زيارة سلمان إلى الصين.. نقطة انطلاق جديدة للتعاون الصيني- السعودي
مقابلة مع سفير شؤون منتدى التعاون الصيني- العربي لي تشنغ ون
تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بزيارة رسمية للصين في الفترة من الخامس عشر إلى الثامن عشر من مارس 2017. خلال الزيارة، تم توقيع مذكرات تفاهم وخطابات نوايا بقيمة نحو 65 مليار دولار أمريكي بين الجانبين، من بينها اتفاقيات في مجالات التجارة والطاقة وقدرة الإنتاج والثقافة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا، كما أصدرت الصين والسعودية بيانا مشتركا بشأن توسيع التعاون الثنائي في مجال النقط، ويسعى الطرفان إلى بناء المنطقة الحرة بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.
خلال فترة زيارة العاهل السعودي، أجرت مجلة ((الصين اليوم)) مقابلة خاصة مع السيد لي تشنغ ون سفير شؤون منتدى التعاون الصيني- العربي وسفير الصين السابق لدى السعودية. أشار السفير لي إلى أن الصين تهتم بالسعودية في حين تهتم السعودية بالصين أيضا. وقال إن الملك سلمان أول زعيم أجنبي يستقبله الجانب الصيني بعد الدورتين السنويتين، إن هذه الزيارة تكتسب أهمة كبرى.
الصين تهتم بالسعودية في حين تهتم السعودية بالصين
السعودية هي كانت المحطة الأولى في زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ في الخارج عام 2016. تأتي زيارة الملك سلمان، باعتبارها أول زيارة لملك السعودية للصين منذ 11 عاما، ردا على زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ للمملكة في يناير عام 2016. قال السفير لي: "منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1990، شهدت العلاقات بين الصين والسعودية تطورا مستمرا. إن زيارة الملك السعودي هذه تعد محطة هامة في جولته الآسيوية، وتجسد اهتمام الطرفين الصيني والسعودي البالغ بالعلاقات الثنائية."
قال السفير لي، باعتباره شاهدا على تطور العلاقات الصينية السعودية: "إن الصين تهتم بالسعودية، في حين تهتم السعودية بالصين، وخلال زيارة الملك السعودي الأخيرة الى الصين، قد وافق الطرفان على تطوير العلاقات الثنائية كاتجاه ذي أولوية في العلاقات الخارجية لكل منهما، كما عبرا عن رغبتهما المشتركة لدفع تطوير العلاقات الثنائية بقوة، مما يرمز إلى أن علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والسعودية سوف تصبح أكثر متانة. ستصبح الصين والسعودية شريكين للدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وشريكين طبيعيين في بناء الحزام والطريق وشريكين مخلصين لتشجيع الحوار الثقافي، نتطلع إلى بناء مثل هذا النمط من العلاقات الثنائية."
تعزيز التعاون العملي لتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة
أولت الصين اهتماما بالغا بزيارة الملك سلمان، قفد أجرى كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني تشانغ ده جيانغ محادثات مثمرة معه. أكد السفير لي: "هناك إمكانات كبيرة لمستقبل التنمية لدى الجانبين. الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما السعودية من أكبر اقتصادات غربي آسيا وأفريقيا ومصدر هام للطاقة وتلعب دورا هاما في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفي الدول العربية والعالم الإسلامي، لذا نقول إن تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الطرفين الصيني والسعودي سيدعم إيجابيا الشؤون الثنائية والإقليمية والدولية."
السعودية أكبر مورد للنفط الخام للصين على مدى ست عشرة سنة متتالية؛ من عام 2000 إلى عام 2015، وفد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 36ر42 مليار دولار أمريكي في عام 2016، الأمر الذي جعل السعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غربي آسيا وأفريقيا. أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ محادثات مع الملك سلمان في السادس عشر من مارس عام 2017، ثم شهدا توقيع الاتفاقات التعاونية بين البلدين في مجالات الطاقة والقدرات الإنتاجية والثقافة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا. تغطي هذه الاتفاقات 35 مشروعا، تبلغ قيمتها 65 مليار دولار الأمريكي.
أشار السفير لي إلى أن البلدين أقاما علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة وقررا تشكيل اللجنة الصينية- السعودية المشتركة الرفيعة المستوى خلال زيارة الرئيس شي للسعودية في أوائل عام 2016، مما أدخل العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة من التطور السريع ولعب دورا هاما في دفع التعاون العملي الثنائي وضمان تطور العلاقات الثنائية.
