د. عبد العزيز حمدي:
* الصينيون يدرسون ويستنبطون تراثهم القديم
* لا بد من وجود خلفية تاريخية لكيفية التعامل مع عقلية الصينيين لكي نتعلم منهم
* المنظومة التعليمية في الصين قوية ومحكمة وبها قواعد رادعة لكل من يخرج عنها
"لا بد من فهم العقلية الصينية والتعرف على الذهنية الصينية، فهذا هو المدخل لتوسيع العلاقة مع الصين. فعلى الرغم من أن العقلية الصينية تُربى على نمط معين يهدف إلى خدمة الدولة والجماعة، إلا أنها عقلية مبدعة ومنظمة تكرس جهودها للأهداف التي تٌحَدد لها من أجل خدمة الدولة."
بهذه الكلمات، بدأ الأستاذ الدكتور عبد العزيز حمدي رئيس قسم اللغة الصينية بجامعة الأزهر، حواره معنا، وقال: "النجاح في الصين ينسب إلى المجموعة وليس إلى الأفراد. في جنوب شرقي آسيا، وخاصة الصين، لا تحتفل المجتمعات بالنجاح الشخصي، ولكنها تتباهى بالنجاح الجماعي، اقتناعاً منها بأن يد الجماعة أقوى من يد الفرد. وهناك مثل صيني يقول: الأشجار العالية تجذب العاصفة، والصاعقة لا تسقط إلا على القمة."
وأوضح حمدي، المتخصص في الدراسات الصينية، أن هذه العقلية الصينية ترجع إلى الفكر الكونفوشي والتراث الصيني ولا تمت بصلة إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو الرأسمالية ولا أي أيديولوجية. الصينيون يدرسون ويستنبطون تراثهم القديم، لأن الصين قدمت للعالم أغنى وأقدم ثقافة حتى يومنا هذا، ولهذا وصف الناس الصين بأنها "جنة المؤرخين"، فهي صاحبة أطول تاريخ وأطول تسجيلات تاريخية بالعالم. وأضاف حمدي، مترجم كتاب "لمحة عن الثقافة في الصين": "لا بد من وجود خلفية تاريخية لكيفية التعامل مع عقلية الصينيين لكي نتعلم منهم ونستفيد من التجربة الصينية ونأخذ منها ما يفيدنا نحو التطور في المستقبل، ومن دون ذلك يصعب أن تنجح علاقاتنا بالصين.
د. حمدي، صاحب ترجمة "الأدب الصيني في القرن العشرين"، والكثير من الروايات الصينية ومنها رواية "الضفدع" للأديب الصيني مو يان الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 2012، ومجموعة قصص قصيرة للكاتب شين سون ون، تحت عنوان "الطفلة العروس" وكثير من المسرحيات ومنها مسرحية الكاتب الصيني الكبير لاو شه "المقهى"، التي تستعرض خمسين عاماً من تاريخ الصين في كافة المجالات. ترجم د. حمدي أيضا أعمالا سياسية وشعرية وثقافية. ومن أشهر الأعمال التي ترجمها كتاب "الصينيون المعاصرون"، الذي صدر عن ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية. وعن هذا العمل تحديدا قال حمدي: "هذا الكتاب المميز الذي صدر في جزأين، هما: ((الصينيون المعاصرون))، و((التقدم نحو المستقبل انطلاقاً من الماضي))، يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل ويحكي عن التجربة الصينية."
مسرحية "شروق الشمس" للكاتب المسرحي الصيني تساو يو، هي أول عمل ترجمه حمدي من الصينية إلى العربية عام 1986 ونشرت في سلسلة "المسرح العالمي" الكويتية عام 1986. قال د. حمدي: "تساو يو لديه أعمال مسرحية كثيرة، وقد ترجمت له مسرحية أخرى هي ((البرية))، وتقابلت معه شخصيا أكثر من ثلاث مرات، آخرها عندما كان في المستشفى قبل وفاته بأسبوع تقريباً، وتناقشنا يومها أكثر من خمس؟؟؟؟؟؟ حول الأدب الصيني في الماضي والحاضر، وكان هذا هو أهم وآخر حديث لأهم كاتب مسرحي في الصين. أصبح هذا اللقاء من الوثائق التاريخية وتم تفريغ اسطوانات اللقاء وطبع في كتاب وصدر في الصين وتم الاحتفاظ بنسخة منه في متحفه بمدينة تيانجين."
أضاف حمدي: "أحرص دائما على مقابلة مؤلف العمل الذي أعتزم ترجمته، ولو سنحت لي الفرصة أقابلة أكثر من مرة، فهذه المقابلات تقربني من المؤلف وتجعلني أفهم وجه نظره ورؤيته لهذا العمل بصورة أوضح. عندما أبدأ في الترجمة أشعر وكأن العمل الأدبي الذي أترجمه جزء مني وأن المؤلف أحد أصدقائي فتكون لدي قدرة أكبر على إدراك بعض التفاصيل التي أحتاج إليها في الترجمة. وعندما أقوم بترجمة عمل أدبي لمؤلف راحل، أحرص على مقابلة أقربائه لكي أعرف أكثر عن هذا المؤلف ولا تكون علاقتي به من خلال أعماله الأدبية فقط."
لاحظ د. حمدي أن القارئ العربي يهتم بالأدب المسرحي كثيراً، مما شجعه على ترجمة الكثير من المسرحيات الصينية، ومنها مسرحيات للكاتب الصيني تيان هان، ومسرحيات تاريخية للكاتب الصيني " قوه موه روه" الذي يقدم صورة للمرأة الصينية في مسرحية "تساي ون جي".
