئة في أكبر كارثة صحية للمجتمع البشري منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. اليوم، تمتد تأثيرات كوفيد- 19 إلى كل مناطق العالم تقريبا. والأسوأ من ذلك، مع اشتداد التنافس الدولي سياسا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا وثقافيا بين مختلف الدول، تزداد عناصر عدم اليقين بشكل ملحوظ في المجتمع الدولي. لقد أثبتت الحقائق التاريخية أن الحروب الكبيرة والاضطرابات تؤدي إلى تعديلات وتغيرات في الأوضاع الدولية وأن الأوبئة والأزمات تجلب تأثيرات كبيرة لتطور الحضارة الإنسانية. في ظل هذه التعقيدات، سيشهد العالم تغيرات وتعديلات كبيرة بالتأكيد.

التوجه إلى الأحادية أم التعددية؟

أدى انتشار كوفيد- 19 في العالم كله، إلى حث خطى تعديلات النظام العالمي. نظرا للمخاطر الشديدة الناجمة عن كوفيد- 19، ينبغي لشعوب كافة دول العالم التضامن والتعاون للانتصار في هذه المعركة في نهاية المطاف. لكن، في الحقيقة، مع اشتداد التنافس بين الآراء المختلفة بشأن اتجاه تطور العالم في المستقبل، لم يحقق التعاون بين الدول الكبيرة إنجازات كبيرة حتى اليوم. ترى بعض الدول أن الوعي برابطة المصير المشترك أساس النظام المتعدد الأطراف فتدعو إلى معالجة الشؤون الدولية وفقا لهذا النظام. على العكس من ذلك، تصر بعض الدول التي تدعو إلى الأحادية، على لعبة المحصلة الصفرية وتتخذ البلدان المجاورة كأعداء وتسعى إلى التفوق على كل دول العالم الأخرى. فلا بد أن يؤثر التنافس بين تلك الأفكار في الوضع العالمي في المستقبل.

لقد مر المجتمع البشري بالثورة الزراعية والثورة الصناعية وثورة المعلومات على التوالي، الأمر الذي أحدث تأثيرات عميقة في حياة البشرية. مع الدخول إلى القرن الحادي والعشرين، تدفع الجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية التي تتطور بسرعة عالية في الوقت الراهن، خطى التعديلات في التجارة العالمية ووضع توزيع الأعمال الصناعية في الدول المختلفة. هكذا، يقع الاقتصاد العالمي في مرحلة التعديلات الكبيرة. فضلا عن ذلك، يظهر اتجاه التغير في ميزان القوى الدولي. وبفضل التكنولوجيا والمعلومات المتقدمة، يرتبط الناس في مختلف الدول مع بعضهم البعض، وبإمكانهم الانتقال إلى أماكن أخرى وإجراء التجارة في جميع الدول بكل سهولة. في ظل هذا الوضع، يظهر مفهوم "قرية الأرض" الجديد كوصف للعلاقة الوثيقة بين الناس. لا يمكن لأحد أن يغير اتجاه العولمة أو يعرقل تطورها.

يعتبر كوفيد- 19 الذي تفشى في عام 2020، اختبارا كبيرا لتقييم قدرة حوكمة الحكومات في الدول المختلفة وفعالية نظام الحوكمة العالمية أيضا. ينبغي لقادة مختلف الدول التفكير في منطق العولمة واتجاه تطور الدولة والعالم وإدراك الأهمية البارزة للحوكمة العالمية في الفترة الحاسمة. لكن يؤسفنا أن نلاحظ الأحادية والحمائية والهيمنة وتفاقم العجز في الحوكمة والثقة والسلام في العالم يوما بعد يوم. في ظل هذه الحالة، يواجه المجتمع البشري مهمة شاقة ضخمة في إصلاح نظام الحوكمة العالمية.

على سبيل المثال، يصر بعض الساسة الأمريكيين على انتقاد عملية العولمة السريعة بدلا من تطوير العولمة وتحسين قدرتهم على الحوكمة العالمية؛ وهم يعملون على إصدار السياسات المناهضة للعولمة بدلا من تعزيز الحوكمة العالمية في ظل تفشي الوباء في العالم؛ ويدعون إلى الأقلمة والتوطين للصناعات المعنية بدلا من تكثيف التعاون الدولي لإنتاج مزيد من المواد الطبية الضرورية؛ ويتوقفون عن تمويل منظمة الصحة العالمية وتشويه إنجازات منظمة التجارة العالمية ومساهماتها، بدلا من رفع كفاءة المنظمات الدولية. اليوم، يولي العالم اهتماما بالغا للتنافس بين الأحادية والتعددية. حقيقة القول، إن النظام المتعدد الأطراف والعولمة مازالا يمثلان الاتجاه الرئيسي للعصر. لقد أثبتت الحقائق التاريخية أن النظام المتعدد الأطراف أفضل وسيلة لتعزيز الحوكمة العالمية، والتعاون بين الأطراف المتعددة أفضل طريقة لمعالجة المشكلات العالمية والتحديات الدولية.

