مياه تايأرتشوانغ تنساب من جديد

في يونيو عام 2014، أدرجت قناة جينغهانغ (بكين- هانغتشو) الكبرى، التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفين وخمسمائة سنة، وتمتد 1797 كيلومترا من الجنوب الى الشمال، في قائمة التراث الثقافي العالمي. قناة تايأرتشوانغ جزء من القناة الكبرى، يمتد من الغرب إلى الشرق بطول 5ر42 كيلومترا. اتخذت اسمها من منطقة تايأرتشوانغ العريقة في جنوبي مقاطعة شاندونغ، والتي ازدهرت منذ آلاف السنين، وكان الامبراطور تشيان لونغ من أسرة تشينغ الملكية قد أطلق عليها "القرية الأولى على الأرض".

القناة سر الازدهار

في مدينة تايأرتشوانغ تشعر بأنك في منطقة جنوب نهر اليانغتسي، فالجداول والقنوات المتشابكة مع البركات المرتبطة تشكل نظاما مائيا على شكل شبكة متداخلة، بحيث يتنقل أهلها في القنوات بالقوارب بدلا من المشي في الطرق، في مشهد يجعلها جديرة بلقب "فينيسا الشرق".

تقع مدينة تايأرتشوانغ في منطقة منخفضة، ويعيش سكانها بجوار الجداول المائية. وقناة تايأرتشوانغ هي أشد قطعة من القناة الكبرى فرقا للانحدار. ومن أجل الوقاية من الفيضانات، كان الموظفون الحكوميون في التاريخ يلجؤون الى بناء سدود على القناة، وكانت  السفن التجارية تضطر للبقاء في القناة عدة شهور، فيتجمع الكثير من التجار بالمدينة مما جعلها مركزا تجاريا هاما. 

في فترة الإمبراطور كانغ شي لأسرة تشينغ الملكية، بلغ عدد سكان تايأرتشوانغ ستين ألف نسمة، بالإضافة الى مائة وستين ألف مهاجر. وخلال فترتي الإمبراطور تشيان لونغ والإمبراطور جيا تشينغ (1736 م-1820 م)، بلغت تايأرتشوانغ أوج ازدهارها، فهي لم تكن مرفأ بريا ونهريا ومحورا للنقل النهري بين شمالي وجنوبي الصين فحسب، وإنما أيضا مركز توزيع بضائع هام بين المقاطعات. وفقا للسجلات، بلغ حجم المواد الغذائية الذي كان ينقل عبرها سنويا أربعة ملايين دان (دان واحدة تساوي وزن ستين كيلوغراما)، وعدد السفن المارة بقناة تايأرتشوانغ سبعة آلاف وسبعمائة، وشهدت التجارة تطورا كبيرا، وأصبحت تايأرتشوانغ أكثر ازدهارا.

في شوراع المدينة ترى الأرصفة القديمة، وبنايات ذات أسلوب "هوي" المعماري (المدرسة الرئيسية في مجال الهندسة المعمارية) ذات الجدران البيضاء والقرميد النيلي.

على امتداد التاريخ، كانت تبادلات الأفراد والبضائع والمعلومات يرافقها ازدواج الثقافات، وتعد تايأرتشوانغ مثالا نموذجيا  للجمع بين الخصائص الصينية والخصائص الغربية وبين مزايا شمالي الصين وجنوبي الصين. تجمع المدينة بين ثماني مدارس معمارية: بيت لونان، بناية مدرسة هوي، بناية البلدة المائية، بناية ميننان، البناية الغربية، البناية الدينية، بناية لينغنان. بجانب ذلك، توجد فيها اثنتان وسبعون بناية دينية، تشمل الكنائس والمساجد والمعابد البوذية والبنايات الطاوية والكونفوشية. أنشأت شركة تشونغشينغ محطة وسكك حديدية في مدينة تايأرتشونغ، فجذبت كثيرا من الأجانب للإقامة فيها، مصطحبين معهم ثقافاتهم الغربية، مما جعلها مدينة تاريخية مشهورة تجمع بين المزايا الصينية والمزايا الغربية.

البقاء والحياة بعد الحرب

تحتل تايأرتشوانغ موقعا استراتيجيا هاما، وفي أوقات الحروب كانت الساحة الاستراتيجية التي تحسم نتيجة القتال.

