فوشان تباهي تاريخها التليد بحاضرها المشرق
مدينة فوشان، التي يشار إليها اختصارا في اللغة الصينية باسم "تشان"، تقع في الجنوب الأوسط لمقاطعة قوانغدونغ بالمنطقة الداخلية لدلتا نهر اللؤلؤ. يجاورها من جهة الشرق مدينة قوانغتشو، ومن الجنوب هونغ كونغ وماكاو. هي مدينة ثقافية ذات تاريخ عريق، كما أنها مدينة اقتصادية هامة في منطقة دلتا نهر اللؤلؤ، فقد ظلت لآلاف السنين مدينة تجارية وقاعدة تصنيع متقدمة في الصين. فضلا عن ذلك، هي منشأ أوبرا قوانغدونغ ومدينة هامة للووشو والفخار والخزف. وتتمتع فوشان بموارد سياحية وافرة، من بينها المناظر الطبيعية والإنسانية مما يجذب كثيرا من السياح من داخل الصين وخارجها.
رمز ثقافة قوانغفو
الاسم السابق لفوشان هو "بلدة جيهوا". ويقال إنه في عام 628، عثر المحليون هناك على ثلاثة تماثيل بوذية بروزية في قمة الجبل، فما إن نقلوها من مكانها الأصلي حتى انفجرت في المكان عيون مياه صافية. وحسب السجلات المدونة على الأنصاب، كان راهب بوذي من كشمير قد بنى معبد "تابوه" في بلدة جيهوا، يفسر فيه التعاليم البوذية. فحفر المحليون بئر ماء في المكان، وأعادوا بناء معبد تابوه ووضعوا فيه التماثيل الثلاثة. في وقت لاحق، آمن الناس بأن هذا الجبل هو جبل بوذي، فسميت هذه المنطقة بـ"فوشان" (الجبل البوذي).
قُرب فوشان من قوانغتشو جعل تاريخهما متشابه وثقافتهما مشتركة. تعد فوشان مركز ثقافة قوانغفو التي تعني ثقافة اللغة الكانتونية المنتشرة في دلتا نهر اللؤلؤ. تعد ثقافة قوانغفو جزءا من ثقافة لينغنان (منطقة تشمل قوانغدونغ، قوانغشي وهاينان) ورمزا لثقافة قوانغدونغ. فوشان هي منشأ أوبرا قوانغدونغ، التي تعد واحدة من فنون العرض التقليدية في مقاطعة قوانغدونغ.
في القرن السادس عشر، كانت فوشان مزدهرة بأنواع شتى من الأوبرات المحلية. تم إنشاء نادي تشيونغهوا في داجيوي بفوشان، وهو أول منظمة لأوبرا قوانغدونغ في التاريخ. كان ممثلو أوبرا قوانغدونغ يتدربون ويدرسون ويتناقشون فيه. في أربعينات القرن التاسع عشر، انتشرت أوبرا قوانغدونغ في هونغ كونغ، قبل أن تنتقل إلى بلدان في جنوب شرقي آسيا مثل سنغافورة وماليزيا.
فوشان ذات تاريخ عريق في الصناعات اليدوية الرفيعة المستوى، ومنها المقصوصات الورقية والفخار والخزف ورسوم السنة الجديدة المطبوعة بالكليشيه الخشبي والفوانيس الملونة، وغيرها من المشغولات الفنية.
حفل تشيوسه، الذي يقام في موسم الحصاد في الخريف، فعالية ممميزة في فوشان حيث تعرض فيه المنتجات اليدوية الجميلة ورقصة التنين والأسد القماشي بمصاحبة الموسيقى المكونة من عشرة أنواع من الآلات الموسيقية. يستغرق صنع رأس الأسد القماشي أكثر من 1300 خطوة عمل.
لمعلوماتك
معبد فوشان للأسلاف في حي تشانتشنغ. بدأ بناؤه في فترة الإمبراطور يوان فنغ (1078-1085م) لأسرة سونغ الشمالية. المعبد الأصلي دُمر، قبل أن يبنى من جديد في عام 1372 على الصورة التي هو عليها حتى اليوم. تتميز بنايات المعبد بفنون معمارية جميلة على طراز عمارة لينغنان. وقد اتبع في توزيع مواقع البنايات وطرق إنشائها قواعد العمارة الصينية التقليدية. ثمة كثير من التماثيل الفخارية والخشبية والقرميدية في المعبد تحكي قصص الأوبرات المحلية. منصة وانفو في المعبد تعد أقدم وأفضل خشبة مسرح للأوبرا محفوظة في منطقة جنوبي الصين. يرجع تاريخ هذه المنصة إلى أكثر من ثلاثمائة سنة. أمامها ساحة واسعة وعلى جانبيها ممر طويل من طابقين لمشاهدة الأوبرا. معبد فوشان للأسلاف صار حاليا متحفا لعرض فنون العمارة والمنتجات التقليدية في فوشان. تضم منطقة المتحف مجموعة البنايات القديمة، منها معبد فوشان للأسلاف ومعبد كونفوشيوس والمعرض التذكاري لهوانغ فيّْ هونغ وقاعة يه ون.