صيغة التعاون "1+2+3" تدفع الالتقاء بين "الحزام والطريق" و"رؤية 2030"
تقع السعودية في الملتقى الغربي بين الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، وتعتبر حلقة هامة للربط بين المناطق النائية الأوراسية وللوصول إلى أفريقيا، فتكتسب المشاركة في بناء الحزام والطريق بين البلدين أهمية إيجابية. قال السفير لي"السعودية تحتل المركز الثالث عالميا من حيث حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتملك قدرة اقتصادية ومالية عالية، وهي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين، فمن الممكن أن تلعب دورا دافعا في عملية بناء " الحزام والطريق". إن دفع الالتقاء بين "الحزام والطريق" و"رؤية 2030" يوفر بيئة خارجية ممتازة للطرفين."
دخل كل من الصين والسعودية فترة حاسمة من التحول الاقتصادي، حيث دخلت الصين السنة الثانية لـ"الخطة الخمسية الثالثة عشرة"، كما أن السعودية حاليا في السنة الثانية لـ"الخطة الخمسية التاسعة". نفذت الصين سلسلة من الإجراءات لدفع الإصلاح والانفتاح، وطرحت السعودية "رؤية 2030". يرى السفير لي أن الالتقاء بين الخطتين التنمويتين الاستراتيجيتين يكتسب أهمية للمساعدة في تحقيق الخطتين في أسرع وقت ممكن وتقديم دعم للتطور الاقتصادي الإقليمي والدولي.
وأوضح السفير لي أن مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ نالت ردا وترحيبا من كل الدول العربية، وقامت السعودية تحديدا بإعداد خطة "طريق الحرير الغربي"، وترغب الصين في التجاوب مع هذه الخطة. طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ معادلة تعاون بين الصين والدول العربية في بناء "الحزام والطريق"، محورها الرئيسي هو مجال الطاقة، بينما يمثل مجالا البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار جناحيها، في حين تعتبر مجالات التكنولوجيا المتقدمة والحديثة مثل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة المتجددة نقاط اختراق لها. تسعى هذه المعادلة إلى تطوير العلاقات الثنائية وتحقيق البناء المشترك والتشاور المشترك والاستفادة المشتركة في بناء"الحزام والطريق".
تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والحفاظ على سلام واستقرار الشرق الأوسط
الصين، باعتبارها دولة نامية كبرى ودولة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ترغب في لعب دور إيجابي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. قال السفير لي إن الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط والأعمال الإرهابية وقضية اللاجئين لا تضر منطقة الشرق الأوسط ودولها فحسب، وإنما أيضا تهدد السلام والاستقرار والتنمية في العالم.
وقال السفير لي: "أولا، ظلت الصين تدعو إلى التمسك بثبات بالحل السياسي للقضايا الساخنة في الشرق الأوسط، ومفتاح ذلك هو المثابرة على التشاور والحل السلمي. ثانيا، يمكن للصين والسعودية أن يتعاونا في مجال مكافحة الإرهاب، وتقدِّر الصين عاليا دور التحالف الإسلامي العسكري برئاسة اسعودية في محاربة الإرهاب. وتتفق الصين والسعودية على عدم ربط الإرهاب بأي عرق أو دين. ثالثا، ينبغي لنا أن ننشر مفهوم السلام أكثر، ونولي اهتماما كافيا بالتنمية."
خلال زيارة الرئيس شي لمقر جامعة الدول العربية في مصر في يناير عام 2016، ألقى كلمة هامة قال في مستهلها: "منطقة الشرق الأوسط أرض خصبة، لكنها تعاني من ويلات الحروب والصراعات، لم تتخلص منها حتى اليوم، الأمر الذي يؤلمنا ويجعلنا نتساءل: إلى أين تتجه هذه المنطقة؟" وقد لخص الرئيس شي الحل المقترح لمشاكل الشرق الأوسط في عبارات موجزة: "يكمن مفتاح تسوية الخلافات في تعزيز الحوار، ومفتاح فك المعضلة في تسريع التنمية، ومفتاح اختيار الطريق في تطابقه مع الخصوصيات الوطنية." قال السفير لي: "هذه النقاط الثلاث تصلح لحل قضايا الشرق الأوسط، وتعتبر الحل الأساسي لدفع تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتعد المحتوى الجوهري للبرنامج الصيني. في مسيرة تطوير العلاقات الثنائية بين الصين والسعودية، ستعمل الصين على تعزيز التعاون مع السعودية في مكافحة الإرهاب ودفع الحل السلمي للقضايا الساخنة في الشرق الأوسط."