الزواج على الطريقة الصينية
الأحمر ملك ألوان حفلات الزفاف ومراسم الزواج
قطف الورد كلمة السر في زواج المسلمات

أبدت مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية اهتماما بالعروس الصينية، خلال الأعوام الثلاثة الماضية. بعض المواقع تحض الشباب العربي على أهمية الزواج من الصين، باعتبار أن الفتاة الصينية، زوجة مطيعة ذكية نافعة لزوجها في العمل والمنزل، وتقف في وجه الشدائد كأقوى الرجال. ومواقع أخرى اتخذت من الدعوى مزحة ساخرة، بل زرعت بذور فتنة بين المرأة العربية والصينية، معتبرة أن الترويج للزواج من الصينيات نوع من الغزو الثقافي والاقتصادي ومزاحمة للفتاة العربية التي ترتفع في بلدانها نسبة العنوسة ويواجه الشباب قصورا في توفير لوازم الزواج التقليدي. الطريف في الأمر أن أصحاب الوجهتين لا يعلمان أن المجتمع الصيني الذي غزته أفكار الحداثة والعولمة، مازال يحمل ميراثا ثقافيا تقليديا، خاصة في قضية الزواج، بما يجعله ـ رغم تنوعه الديني والعرقي يشبه المجتمعات العربية والتقليدية في أنحاء العالم.

هذا التناقض في الرؤى دفع المركز الثقافي الصيني بالقاهرة إلى تنظيم ندوة خاصة، حول الزواج على الطريقة الصينية. ألقت الدكتورة نادية حلمي، مدرس العلوم السياسية بجامعة بني سويف ومدير وحدة دراسات جنوب وشرقي آسيا محاضرة، حول الزواج على الطريقة الصينية. تناولت المحاضرة، قضية الزواج، منذ أن تصبح فكرة لدى الشاب والفتاة والأسرة، مرورا بتبادل الزيارات بين الأهل، وانتقالا إلى مرحلة الخطوبة والزفاف. لم تترك الدكتورة نادية حلمي في الندوة التي أشرفت عليها الدكتورة تشين يونغ  مديرة المركز الثقافي الصيني، عادة وطريقة للزواج إلا وأحصتها، مع التركيز على عادات المسلمين الصينيين من أصول قومية مختلفة. وتضع الدكتورة نادية حلمي شرحا وافيا حول إجراءات زواج النساء الصينيات من الأجانب والعكس. وتبين المحاضرة، صعوبة الحصول على زوجة صينية، لأن مهرها الغالي يقف حائلا اجتماعيا، دون وجودها بالأسواق، وندرة أعدادها في بعض المناطق يجعل حيازة الرجل لإمرأة كنزا يصعب التفريط فيه.

عادات قديمة

قدمت الدكتورة نادية حلمي موجزا حول عادات الشعوب في مراسم الزواج، مشيرة إلى أنها تتغير منذ القدم، ولكن مهما اختلفت فهي تعبر عن الفرح وأهمية مشاركة الأهل ومباركتهم للعروسين. وتبين أن الشعوب ذات الحضارات العريقةـ كالشعب الصيني ـ لها مراسمها الخاصة التي تعبر عن معتقدات وقناعات راسخة برسوخ حضارتهم وفلسفتهم عبر آلاف السنين. فالحضارة الصينية، شأنها شأن الحضارات العريقة الأخرى، لها ما يميزها من تقاليد. تبدأ المراسم، بمقدمات الخطبة يعقبها زيارة النساء من أهل العريس إلى بيت العروس، حاملين معهم الهدايا، التي تكون في غالبيتها هدايا شخصية للعروس. قبل الزفاف بثلاثة أيام، ترد النساء من أهل  العروس بالمقابل الزيارة لأهل العريس لتقديم بعض الهدايا، وتنقل جميع متعلقات العروس لتوضع في بيتها الجديد قبل الزفاف، وتعزل العروس لبعض الوقت مع صديقاتها المقربات من أجل توديعها، وللتعبير رمزياً عن الحزن على فراق الأهل والأصدقاء. وهذه العادات في مجملها، تشبه ما يحدث في البلدان العربية، حيث مراسم الخطوبة، واستعدادات ماقبل الزفاف.

