تطور مستمر لدبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية
عقد بنجاح في شهر أكتوبر عام 2017، المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في بكين، وهو مؤتمر بالغ الأهمية في المرحلة الحاسمة لإنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل وفي مرحلة حاسمة لتطور الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وتم في المؤتمر انتخاب القيادة المركزية الجديدة ونواتها الرفيق شي جين بينغ، وتم تحديد آفاق الصين العظيمة في المستقبل، ومن شأن ذلك أن يدفع تحقيق حلم الصين بتحقيق نهضة الأمة الصينية من جديد. نحن الصينيين سعداء جدا بهذا الإنجاز.
إن استعراض مسيرة الصين يساهم في استشراف تطورها المستقبلي. منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، وباعتباره رئيسا لأكبر دولة نامية في العالم، يفكر الرئيس شي جين بينغ دائما في موضوعات ترتبط ارتباطا وثيقا بمصير البشرية، مثل "بناء أي نوع من العالم وكيفية بنائه" حسب اتجاه تطور العالم والصين، بجانب تقديم الحلول الصينية ومساهمات الصين للعالم. في السنوات الخمس الماضية، تحملت الصين المزيد من المسؤوليات والواجبات الدولية حسب قدراتها، حيث شاركت في عمليات حفظ السلام، وواجهت تغيرات المناخ وغيرها من التحديات الدولية والقضايا الإقليمية الساخنة مع الدول الأخرى، وقدمت المنتجات العامة الدولية بشكل إيجابي، باعتبار "الحزام والطريق" مثالا لها، الأمر الذي يقدم مساهمات كبيرة لسلام وتنمية العالم.
أولا
مع دخول العالم عصر التنمية الكبرى والتعديل الكبير والتغيير الكبير، تتغير العلاقات بين الصين والعالم بشكل عميق. إن الرئيس شي جين بينغ، وإدراكا منه للاعتماد المتبادل الوثيق بين دول العالم، ومواكبة مع التيار العالمي المتمثل في السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك، طرح المفاهيم الهامة عن بناء العلاقات الدولية الجديدة وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية في مواجهة تغيرات العالم، ويدعو إلى دفع عولمة الاقتصاد المتميزة بالانفتاح والشمول والمصالح المشتركة والتوازن والفوز المشترك، وبناء نظام لحوكمة العالم يعكس موازين القوى الدولية بصورة واقعية، وأشار بذلك الى طريق يؤدي إلى حل مشكلات عجز البشرية في مجالات السلام والتنمية والحوكمة. أكد شي جين بينغ أنه يجب على الدبلوماسية الصينية رفع راية السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك، والأخذ بعين الاعتبار الوضع الداخلي والوضع الدولي، وأيضا وضع التنمية والسلام، وهما من القضايا الهامة، بعين الاعتبار، والتمسك بطريق التنمية السلمية، وتقديم آفاق عظيمة لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. وطرح الرئيس شي نمطا جديدا للعلاقات الدولية نواته التعاون والفوز المشترك، ومبادرة هامة لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية معا، مما يقدم فكرة واقتراحا لتحقيق التنمية المشتركة والازدهار المتواصل والسلام الطويل الأمد والاستقرار الدائم في المجتمع البشري، ويجسد رؤية الصين العالمية وحضنها الكبير وشعورها بمسؤوليتها، من خلال تنمية الصين بتنمية العالم. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد شي جين بينغ دائما على ضرورة التخلي عن عقلية الحرب الباردة ولعبة المعادلة الصفرية؛ ومواكبة العصر، وتطبيق مفهوم التعاون والفوز المشترك في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي وغيرها. إن التعاون والفوز المشترك هو جواب الصين تجاه موضوع القرن، وإلى أين تتجه العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، ويؤكد على التعاون بدلا من المواجهة والفوز المشترك بدلا من الاحتكار، من أجل دفع تحقيق التقدم المشترك، الأمر الذي يقدم فكرة جديدة لبناء عالم أفضل.