الصين تعمل على حماية التعددية بدون تردد

من المعروف أن النظام المتعدد الأطراف يلعب دورا كبيرا في تخفيف آلام الحرب، وتعزيز التنمية العالمية والوقاية من اندلاع حرب جديدة في المجتمع الدولي. تعتبر الأمم المتحدة التي تأسست في عام 1945، جهازا رئيسيا في التعامل مع الشؤون العالمية ودفع السلام والتنمية في العالم من خلال تعبئة الموارد العالمية، وتنسيق تصرفات الأطراف المختلفة. تضم هذه المنظمة 193 دولة، وتقوم بصياغة القوانين الدولية ومعالجة القضايا الدولية وتقاسم نتائج التنمية في إطار الأمم المتحدة. الصين، باعتبارها أول دولة وقعت على ((ميثاق الأمم المتحدة))، تعمل على حماية سلطة الأمم المتحدة بحزم ودعم أعمالها في المجالات المختلفة وتشارك في عمليات حفظ السلام، وتنفذ ((اتفاقية باريس)) وتتعاون مع الدول الأخرى في تطوير وإنتاج لقاحات ضد فيروس كورونا الجديد. فضلا عن ذلك، انضمت الصين إلى كل المنظمات الحكومية الدولية تقريبا ووقعت على أكثر من خمسمائة اتفاق دولي. تسعى الصين إلى حماية مقاصد ((ميثاق الأمم المتحدة)) ومبادئه بدون تردد. في عام 2015، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ في مؤتمر القمة بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لتأسيس الأمم المتحدة، الدعوة إلى الوحدة بين الدول الأعضاء لتشكيل شراكة جديدة تتسم بالتعاون والفوز المشترك وبناء رابطة المصير المشترك بين البشرية، وذلك يتفق إلى حد كبير مع مبادئ النظام المتعدد الأطراف وأجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة. يمكن القول إن الصين كانت ولا تزال تحمي النظام المتعدد الأطراف بدون تردد، وذلك لأن الصينيين يرون دائما أن الصين لا تكون جيدة إلا إذا كان العالم جيدا، وأن العالم لا يكون أفضل إلا إذا كانت الصين جيدة.

من أجل المحافظة على النظام المتعدد الأطراف في العالم، يجب على كل الدول الاهتمام بالصدق والالتزام باللوائح والقوانين الدولية و((ميثاق الأمم المتحدة)) وتنفيذ القواعد الأساسية للعلاقات الدولية. لكن، يؤسفنا أن نرى انتهاك بعض الدول لبنود ((ميثاق الأمم المتحدة)) وغيره من القواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، من خلال تمزيق الاتفاقات أو الانسحاب من المنظمات، الأمر الذي يضر بسلطة ومصداقية القوانين الدولية وحتى المصالح المشتركة بين الدول المختلفة. من المعروف أن النظام الدولي واللوائح الدولية هي الوسيلة الوحيدة لتعديل العلاقات والمصالح بين الدول. ينبغي للقوى العظمى أن تكون داعية ومدافعة عن سيادة القانون الدولي والوفاء بوعودها، بدلا من القيام بالإجراءات الاستثنائية أو اتخاد المعايير المزدوجة أو تحريف القانون الدولي أو الإضرار بالمصالح المشروعة للدول الأخرى.

