الطب العربي والطب الصيني
التفاعل والتشابه والاختلاف (2-2)

أوجه التشابه بين الطب العربي والطب الصيني

أولا: يرى الطب العربي أنّ مشكلة المرض الأساسية ليست من داخل جسم الإنسان فحسب بل إن المشكلة تكمن في الميكروبات التي تدخل الجسم من الخارج أيضا.

ثانيا: يرى الطب العربي أن جسم الإنسان يعتمد على توازن السوائل التي تملأ جسمه. ويعتبر هذا التوازن من العلامات الضرورية للصحة، وينعكس على البشرة والألوان، وأي اختلال في توازن هذه السوائل يؤدي إلى الكثير من الأمراض.

ثالثا: اهتم ابن سينا بمراقبة أسباب المرض ومتابعتها وربطها بالأعضاء المختلفة في الجسم وتحليل أعراض المرض الظاهرة.

أما الطب الصيني فيرى أن العناصر الطبيعية الخمسة (الخشب، النار، المعدن، الماء، التراب) ترتبط بأعضاء جسم الإنسان الخمسة (الكبد، القلب، الرئتان، الكلى، الطحال). وفي الوقت نفسه، هناك علاقة بين الإنسان والطبيعة، إذ ترتبط أعضاء جسم الإنسان الخمسة بالجهات الخمس في الكون (الشرق، الغرب، الشمال، الجنوب، الوسط). وفي العلوم النظرية هناك تشابه وتباين بين هذه العناصر الخمسة في الإنسان والطبيعة. فقد وثق كتاب ((هوانغدي نيجينغ)) التباين والتداخل والارتباطات بين العناصر الطبيعية الخمسة، وأعضاء جسم الإنسان الخمسة. بالإضافة إلى ذلك، يرى الطب اللصيني أن أسباب المرض في الأساس تكمن في "عدم التوازن بين الأنوثة والذكورة"، وتقول النظرية:"إذا ازدادت نسبة الذكورة يزداد الجفاف في الجسم، وإذا ازدادت نسبة الأنوثة تزداد نسبة الرطوبة في الجسم؛ وإذا انخفضت نسبة الذكورة في الجسم يزداد تأثر الجسم سلبا بالرطوبة الخارجية؛ وإذا انخفضت نسبة الأنوثة في الجسم يزداد تأثر الجسم سلبا بالجفاف".

ويؤكد الطب العربي على ضرورة تكيف الإنسان مع الطبيعة المحيطة به، إذ أن ابن سينا يشرح في كتابه العناصر الطبيعية الأساسية الأربعة ويصنفها إلى صنفين، الأول خفيف وهما النار والهواء، والثاني ثقيل وهما التراب والماء.

تتمازج هذه العناصر حينا، وتتباين في ما بينها حينا آخر. وفي كلا الحالين - التمازج أو التباين- فإن هناك تأثيراً متبادلاً حتى يتحقق التوازن في أوضاع الجسم الذي ينتج عن التفاعل بين  هذه العناصر (الحار والبارد من جهة، والجاف والرطب من جهة ثانية). فإذا ازدادت الحرارة تزداد نسبة الجفاف في الجسم، وإذا ازدادت نسبة البرودة تزداد نسبة الرطوبة في الجسم؛ وحين يجري الدم في العروق يتأثر بهذه الأحوال، أي بالجفاف الزائد أو بالرطوبة الزائدة وينشأ عن ذلك مشكلات مرضية.

وفي هذا يتضح درجة  التوافق بين النظرية الطبية العربية والنظرية الطبية الصينية .كما يتماثل الطب العربي مع الطب الصيني في نظرية "النبض والأعصاب". فعلم "النبض والأعصاب" هو جزء هام من علوم الطب الصيني. وتعتبر هذه النظرية "جوهرة  الطب الصيني القديم"

لقد أفاض كتاب ((هوانغدي نيجينغ)) في شرح أهمية "النبض والأعصاب"، والتي يلخصها في بضع كلمات: "النبض والأعصاب يقرّران الحياة والموت ويعالجان مئات الأمراض."

وأكد علماء الطب الصيني أهمية "النبض والأعصاب" في حياة الإنسان إذ قالوا إن الإنسان لا يستطيع الحياة بدون "النبض والأعصاب"، واكتشفوا طريقة لتشخيص الأمراض بواسطة "النبض والأعصاب" من خارج الجسم. وقد وثق طبيب صيني من عهد أسرة  تشينغ خمسة وثلاثين نوعا من النبض. كما قام أطباء من "قومية هوي" بنقل  نظرية "النبض الأعصاب" لمناطق الصين فاستخدمها الأطباء من قومية الويغور في تشخيص الأمراض. وعن طريقهم انتقلت هذه المعرفة الطبية إلى بلاد العرب.

