الصين والتحديات التي تواجهها كدولة نامية

يشدد المسؤولون الصينيون على حقيقة أن الصين لا تزال دولة نامية، وفي كثير من الأحيان قد لا يصدق البعض هذا الطرح، خاصة مع النمو الاقتصادي المتسارع للصين وأنها أصبحت بمثابة مصنع للعالم وكل شيء تقريباً أصبح "صنع في الصين". لذلك، يرى البعض أن الصين انتقلت لمصاف الدول المتقدمة وأن إصرارها على وصف نفسها بالدولة النامية هو لكي تعفي نفسها من أي أعباء مالية قد تفرضها عليها المنظمات الدولية كدولة متقدمة.

وفي هذا الصدد، تسعى هذه المقالة إلى محاولة الإجابة على هذا التساؤل من خلالالمحوريين التاليين:

أولا: الصين كدولة متلقية ومانحة للمساعدات الأجنبية

الصين حاليا هي أكبر دولة نامية تمنح مساعدات وليست عضواً في لجنة المساعدات التنموية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. بدأت الصين في تقديم المساعدات التنموية منذ خمسينيات القرن العشرين لكوريا الديمقراطية وفيتنام. واتسع نطاق تقديمها للمساعدات عقب مؤتمر باندونغ عام 1955. وبعد انتهاج سياسة الانفتاح في سبعينيات القرن العشرين وصل عدد الدول المستفيدة من المساعدات الصينية إلى 121 دولة (30 دولة آسيوية، 51 دولة إفريقية، 19 دولة في أمريكا اللاتينية، 12 دولة أوروبية، 9 دول في المحيط الهادئ).

وتنقسم المساعدات الصينية إلى ثلاثة أنواع؛ المنح، القروض، القروض بدون فائدة. وتقدم الصين المساعدات في صورة تنفيذ مشروعات تسليم مفتاح، توريد معدات وإيفاد خبراء وتشييد المباني وتقديم دورات تدريبية للمسؤولين في الدول النامية. والصين لا تقدم مساعدات في صورة دعم نقدي إلا في بعض الحالات الطارئة، مثل حالات الإغاثة الإنسانية جراء كارثة طبيبعية أو انتشار مرض ما.  

ومن أهم مميزات السياسة الصينية للمساعدات الإنمائية، عدم التدخل في شؤون الدول المتلقية للمساعدات، وعدم فرض أي شروط سياسية على هذه الدول.

 

وبرغم أن الصين صارت دولة مانحة، فإنها لازالت تتلقي المساعدات من الدول المتقدمة، ولكن ليس في صورة منح أو قروض كما كانت تتلقاها في السابق، وإنما تتمثل بشكل كبير في صورة عقد المشاورات السياسية والاقتصادية لتبادل المعلومات والخبرات ونقل المعرفة.

فالصين لديها ليس فقط تجربة رائدة في النمو الاقتصادي، وإنما أيضا تجربة أكثر تميزاً في إدارة المساعدات التي تلقتها منذ مطلع الخمسينيات حتى نهاية السبعينيات من الاتحاد السوفيتي السابق. والسبب الرئيسي لنجاح الصين في تعظيم الاستفادة من المساعدات الإنمائية، كان وجود خطط واستراتيجيات واضحة تضعها الدولة بشكل منتظم، وتقييم المشروعات التي تم تنفيذها بشكل مستمر، ورفض الشروط السياسية لأي مساعدة تقدم لها. أهم الدول التي قدمت مساعدات للصين هي ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة.

طبقاً لتصنيف البنك الدولي للبلدان حسب فئات الدخل، تقع الصين في فئة الدول ذات الدخل المتوسط- المرتفع، أي أنها لا تزال في فئة الدول المتوسطة الدخل والذي تقع فيه كثير من الدول النامية.

ثانيا: التحديات التي تواجه الصين

    -1  التلوث البيئي

نتيجة الاعتماد الكثيف على الفحم لتوليد الطاقة، فإن 50% من الشعب الصيني يعانون من تلوث الهواء. ومن بين 160 مدينة كبرى في الصين، فإن 10% منها فقط تلبي المعيار العالمي لجودة الهواء. وكثيراً ما تتجاوز نسبة تلوث الهواء المستويات التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية خطيرة، مما يؤدي لاكتظاظ المستشفيات بالشباب والمسنين الذين يعانون من ضيق في التنفس، فتلوث الهواء يعد رابع أكثر سبب شيوعاً للوفاة في الصين؛ بعد سوء التغذية وضغط الدم والتدخين. لا يقتصر الأمر على جودة الهواء، بل يمتد إلى البحيرات والأنهار والمياه الجوفية التي تلوثت جراء القيود المخففة على الصناعة.

ولمجابهة هذا التلوث تم وضع خطة عام 2013 للتحكم في انبعاثات محطات الفحم، وتم فرض حظر شديد على ملكية السيارات التي تسير في شوارع الصين، لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما تم منع حرق الفحم في المناطق الحضرية منذ عام 2012. وبناء على هذه الخطة تم غلق الآلاف من المصانع الملوثه للبيئة.   

