الصين والولايات المتحدة الأمريكية: المساواة وما بعدها
في عام 2009، عندما كان الرئيس باراك أوباما في بكين في أول زيارة له للصين، ركزت وسائل الإعلام الأمريكية ومنها شبكة CNN الإخبارية، في تغطيتها للزيارة، على مسألة "ما إذا كانت الصين ستطور شعورا بالمسؤولية العالمية" مع نموها بشكل متزايد.
وفي أحد برامج الحوارية لشبكة CNN، حاولت مقدمة البرنامج، من خلال طرح موضوعات صعبة مثل حقوق الإنسان والمسؤولية العالمية، الضغط على ضيفها الصيني الذي وجد أن بلاده قد وضعت موضع التحقيق والاستجواب بل والسخرية في بعض الأحيان. الضيف الصيني، الذي بدا واضحا أنه غير مستريح لوضعه في موضع الدفاع، قال مذكِّرا مضيفته: "نحن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه الكثير من القضايا الملحة، ولكنني متأكد من أن الصين والولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يشجع كل منهما الآخر، وأن يحترم كل منهما الآخر، وأن يبنيا الثقة المتبادلة، وبإمكانهما أن يعملا بشكل أوثق، جنبا إلى جنب، في التعامل مع هذه القضايا الصعبة في العالم." زيارة أوباما المشار إليها، جاءت الزيارة بعد عام واحد من الأزمة المالية التي ضربت العواصم الغربية، بما فيها واشنطن. وفي وقت لاحق، وتعليقا على ما تمتلكه الصين من سندات الخزانة الأمريكية، تحدث الضيف الصيني بشكل مباشر وداحض فقال: "أعتقد أنه يتعين على الدول أن تكون أكثر احتراما في التعامل مع الجهة الدائنة بدلا من أن تكون استفزازية في استجوابهم، وهذا هو أقل ما يمكننا أن نطالب به."
بهذا الرد، وجه الضيف ضربة على رأس المسمار، فيما يتعلق بموضوع العلاقات الصينية- الأمريكية. العلاقة المبنية على الاحترام المتبادل والمساواة، أمر بالغ الأهمية ولكنه مفقود في العلاقات الصينية- الأمريكية، على الرغم من كونها الأكثر أهمية في العالم.
يلاحظ المتابع للعلاقات الصينية- الأمريكية، "عدم المساواة" بين البلدين، فالحيص عن تلك العلاقات يركز غالبا على قضايا حقوق الإنسان وتايوان والتبت وشينجيانغ والعمالة، وما إلى ذلك، وكأن هذه القضايا هي الوحيدة في العلاقات بين البلدين. الشيء الوحيد المشترك في هذه الأشياء هو أنها كانت دائما المفضلة لدى المسؤولين المعنيين في واشنطن. أو بتعبير أبسط، يكون الأمريكيون دائما هم من يضعون ويحددون جدول الأعمال المراد مناقشته في الاجتماعات مع نظرائهم الصينيين. هذه الممارسة موجودة في الغالب بسبب نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وتأثيرها الهائل عالميا. ويعود ذلك أيضا إلى أن الدبلوماسية الصينية تتبع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى. ولكن، أليس من المهم مناقشة حالة ووضع حياة الهنود الأمريكيين؟ أو تواتر حوادث إطلاق النار وما تسببه من ضحايا جسيمة؟ إن بكين تعطي الأولوية لعلاقاتها مع واشنطن، وقد حقق البلدان تطورا قويا في علاقاتهما. الولايات المتحدة قد تلوم الصين فيما يتعلق بعجزها التجاري لصالح الصين، ولكن الصين هي ثالث أكبر وأسرع أسواق التصدير نموا. العلاقة بين الشعبين قوية جدا، فهناك طائرة تقلع أو تهبط بين البلدين كل ربع ساعة.
من أجل إضافة مزيد من الزخم إلى اللقاء الناجح بين الرئيس الصيني شى جين بينغ والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مار إيه لاغو، بفلوريدا في إبريل، فإن الجانب الصيني استقبل الرئيس ترامب في زيارته للصين بفرش السجادة الحمراء، في إشارة إلى أنها "زيارة دولة من طراز رفيع"، كما تلقى الرئيس ترامب معاملة استثنائية بدعوته على العشاء في المدينة المحرمة وحضور عرض لأوبرا بكين. وهو أمر غير مسبوق في الترحيب برئيس دولة أجنبية. بالإضافة إلى ذلك، وقع البلدان خلال الزيارة اتفاقيات تتجاوز قيمتها 250 مليار دولار أمريكي، في مجالات متعددة تشمل الطاقة والزراعة والاستثمار وغيرها. إنها أكبر صفقة تم التوصل إليها على الإطلاق بين البلدين.