تقع تايأرتشوانغ في مركز مواصلات قناة جينغهانغ الكبرى، ومن أجل ضمان أمن وسلامة نقل الأغذية، أنشأت حكومة أسرة مينغ في عام 1606، هيئة خاصة لفحص الأغذية. وفي عام 1647، بنت حكومة أسرة تشينغ أسوار وخنادق مدينة تايأرتشوانغ من أجل ضمان أمن وسلامة التجار والرحالة، وبعثت جيشا إليها، فأصبحت مركزا عسكريا، واعتبرت "البوابة الجنوبية لمقاطعة شاندونغ" و"البوابة الشمالية لمدينة شيوتشو"، ولعبت دورا هاما لضمان أمن بكين.

في ربيع عام 1938، اندلعت حرب تايأرتشوانغ، وحقق الجيش الصيني أول انتصار كبيرفي الميدان الرئيسي منذ اندلاع حرب المقاومة ضد اليابان. لكن هذه المعركة ألحقت أضرارا كبيرة بمدينة تايأرتشوانغ، فقد تحول الكثير من أسوارها ومعابدها ومتاجرها وبيوتها إلى أنقاض، وسدت خوذات الجنود اليابانيين القناة التي تحولت مياهها إلى اللون الأحمر بسبب كثرة الدماء التي أريقت فيها. حاليا، تحتفظ القناة باثنين وخمسين أثرا من الحرب العالمية الثانية، والجدران المليئة بثقوب الرصاص تظهر مدى وحشية وقسوة الحرب، وبعد مرور نحو سبعين عاما، لا تزال ثقوب الرصاص موجودة على تلك الجدران.

كتب قائد منطقة الحرب الخامسة للجيش الصيني لي تسونغ رين في مذكراته، إن سبب اختيار تايأرتشوانغ كموقع المعركة هو وجود ستة آلاف وستمائة دار مبنية بجودة عالية، يمكن للجيش الصيني اتخاذها حصنا للتصدي للجيش الياباني.شارك لي شنغ، البالغ من العمر حاليا سبعة وتسعين عاما، في حرب تايأرتشوانغ، وهو ما زال متأثرا ومنفعلا عندما يتحدث عن هذه الحرب.

في عام 2008، تم ترميم مدينة تايأرتشوانغ القديمة، ومن أجل ضمان الحفاظ على الحقائق التاريخية، أولى فريق العمل اهتماما بالغا لإنقاذ الآثار التاريخية واستكشاف الكنوز الثقافية وترتيب الملفات والبيانات. تمت مراجعة أكثر من ثلاثين كتاب تاريخ محليا وثلاثمائة من الكتب التاريخية للقناة وألفي كتاب عن المعركة التاريخية وثلاثمائة وثمانين صورة عنها، إضافة إلى زيارة سبعة وعشرين مسنا تجاوز كل منهم ثمانين سنة من العمر ، ودعوة مائة وثلاثين خبيرا لتحديد الطراز المعماري والنطاقات المكانية، الأمر الذي أدى إلى إماطة اللثام عن المدينة القديمة وإحياء مناظرها وإظهار حيويتها وإصرارها على المقاومة والبقاء.

إحياء التراث الثقافي غير المادي

الهدف من ترميم المدينة القديمة هو إحياء ثقافتها وتطويرها. في عام 2012، أنشئت حديقة الصين للتراث الثقافي غير المادي في مدينة تايأرتشوانغ. حاليا، تحتضن مدينة تايأرتشوانغ مائة وخمسين نوعا من مشاريع التراث الثقافي غير المادي، فقد تم بناء شارع خاص بها يمتد كيلومترا واحدا، حيث أوبرا ليوتشين، و"داكو" القناة (غناء قصصي بمصاحبة الطبل) ، وعروض خيال الظل، وغيرها من الفنون الشعبية تجذب السياح من أنحاء البلاد.

