آفاق التعاون البرلماني بين الصين ومصر
في السادس من مارس 2017، أقيمت في القاهرة ندوة بعنوان "آفاق التعاون البرلماني بين الصين ومصر"، افتتحها سونغ آي قوه سفير الصين لدى مصر، وشارك فيها أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة مؤسسة ((الأهرام))، والدكتورة ماجدة صالح عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومحمود علام سفير مصر الأسبق لدى الصين، والدكتور نادر مصطفى عضو مجلس النواب المصري.
الندوة التي أقامتها مجلة ((الصين اليوم)) برعاية المجموعة الصينية للنشر الدولي، بمناسبة انعقاد الدورتين السنويتين للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، حظيت باهتمام إعلامي كبير في مصر بل وفي الدول العربية. ربما هذه هي أول مرة يتعرف المواطن العربي مباشرة على آليات العمل التشريعي في الصين، وأهمية انعقاد الدورتين، وانعكاسات السياسات التي يتم إقرارها خلالهما على علاقات الصين مع دول العالم، ما يعد بداية الولوج العربي إلى المياه العميقة للعمل السياسي الصيني، وانعكاسا للاهتمام العربي المتزايد بكل تفاصيل الحياة الصينية، وليس فقط الجانب الاقتصادي والتجاري للعلاقة مع الصين.
السفير سونغ آي قوه، أكد في كلمته أمام الندوة أن المجلس الوطني لنواب الشعب هو أعلى جهاز لسلطة الدولة في الصين، وأنه يمارس السلطة التشريعية والرقابية، وأن المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي هو طريقة هامة لترسيخ الديمقراطية الاشتراكية في الحياة السياسية الصينية، وضمان التشاور الديمقراطي لسياسات الصين. وأشار سونغ إلى أن المجلس الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي وحدة متكاملة، يكمل كل منهما الآخر ويلعبان دورا هاما في الحياة السياسية في الصين. وقال إن "الدورتين" حدث هام في الحياة السياسية الصينية، ونافذة للعالم على الصين. وأكد سفير الصين أن مصر من أهم شركاء التعاون للصين في منطقة الشرق الأوسط، وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زار الصين ثلاث مرات، مما ساهم في تعميق الصداقة بين الصين ومصر، وأعطى دلالة واضحة على علاقات خاصة قائمة بين الصين ومصر.
وقال إن الصين تعمل حاليا على دفع بناء "الحزام والطريق" (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين) التي تتوافق مع مشروع تنمية محور قناة السويس، الأمر الذي يوفر للبلدين فرصة تاريخية نادرة لتعزيز التعاون في كافة الأصعدة.
وقال أحمد السيد النجار، إن المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني كسلطة تشريعية عليا وكمعمل هائل لتوليد القيادات السياسية الصينية على كافة المستويات الإقليمية والوطنية العامة، قد شكل رافعة رئيسية للنهضة الصينية الجبارة التي ينجزها الشعب الصيني الصديق بكل الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الـثلاثة عشرة التي أقرها منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وتم تحقيق النهوض المبهر من خلال تطبيقها لتصل بالصين إلى أن تكون أكبر قوة اقتصادية على وجه الأرض في الوقت الراهن، إذا أخذنا بقيمة ناتجها المحلي الإجمالي المحسوب بالدولار الأمريكي، طبقا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار الأمريكي واليوان الصيني. وأضاف: "تعلق مصر آمالا كبيرة على الدور الفعال للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في دعم مسيرة تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية الشاملة بين مصر والصين لمستويات أعلى وأكثر تطورا لمصلحة الشعبين، خاصة بعد أن شهدت تلك العلاقات نقلة كيفية من صداقة قوية قائمة على المبادئ والمصالح المشتركة إلى مستوى علاقات استراتيجية حقيقية بين الدولتين مؤخرا."
وأشار النجار إلى أن الصين تكتسب مكانتها الخاصة بالنسبة لمصر وللدول النامية عموما، من حقيقة أنها حالة استثنائية في التاريخ الاقتصادي الحديث، حيث بنت تفوقها ونهضتها الاقتصادية الجبارة استنادا إلى مواردها وإلى سواعد وعقول أبنائها، وليس إلى الاستحواذ والهيمنة ونهب البلدان الأخرى كما فعلت كل الإمبراطوريات الغربية. وأنجزت الصين ذلك البناء العظيم عبر سياسات تتلاءم كل منها مع المرحلة التي تم تطبيقها فيها.
