"الحزام والطريق" و"رابطة المصير المشترك للبشرية"
ذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال الأربع سنوات الأخيرة، بناء "رابطة المصير المشترك للبشرية" أكثر من مائة مرة في مناسبات محلية ودولية مختلفة، الأمر الذي يشير بوضوح إلى دور ومسؤولية الصين في عملية بناء رابطة المصير المشترك. وفي كلمة التهنئة بمناسبة حلول عام 2017، وجه شي جين بينغ دعوة لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية مرة أخرى، قال فيها: "إن الصينيين يدعون دائما إلى أن العالم موحد وأننا أسرة واحدة. الشعب الصيني لا يأمل في حياة رغيدة لنفسه فقط، وإنما يأمل في حياة سعيدة لجميع شعوب العالم. إنني أدعو بصدق إلى جمع جهود المجتمع الدولي لجعل الكرة الأرضية أكثر سلما وازدهارا على أساس مفهوم رابطة المصير المشترك للبشرية." وطرح الرئيس شي سلسلة من الأفكار والآراء الجديدة لشرح مفهوم رابطة المصير المشترك للبشرية بشكل شامل ومنهجي، الأمر الذي نال اعترافا وتقديرا واسعا من المجتمع الدولي. في العاشر من فبراير 2017، سُجل مفهوم بناء "رابطة المصير المشترك للبشرية" لأول مرة في قرار الأمم المتحدة. وفي السابع عشر من مارس، أجازت الدول الأعضاء الخمس عشرة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2344 بشأن قضية أفغانستان، حيث أُدرجت "رابطة المصير المشترك للبشرية" في نص القرار مرة أخرى. ودعا القرار إلى تعزيز التعاون الإقليمي من خلال بناء "الحزام والطريق"، وأكد على دفع التعاون الإقليمي انطلاقا من روح التعاون والفوز المشترك للأمن والاستقرار والتنمية في أفغانستان والمنطقة بشكل فعال، وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. إن ذلك لا يجسد التوافق المشترك للمجتمع الدولي فحسب، وإنما أيضا يبرز النظرة البعيدة والمسؤولية التاريخية لقادة الصين في مواجهة المستقبل، ويوضح المساهمات الهامة للمفاهيم الصينية والمشروعات الصينية في حوكمة العالم.
وغنى عن القول إن العالم تواجهه تحديات عديدة في الوقت الراهن، وأن البشرية اليوم تعيش في عصر تزداد فيه المخاطر. فنمو الاقتصاد العالمي يفتقر إلى قوة دافعة، وتأثيرات الأزمة المالية مازالت باقية، وفجوة التنمية تتوسع يوما بعد يوم. والتحديات غير التقليدية للأمن مثل الإرهاب وأزمة اللاجئين والأوبئة وتغير المناخ وغيرها تتعاظم. انتشار الإرهاب يمثل تحديا كبيرا لكل البشرية، ومسيرة العولمة تواجه رياحا عكسية مع تصاعد الحمائية والانعزالية والشعبوية بشكل مطرد، ونظام الحوكمة العالمية يمر بمرحلة تاريخية حاسمة من التعديلات والتغيرات. الصين من جانبها تتمسك بالنظام المتعدد الأطراف الذي يتخذ الأمم المتحدة محورا له، وتتمسك بالنظام العالمي للتجارة الحرة، وتعمل على بذل الجهود مع الدول المختلفة من أجل تحقيق إعادة التوازن لعملية العولمة الاقتصادية وإرشاد تطور نظام الحوكمة العالمية نحو اتجاه أكثر عدالة ومعقولية. تعتبر مبادرة "الحزام والطريق" العظيمة التي طرحها الرئيس شي جين بينغ منتجا عاما هاما طرحته الحكومة الصينية، من أجل دفع التعاون الدولي والحوكمة العالمية، وهي تطبيق هام للصين في بناء الشراكة. تتمسك مبادرة "الحزام والطريق" بمبدأ "التشاور المشترك والبناء المشترك والاستفادة المشتركة"، وتدفع الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" والدول المعنية للبحث عن تكامل التفوقات وتضييق فجوة التنمية والإسراع في عملية التكامل الإقليمي وتحقيق التنمية المشتركة والازدهار المشترك، من خلال التواصل في السياسات وترابط المنشآت وتيسير التجارة وتيسير التمويل والترابط بين قلوب الشعوب. وتربط مبادرة "الحزام والطريق" تنمية الصين بتنمية الدول المعنية ربطا وثيقا، الأمر الذي يجسد قوتها الحيوية الكبيرة وشمولها الواسع. أما بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، فيعد الفحوى الجوهري لمبادرة "الحزام والطريق"، ويعني بذل أقصى الجهود للبحث عن سبيل جديد لتجنب الانقسام والمجابهة في المجتمع الدولي كما حدث في فترة الحرب الباردة، وتحقيق الاندماج والاعتماد المتبادل للاقتصاد، كما قيل:"أنا أعيش بداخلك، وأنت تعيش بداخلي"، مما يقلل خطر المجابهة بين الدول.