الصين والدول العربية تعمل معا، إيمانا بالمصير المشترك

تتعاون الصين والدول العربية في مكافحة كوفيد- 19 سعيا لبناء رابطة الصحة المشتركة. في نفس الوقت، يتبادل الجانبان الدعم في القضايا ذات الاهتمام المشترك مما يعزز الثقة السياسية المتبادلة بينهما؛ ويتعاونان في بناء "الحزام والطريق" في ظل انكماش الاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، حافظ قادة الصين والدول العربية على الاتصالات الكثيفة عبر تقنية الفيديو والهاتف والرسائل؛ وعقد مؤتمر الحوار الخاص بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية والدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي في عام 2020، الأمر الذي يعكس الثقة السياسية والصداقة العميقة بين الجانبين. هكذا، تسهم كل من الصين والدول العربية في تحسين سلسلة العرض للاقتصاد العالمي وقدرة حوكمة الأمن العالمي، ويدركان أهمية بناء رابطة المصير المشترك، مما يعمق الصداقة الودية والشراكة الإستراتيجية بينهما.

في ظل تغيرات وتعديلات الوضع العالمي في الفترة الراهنة، تتميز الصين والدول العربية بمصالح مشتركة وأفكار متشابهة في التعامل مع الشؤون الدولية. يرى الجانبان أن التعاون والتضامن والوحدة أقوى الأسلحة لمكافحة كوفيد- 19. ويدعو الجانبان إلى تعزيز الوعي برابطة المصير المشترك للبشرية، ويؤكدان على أهمية النظام المتعدد الأطراف وضرورة تحسين نظام الحوكمة العالمية ومحوره الأمم المتحدة، ويعبران عن دعم الدور القيادي لمنظمة الصحة العالمية في القضايا المتعلقة بالصحة العالمية، ويعملان على تعزيز تنسيق السياسات والتحركات والإجراءات في مكافحة الوباء. والأهم من ذلك، توافق الصين والدول العربية على مواصلة التعاون في بناء "الحزام والطريق" وتعزيز تنسيق السياسات الاقتصادية الكلية في ظل مكافحة الوباء. يرى الجانبان وجوب انفتاح أسواق الاستثمار التجارية من أجل ضمان الوضع المستقر للأسواق المالية والسلسلة الصناعية وسلسلة العرض في المجتمع الدولي. في نفس الوقت، يجب على الجانبين تقاسم التجارة الرقمية والتكنولوجيا الجديدة والتقنيات الابتكارية والاستفادة منها، لمكافحة الوباء وإنعاش الاقتصاد في عصر ما بعد كوفيد- 19 وتحقيق رفاه الشعوب على المدى الطويل.

أقامت الصين والدول العربية علاقات صداقة عميقة، مما أرسى أساسا قويا لإجراء التعاون بين الجانبين في مكافحة كوفيد- 19. يعد السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، ميزات هامة للعلاقة بين الجانبين. مهما كانت التغيرات في المجتمع الدولي، تظل الصين تعتبر الدول العربية شريكا حميما وشقيقا عزيزا. أثبتت نتائج التعاون بين الجانبين في مكافحة الوباء على أن الجانبين الصيني والعربي يحتاجان، أكثر من أي وقت مضى، إلى التضامن والتعاون لمواجهة مختلف التحديات.

تعد الدول العربية شريكا طبيعيا للصين في بناء "الحزام والطريق" وقد وافق الجانبان الصيني والعربي على إقامة علاقة شراكة موجهة نحو المستقبل، تتسم بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة، على هامش الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي في عام 2018. ترى كل من الصين والدول العربية وجوب التمسك بمبادئ التشاور والتشارك في البناء والمنفعة، وتوسيع مجالات التعاون من أجل تحقيق المصالح المشتركة. بالنظر إلى الأوضاع العالمية المتغيرة، تحتاج الصين والدول العربية أكثر إلى استكشاف طرق جديدة لتعزيز التعاون بينهما في مختلف المجالات.

إن بناء رابطة المصير المشترك للبشرية هدف جميل، لا يتحقق إلا ببذل جهودنا جيلا بعد جيل. العالم اليوم يعيش في وضع مضطرب غير سلمي، حيث تتفاقم القضايا الدولية، ومنها الإرهاب وتغير المناخ والفجوة الكبيرة بين الجنوب والشمال. وقد وجد الناس مرة أخرى خلال تفشي كوفيد- 19 أن كل الدول ترتبط مع بعضها البعض وأن التضامن والتعاون وتعزيز الحوكمة العالمية وبناء رابطة المصير المشترك الحقيقية، هي الوسيلة الضرورية لمواجهة التحديات بصورة مشتركة . لذلك، تسعى الصين إلى التعاون مع الدول العربية وغيرها من الدول الأخرى للتقدم إلى الأمام.

--

هو يوي شيانغ، رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية ببكين.

وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق للشرق الأوسط ودبلوماسي مخضرم.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4