وحلل النجار أداء الاقتصاد الصيني قائلا إنه على الرغم من تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الصين من 10% سنويا في المتوسط في الفترة من عام 1980 حتى عام 2014، إلى نحو 5ر6%% سنويا في الوقت الحالي، فإنه يظل أكثر من ضعف معدل نمو الاقتصاد الأمريكي الذي يراوح في المتوسط عند مستوى أقل من 5ر2% وبلغ نحو 6ر1% فقط عام 2016، بما يرشح الاقتصاد الصيني لزيادة أسرع في حجم الناتج مقارنة بنظيره الأمريكي.
وأشار رئيس مجلس إدارة ((الأهرام)) إلى أن الاستثمارات الصينية المباشرة في مجال الصناعات التحويلية في مصر، تنطوي على فائدة عظمى لكل من الصين وشركاتها من جهة، ومصر وشركاتها من جهة أخرى. وتزداد الفائدة للطرفين على نحو خاص في الصناعات الاستراتيجية والسلع الكبيرة الحجم والوزن مثل السيارات والجرارات والقطارات والبتروكيماويات والمراجل البخارية والإطارات والأسمنت والجبس والورق والرخام والأحجار والحديد والصلب والسفن والأسمدة والزجاج ومستلزمات محطات الطاقة الشمسية والصناعات الزراعية والسمكية والملح وغيرها. كما أن الاستثمار في صناعات مثل الأجهزة الكهربائية والتليفونات المحمولة يمكن أن يكون فعالا ومربحا للطرفين. وتتركز الفوائد الصينية من الاستثمار في مصر في أن توطين استثمارات صينية في هذه القطاعات في مصر يؤدي إلى إلغاء تكاليف نقلها والتأمين عليها من الصين إلى السوق المصرية، مما يرفع قدرتها التنافسية في السوق المصرية، فضلا عن انخفاض تكلفة الخامات والعمالة. وإذا قامت تلك المشروعات الصينية في مصر بتوجيه إنتاجها للتصدير إلى الأسواق العربية أو الأفريقية أو الأوروبية الملاصقة أو القريبة لمصر فإنها تستفيد من انخفاض نفقات النقل والتأمين عليها، ومن الدخول الحر بدون جمارك إلى تلك الأسواق التي ترتبط مصر معها بمنطقة تجارة حرة، إذا استوفت نسبة المكون المصري في تلك السلع.
الدكتورة ماجدة صالح تحدثت رئيسيا حول نقطتين، الأولى هي الملامح الأساسية للنظام السياسي الصيني، والثانية هي الديمقراطية الصينية. وقالت إن ما يوجد في الصين يمكن وصفه بأنه ديكتاتورية ديمقراطية شعبية، يقودها العنصران الأساسيان اللذان قادا الثورة الصينية وهما العمال والفلاحون. وقالت إن كل المواطنين، بموجب الدستور، يتمتعون بالمساواة، وكل مواطن يبلغ عمره ثمانية عشر عاما له حق الانتخاب والترشح، وممارسة حياته السياسية بدون تفرقة على أساس الجنس أو القومية أو المهنة، فيما عدا المحرومين من حقوقهم السياسية. فيما يتعلق بحقوق وحريات المواطن كما ينص عليها الدستور الصيني لسنة 1982، فهي حرية الكلام والنشر والتجمع وتكوين التنظيمات، والحرمة الشخصية بحيث لا يمكن القبض على أحد إلا بإذن، وحق النقد، والاقتراح، والرعاية الاجتماعية، والتعليم. وينص الدستور أيضا على المساواة بين المرأة والرجل، وتشكل النساء حوالي 23% من عدد أعضاء المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني. وأوضحت أن المجلس الوطني لنواب الشعب، يقوم بدور كبير، وله حق في تفسير الدستور، وهو مسؤول أمام الشعب ويخضع لرقابة الشعب، باعتبار أن الشعب هو السيد كما يقول الدستور الصيني. وقالت إن المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، يشبه البرلمان في النظم الأخرى، من ناحية الدور والوظيفة، لكن مع بعض الاختلافات، ذلك أن مجلس نواب الشعب في الصين يعد الجهاز الأعلى، أما في باقي النظم فيعد جهازا تشريعيا فقط. وأوضحت أستاذة العلوم السياسية أنه لا يوجد فصل بين السلطات في الصين، كما يوجد في الأنظمة السياسية الأخرى، وإنما يوجد فصل نسبي. وبالنسبة للسلطات العليا في الصين فهي: "رأس الدولة"، والحزب، والجيش. والسلطات العامة هي: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية، الحزب، والجيش.