          جاء في كتاب (القانون في الطب) فصل خاص عن النبض تناول فيه ثمانية وأربعين نوعا من النبض، وبين أن موقع النبض في الجسم هو عند مفاصل اليدين. وأكد ابن سينا أن ثمة علاقة بين قوة النبض أو ضعفه بالمرض ونوعيته.

ثالثا: الأساليب التطبيقية  في كل من الطب العربي والطب الصيني

هناك تقارب واسع بين نظريتي الطب العربي والطب الصيني؛ إلى جانب وجود أوجه شبه عديدة  فضلا عن التبادل والتفاعل بينهما في المجال التطبيقي، ونكتفي هنا بثلاث منها:

أولا: نقاط الوخز بالإبر والحجامة

يَقومُ مبدأُ الوخز بالإبر على الاعتقاد بأنَّ الطاقة تسير عبر قنوات في الجسم تسمى بمسارات أو قنوات الطاقة (تشي). ويعتقد المعالجون بالإبر الصينيَّة بأنَّ فقدانَ تشي يقلل قدرة المرء على الحركة الحرة عبر الجسم وقد يؤدِّي إلى الإصابة بالمرض، وأنَّ "الوخزَ بالإبر" يمكن أن يفتح هذه المسارات ويعيدَ جريانَ الطاقة، واستعادة العافية من جديد.

بحث العلماء الصينيون أسلوب العلاج بالوخز بالإبر في النقاط التي تمر في اثني عشر عصبا في جسم الإنسان، وبينوا هذه الأعصاب والنقاط بتفصيل دقيق. تمثل هذه الأعصاب مسارات الهواء في جسم الإنسان وأن الجسم يتنفس عبر هذه النقاط التي تتجمع على سطح الجلد، علما بأن هناك أعصاب خاصة لكل جهاز من أجهزة الجسم (كالمعدة والطحال والأمعاء والكبد والمرارة والكلى والرئة والقلب والمثانة). وعند مرور الطعام عبر هذه الأجهزة يقوم كل جهاز بوظيفته، فتقوم المعدة بهضم الطعام، والطحال بتوزيع الغذاء، والقلب بإرسال الهواء، والكبد بتخزين الدم، والرئة بتنفس الهواء والكلى بتخزين المني. وعند المعالجة بالوخز بالإبر على نقاط المسارات تتحرك الأعصاب فينشط الدم والهواء وتُفتح المسارات ويقوى الجسم.

في الطب العربي تستخدم الحجامة في علاج أمراض ارتفاع نسبة الدهون الثلاثية والكولسترول في الدم. هذه الأمراض تعتبر من أهم مسببات تصلب الشرايين، إذ تفقد الشرايين مرونتها للتمدد أو الانكماش الضروري للتحكم في ضغط الدم. فعند ارتفاع ضغط الدم تقوم الأوعية بالتمدد؛ وعند انخفاض الضغط تنكمش الأوعية الدموية لكي تحافظ على المعدل الطبيعي لضغط الدم. ويزيد تصلب الشرايين من ضغط الدم، بما ينعكس سلباً على القلب؛ فكثيرا ما يتعرض المصاب بارتفاع نسبة الدهون إلى أمراض القلب ومضاعفات ارتفاع ضغط الدم، وجلطات دموية، وسكته قلبية أو دماغية، أو فشل كلوي، وفي المدى البعيد قد يتأثر الجهاز العصبي.  إن العلاج بالحجامة يستهدف تجديد الدم بطريقة مص الدم وتسريبه باستعمال كؤوس الهواء.

أما في الطب الصيني فتتم معالجة الدهون، وجلطات الدماغ، ووجع الرأس، وفقر الدم، وآلام المعدة بأسلوب الوخز بالإبر الصينية أو بكؤوس الهواء التي تثبت فوق النقاط الموجودة على ظهر الإنسان، أو على خطوط أعصاب المثانة المحاذية للعمود الفقري. ووفق نظرية الطب الصيني فإن الدم الفاسد يجري بصعوبة في الشرايين فيثير الأوجاع ويضغط على أعصاب الدماغ، ويتسبب في نقص التروية في الدماغ.  