إن طرح الحلول الصينية باستمرار لحل القضايا العالمية والإقليمية يُظهر تحمل الصين لمسؤوليتها كدولة كبرى. الصين تسعى بثبات إلى حل القضايا الدولية والإقليمية بالسبل السياسية والدبلوماسية، وتلعب دورا في تسوية الخلافات ودفع محادثات السلام. الصين تتمسك بنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية وحل هذه القضية بالتشاور، وقد طرحت فكرة "المسار المزدوج" أي إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، واستبدال اتفاق الهدنة بااتفاقية سلام، ومبادرة "التعليق المزدوج"، أي أن تقوم كوريا الديمقراطية بتعليق نشاطاتها الصاروخية والنووية، مقابل أن تعلق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مناوراتهما العسكرية الواسعة النطاق، الأمر الذي يقدم مساهمات كبيرة في تخفيف الوضع المتوتر في شبه الجزيرة الكورية، وفي دفع استئناف محادثات السلام وضمان السلام والاستقرار الإقليمي. وبجانب ذلك، تدفع الصين الحل السياسي للقضية الفلسطينية، وتشارك بنشاط في جهود التوصل لحل قضية أفغانستان، والقضية النووية الإيرانية، والقضية السورية، وقضية جنوب السودان، وتواجه مع دول العالم ظاهرة الإرهاب وقضايا تغير المناخ وأمن الإنترنت وأزمة اللاجئين وغيرها من التحديات العالمية الأخرى. الصين تلتزم بتقاليد مساعدة الآخرين والمصالح المشتركة، فالصين من أوائل الدول التي أرسلت فرقا صحية إلى المناطق الموبوءة بفيروس الإيبولا، والدول المجاورة، وأنشأت صندوق الصين- الأمم المتحدة للسلام والتنمية بمليار دولار أمريكي، وصندوق تعاون دول الجنوب لتغير المناخ بتمويل 20 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6ر6 يوانات)، وصندوق المساعدة للتعاون بين بلدان الجنوب، وانضمت إلى نظام تجهيز القدرات التابع للأمم المتحدة وأسست فرقة شرطة دائمة لحفظ السلام لبناء قوة استعداد لحفظ السلام من ثمانية آلاف جندي، ودفعت صياغة خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وبادرت بتطبيقها قبل موعدها، وقدمت المزيد من المنتجات العامة لتعزيز سلام وتنمية العالم.
بناء علاقات الشراكة العالمية، وهي سمة هامة أخرى للدبلوماسية الصينية. أشار شي جين بينغ إلى أنه يجب مصادقة الأصدقاء تحت مبدأ عدم الانحياز وتشكيل شبكة من الشراكات في أنحاء العالم. علاقات الشراكة متساوية وسلمية وشاملة، لا يوجد معسكر فيها، ولا يتم افتراض عدو وهمي، وليست ضد طرف ثالث. ما يجمع بين جميع الأطراف هو التطلعات المشتركة، والسعي لإيجاد أرضية مشتركة ونبذ الخلافات جانبا. بناء علاقات الشراكة هو إرث وتطور لسياسات خارجية سلمية مستقلة، تتجاوز فكرة الحرب الباردة المتمثلة في اللعبة الصفرية، وتقدم نمطا جديدا لمعالجة العلاقات بين الدول. حتى الآن، أقامت الصين علاقات شراكة مختلفة الأشكال مع حوالي مائة دولة ومنطقة ومنظمة إقليمية، وتبدع طريقا جديدا متجسدا في "التشاور بدلا من المواجهة، الشراكة بدلا من الانحياز" بين الدول. ويطبق شي جين بينغ هذا المفهوم بنفسه، حيث قام بزيارة الدول والمنظمات الدولية الرئيسية والمنظمات الإقليمية الرئيسية في خمس قارات، وقام بالاتصال والتواصل العميق مع زعماء الدول والشخصيات من مختلف الأوساط والجماهير، ودائما ما يتحدث عن قصص نموذجية لتعاون المنفعة المتبادلة بين الصين ودول العالم، وقصص للتبادلات الودية بين مختلف الشعوب، ويؤكد المغزى الهام لخلق مستقبل جميل مشرق معا. تهتم الصين بعلاقاتها مع الدول المجاورة والقوى الكبرى على أساس التعامل مع علاقاتها مع الدول النامية بشكل جيد، وأيضا تعظيم نشر فكرة الأخلاق والربح، وتوسيع مفاهيم جديدة للتعاون بين بلدان الجنوب، وتعزيز الثقة المتبادلة والوحدة والتعاون مع الدول النامية. الصين تهتم بالعلاقات المتعددة الأطراف، وتعميق التعاون العملي، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وتحسين الآليات المعنية، وتعزيز التعاون الودي مع مختلف الدول على نحو شامل. يتحسن هيكل التبادلات الخارجية الصينية من كل الأبعاد، فقد أصبح متعدد المستويات وواسع النطاق. إن "دائرة أصدقاء" الصين تغطي كل العالم.