السفير محمود علام، تحدث عن دور المثقفين والأكاديميين في صناعة القرار الصيني، وقال إن ما نراه من مشروعات قوانين خلال "الدورتين" هو قمة الجبل، فتلك المشروعات يقوم على دراستها وبحثها وتنقيحها، قبل تقديمها للمجلس الوطني لنواب الشعب، مجموعات عديدة من الباحثين والخبراء المتخصصين. وأشار علام إلى أن الصين تستفيد من أبنائها الذين عملوا ودرسوا في الخارج وتوفر لهم الظروف لإقامة مشروعات في الصين للاستفادة من خبراتهم.
الدكتور نادر مصطفى، تحدث عن أوجه التعاون القائمة بين مجلسي النواب المصري والصيني ودورهما في تعزيز العلاقات بين مصر والصين. وقال إن العلاقات المصرية- الصينية شهدت خلال الفترة الماضية تطورا في كافة المجالات، وأكدت قدرتها على مواكبة التحديات الداخلية والخارجية في كلا البلدين، نتيجة لما تتميز به تلك العلاقات من تقارب الأهداف الاستراتيجية للدولتين اللتين تنتهجان سياسات واستراتيجيات متشابهة، بالإضافة إلى إقامة علاقات تقوم على الاستفادة من المزايا التي تتمتع بها كل دولة في إطار من الندية والمساواة. في ضوء ذلك سعت مختلف المؤسسات في كلتا الدولتين للقيام بدورها في توطيد هذه العلاقات وفقا لاختصاصات وسلطات كل منها. وقال إن مجلسي النواب في كلا البلدين من أهم المؤسسات التي يمكن أن تلعب دورا جوهريا في هذا الشأن. وأشار مصطفى إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى مجلس النواب المصري في يناير 2016، قائلا إنها عكست الثقة الكاملة في البرلمان المصري والتأكيد على دوره المحوري فى توطيد العلاقات بين البلدين.
وطرح عضو مجلس النواب المصري جملة من المقترحات يستطيع من خلالها مجلسا النواب في الدولتين القيام بدور جوهري يساهم في توطيد العلاقات بين البلدين، ومنها: تفعيل جمعية الصداقة البرلمانية المصرية- الصينية، لتكون نواة حقيقية تساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين من خلال ما يمكن أن تقدمه من مقترحات ومراجعة وتنسيق الجهود؛ سرعة الموافقة على الاتفاقيات التي يتم التوقيع عليها بين البلدين، دون أن يعني ذلك المساس باختصاصات كلا المجلسين في هذا الشأن وبما يتوافق مع المصالح العليا لكل دولة، وممارسة مجلسي النواب في كلا البلدين لدورهما الرقابي في ضبط البيئة المحيطة بهذه الاتفاقيات؛ اقتراح ما يراه المجلسان من مجالات جديدة للتعاون عبر دراسات تقوم بها جهات تابعة لهما، لتكون فيما بعد مشروعات اتفاقيات أو قوانين؛ إقامة علاقات متبادلة بين المجلسين وبعض المؤسسات الحيوية داخل البلدين والتي يمكن أن تساهم في توطيد العلاقات لتبادل الرؤى والمقترحات حول ما يمكن أن يسهم في تعزيز العلاقات؛ المزيد من تبادل زيارات الوفود البرلمانية لكلا الدولتين لما تقوم به من توافق في الرؤى وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين.
بهذه الندوة، تؤكد ((الصين اليوم)) مرة أخرى وليست أخيرة دورها المتواصل في تعزيز العلاقات الصينية- العربية في كافة المجالات، وهو الدور الذي أشاد به رئيس مجلس إدارة مؤسسة ((الأهرام)) الذي قال إن مجلة ((الصين اليوم)) تشكل جسرا ثقافيا وإعلاميا رفيع المستوى بين حضارتي مصر والصين.