المواصلات: بالحافلة من محطة القطار في قوانغتشو وصولا إلى محطة معبد فوشان للأسلاف بحي تشانتشنغ، أو بالخط الأول لمترو الأنفاق في قوانغتشو وصولا إلى محطة شيلانغ، ثم خط "قوانغتشو- فوشان" لمترو الأنفاق، حتى محطة معبد فوشان للأسلاف.
حديقة لانغيوان في حي تشانتشنغ بفوشان. بنيت في الفترة من نهاية القرن الثامن عشر حتى أواسط القرن التاسع عشر. تتميز بنايات بطراز عمارة منطقة لينغنان وطراز عمارة جنوبي الصين. تعتبر واحدة من أجمل حدائق منطقة لينغنان. فضلا عن ذلك، الحديقة بها بعض أعمال الخط الممتازة التي تعد عنصر جذب للسياح.
المواصلات: الحافلة رقم 118 من محطة معبد فوشان للأسلاف، وصولا إلى محطة حديقة لانغيوان أو سيرا على الأقدام لمدة عشرين دقيقة.
مهد الووشو
الووشو، الذي يرجع تاريخه إلى زمن بعيد، يجذب كثيرا من الناس بفضل مضامينه الوافرة وجاذبيته وغموضه الساحر. ينقسم الووشو في الصين، من حيث المناطق الجغرافية، إلى مدرستين، واحدة في شمالي الصين ومركزها معبد شاولين بمقاطعة خنان، والأخرى في جنوبي الصين ونواتها في فوشان.
كان اقتصاد فوشان مزدهرا وأهلها أثرياء، غير أن مساحتها الصغيرة وأرضها المنبسطة جعلت الدفاع عنها معضلة، زادها تعقيدا وقوع فوشان في نقطة التقاء شبكة المواصلات في جنوب غربي قوانغتشو، مما جعلها مسرحا لحروب كثيرة في التاريخ. من أجل الحماية الذاتية، كان أبناء فوشان يتدربون على الووشو منذ صغرهم. في بداية القرن العشرين، ظهر في فوشان كثير من مشاهير الووشو، مثل هوانغ فيّْ هونغ، لانغ تسان، يه ون، وبروس لي، والعديد من مدارس الووشو ومنها ملاكمة هونغتشيوان وملاكمة تسايليفو وملاكمة يونغتشون.
بلدة جيونآن بحي شونده في مدينة فوشان هي مسقط رأس بروس لي، نجم أفلام الكونغ فو. هو أول صيني نشر الكونغ فو إلى العالم. ابتكر نوعا جديدا من الملاكمة باسم "جيت كون دو"، أي الملاكمة الحرة الجديدة. نشر بروس لي الووشو الصيني إلى العالم من خلال أفلامه، حتى صار بالنسبة لكثير من الأجانب رمزا للكونغ فو الصيني.
هوانغ فيّْ هونغ، معلم الووشو الكبير، بدأ يمارس الووشو مع أبيه منذ صغره فأصبح معلما عظيما في منطقة لينغنان، ولعب دورا هاما في تطوير الووشو الصيني. في نفس الوقت، كان هوانغ فيّْ هونغ طبيبا مشهورا، عالج كثيرا من المرضى بفضل براعته. وقد حول كثير من المخرجين قصص هوانغ فيّْ هونغ، التي جاوز عددها مائة قصة، إلى أفلام. لعب هوانغ فيّْ هونغ دورا هاما في تطوير ملاكمة هونغشيوان وازدهارها. ينتشر تلاميذه في مقاطعة قوانغدونغ وهونغ كونغ وماكاو وتايوان، بل وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وسنغافورة وماليزيا وتايلاند.
فضلا عن الكونغ فو الصيني، تعد رقصة الأسد والتنين أيضا من الرياضات التقليدية ذات الخصائص المحلية في فوشان، والتي تطورت إلى ثقافة التنين والأسد الصينية. يمكن تقسيم رقصة الأسد إلى نوعين، أحدهما في شمالي الصين، بينما النوع الآخر الذي يتميز بوضع قرن حيوان في رأس الأسد ينتشر في جنوبي البلاد.
مدينة فوشان هي مهد المدرسة الجنوبية لرقصة الأسد التي انتشرت في مدن مقاطعة قوانغدونغ ومنطقة قوانغشي، قبل أن تصل إلى بلدان في جنوب شرقي آسيا لاحقا. في رقصة الأسد، يرفع أحد اللاعبين رأس الأسد بينما يرفع آخر جسم الأسد. في رقصة الأسد التقليدية، يتعاون اللاعبان في إكمال سلسلة من الحركات، ومنها أخذ "الفريسة" التي تُوضع في منصة مرتفعة. هذا الجزء المثير من العرض يجذب كثيرا من المشاهدين.