أوضحت الدكتورة نادية حلمي التي حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بكين، منذ ثلاثة أعوام، أن عادات الزواج في الصين  ذات تنوع كبير، يسودها جو من السعادة والإثارة. وذكرت أن مراسم الزواج في الصين التي كانت سائدة في العهود القديمة، ستة مراسم؛ تقديم الهدايا لعرض الزواج، تقديم هدايا الخطبة، استقبال العروس وغيرها. فعندما يتقدم أحد الرجال لخطبة الفتاة، فإن أهلها يتركونها وراء حجاب، ويخرجون قدميها فقط، فيمسك العريس بالقدم، ويختبر نعومتها ويقيس أطوالها وحجمها، فإذا كانت صغيرة وأعجبته دغدغها، كإشارة للقبول والموافقة بعد هذه الرؤية الشرعية. لذلك ظلت حياة النساء الصينيات لمدة ألف عام تقريباً، رحلة طويلة من العذاب والمعاناة والألم، بسبب حرصهن على ألا تكبر أقدامهن أبداً، فيرفض الرجال الارتباط بهن.

ومن عادات الزواج القديمة الاتفاق على الخطبة بدون أن يرى العروسان بعضهما البعض، فإذا تم العقد يزين الأهل العروس ثم يضعونها في دولاب يحمل على الأعناق، ويغلقونه عليها، ثم يحملونها إلى خارج البلدة، ومعها بعض أهلها وهناك يقابلون الزوج، فيعطونه المفتاح ليفتح باب الدولاب، ويرى العروس فإذا أعجبته ألبسها خاتمه، وإلا ردها إلى قومها.

 وفي الماضي، كان إذا أحب فتى فتاة، طلب من "الخاطبة" الذهاب إلى بيت الفتاة لخطبتها، وحينئذ، لا يتعين عليه أن يقدم هدايا إلى الخاطبة فحسب، وإنما أيضا يطلب منها حمل بعض الهدايا إلى بيت الفتاة، حيث تتبادل الخاطبة مع أفراد أسرة الفتاة بطاقة مكتوباً عليها اسم وعمر كل من الفتى والفتاة. فإذا اتفق الجانبان من حيث المبدأ، يبدآن تقييم الخاطب والمخطوبة، وحينئذ تختار والدة الفتى يوماً مباركاً لزيارة بيت الفتاة لمعرفة المزيد عن أحوال العروس والأسرة، مثل الحالة المالية وأخلاق الفتاة وملامحها وغيرها. ويمكن لوالدي الفتاة أن يزورا بيت الفتى لمعرفة أحوال الصهر المرشح وأسرته.  في الماضي لم يكن مسموحا للفتاة أن تزور زوجها المرشح، أما الآن، فتصطحب الفتاة أسرتها لزيارة بيت العريس للاطلاع على أحواله على أرض الواقع. في بعض المناطق الريفية، المحيطة بمدينة بكين، إذا بقيت الفتاة ووالداها في بيت الخاطب لتناول وجبة، فذلك يدل على أن الجانبين قد اتفقا على الخطوبة.

عهد الزواج

تشير الدراسة التي عرضتها الدكتورة نادية حلمي في الندوة إلى أن الخطبة، في العادات الصينية من مراسم الزواج الهامة إذ تعتبر عهداً بالزواج لا يسمح بنقضه، ولا يجوز لأحد التقدم بطلب الزواج من فتاة مخطوبة، كما لا يسمح للخاطب بعرض الزواج على أي امرأة أخرى. وهذه العادة منتشرة في الدول العربية، حيث لا يخطب المرء  على خطبة أخيه، والخطبة عند الأقباط المصريين نصف زواج رسمي لا ينقض إلا بموافقة الكنيسة. لذا، يعتبر الصينيون الخطوبة مرسوماً قانونياً. وبعد سلسلة من المراسم الرسمية، يبدأ الجانبان الاستعداد لمراسم استقبال العروس التي تعتبر أكثر نشاط تفصيلاً وتعقيداً وحماسة خلال مراسم الزفاف القديمة والحديثة.