ثانيا: الكي

          نقل الطب العربي بعض طرق العلاج عن الطب الصيني. فقد ورد في كتاب "وصفات هوي"  في باب "الإبرة والكي" تفاصيل كثيرة عن "الكي" أكثر مما جاء فيه عن "الإبرة" أو عن أسلوب العلاج الصيني. ومما جاء في الكتاب، أن طريقة العلاج العربي بالكي تشبه طريقة العلاج الصيني بالكي. ويذكر ثلاثة أساليب للعلاج وهي: الكي، أو الأدوية (العقاقير)، أو الكواء (الحرق).

ويبين الكتاب أن أسلوب العلاج في الطب العربي يتفق مع أسلوب العلاج في الطب الصيني. ويحتوى على ستة عشر نوعا من أنواع العلاج بالكي لمعالجة عشرات الأمراض المختلفة. 

وفي علاج السوائل الخبيثة (كالصديد مثلا) تستخدم أدوات وأساليب مختلفة منها الكي لإخراج الصديد من الجسم؛ ثم تستخدم الأدوية في علاج الجروح، وتضميدها بطريقة تجميلية. وفي كل هذه المعالجات هناك تشابه في أساليب العلاج بالطب العربي والطب الصيني، خاصة  في مجال استخدام الكي ونقاط المسارات.

ثالثا: استخدام العقاقير

تأثر الطب الصيني بالطب العربي كثيرا، وقد ذكرنا آنفا  "وصفات هوي" التي تستخدم أدوية "هوي"، إلى جانب أدوية الطب الصيني التقليدي في النظرية والتطبيق. أحصى كتاب "وصفات هوي" 259 نوعا من الأدوية، منها واحد وستون دواء وجميعها كتبت باللغة الصينية، واثنان وخمسون نوعا لا تعرف أسماؤها، ويبقى مائة وست وأربعون نوعا من الطب الصيني التقليدي، منها بعض الأدوية التي تم نقلها من بلاد العرب. وقد أثبتت البحوث حول "وصفات هوي" أن هناك علاقة وطيدة بين الطب العربي والطب الصيني، من حيث استخدام الأدوية، وتصنيعها على شكل حبوب وكبسولات كما هو الحال في الصين؛ أو على شكل مشروب وسوائل  كما هو الحال في الطب العربي التقليدى (مثال: قطرة الأنف وقطرة العين وقطرة الزيت، وشراب السعال والتشنجات العصبية بحسب الطب الصيني التقليدي.)  

ومن نقاط الاختلاف بين الطب العربي والصيني، أن الطب العربي ليس فيه تصنيف للأدوية من حيث أن بعضها رئيسي (أساسي) وبعضها الآخر ثانوي (فرعي)، أما في الطب الصيني فيختلف الأمر، إذ أن هناك أدوية أساسية لا يتم العلاج إلا بها، وهناك أدوية ثانوية/ فرعية مساعدة.

لقد تطوّر الطب العربي بالأخذ والتفاعل والتبادل مع الطب الصيني. ومن أمثلة هذا التفاعل العلاج بالحجامة بنوعيها (الرطب والجاف) والجبس، والعلاج بالماء البارد، والماء الساخن.  كما تطور الطب الصيني بالتفاعل والتبادل مع الطب العربي وذكرت الأسفار الكثير من الأدوية المنقولة من بلاد العرب.

الخاتمة

تشكل الطب العربي والطب الصيني من جذور مختلفة ذات ثقافة مختلفة، لكل منهما ميزاته وخصوصياته التي انعكست على طرق العلاج. وعلى الرغم من التأثير المتبادل بين الثقافتين العربية والصينية، والتفاعل القائم بينهما، يبقى لكل منهما حيز من الخصوصية ما يميزه عن الآخر في التقاليد والأسلوب.

وفي الوقت الذي يشهد فيه ميدان الطب كثيرا من أوجه التقدم والتطور التكنولوجي في كافة المجالات في العصر الحالي كنتاج طبيعي لتلاقح الحضارات المختلفة والمتعاقبة، يبقى لكل حضارة ما يميزها عن غيرها من الحضارات الأخرى، لاسيما في ميدان الطب الذي يختلف من حيث طريقة تشخيص الأمراض وعلاجها من حضارة إلى أخرى، والتي وإنْ تباينت في الوسيلة إلاّ أنها تتفق في الغاية، ألا وهي نشر العلم والحكمة لما فيه الخير للبشرية.

 

* جميلة تشو يوي لان، حاصلة على الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة اليرموك الأردنية