لمعلوماتك
ملاكمة يونغتشون: حققت ملاكمة يونغتشون شهرة واسعة في الصين بعد عرض فيلم حول قصة المعلم الكبير للووشو "يه ون". هي نوع من الووشو الصيني التقليدي، وتهتم بالدفاع عن النفس بقليل من الأضرار وفي أسرع وقت ممكن. تنتشر هذه الملاكمة في مدينة فوشان. في عام 1949، سافر الأستاذ يه ون، وكان عمره سبعة وأربعين سنة، إلى هونغ كونغ وفتح ناديا للكونغ فو هناك. بفضل سمعته العالية، انتشر تلاميذه في مختلف الطبقات الاجتماعية. من بين تلاميذه الممتازين بروس لي، الذي لعب دورا هاما في نقل الووشو إلى العالم. في عام 2014، أدرجت ملاكمة يونغتشون ضمن الدفعة الرابعة لقائمة التراث الثقافي الصيني.
مركز الصناعة في جنوبي الصين
تقع فوشان في المنطقة الداخلية لدلتا نهر اللؤلؤ وتتمتع بشبكة مواصلات مائية جيدة. الاقتصاد في فوشان مزدهر منذ القرن السابع الميلادي، مما جلب تطورا سريعا للصناعات اليدوية وغيرها من الصناعات. بحلول القرن الرابع عشر، كانت فوشان مركزا هاما للتجارة وصناعة الفخار والخزف والغزل والنسج وصناعة الأدوية التقليدية الصينية. في النصف الثاني للقرن التاسع عشر، مع انفتاح الصين المتدرج، أصبحت فوشان واحدة من قواعد الصناعة الحديثة في الصين، حيث ظهر فيها أول مصنع للغزل بتقنيات إنتاج جديدة، وأول مصنع للكبريت في الصين.
منذ تنفييذ سياسة الإصلاح والانفتاح، أصبحت فوشان مدينة مشهورة في التصنيع، حيث تهتم بتطوير الصناعات المختلفة ومنها صناعة الأجهزة الكهربائية المنزلية والمعدات الصناعية والمواد المعدنية ومواد البناء والفخار والخزف والملابس الجاهزة. هناك أكثر من خمسمائة علامة تجارية في فوشان تعد من العلامات التجارية المشهورة على مستوى مقاطعة قوانغدونغ.
حي شونده في فوشان منطقة محورية لصناعة الأجهزة الكهربائية في الصين. قبل نحو ثلاثين سنة، ظهرت عشرات الشركات لصناعة الأجهزة الكهربائية ومنها شركة كهلونغ، شركة ميدي، شركة وانخه وشركة قهلانشي. الصين أكبر دولة مصنعة ومصدرة للأجهزة الكهربائية المنزلية في العالم. فوشان تنتج 20% من إنتاج الصين من تلك الأجهزة.
في فوشان، يمثل القطاع الخاص أكثر من 60% من حجم اقتصاد. الآن، يتحول اقتصاد فوشان من التصنيع إلى الابتكار. في نهاية عام 2016، بلغ عدد شركات صناعة الأجهزة الذكية الكبيرة في فوشان أكثر من ثلاثمائة، وبلغ عدد شركات بحث وتطوير الروبوتات نحو مائة شركة.
تشتهر فوشان بصناعة الفخار والخزف، وتعتبر "عاصمة الفخار والخزف في جنوبي الصين". يرجع تاريخ هذه الصناعة فيها إلى أكثر من سبعمائة سنة. فوشان بها أقدم قمين فخار وخزف يشعل بالحطب في الصين، وهو قمين نانفنغ قوتساو الذي بني في فترة تشنغ ده (1506- 1521) لأسرة مينغ. لم يتوقف هذا القمين عن إنتاج الأدوات الخزفية حتى اليوم، ولذا يعتبر "أحفورة حية" لصناعة الفخار والخزف. وفقا للسجلات التاريخية، بلغ عدد قمائن الفخار والخزف في فوشان مائة وسبعة قمائن في فترة ازدهار أسرة تشينغ. في الوقت الحالي، مازالت فوشان تلعب دورا بارزا في صناعة الفخار والخزف الصينية.
لمعلوماتك
منطقة نانفنغ قوتساو للسياحة في محافظة شيوان بمدينة فوشان. هي منطقة سياحية وطنية على مستوى AAAA، تجمع بين السياحة والزيارة والصناعة والدراسة والتسوق في نفس الوقت. يمكن فيها التمتع بعروض رقصة الأسد والووشو وأوبرا قوانغدونغ والمقصوصات الورقية، والمشاركة في صناعة المنتجات الفخارية داخل المنطقة السياحية.
المواصلات: الحافلات رقم 109، 120، 137، وصولا إلى محطة نانفنغ قوتساو.