هناك في تايأرتشوانغ شارع يدعى "تشوانشينغ"، أي شارع على شكل سفينة، فهو محاط بالمياه من كل جانب، كأنه سفينة تستعد للانطلاق في البحر، توحي بذلك بسلامة السفر وسعادة الحياة. وفقا لسجلات التاريخ، كان يمر بالقناة أكثر من عشرة آلاف سفينة سنويا منذ فتحها. تحمل وعلى جانبي شارع تشوانشينغ بنايات تحمل أبوابها منحوتات خشبية على شكل السفينة، ويبلغ عددها 468 نحتا، وهي ترمز إلى البركات التي ينالها المحليون من السفن المارة.

يعرض أوبرا ليوتشين على مسارح المدينة. وهي فن نشأ في منطقة جنوبي مقاطعة شاندونغ قبل مائة سنة، وينتشر على جانبي قناة تايأرتشوانغ، ميزته الفريدة تجذب أنظار الناس، وهو تراث ثقافي وطني غير مادي. التجول في تايأرتشوانغ والتمتع بأوبرا ليوتشين متعة كبيرة.

أمام بوابة دار فوفونغ، يوجد فنان مسن يعرض داكو القناة ، في مشهد يجعل السياح يعايشون سحر وروعة الفنون الشعبية في تايأرتشوانغ. يرجع تاريخ داكو القناة ما قبل أربعمائة سنة. في نهاية فترة أسرة مينغ وبداية فترة أسرة تشينغ، قام فنانون عاشوا على جانبي القناة، بتحسين غناء "يوقو"، ليتحول الى شكله الحالي – داكو القناة. الآلات الموسيقية المرافقة لداكو القناة هي طبل كبير مع لوحتين فولاذيتين، فعندما يعرض الفنان داكو القناة يضرب الطبل بيده اليمنى بينما يعزف على اللوحتين الفولاذيتين بيده الآخرى. يتميز داكو القناة باللحن السليم والحماسة القوية، وتجيد وصف مشاهد الحرب بصورة مثيرة مدهشة، وتنال إعجاب المستمعين والمشاهدين دائما.

يؤدي فنانو خيال الظل عروضهم في جوسق لانغتينغ بجانب الشارع الشمالي. كان فن خيال الظل شائعا في العهد الحديث في مدينة تانغشان ومقاطعة خنان ومقاطعة شاندونغ، ويتميز فن خيال الظل في مدينة تساوتشوانغ بمقاطعة شاندونغ بالجرءة، حيث يجمع بين أوبرا  لو وأوبرا ليوتشين والأغنية الشعبية. تترك أشكالها المتنوعة ومزاياها المحلية انطباعات عميقة لدى السياح.

مدينة تايأرتشوانغ القديمة تجمع بين "ثقافة القناة" و"ثقافة الحرب"، وتتمتع بالسحر الإنساني، وتظهر ازدهار ماضيها من خلال نهوض الثقافة.

المواقع السياحية الرئيسية

جسر بويون

يقع هذا الجسر على القناة القديمة، ويتكون من ثلاث منصات، واسمه يعني الارتقاء السريع في المناصب.

بوابة آنلان

هي بوابة أسوار المدينة وتقع على نهر داخلي، وظيفتها الرئيسية الحماية من السرقة وتخزين المياه. في الثاني من فبراير كل سنة، يقام مهرجان كبير هنا للدعاء بنجاح المدينة وتطورها.

دار فوفونغ

هي دار عائلة وانغ التي كانت واحدة من أكبر أربع عائلات في تايأرتشوانغ في فترة أسرة تشينغ، وبنيت بالأسلوب الشانشي المثالي. تتكون الدار من أنواع من البيوت على أساس الدار الشرقية الرباعية (سيخهيوان)، وهي أفخم دار في تايأرتشوانغ.

قصر تيانهو

مصدره هو معبد الأسلاف لعائلة تشن، وهو عبارة عن بناية ضخمة على طراز ميننان المعماري، وفي ساحة أمام القصر، يقدم الممثلون عرضا لمسرحية "تنزه الإمبراطور تشيان لونغ في تايأرتشوانغ" كل يوم، هذه المسرحية تجسد المظاهر الضخمة المصاحبة خلال تنزه الإمبراطور تشيان لونغ في تايأرتشوانغ.

رصيف عائلة يوي

بني في نهاية أسرة مينغ، وكان رصيفا خاصا لتحميل وتفريغ البضائع، وما زال محفوظا بشكل جيد منذ أربعمائة سنة.