قمة المبادرة
في قمة "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي"، التي عقدت في بكين يومي 14 و15 مايو السنة الجارية، بمشاركة وفود أكثر من 130 دولة و70 منظمة دولية، قال الرئيس شي جين بينغ في كلمته بمراسم الافتتاح، إن مبادرة "الحزام والطريق" ليس اختراعا للعجلة، فهي مسعى للاستفادة من مشروعات واستراتيجيات قائمة من خلال التنسيق بينها والبحث عن نقاط مشتركة ومحركات قوة جديدة بما يحقق الفائدة لكل الأطراف المشاركة.
وقد أنشأت الصين آليات حوار على مختلف المستويات موجهة نحو تنسيق السياسات مع دول "الحزام والطريق"؛ ومنها منظمة شانغهاي للتعاون، آلية التنسيق الدولي لمشروع الجسر الأوراسي الجديد، والمنتدى الاقتصادي لأوروبا وآسيا، وكلها تهدف إلى التوصل إلى إجماع واسع مع دول على طول "الحزام والطريق"، وتيسير تنفيذ البرامج في ظل مبادرة "الحزام والطريق".
وبالنظر إلى أن البنى التحتية في العديد من بلدان "الحزام والطريق" مازالت متخلفة، فإن البناء في هذا المجال يحتل أولوية في تطبيق مبادرة "الحزام والطريق". وقد شهد الحادي والعشرون من إبريل 2017، تشغيل خدمات قطار شيامن- موسكو للبضائع الذي يرتكز على الجسر الأوراسي القاري الجديد والجسر القاري السيبيري. تبدأ هذه الخدمات على التوالي من أربع وعشرين مدينة في كل من الصين وأوروبا، وتصل إلى إحدى عشرة دولة أوروبية.
كما أنشأت الصين أيضا ثلاثمائة وخمسين طريقا سريعا دوليا للركاب والبضائع، وتغطي خدمات النقل البحري كل البلدان على طول "الحزام والطريق". في كل أسبوع، تربط نحو أربعة آلاف ومائتي رحلة جوية مباشرة الصين بثلاث وأربعين بلدا من بلدان "الحزام والطريق". إضافة إلى ذلك، تم تبسيط إجراءات السكك الحديدية الحدودية، مما يعزز التعاون في مجال النقل بين السكك الحديدية الصينية والأوروبية.
الممرات الاقتصادية بين الصين وباكستان، الصين- منغوليا- روسيا، الصين- آسيا الوسطى- غربي آسيا، الصين- شبه جزيرة الهند الصينية، وبنغلادش- الصين- الهند- ميانمار، والجسر الأوراسي القاري الجديد، كلها مكّنت أكثر من ستين دولة نامية على طول "الحزام والطريق" من الارتباط مباشرة مع الصين وأوروبا.
الاستثمار والتعاون التجاري هما محور مبادرة "الحزام والطريق". وعلى ضوء ركود الطلب في السوق الدولية، فإن الصين من خلال توسيع الاستثمارات في الاتجاهين مع البلدان على طول "الحزام والطريق"، تعزز التعاون في القدرة الصناعية وتصنيع المعدات. ومن خلال إقامة مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري ومناطق التعاون الاقتصادي عبر الحدود، تهدف الصين إلى مساعدة البلدان على طول "الحزام والطريق" في دفع التصنيع ورفع مستوى الصناعات بها، فضلا عن تعزيز العلاقات التجارية الثنائية، مما يخلق نحو تريليون دولار أمريكي من العائد الضريبي ومائة وثمانين ألف فرصة عمل محلية في الدول على امتداد "الحزام والطريق".
إن الاندماج المالي يضمن التطبيق السلس للمبادرة. وحيث أن القدرة المالية للعديد من دول ومناطق "الحزام والطريق" متواضعة، فإن ثمة طلبات ضخمة على الاستثمار والتمويل لتعزيز بناء البُنى التحتية.
"صندوق الحرير" الذي تأسس عام 2014، يركز على مائة مشروع في روسيا، آسيا الوسطى، ممر بنغلادش- الصين- الهند- ميانمار الاقتصادي، وجنوب شرقي آسيا. وقد فتحت عشرة بنوك صينية تقريبا ستة وخمسين فرعا لها في نحو ثلاثين دولة ومنطقة على طول "الحزام والطريق"، وتغطي أعمالها كل المجالات الرئيسية لمبادرة "الحزام والطريق"، مثل الطاقة الكهربائية والنقل والغاز والنفط والموارد المعدنية والاتصالات والماكينات والزراعة وإنشاء الحدائق الصناعية.
الترابط بين قلوب الشعوب هو أساس تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق". خلال الثلاث سنوات الماضية، أطلقت الصين تعاونا كثيفا في مجالات مثل الثقافة، التعليم، السياحة، الرعاية الصحية، تطوير التكنولوجيا، وبين الشباب والأحزاب السياسية وعامة الناس، في الدول والمناطق على طول "الحزام والطريق". ومن ثم، وضعت أساسا شعبيا متينا لتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق".
إن ما يميز مبادرة "الحزام والطريق" عن غيرها، هو أنها ليست مجرد كلام أجوف وإنما حقائق موجودة على الأرض، فهي ليست دعاية سياسية أو برنامجا خياليا وإنما مشروعات وخطط وتعاون مربح للجميع. وقرار الصين بإنشاء آلية اتصال لمنتدى "الحزام والطريق"، يعني أن العمل الحقيقي للاستفادة من المبادرة الصينية قد بدأ، وأنه على الدول المعنية أن تكثف من جهودها مع الجانب الصيني، استنادا إلى رؤية واضحة وفهم واسع لهذه الاستراتيجية.
لقد حملت قمة "منتدى الحزام والطريق" عددا من الرسائل التي يبنغي تأملها جيدا، وهي:
أولا: أن الصين وإن كانت أطلقت مبادرة "الحزام والطريق"، إلا أنها لا تعتبر هذه المبادرة تخصها وحدها، بل تشمل العالم كله؛ ثانيا: أن "مبادرة الحزام والطريق" مشروع طويل الأجل ومتعدد الأطراف؛ ثالثا: أن الصين، بهذه المبادرة ترسخ دورها الرائد في العالم من خلال تبني توجهات تصب في مصلحة العولمة الاقتصادية وتحرير وتيسير التجارة والاستثمار؛ رابعا: أن الصين تدرك التحديات التي يواجهها العالم، ولديها رؤية واضحة لمواجهة تلك التحديات، فقد أشار الرئيس شي في كلمته إلى أن البشرية تواجه تحديات العجز في السلام والتنمية والحوكمة، وتحدث عن عالم "محفوف بالتحديات"، ولكنه قال أيضا إن البشرية تعيش في عصر من التقدم العظيم، والتحول العظيم، والتغير العميق. وقد أكد الرئيس شي أن التنمية العالمية تتطلب قوة دافعة جديدة، وينبغي أن تكون أكثر شمولا وتوازنا، فيما ينبغي تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.