مسلمون صينيون < الرئيسية

"تشاييويه".. شهر الصوم في الصين

: مشاركة
2021-05-17 15:50:00 الصين اليوم:Source أحمد سلّام:Author

عبادة واحدة وعادات مختلفة

يستقبل المسلمون في كافة أرجاء المعمورة شهر رمضان الكريم بعادات وتقاليد مختلفة من مكان إلى آخر. فمثلا في الصين يسمى شهر رمضان بـ "تشاييويه"، ويستقبل مسلمو الصين الشهر المبارك بطريقة مختلفة بعض الشيء عن نظرائهم في الدول العربية والإسلامية، وذلك لاختلاف العادات والتقاليد المتوارثة.

تقوم الجمعية الإسلامية الصينية في بكين، والتي تُعد من أهم المؤسسات الدينية في جمهورية الصين الشعبية، بتحديد مطلع شهر رمضان وفقا للحسابات الفلكية وليس برؤية الهلال كباقي الدول العربية والإسلامية، حيث يصوم المسلمون في الصين ثلاثين يوما. ويتركز المسلمون في العديد من المناطق بالصين، ومنها منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم ومنطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، كما يعيش عدد كبير من المسلمين في بكين بمنطقة نيوجيه وهي منطقة تشتهر ببيع اللحوم المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية، إضافة إلى المصاحف والملابس الإسلامية والسجاجيد والمسابح الإسلامية، إلخ.

يحتفل المسلمون الصينيون بشهر رمضان قبل قدوم الشهر، وذلك بالقيام بتنظيف المنازل وتزيينها باللوحات القرآنية وتزيين المساجد، وفرشها بالسجاجيد الجديدة. وفي رمضان تشارك جميع المساجد في ختم القرآن، كما هو الحال في باقي بلاد العالم الإسلامي. كما تحرص المساجد خلال شهر رمضان على فتح أبوابها أمام المسلمين وغير المسلمين من أجل تعريفهم بالدين الإسلامي.

ويعتبر تنظيم مآدب الإفطار الجماعي من أجل زيادة الروابط بين المسلمين من أبرز مظاهر شهر رمضان في الصين. حيث تتميز موائد الطعام في الصين بالتصميم الدائري والمتحرك في نفس الوقت، بجانب تنوع أصناف الطعام، فالمسلم الصيني قد يفطر على التمر أو اللبن أو الشاي الأخضر وقطع من البطيخ، ثم يذهب إلى المسجد لأداء صلاة المغرب وبعد عودته إلى منزله يتناول وجبة الإفطار التي يستغرق تناولها ساعة أو ساعتين. وعلى مائدة الفطور، يتحاور أفراد العائلة أو الأصدقاء ويناقشون كافة الأمور حتى الانتهاء من تناول الأطعمة التي تحتوي في العادة على لحم الضأن ويتم تقديم الأرز المسلوق في نهاية الوجبة، أما الحلويات فهي عبارة عن كعكة من التمر والزبيب والمشمش المجفف والسكر والسمسم.

مسجد نيوجيه

من عادات المسلمين الصينيين في شهر رمضان أيضا، التجمع في المساجد في العشر الأواخر من الشهر للاحتفال بليلة القدر، والإكثار من الصلاة وقراءة القرآن الكريم.

يقع مسجد نيوجيه بشارع نيوجيه ومعناه لغويا شارع البقر، وهو من أهم مناطق بكين التي تتركز فيها طقوس الذبح الإسلامية، وأطلق عليه هذا الاسم لأنه كان مكانا لتجارة الأبقار- وهي التجارة التي سيطر عليها المسلمون لقرون من الزمن- في بكين، ويرجع تاريخ نشأة منطقة "نيوجيه" إلى فترة أسرة تانغ (4-294هـ/ 618-907م)، وتُعد هذه المنطقة من المناطق الكبيرة التي يتركز فيها مسلمو بكين.

ويعتبر مسجد نيوجيه ثاني أقدم المساجد في الصين وأقدمها في شمالي الصين، وهو أول مسجد بني في مدينة بكين. وقد اختلفت الآراء حول تحديد تاريخ بنائه؛ ففي حين يرى بعض الباحثين أن المسجد تم بناؤه في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، ترجّح بعض الدراسات الأخرى أن المسجد يرجع تاريخ بنائه إلى عام 384ھ /994م، إلا أن هناك اتفاقا بين معظم الباحثين الصينيين على أن المسجد يعود تاريخ بنائه إلى فترة أسرة سونغ، وتحديدا عام 386ھ /996م.

صلاة التراويح في الصين

تقام صلاة التراويح في الصين في عشرين ركعة، وبين كل ركعتين يردد دعاء (يا مقلب القلوب والأبصار ويا خالق الليل والنهار) ثلاث مرات، وبين كل أربع ركعات يُحمد الله- تعالى- ويُقال (سبحان ذي الملك والكبرياء والجبروت، سبحان الملك الحي الذي لا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ثلاث مرات أيضا. وبعد الانتهاء من صلاة التراويح يُقال بصوت جماعي: (اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، يا مجيد، يا أرحم الراحمين)، وبعد ذلك تُصلى صلاة الوتر جماعة والدعاء إلى الله تعالى بالأدعية المأثورة.