منذ أكثر من ثلاث سنوات، ظلت الصين القوة الثابتة لدفع التنمية الاقتصادية العالمية بارتباط تنميتها بتنمية دول العالم. في عام 2015، ساهمت الصين بنحو 25% من نمو الاقتصاد العالمي. ومبادرة "الحزام والطريق" التي طرحتها الصين، تستفيد منها مختلف الدول. من خلال الجهود المشتركة للصين والأطراف المعنية الأخرى، تتوسع دائرة أصدقاء "الحزام والطريق"، حيث عبرت أكثر من مائة دولة ومنظمة دولية عن استجابتها الإيجابية ودعمها للمبادرة، ووقعت أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية اتفاقيات مع الصين. وتحت دعم مختلف الدول ومشاركتها، يجري بناء "الحزام والطريق" بسلاسة، وتحققت ثمار كثيرة في الحصاد المبكر لها. أنشأت المؤسسات الصينية 56 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في أكثر من عشرين دولة واقعة على طول "الحزام والطريق"، يتجاوز حجم الاستثمار التراكمي فيها 5ر18 مليار دولار أمريكي. التأثيرات والتوقعات الإيجابية لـ"الحزام والطريق" تقدم عناصر مفيدة هامة للتنمية الذاتية لمختلف الدول، وخلق بيئة خارجية أفضل. وقد أثبت الواقع أن مبادرة "الحزام والطريق" تتفق مع القيمة المحورية لميثاق الأمم المتحدة وقواعد منظمة التجارة العالمية. إن "الحزام والطريق" درب واسع مفعم بأشعة الشمس، يدفع تقدم الجميع إلى الأمام، ويدفع حرية التجارة وتيسير الاستثمار، ويبرز مفهوم القيم الجوهرية للحضارة الصينية أمام شعوب العالم، ويعكس آمال البشرية في المستقبل.
في بداية عام 2016، اُفتتحت أعمال البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يعد منصة جديدة للتعاون والفوز المشترك والمنفعة المتبادلة. قال الرئيس شي جين بينغ في كلمته التي ألقاها في حفل تدشين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، إن البنك سوف "يصبح منصة جديدة لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية". وفي الثالث والعشرين من مارس 2017، انضم أكثر من ثلاثة عشر عضوا جديدا إلى "دائرة أصدقاء" البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وارتفع عدد الدول الأعضاء بالبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية من 57 إلى 70. وفي ظل استمرار ضغوط انتعاش الاقتصاد العالمي، يجذب البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية المزيد من الأعضاء، بفضل تخصصه واتجاهه التدويلي ومعاييره الموحدة. ومع توسع "دائرة الأصدقاء"، أصبحت الصفة التمثيلية للبنك أقوى، وسيلعب دورا دافعا إيجابيا في تنمية الدول والمناطق الواقعة على طول "الحزام والطريق" والعالم. ومن المتوقع، في السنوات الخمس المقبلة، أن يبلغ إجمالي واردات الصين ثمانية تريليونات دولار أمريكي، وأن يصل حجم الاستثمار الأجنبي المستخدم في الصين ستمائة مليار دولار أمريكي، وأن يبلغ حجم استثمارات الصين في الخارج سبعمائة وخمسين مليار دولار أمريكي، وأن يبلغ عدد السياح الصينيين المسافرين الى الخارج سبعمائة مليون شخص. إن السوق الصينية والتصنيع الصيني والمشروعات الصينية والخدمات الصينية وقدرة السياح الصينيين الاستهلاكية، ستصبح قوة محركة دائمة لنمو الاقتصاد العالمي.
سيُعقد منتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي في بكين في مايو 2017، حيث ستناقش الصين الخطط الهامة للتعاون مع الدول المعنية. وسيعمل الجانب الصيني على بلورة التوافق على التعاون وتخطيط الإجراءات التعاونية وتعميق ربط الاستراتيجيات مع مختلف الدول المشاركة والمنظمات الدولية، لتحقيق الجمع العضوي بين تحول نمط اقتصاد الصين والارتقاء بمستواه، ودفع التصنيع والتحديث وتعزيز بناء البنية التحتية لمختلف الدول، وفتح حيز جديد لتنمية الجميع، وإضافة قوة محركة جديدة للنمو. وقد أعلنت الصين أنها ستدفع مختلف الدول للقيام بالتعاون الدولي في القدرة الإنتاجية وتصنيع الأجهزة، وتعزيز التواصل والترابط عبر القارات، ورفع مستوى التعاون في التجارة والاستثمار، وخلق فرص جديدة لنمو الاقتصاد العالمي، مما يجعل هذا المنتدى تحشد حكمة الأطراف المختلفة وتستفيد من تفوقات شتى الأطراف وتناقش بناء آلية تعاون فعالة طويلة المدى، وتشكل شبكة للتعاون المتبادل المنفعة وتقيم نمط تعاون من طراز جديد وترسم خطة جديدة لبناء "الحزام والطريق"، وتحقق البناء المشترك لروعة طريق الحرير والاستفادة المشتركة من الاستقرار والازدهار.