وتعمل الصين على زيادة الاستثمارات في الطاقة النظيفة للحد من الانبعاثات الحرارية وتحسين جودة الهواء، حيث ضخت الصين استثمارات في قطاع الطاقة النظيفة بحوالي تسعين مليار دولار خلال عام 2016، ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات الخاصة بترشيد الطاقة والحفاظ على البيئة خلال خمس سنوات إلى 315 مليار دولار أمريكي.

الصين بين مطرقة ضرورة تحسين جودة الهواء وخفض مستويات التلوث وبين سندان التكلفة الاقتصادية لذلك من غلق المصانع، سواء على صعيد تسريح العمالة وارتفاع مستوى البطالة أو انخفاض مستوى الإنتاج، وهذا يعد من أصعب التحديات والمعضلات التي تواجهها الصين في مسارها التنموي الحالي. 

2-      نقص المياه

     نتيجة التلوث فإن 70% من المياه السطحية في الصين ملوثة، وواحد من بين أربعة صينيين يشرب مياه من الصنبور دون المعايير المطلوبة، فضلاً عن أن حصة الفرد من المياه في بكين تبلغ 1/80 فقط من المتوسط العالمي، أي أقل من المتوسط في الشرق الأوسط.

كما تعاني الصين من نقص وعدم تكافؤ توزيع المياه بين المناطق المختلفة، فنسبة هطول الأمطار في الجنوب الشرقي معدلها 1800 مم سنوياً، في حين أن معدل هطول الأمطار في شمالي وغرب الصيني 200 مم سنوياً. وتكمن المشكلة في تزايد الطلب على المياه لأغراض الزراعة والصناعة والاستخدامات المنزلية، مع وجود نقص في المياه فضلاً عن الظروف المناخية القاسية التي تواجه المناطق الشمالية والغربية.

وفي محاولة للتغلب على تناقص نسب هطول الأمطار، تلجأ الصين إلى استغلال المياه الجوفية في ري المحاصيل، حيث تستهلك الزراعة 69% من إجمالي كمية المياه في الصين. مما يؤدي بطبيعة الحال إلى استنزاف مورد المياه الجوفية على المدى الطويل، حيث تناقص معدل المياه الجوفية في شمالي الصين بنسبة 5ر1 متر سنوياً.

3-      النمو غير المتوازن بين المناطق الصينية

هناك فجوة تنموية بين شرقي وغربي الصين، فشرقي الصين الذي يمثل 40% من المساحة الإجمالية للبلاد، يساهم بسبعين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أما غربي الصين فلا يزال يحتاج إلى مجهودات تنموية كبيرة ليلحق بركاب التنمية في الشرق، ففي بكين وشانغهاي قارب مستوى دخل السكان نظرائهم في الدول المتقدمة، في حين يعيش في غربي الصين مئات الملايين بدخل أقل من 2ر1 دولار أمريكي يومياً.

أدركت الصين هذه المشكلة، وتحاول حلها بشتى طرق مكافحة الفقر ورفع مستوى معيشة مواطني المناطق الغربية، وذلك من خلال التنمية الريفية وتحويل المناطق الزراعية إلى صناعية في إطار استراتيجة التحول الحضري التى بدأت منذ ثمانينيات القرن العشرين.    وتعمل الصين حالياً على الانتهاء من ميكنة القطاع الزراعي بها، واستيعاب العمالة الزائدة نتيجة الاعتماد على الماكينات الزراعية من خلال مساعدة العمال المسرحين على إنشاء مصانع تستوعب العمالة الزائدة، وتكون هذه المصانع نواة للتطوير والابتكار في القطاع الزراعي في المناطق الأقل حظاً في التنمية.

خلال الفترة من عام 1979حتى عام 2016، تم انتشال 790 مليون صيني من الفقر. وبرغم كل هذه الجهود مازالت هناك مشكلة كبيرة فيما يتعلق بمستوى التنمية ودخل المواطنين بين شرقي وغربي الصين.

 هيكل الطاقة غير المتوازن

الصين هي أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وفي ذات الوقت فهي تنتج ما يقارب من 81ر9% من احتياجات العالم للطاقة وهي أكبر منتج للفحم، فضلاَ عن أنها رابع أكبر منتج للنفط، وبالتالي فالصين تكفي احتياجاتها من الطاقة بشكل ذاتي بنسبة 85%. ولكن المشكلة تكمن في اعتمادها بشكل كثيف على الفحم، ناهيك عن استيرادها لنحو ستين في المائة من احتياجاتها النفطية. فعلى سبيل المثال خلال عام 2015، استهلكت الصين 36ر4 مليارات طن فحم، أي 47% من الاستهلاك العالمي للفحم، وبذلك اعتمدت على الفحم في توليد الطاقة بنسبة 62%، وجاءت الطاقة النووية والطاقة المائية وطاقتا الرياح والشمس في المرتبة الثانية بنسبة 7ر19%، في حين اعتمدت على البترول والغاز الطبيعي بنسبة 3ر18%.

