فنون الطين الأرجواني في ييشينغ

مقارنة مع أترابه، يعيش تشاي يا بوه، الشاب المولود عام 1988، حياة بسيطة، فهو يذهب بالدراجة من شقته المستأجرة إلى مكان عمله في خمس دقائق تقريبا. الشركة التي يعمل بها تشاي وفرت له هذا المكان الذي يمضي فيه نهاره ما بين احتساء الشاي وسماع الموسيقى، وتحويل طين تسيشا الصلصالي إلى أباريق جميلة أرجوانية اللون.  

بعد حصوله على درجة الماجستير بمعهد الفنون في جامعة تشينغهوا ببكين، اختار تشاي يا بوه أن يعمل في مدينة ييشينغ؛ مهد صناعة أباريق الطين الأرجواني في الصين. كان عليه أن يمضي وقتا طويلا في ييشينغ  وأن يتعلم مهارة صناعة إبريق الطين الأرجواني بجد واجتهاد.

"متدرب" من جامعة مشهورة

قال تشاي يا بوه: "التدرب على صناعة إبريق تسيشا طريق طويل. ولكن، طالما أنني أبذل جهودي في هذا المجال فسوف أجني ثمارا طيبة." كثير من خريجي الجامعات الصينية المشهورة ليسوا محظوظين مثل تشاي، لأنهم لا يستطيعون إقناع أسرهم بالموافقة على قرارهم بالعمل في صناعة أباريق الطين الأرجواني، التي تحتاج إلى سنتين أو ثلاث سنوات لإجادة مهارتها الأساسية ويكون من الصعب تحقيق ربح خلال هذه الفترة..

قبل تخرجه في الجامعة، زار تشاي قواعد إنتاج الخزف والفخار في الصين، مثل جينغدتشن وييشينغ وتشاوتشو ويويتشو. وقد لاحظ أن أجواء إنتاج الخزف فيّ جينغدتشن جيدة، وأن فيها كثرة من الشباب يعملون في إنتاج الخزف، بيد أن ضغوط العمل فيها مهولة. قال تشاي: "يمتلك الخريجون الجدد قدرات إبداعية عالية، وأحيانا يدخلون تغييرات وتحسينات قليلة على أشكال وزخارف الأواني، فتزداد مبيعاتها. ولكن، ما إن يظهر منتج يحقق مبيعات عالية حتى يتم تقليده على الفور، ما يجعل المنافسة في الأسعار قاسية. فإذا يعيش المرء في هذه الحالة لوقت طويل، فمن الصعب أن يتمتع بهدوء وسكينة النفس." ربما لهذا السبب، قرر تشاي أن يذهب إلى ييشينغ ليحترف إنتاج أباريق الطين الأرجواني في ظروف تتناسب مع شخصيته المحبة للهدوء والسكينة.

والد تشاي، وهو معلم فنون، قال إنه يتفهم اختيار ابنه. ييتشينغ هي مسقط رأس وانغ هوي، أستاذ تشاي في الجامعة والمتخصص في بحوث الطين الأرجواني. يشجع وانغ طلابه على توقيع عقود عمل كمصممين للمنتجات في شركات متخصصة في أعمال الطين الأرجواني وشركات للخزف المنزلي في مقاطعة جيانغسو. وتخصص تلك الشركات أماكن عمل مستقلة في مصانعها للشباب المتدربين، مثل تشاي.

معلم مختلف

تشانغ تشن تشونغ فنان حرفي كبير في مقاطعة جيانغسو، وهو مدرب تشاي في المصنع. في أوساط الطين الأرجواني بالصين حاليا، يوجد ثمانية عشر فنانا حرفيا كبيرا على مستوى الدولة، واثنان وخمسون على مستوى المقاطعة، من بينهم السيد تشانغ الذي ينتقي عشرات الخريجين من كليات الفنون وبعض الطلاب لتدريبهم في مصنع الشركة التي يعمل بها تشاي. قال  تشانغ: "الهدف من شرب الشاي ليس إطفاء الظمأ فقط." وأضاف: "اعتمد تراث مهارة إنتاج أباريق الطين الأرجواني على الحرفيين جيلا بعد جيل، ولكن توارث ثقافة الطين الأرجواني لا يمكن أن تعتمد على الحرفيين فقط، فهذا يحتاج إلى دور المثقفين إلى حد كبير."

إن مفهوم "التلميذ يتبع معلمه"، لم يكن واضحا في دراسة المهارة فحسب، وإنما أيضا في التأثير ونمط التسويق وغيرها من النواحي. الشيء الذي تأثر به تشاي يا بوه كثيرا هو أن معلمه تشانغ لا يدخر جهدا في تعليم تلاميذه مهارة الإنتاج، وأنه يصحبهم للمشاركة في الكثير من النشاطات التبادلية، ويرشح أعمالهم للتجار، كل ذلك من دون أن يحقق مكسبا لنفسه.   

في العلاقة التقليدية بين المعلم والتلميذ، يجب على التلميذ أن يتبع معلمه ويقلد شكل وأسلوب صنعته، فهذا هو الشائع. ولكن تشانغ يقول لتلاميذه منذ البداية، إن أهم شيء يفعلونه هو إبداع أساليب خاصة بهم. أشار تشانغ بصراحة إلى أن صناعة تسيشا تعاني من "التقليد" بشكل خطير. في السابق، كان بعض الحرفيين ينقشون أسماء الآخرين على الإبريق بعد الانتهاء من صنعه. الآن، أصبح الوضع أفضل، ولكن ما زال هناك كثير من الحرفيين يقلدون أعمال الآخرين. قال تشانغ: "كثير من المتدربين يرغبون في تعلم كل مهارة فريدة لإنتاج الإبريق بعد أن يتتلمذوا على يد معلمهم، قبل أن يقلدوا ويصنعوا أباريق مشابهة لأسلوب معلميهم،  ليبيعوها بسعر عال. هذا شيء لا يفيد تطوير الصناعة في رأيي الشخصي." لذلك، يحث تشانغ تلاميذه دائما على البحث عن أساليبهم الخاصة خلال فترة الممارسة الطويلة لإنتاج الإبريق يوما بعد يوم.