يتطلب تحقيق بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، التحمل المشترك والوحدة خلال المصائب والجهود المشتركة من مختلف الدول. وتعتبر مبادرة "الحزام والطريق" إجراء هاما لتنفيذ الصين سياسة الانفتاح على الخارج بشكل شامل، وتعمل على بناء منصة تعاون متعددة الأطراف، وشاملة، بين القطاعات. معظم الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" دول نامية، فيها فجوة الطلب الكبيرة في مجالات أجهزة الطاقة والطاقة الكهربائية وغيرهما، ويتمتع التعاون بينها في الطاقة بآفاق واسعة. ومن المؤكد أن تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" سيعزز التواصل شبه الإقليمي في آسيا، ويشكل إطارا كبيرا لتكامل آسيا وتكامل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويعزز الاستفادة المشتركة من السلام والازدهار والأمن في المنطقة، ويبني رابطة المصلحة المشتركة ورابطة المصير المشترك لآسيا، على أساس الثقة المتبادلة والتسامح والتعاون والفوز المشترك.
في الوقت الحالي، تواجه الدول العربية المرحلة الهامة لدفع تحويل نمط التنمية ومعالجة القضايا الإقليمية الساخنة. وقد أدرك الناس بوضوح أن منطقة الشرق الأوسط بها مشكلات كثيرة، وجذورها ممتدة، وحلولها تعتمد على التنمية في النهاية، فأصبحت التنمية الاقتصادية والاجتماعية من النقاط الأساسية للدورة الثامنة والعشرين لقمة الدول العربية التي عقدت في نهاية مارس 2017 بالأردن. المنطقة العربية من المناطق المتأثرة بشدة بالحمائية التجارية العالمية، وأن حجم التجارة بين الدول العربية يشكل ما بين 8% و10% من إجمالي حجم التجارة الخارجية لهذه المنطقة، فضلا عن أن درجة الاندماج الإقليمي والتعاون الاقتصادي منخفضة. إن أبرز ثمار هذه القمة هي أن جامعة الدول العربية تخطط حاليا لدفع التكامل الاقتصادي العربي وبناء وتشكيل منطقة اقتصادية موحدة وغيرها من الخطط والتطلعات الجديدة التي تتوافق مع متطلبات التنمية في القرن الحادي والعشرين، وتوظيف التفوقات الذاتية لكل الدول العربية لتكون قوة هامة دافعة للعولمة. إن تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" يرتبط برؤية التنمية للدول العربية، سعيا إلى تحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك والتنمية المشتركة.
الآن، تعيش البشرية في مرحلة من التطورات والتغيرات والتعديلات الكبيرة. وتتعمق تطورات التعددية القطبية العالمية والعولمة الاقتصادية، وتتطور المعلوماتية الاجتماعية والتنوع الثقافي بشكل مطرد. وتتعاظم الدورة الجديدة من ثورة التكنولوجيا العلمية والثورة الصناعية، وأصبح تيار العصر المتميز بالسلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك أقوى فأقوى. وفي هذه اللحظة الحاسمة للتغير والتطور، يحتاج العالم إلى مفهوم جديد لإرشاد اتجاه تطوره. وتعتبر رابطة المصير المشترك مفهوما ساميا يضرب بجذوره في أعماق بناء النظام الدولي العادل والمعقول للبشرية، وتتجسد في القواعد الأساسية التي التزم بها المجتمع الدولي. يجب على مختلف الدول أن تدفع بناء عولمة اقتصادية أكثر حيوية وتسامحا واستدامة، وتعمل على حل قضية الإنصاف والعدالة، وتؤكد على تناسق السياسات الكلية، وتبدع في طريق النمو الاقتصادي، وتبني الاقتصاد العالمي المنفتح. لن تكون السياسات الانغلاقية اختيارا صائبا، ولن يمكن وضع مصلحة دولة معينة فوق مصالح الدول الأخرى. فطالما نرسخ وعي رابطة المصير المشترك للبشرية بثبات، ونبذل جهودا مشتركة في المنصة الكبيرة لـ"الحزام والطريق"، فلا بد أن نجعل العالم أكثر جمالا ونجعل الشعوب أكثر سعادة.