وعن الترجمة من الصينية إلى العربية بشكل عام قال حمدي: "أحاول أن أقدم أشكالا متنوعة للترجمات من اللغة الصينية. ولكن الصين، كدولة وتاريخ، كبيرة جداً ومن الصعب أن تسد الجهود الفردية العجز الكبير الذي نعاني منه في المنطقة العربية لنقل الثقافة الصينية، ولا يوجد أي خطة أو مشروعات ترجمة كبرى من الجانبين المصري والصيني. من وجهة نظري، انتشار الثقافة قوة ناعمة للانفتاح على الشعوب عن طريق العقول والوجدان. يجب على الصين استغلال الفرص السانحة والأجواء المهيئة لها في مصر والمتمثلة في الموجة المحمومة لتعلم اللغة الصينية والتلهف على الصين والرغبة في اقتحام هذا العالم المجهول بالنسبة للقارئ العربي. لا بد للجهات المعنية الصينية أن تستغل هذا الإقبال الكبير الذي لم يسبق له مثيل، وولع المصريين بالحضارة الصينية من أجل تحقيق قاعدة ثقافية قوية لها في الشرق الأوسط."
وعن قسم اللغة الصينية في أقدم جامعة مصرية، وهي جامعة الأزهر، قال: "بعد عودتي من الصين إلى مصر تلقيت اتصالا من الأزهر الشريف في أواخر عام 1999، لافتتاح قسم للغة الصينية والدراسات الإسلامية في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر. هذا القسم هو الثاني من نوعه في الجامعات المصرية، بعد قسم اللغة الصينية في جامعة عين شمس، الذي يميز قسم الصينية في الأزهر بأن فيه شعبة للدراسات الإسلامية باللغة الصينية ومدة الدراسة بها خمس سنوات، وهي متخصصة في دارسة الأديان بالصين ودراسة أحوال المسلمين والقوميات الصينية المسلمة، ودراسة الأفكار الدينية الخاطئة لدى الصينيين وكيفية تصحيحها، وإعادة النظر في الترجمات الصينية لمعاني القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة وتصحيح الأخطاء بها.
وحول تعليم اللغة الصينية في مصر والصين، قال د. حمدي: "هناك اختلاف كبير جدا، نظرا لاختلاف الإمكانيات وأسلوب الحياة في مصر والصين، ففي الصين يمكن أن يُدَرِس الأستاذ كتابا كاملا في أسبوع واحد، بينما هنا في مصر لا يستطيع تدريس كتاب واحد في فصل دراسي كامل بسبب نظام الدراسة. في الصين، الجامعة توفر للطالب مكاناً يقيم فيه، بالإضافة إلى أن الأستاذ الصيني يعيش أيضا داخل الحرم الجامعي، وبالتالي تكون المنظومة التعليمية متكاملة الأضلاع، ما بين الأستاذ والطالب والمكان. الطالب في الصين يدرس من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، ويذهب لاستراحة تناول الغداء، ثم يواصل الدراسة من الساعة الثانية بعد الظهر حتى السادسة مساءً، وبعد أن يتناول وجبة العشاء، ينطلق إلى المكتبات حتى العاشرة أو الحادية عشرة مساءً، فالمنظومة التعليمية قوية ومحكمة ومُقننة، وبها قواعد رادعة لكل من يخرج عن هذا النهج."
وعن التعليم في الصين قال د. حمدي: "قررت الحكومة الصينية منذ ثمانينات القرن الماضي أن يكون التعليم الإلزامي مجانياً، ولكن التعليم في الجامعة بمصروفات، فكل فرد يقرر أن يدرس في الجامعة يدرس على نفقته الخاصة. ومع الانفتاح بدأ يظهر في الصين الكثير من المدارس الخاصة التي تعلم اللغات، وهذا بدأ يجذب الكثير من الصينيين."
أضاف: "الصين نجحت في إعداد أجيال تربت داخل الإصلاح والانفتاح. هذه الأجيال تغيرت طريقة تفكيرها، حيث أصبحت تطمح إلى أن تكون الأفضل في العالم وليس في الصين فقط. ولهذا قال الزعيم الصيني؟؟؟؟؟؟. إنه لشيء جيد أن تكون ثرياً وأن تكون مبدعاً، وأطلق العنان للقدرات والإبداعات في الصين في الإطار الجماعي حتى تنهض الجماعة وليس الأفراد، مثلما قال الأديب المصري طه حسين إن الأديب يكتب من أجل أن يرفع الجماعة، لا أن ينحط بها. الإصلاح والانفتاح في الصين يسير في المسار الجماعي ولمصلحة الصين كدولة وليس لمصالح فردية. ولهذا، بدأ الإصلاح ينتقل من مقاطعة إلى أخرى بشكل تدريجي. الهدف الأسمى للصين هو تنمية الصين وتقدمها وأن يصل دخل الفرد الصيني بحلول عام 2050 إلى نظيره في الغرب. ولتحقيق هذا الهدف السامي تتجنب الصين الدخول في صراعات دولية أو إقليمية، وهذا هو نهج الصين والرؤية الصينية للأحداث في العالم. الصين توجه قوتها أولاً إلى التنمية الاقتصادية وخطط الإصلاح والانفتاح. الحزب الشيوعي الصيني لديه في الصين مصداقية ترتبط ارتباطاً وثيقا بحياة الفرد من توفير المأكل والملبس والعمل لخمس سكان العالم."