فنانون كبار في المستقبل

قال تانغ لي، المتخصص في تسويق أعمال الطين الأرجواني: "سيصبح هؤلاء الشبان فنانين حرفيين كبارا في المستقبل. أعتقد أن هذا النمط في التدريب له قيمة كبيرة في تطوير صناعة الطين الأرجواني."

فان جينغ ون من مواليد تسعينات القرن الماضي، وقد درست تخصص تدقيق الحسابات. عملت في شركة أربعة أشهر فقط، ثم قررت التخلي عن عملها والعودة إلى مسقط رأسها في ييشينغ لممارسة إنتاج الأباريق. قالت السيدة فان: "لم يكن عملي في الشركة مرضيا لي ولم يكن الراتب عاليا، فقررت أن  أرجع إلى ييشينغ بعد أن عرفت بالدخل الذي يحققه من كانوا معي في مرحلة التعليم الأساسي والمرحلة الثانوية، الذين يعملون في إنتاج الأباريق." حاليا، هناك حالات كثيرة مثل السيدة فان في بلدة دينغشو بمدينة ييشينغ. فكثير من الشباب من جيل ثمانينات وتسعينات القرن الماضي يرجعون إلى البلدة ليعملوا في إنتاج الأباريق، بعد تخرجهم في الجامعة أو عملهم لفترة قصيرة.

ربما تتميز فان جينغ ون في إنتاج الأباريق لكون والدها، فان وي تشون، فنان خزف كبيرا في مقاطعة جيانغسو، وهو مؤسس "بيت الأباريق لأسرة فان" وحفيد فان دا تشون، الفنان الحرفي الكبير للأباريق في أواخر فترة أسرة تشينغ (1644-1911) وبداية جمهورية الصين (1912-1949). تتذكر فان جينغ ون أنها بدأت الدراسة  بصناعة شرائح الطين لمدة أكثر من نصف شهر، ثم تعلمت صناعة هيكل الإبريق، قبل أن تتعلم صناعة غطاء الإبريق وزر الغطاء. بعد ثلاثة أشهر من التدرب الشاق، وافق والدها أن تصنع بنفسها إبريقا كاملا. بعد التدرب والعمل أكثر من سنة مع والدها، قررت المشاركة في امتحان القبول لتخصص الفنون في جامعة تعليم الكبار. قالت: "بعد تخرجي في تخصص الفنون، إضافة إلى ترقية مهارتي الحرفية، يمكن لي المشاركة في الامتحان لأكون فنانة حرفية مساعدة."

يمكن لأي شخص أن ينجح في دراسة صناعة الأباريق. تانغ لي، المتخصص في الأتمتة، رجع من شانغهاي وحاول دارسة صناعة الأباريق في ييشينغ عام 2008، ولكنه لم يحتمل الجلوس طويلا في عملية صناعة الإبريق. من خلال تواصله مع كثير من الفنانين الكبار، ظهر في قلبه شغف الترويج لثقافة الطين الأرجواني، فحول عمله من الصناعة إلى ترويج وإدارة الثقافة. يعمل تانغ حاليا في قسم المبيعات بمصنع لفنون الطين الأرجواني في ييشينغ بمقاطعة جيانغسو. 

معالجة الأمر بتركه على طبيعته!

أشار وانغ جيان، نائب رئيس بلدة دينغشو في مدينة ييشينغ، إلى أن الحكومة المحلية تنتهج في تطوير صناعة الطين الأرجواني مبدأ "معالجة الأمر بتركه على طبيعته".  

لا ينكر أحد وجود ظاهرة الفوضى في تطور الطين الأرجواني، ولكن ما يشرح الصدر أنه لا حاجة للقلق من مشكلة توارث هذه الصناعة، لأن هؤلاء الممارسين يقومون بأعمال التوريث والابتكار بأساليبهم الخاصة في فنون صناعة الطين الأرجواني.

في الوقت نفسه، فإن صناعة الطين الأرجواني تحفز الاقتصاد المحلي وتحقق الثراء لعامة الناس. قال وانغ جيان، إن بلدة دينغشو بها 23 مؤسسة مالية، ووصل حجم ودائع سكان بلدة دينغشو إلى 14 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات) في نهاية عام 2015. أما في مدينة ييشينغ، فدفع أربعة آلاف خزّاف ضرائبهم الشخصية عام 2015، والتي تجاوز حجمها عشرة ملايين يوان. كما ذكر وانغ أن أحد زملائه تخرج في جامعة نانجينغ وعمل موظفا حكوميا في نانجينغ سنوات كثيرة وتجاوز عمره أربعين سنة، ولكنه قرر أن يرجع إلى ييشينغ مع أسرته للعمل في إنتاج أباريق الطين الأرجواني.

يبدو أن عصر ازدهار إنتاج أباريق الطين الأرجواني قد انتشر في هدوء تام.  

 

شيه في جيون، مراسل صحيفة ((التحرير اليومية)) الصينية.