ثانيا
النقطة المتألقة الأخرى لدبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية هي المشاركة العميقة في حوكمة العالم، ودفع بناء نمط سياسي واقتصادي دولي جديد أكثر عدالة وعقلانية،. الصين تدعو وتطبق مفهوم الحوكمة العالمية الجديد، وتصون مكانة الأمم المتحدة الجوهرية ودورها الرئيسي في التعاطي مع قضايا سلام وأمن العالم. تؤيد الصين مجموعة العشرين وجامعة الدول العربية وأبيك (منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ) وغيرها من المنظمات الأخرى في لعب دورها الإيجابي، وتدفع النظام الدولي للتوجه إلى اتجاه أكثر عدالة وعقلانية؛ وتعزز بنشاط بناء آلية "بريكس"، وقد نجحت الصين في عقد الاجتماع التاسع لقادة دول "بريكس" في مدينة شيامن، مما ساعد في تواصل تعزيز حق الكلام لبلدان الأسواق الناشئة والدول النامية. يهتم شي جين بينغ أيضا بابتكار مفاهيم وتطبيق حوكمة العالم، ويستكشف النقاط المشتركة بين مفاهيم الحوكمة والحكمة في الثقافة الصينية الفريدة، ونظيرها في العصر الحديث، والتي تبرز الإرادة المشتركة للشعب الصيني وشعوب العالم، وقد طرح شي جين بينغ مفهوم الحوكمة، ومفهوم الأمن الجديد، ومفهوم التنمية الجديد، ومفهوم الأخلاق والربح، ومفهوم العولمة وغيرها من المفاهيم الجديدة والدعوات الجديدة، لكي يدفع بناء نظام لحوكمة العالم أكثر عدالة وعقلانية ويحقق المصالح المشتركة المتوازنة. في السنوات الأخيرة، تتألق الدبلوماسية الصينية، خاصة الدبلوماسية الاقتصادية. مثلا، في عام 2014، استضافت الصين الاجتماع غير الرسمي لقادة أبيك، وقمة مجموعة العشرين في عام 2016، ومنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في عام 2017. تتغير الدبلوماسية الصينية إيجابيا بفضل التفاعل الإيجابي المتنامي بين الصين والعالم. تدعو الصين دائما إلى المساواة بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة، وإلى أن تلعب القوى الكبرى دورا أكبر وتقدم مساهمات أكثر في حفظ سلام العالم ودفع التنمية المشتركة.
حسب تغيرات البيئة المحلية والخارجية الجديدة لانفتاح الصين الخارجي والاستفادة من طريق الحرير القديم، طرح شي جين بينغ مبادرة بناء "الحزام والطريق" الهامة، على أساس التمسك بمفهوم التشاور المشترك والبناء المشترك والمصالح المشتركة، من أجل دمج تنمية الصين مع تنمية العالم، وخلق منصة جديدة لمشاطرة الصين والعالم فرص التنمية، وخلق نمط جديد للتعاون الدولي. منذ طرحها قبل أربع سنوات، تحولت المبادرة من مفهوم إلى ممارسة، وأصبحت منصة مفتوحة وشاملة للتعاون الدولي، ومنتجا عاما عالميا مرغوبا به من قبل أطراف متعددة، وحازت على تأييد ومشاركة أكثر من مائة دولة ومنظمة دولية، وتم إنجاز دفعة كبيرة من المشروعات ذات التأثير الكبير على أرض الواقع. نجحت الصين في تحقيق ترابط السياسات مع دول كثيرة، ويرتفع مستوى الترابط والتواصل لمنشآت البنى التحتية بسرعة. "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي" الذي عقد ببكين في مايو عام 2017، حقق إنجازات وافرة، مما شكل وضع البناء المشترك للحزام والطريق، وأضاف حيوية قوية لتنمية العالم.