وتعمل الحكومة الصينية على تقليل الاعتماد على الفحم كمصدر للطاقة، فخلال عام 2016، تم تخفيض الاعتماد على الفحم بنسبة 2% مقارنة بالعام السابق، مما أدى إلى خفض الانبعاثات الحرارية للصين بنسبة 12%. كما تعمل الصين على زيادة رقعة الغابات والمساحات الخضراء لديها، حيث بلغت نسبة الغابات 7ر21% من مجمل الأراضي الصينية في عام 2016.

وتسعى الصين لتحقيق هدف طموح للغاية، وهو أنه بحلول عام 2030 ستعتمد الصين على مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 20%. ولتحقيق هذا الهدف، تمتلك الصين 36 محطة توليد كهرباء باستخدام الطاقة النووية، و28 محطة نووية أخرى تحت الإنشاء وبهذا تمتلك الصين أكبر برنامج على مستوى العالم لاستخدام الطاقة النووية في أغراض التنمية وتوليد الطاقة. بحلول عام 2030، ستصبح الصين ثاني أكبر دولة منتجة للطاقة النووية، وسترتفع نسبة مساهمة الطاقة النووية في مزيج الطاقة بها من 2% عام 2012 إلى 9% في عام 2030.

4-    شيخوخة السكان

لم يعد الانفجار السكاني قضية تواجه الصين، كما هو الحال في العديد من البلدان النامية الأخرى. الصين تواجه مشكلة ديموغرافية مختلفة عن باقى الدول النامية وهي شيخوخة السكان، وذلك نتيجة تطبيق سياسة الطفل الواحد لمدة أكثر من 30 عاماً، مما أدى إلى انخفاض معدل النمو السكاني وارتفاع نسبة كبار السن بشكل كبير، حيث يمثل السكان ممن يزيد سنهم عن ستين عاماً حوالي مائتي مليون نسمة أي 9ر14%من إجمالي عدد السكان.

وفي محاولة لحل هذه المشكلة، قامت الصين في 2016 بإلغاء سياسة الطفل الواحد، ولكن لا يزال معدل النمو السكاني أقل من نظيره في الدول المتقدمة، فضلاً عن أن هناك إحصائيات تشير إلى أنه بحلول عام 2030، سيبدأ عدد السكان في الصين في التناقص، فسياسة الطفل الواحد أصبحت ثقافة لدى الشعب الصيني وحتى بعد إنهائها مازال الصينيون يفضلون إنجاب طفل واحد.

5-    البطالة

يدخل سوق العمل في الصين سنوياً ما يقارب من 25 مليون نسمة، وهذا يمثل ضغطا كبيرا، من حيث ضرورة خلق فرص عمل كافية لاستيعاب هذه القوة العاملة.

وما يمثل تحدياً إضافياً في هذا السياق هو انتقال معدل النمو الاقتصادي من السريع إلى المتوسط، فقد انخفض من 5ر9% سنوياً إلى 7ر6% في عام 2016، وهذا أبطأ معدل نمو للاقتصاد الصيني منذ 25 عاماً.وتواجه الصين تحديا آخر في هذا السياق، وهو أن تحقق معدل نمو سنوي بنسبة 5ر6% والذي يعد عاملاً حاسماً في خلق فرص العمل اللازمة، وفي حالة التخلف عن تحقيق هذا الهدف سيكون هناك مشكلة ضخمة فيما يتعلق بارتفاع نسبة البطالة.

وترتبط مشكلة البطالة ارتباطا وثيقا بالتنمية غير المتوازنة بين المناطق الصينية، مما يؤدي إلى حدوث موجات هجرة للعمالة من المناطق الأكثر فقراً (الغرب) إلى المناطق الأوفر حظاً في التنمية (الشرق)، وهذا يؤدي إلى عدد من المشكلات من بينها الضغط على البنية التحتية للمناطق الشرقية، فضلاً عن التفكك الأسري نتيجة ترك الأب والأم أولادهم مع ذويهم في مسقط رأسهم والعمل في مكان آخر.  

6-      الاعتماد الكثيف على الموارد والطاقة

تساهم الصين بنسبة 18٪ من الناتج الاقتصادي العالمي، ولكنها تستهلك 20٪ من إجمالي الطاقة العالمية (أي أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية)، كما تستهلك الصين 53٪ من الإنتاج العالمي من الأسمنت، 47٪ من خام الحديد، 47٪ من الفحم، 45٪ من الصلب، 11٪ من النفط، 44٪ من الرصاص و38٪ من النحاس.ناهيك عن أن معدل استهلاك الطاقة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين أعلى 7 مرات من اليابان و2ر2 مرة من المتوسط العالمي.

ختاماً، فمما لاشك فيه أن الصين قد حققت نمواً اقتصاديا مذهلا خلال العقود القليلة الماضية، وهي نسبياً قد يكون وضعها أفضل من كثير من الدول النامية، ولكن المؤكد أيضاً هو أن نموذج النمو الذي انتهجته الصين خلال العقود السابقة يحتاج إلى إعادة نظر، ولهذا تقوم الصين بتعديل نمط نموها حاليا.

--

إيمان فخري، باحثة دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.