المسلمون العرب والأجانب في الصين

يوجد بالصين عدد كبير من المسلمين الأجانب (من كافة الجنسيات العربية والأفريقية والآسيوية وغيرها)، ومن بينهم دبلوماسيون ودارسون وتجار ومستثمرون. ويُعد شهر رمضان فرصة لتجمع المسلمين الأجانب لتناول الإفطار معا حيث يمتد السهر حتى وقت السحور. وعادة يتجمع المسلمون العرب المقيمون في بكين بأحد المساجد العربية والكائن بمقر سفارة السودان لدى الصين، حيث يقومون بأداء صلاة التراويح ويتم تقديم الحلوى العربية المعتادة مثل الكنافة والقلاش والفاكهة والتمر والمشروبات الساخنة من شاي وقهوة وخلافه، ويتجاذب الجميع أطراف الحديث بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، وفي العشر الأواخر تقام صلاة التهجد. وتقوم العديد من السفارات العربية بدعوة أبناء الجاليات لحضور إفطار جماعي إما ببيت السفير أو بأحد الفنادق أو المطاعم العربية أو الإسلامية المنتشرة ببكين.

 ذكريات رمضانية في الصين

في عام 1999، وأثناء دراستي بجامعة بكين وقبيل حلول شهر رمضان الكريم، اتفقنا كدارسين مسلمين على أهمية التواصل مع إدارة الجامعة، وطلبنا منهم بالفعل أن يسمحوا لنا باستخدام مطبخ الطلبة وقاعة الطعام، وذلك للقيام بإعداد وجبات وتناول الإفطار الجماعي للطلبة الدارسين من العرب والمسلمين. حيث قمنا بتكوين فريق يتناوب على عمليات إعداد الأطعمة والوجبات ثم تناولها سويا بشكل جماعي وتجاذب أطراف الحديث وتبادل المعلومات الدينية. وبعد تناول وجبة الإفطار كنا نؤدي صلاة المغرب في جماعة، وبعد ذلك يقوم كل منا بالمهمة المكلف بها من حيث تنظيف المكان والأدوات وغيره.

أما خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2013، وإبان عملي كمستشار إعلامي بسفارة مصر لدى الصين، فقد كان شهر رمضان فرصة لتجمع أكبر عدد من المصريين إما ببيت السفير المصري أو بقيام المكاتب الفنية التابعة للسفارة مثل المكتب الإعلامي والمكتب السياحي والمكتب الثقافي بدعوة المصريين المقيمين بالصين والدارسين في أحد الفنادق الكبرى أو المطاعم العربية لتناول وجبة الإفطار، وتكرار هذا الأمر عدة مرات خلال الشهر الكريم، حيث يتم تقديم المأكولات المصرية مثل الفول والطعمية والمشويات وذلك مع الاستماع إلى آذان المغرب بصوت القارئ الشيخ محمد رفعت والابتهالات الدينية بصوت الشيخ النقشبندي، وكذلك أشهر الأغاني الرمضانية، وكان ويتم إجراء مسابقات وتقديم هدايا للمصريين وأبنائهم وسط أجواء أسرية وعائلية ورمضانية وروحانية جميلة.

ومن اللافت للنظر، أن حرية العقيدة الدينية للمسلمين الصينيين والأجانب محمية بشكل فعال في جميع أنحاء الصين. حيث ينص الدستور الصيني على "أن مواطني جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية العقيدة الدينية"، و"لا يحق لأي من أجهزة الدولة أو المنظمات الاجتماعية أو الأفراد إرغام أي مواطن على الاعتقاد بأي دين أو عدم الاعتقاد به، ولا يجوز التعصب ضد أي مواطن يعتقد بأي دين أو لا يعتقد به". و"أن الدولة تحمي النشاطات الدينية الطبيعية".

الأزهر الشريف

في الحقيقة لا يخلو أي حديث مع المسلمين خلال شهر رمضان من ذكر فضل الأزهر الشريف، خاصة بين المتحدثين باللغة العربية، حيث لطالما كانت مصر، وخاصة الأزهر الشريف بها، وجهة هامة للصينيين المسلمين. ويرجع تاريخ جامعة الأزهر إلى عام 161 الهجري، الموافق عام 972 الميلادي. وهي قبلة العلم للصينيين الراغبين في دراسة العلوم الإسلامية. يدرس في هذه الجامعة العالمية أكثر من ستة آلاف طالب مغترب مسلم ومنهم الصينيون، الذين يعتبرون دراستهم في الأزهر فخرا لهم طوال حياتهم. ايرجع تاريخ أول دفعة من طلبة العلم الصينيين درست بالأزهر إلى عام 1931، وكان من بين طلابها العالم الكبير المرحوم محمد مكين ما جيان، والعلّامة المؤرخ عبد الرحمن نا تشونغ، اللذان قدما إسهامات عظيمة لتعليم اللغة العربية في الصين وللعلاقات الصينية- العربية، إضافة إلى الأساتذة يوسف ما ده شين ورضوان ليو لين روي وما سونغ تينغ والإمام وانغ جينغ تشاي. وقد توقفت البعثات الصينية الرسمية إلى الأزهر لمدة نصف قرن تقريبا قبل أن تُستأنف عام 1982. وقد درس مئات من المسلمين الصينيين في الأزهر وعادوا إلى بلادهم لرد جميل الوطن وخدمته من خلال العمل بالتدريس في المعاهد والمساجد وفي الجمعيات الإسلامية الصينية في مقاطعات الصين المختلفة.

--

أحمد سلّام، المستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين.

ر

-

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4