ثالثا
الصين تعتبر تعزيز علاقاتها مع الدول النامية أساسا لسياستها الخارجية. لذلك، الصين كانت وما زالت تهتم بعلاقاتها مع الدول العربية على المستوى الاستراتيجي. توطيد وتعميق الصداقة التقليدية وتعاون المنفعة المتبادلة هو سياسة الصين الخارجية على المدى الطويل. مع تعاظم قوة الصين ونهضة الأمة الصينية، تلعب الصين دورا متزايد الأهمية في الشؤون الدولية، والدول العربية شريك استراتيجي هام للصين في مجالات صون السيادة والأمن ومصالح التنمية، ودفع عملية تعدد الأقطاب، وبناء منظومة عالمية للتنمية السلمية. وفي الوقت ذاته، بالنسبة للدول العربية، فإنها بحاجة إلى أن تلعب الصين دورا أكبر في الشؤون الدولية لكي تصون المصالح المشتركة للدول النامية يدا بيد. كل من دفع توازن النظام الاقتصاد الدولي ودفع المساواة في هيكل المصالح الدولية ودفع ديمقراطية العلاقات الدولية، يحتاج إلى تعاون الدول النامية بما فيها الصين والدول العربية.
"الحزام والطريق" يخترق كلا من قارتي آسيا وأوروبا، ويربط بين الدائرة الاقتصادية في شرقي آسيا شرقا والدائرة الاقتصادية الأوروبية غربا، وتقع الدول العربية في وسطه. مبادرة "الحزام والطريق" تدعو إلى تناسق السياسات وترابط البنى التحتية وتواصل الأعمال وتداول الأموال وتفاهم الشعوب، الحزام والطريق يعتمد على أكبر ممر بري في العالم، ويتخذ من المدن على طوله داعما له، ويعتبر مناطق التجارة والاقتصاد والصناعات منصات تعاون، ويبني ممر نقل كبيرا متصلا وموثوقا وفعالا في آن واحد. "الحزام والطريق" فرصة ذهبية أيضا بالنسبة للدول العربية لتحقيق نهضتها الاقتصادية. الصين تمر بمرحلة تحول وارتفاع صناعاتها، تستطيع الصين وترغب في نقل طاقتها الإنتاجية التنافسية إلى الدول العربية لتساعدها في تحقيق التصنيع. ومن حيث مستوى التكنولوجيا وقدرة الأداء، تتمتع الصين بقدرة تنافسية قوية في مجالات النقل بالسكك الحديدية والطاقة الكهربائية والاتصالات والموانئ والمعلومات الإلكترونية والطاقة النووية المدنية وغيرها، وهذا يعتبر مصدرا جيدا لرفع مستوى الاقتصاد في الدول العربية. التعاون الصيني- العربي يقف في نقطة انطلاق تاريخية جديدة. إن الثقة المتبادلة والمساعدة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والتعلم المتبادل بين الصين والدول العربية، يتفق مع تيار العصر والمصالح الأساسية للشعبين الصيني والعربي، وهو نموذج للتعاون بين بلدان الجنوب في الفترة الجديدة.
المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني يحدد بشكل عميق المكانة الجوهرية للرئيس شي جين بينغ في الحزب الشيوعي الصيني والأجهزة القيادية الوطنية، وهذا ضمان هام للتطور الصحي والمستقر لمختلف شؤون الصين. أشار شي مرات إلى أن الصين كانت وما زالت تهتم ببناء السلام العالمي وتساهم في تنمية العالم والمحافظة على النظام العالمي، وأكد في ذات الوقت على أن الصينيين يحبون الصين ولديهم رؤية دولية وتفكير وعقل دولي. الصين يمكنها تحمل المزيد من المسؤوليات والواجبات، وستعمل مع دول العالم على صون المساواة والعدالة العالمية، وتشجع وتتمسك بالعدالة وتدافع عنها في الشؤون الدولية والإقليمية. وأشار الرئيس شي، إلى أن الصين سوف تلعب دورها بشكل إيجابي في المجتمع الدولي، وترجو أن تنجح في جعل المزيد من مبادراتها تتحول إلى توافق عالمي، وجعل المزيد من الحلول الصينية تتحول إلى تطبيقات حقيقية عالمية، وجعل المزيد من الفرص الصينية تتحول إلى فرص عالمية. وعلى طريق السلام والتنمية، سوف تحقق الدبلوماسية الصينية تطورا جديدا، وسوف تخلق الصين ودول العالم مستقبلا أجمل وأفضل للبشرية جمعاء.