يختار موعد الزفاف، حسب التقاليد الصينية، وفق حسابات فلكية دقيقة. فتبدأ مراسم الزفاف في النصف الثاني من الساعة بحيث تكون العقارب في صعود رمزاً للصعود والإيجابية في حياة العروسين. يجهز الوالدان العريس بمبلغ من المال، ويحملونه إلى بيت العروس، حيث يقدم لوالدي العريس، اللذين يتوليان بدورهما توزيعه على صديقاتها المقربات. يقدم العروسان الشاي لأهلهما، ثم يركعان على ركبتيهما كنوع من طلب الإذن وترافق بعد ذلك العروس عريسها إلى مكان إقامة الحفل. في بداية حفل الاستقبال، يكلف أحد المقربين بإلقاء خطاب ترحيب بالمدعوين، ثم تبدأ مراسم تقطيع كعكة الزواج، والتي تكون من عدة طبقات للتعبير عن المراحل التي سيتجاوزها الزوجان حتى يصلا إلى النجاح بعلاقتهما.

يفضل الصينيون ارتداء اللون الأحمر في ملابس الزفاف، حيث يعتبرونه دليلا على المحبة والفرح، بل إن كل شي يتعلق بالزفاف يجب أن يكون باللون الأحمر؛ بطاقات الدعوات وصناديق الهدايا ومغلفات المبالغ النقدية التي تقدم كهدايا، ويمر العروسان تحت أقواس حمراء. تتسابق العرائس على عدد الأثواب التي العروس ترتديها خلال حفل الاستقبال، التي لاتقل عادة عن ثلاثة أثواب. تلبس العروس على العموم أزياء وحليا حمراء زاهية بقصد تجسيد السعادة والبركة. أما الآن، فظهرت عادة ارتداء فساتين الزفاف الطويلة البيضاء، وعندما تغادر العروس بيتها، تغادره باكية تعبيراً عن حنينها إلى أسرتها. وعندما تصل العروس إلى بيت العريس، يبدأ الزفاف. بعد أن تدخل العروس قاعة الاحتفالات، تقام المراسم الواحدة تلو الآخرى، فأولا وقبل كل شيء، يجب على العروسين الركوع ثلاث مرات؛ الأولى للسماء والأرض ثم لوالديهما، ثم يركع الزوجان في اتجاه وجه الآخر. وفي غرفة العروسين، يتبادلان قص خصلة من الشعر ويحفظ كل منهما خصلة شعر الآخر كرمز للعلاقة الزوجية. يصل حفل الزفاف إلى ذروته عندما تقام مأدبة العرس، حيث يولي عامة الناس اهتماما بالغا بفخامة المأدبة. ويتعين على العروس أن تلتقط الأطعمة بالعودين بنفسها وتقدمها للضيوف شاكرة حضورهم. وأخيراً، يدخل العروسان غرفتهما، ويجتمع حولهما كثير من الفتيان والفتيات غير المتزوجين لمداعبة العروسين أو يطرحون عليهما أسئلة صعبة، بهدف زيادة الفرح والمرح في الزفاف وجعل اللقاء ذكرى للعروسين.

زواج المسلمين

تشرح الدكتورة نادية حلمي عادات الزواج عند القوميات المسلمة في الصين، مشيرة إلى أن الزواج بالنسبة لأبناء قومية "هوي" الصينية إحدى أهم المناسبات في حياتهم. ويشبّه كثير من المسلمين المسنين تزويج أبنائهم بإنزال الأعباء عن كواهلهم تعبيراً عن الالتزام بمسؤولياتهم إزاء أبنائهم. لذلك، يهتم جميع المسلمين بهذه المناسبة المهيبة. وبسبب انتشار هذه القومية في مختلف أنحاء البلاد، اختلفت عادات ومراسيم الزواج باختلاف المناطق وظروفها، لكن معظم تقاليد الزواج للمسلمين الصينيين تتفق مع الدين الإسلامي وتعليماته لا سيما ما يتعلق بدفع المهر وتقديم الهدايا وتحديد موعد حفلة الزواج ومراسيمها. يقول المسلمون الصينيون "الورد يلفت أنظار الجميع"، في إشارة إلى  أن الفتاة في العائلة المسلمة عندما تبلغ سبعة عشر عاماً من عمرها، أي سن الرشد تبدأ العائلات التي تبحث لأبنائها عن عروس، في إيفاد الوسطاء إلى أبويها لخطبتها. وقبل زيارة أسرة الفتاة يحمل الوسيط هدية تتكون من الشاي والحلويات، وأثناء اللقاء في بيت الفتاة، يطلع الوسيط أبوي الفتاة على المعلومات المتعلقة بعائلة الشاب، بما فيها صورته وخصائصه الشخصية ومستواه الثقافي وأحواله الصحية وغيرها. بعد حصول الوسيط على الموافقة الأولية من والدي الفتاة يبلغ عائلة الشاب ثم ينظم لقاء بين الفتاة والشاب في مكان يتفق عليه الجانبان. ويمكن للوسيط، إذا ارتضى الطرفان، أن ينظم لقاءً رسمياً بحضور أفراد العائلتين يتبادلان فيه الهدايا والأحاديث حول الخطبة بين الشاب والفتاة. مع التطور الاجتماعي، بدأ كثير من الشباب والفتيات يؤمنون بحرية الاختيار والارتباط بعلاقة الحب، ولكنهم ما زالوا يلجأون لطلب مساعدة الوسطاء الذين يلعبون دور الجسر فيما بين الجانبين وعائلتيهما. ومهما كانت أشكال اللقاء، فبمجرد حصول رضا الجانبين واتفاقهما على إقرار علاقة الحب يستعدان لعقد الخطوبة.  

يطلق المسلمون الصينيون على عقد الخطوبة اسم "السلام" أو "المبروك". وتجري دائماً الخطوبة في يوم الجمعة، حيث يحمل والدا الشاب الهدايا التي تضم الشاي بعدة أنواع والحلويات والفواكه والعنب المجفف والفول السوداني والسمسم، ويتوجهان بها إلى بيت الفتاة، بينما يحمل الشاب أزياء جميلة وجديدة كهدية خاصة للفتاة. أما عائلة الفتاة فتعد وجبة طعام فاخرة تضم أصنافا كثيرة وشهية لتكريم الضيوف. ويتبادل المضيف والضيوف أمام الحضور التحية الرسمية. وبهذا الأسلوب يتم عقد الخطبة رسمياً بين العائلتين. من المعتاد أن يكون قدر المهر الذي تقدمه عائلة الشاب لعائلة الفتاة غير محدد، بل يختلف باختلاف الظروف الاقتصادية لعائلات الشباب. في الماضي كان المهر لا يقل عن خمسين غراماً من الفضة الخالصة، ويعد هذا القدر أحد القيود الاقتصادية لعائلة الشاب لضمان اهتمامها بقضية الخطبة والزواج، لأن المهر لا يرد إلى عائلة الشاب حتى لو غير رأيه في قضية الزواج.

 تقام حفلة الزواج للمسلمين الصينيين في يوم الجمعة أو الخميس. وقبل حفلة الزواج بيومين، يذهب العريس إلى بيت العروس لتقديم الهدايا التي تختلف أنواعها باختلاف المناطق. وفي صبيحة يوم الزواج تلبس العروس ملبسا من الأزياء التقليدية باللون الأحمر، الذي يرمز إلى البركة والازدهار، ثم تركب العربة أو المحفة متوجهة إلى بيت العريس. وقبل وصولها يجب أن يستقبلها العريس في منتصف الطريق مع تقديم التحية لأفراد عائلة العروس، ثم يرافقهم في السير مشياً على الأقدام، حتى بيت العريس، ويدخلون إلى قاعة الحفلة على طريق مفروش بالسجاد الأحمر. مع بدء حفلة الزواج، يجلس الجميع حول الموائد، ثم يدعو المضيف إماماً لإعلان افتتاح الحفلة. يتلو الإمام آيات من القرآن الكريم ثم يوجّه بعض النصائح المتعلقة بمسؤوليات الزواج والحياة العائلية للعروسين، ثم يعلن بصفته شاهد الزواج عقد الزواج رسمياً بين العروسين. وبعد أن يعبر العروسان عن شكرهما للإمام، يدخلان إلى غرفتهما الجديدة، برفقة ممثلي أفراد العائلتين الذين ينثرون عليهما التمور والجوز والفول السوداني والحلويات التي ترمز إلى السعادة والبركة ورجاء إنجاب الزوجين الأولاد في وقت مبكر. تستمر الحفلة دائماً حتى المساء، حيث يتناول الجميع العشاء، الذي تعد "الشعرية" أهم أصنافه لأنها ترمز إلى السعادة الغامرة والازدهار المستمر في أنظار المسلمين الصينيين. وينظم الشباب والفتيات من أفراد عائلتي العروسين أو أصدقائهما بعض الرقصات والألعاب الترفيهية لزيادة السرور والفرح في هذا اليوم السعيد.