إن تطلع ورغبة الجانب الصيني في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، أمر واضح وضوح الشمس. وقد أثبت الرئيس ترامب أنه عملي وماهر في بناء علاقة شخصية قوية مع الرئيس شي. وردا على حسن نوايا الصين، قام ترامب بتصوير مقطع فيديو يضم حفيدته أرابيلا وهي تغني أغان صينية. على الفور، حازت الفتاة الصغيرة الجميلة على إعجاب وحب الصينيين.
كما قال ترامب، هناك كيمياء وتوافق بين زعيمي أكبر اقتصادين في العالم، وربما البلدين الأقوى عالميا. وهناك شيء آخر ملحوظ خلال زيارة ترامب للصين، مقارنة بالقادة الأمريكيين الآخرين، وهو عدم نقاشه وطرحه لموضوعات تتعلق بحقوق الإنسان وغيرها من القضايا الخلافية بين البلدين.
كما انعكست التغيرات في وسائل الإعلام الأمريكية. وبدلا من التركيز على قضايا حقوق الإنسان كما كان في عام 2009، فإن التغطية الإعلامية الأمريكية في الغالب كانت حول ما يمكن توقعه وما يمكن حدوثه على أرض الواقع.
الاحترام المتبادل
إحدى النقاط الرئيسية التي أسهمت في نجاح زيارة ترامب للصين هي المساواة، وهو أمر يمكن رؤيته في هذه الزيارة مقارنة بالزيارات الأخرى. قال تقرير لشبكة ((CNN))، إنه "على العكس من المحطات السابقة في اليابان وكوريا الجنوبية والتي تفاخر فيها ترامب بالقوة العسكرية الأمريكية، وتوجيهه لقادة البلدين حول كم من الأسلحة ينبغي أن يشتروها، وحظي بالثناء والحماسة في المقابل، كانت رحلته للصين أكثر بكثير من مجرد اجتماع متساو ومتكافئ بين الجانبين."
"مزيد من المساواة" هو الوصف الواقعي للحالة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية؛ باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال أقوى دولة في العالم، وأن الصين هي أكبر دولة في تجارة السلع والبضائع وأكبر شريك تجاري لأكثر من مائة دولة ومنطقة.
وعلى النقيض من واشنطن، التي تعاني من ديون كبيرة، تفخر بكين باحتياطي النقد الأجنبي الأكبر في العالم. وفي حين أن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دورا هاما في المؤسسات المالية الدولية الراسخة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قامت الصين بجهود حثيثة لإنشاء مؤسسات جديدة مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية مع مبادرة الحزام والطريق الكبرى.
حققت الصين نجاحا مذهلا في السنوات الأربعين الماضية في النمو الاقتصادي والتخفيف من وطأة الفقر. إن نجاح النموذج الصيني يكشف، من بين أمور كثيرة، عن أن النظام السياسي والإيديولوجي في الصين يعمل ويطبق بشكل جيد للغاية.
من خلال إظهار الاحترام المتبادل وإدارة الشؤون الخارجية على أساس التكافؤ، فإن بناء العلاقة الصحية سيكون أسهل وأكثر استمرارية واستدامة، كما اتضح في زيارة الرئيس ترامب المليئة بالاحترام الكبير المتبادل بين الجانبين.
وأشار الرئيس شي إلى أن الصين والولايات المتحدة الأمريكية، يمكن أن يتعايشا سلميا إذا احترم كل منهما النظام السياسي المختلف للطرف الآخر.
وقال كبير موظفي البيت الأبيض، الجنرال جون كيلي، في مقابلة تلفزيونية، إن العجز التجاري مع الصين "لا يجعلها عدوا". وقال إن الصين "لديها نظام حكم يعمل على ما يبدو من أجل الشعب الصيني". وأضاف كيلي أنه يثق بالتعاون مع الصين.
جدير بالذكر، أن كيلي شخصية قوية وشجاعة من خلال تقبله للخلافات السياسية، وهو يختار ويفضل التعاون بدلا من المواجهة التي كانت نمط الحرب الباردة مع الصين، وهو ما يعد علامة جيدة ويمكن أن يشير إلى حقبة جديدة في إطار العلاقات الصينية- الأمريكية التي تتميز بالمساواة والاحترام المتبادل والتعاون.
وكما يقول الرئيس ترامب: "لا يمكن أن يكون هناك موضوع أكثر أهمية من العلاقات الصينية- الأمريكية... لدينا القدرة على حل المشكلات العالمية للعديد والعديد من السنوات القادمة." إذا كان بإمكان الصين والولايات المتحدة الأمريكية أن تتضافر جهودهما، بدلا من المواجهة، لن يكون هناك حد لما يمكن أن يتحقق في التعامل مع الأزمات والمشكلات في جميع أنحاء العالم.
إن بناء علاقة تقوم على المساواة والتكافؤ سوف يكون بمثابة أساس أقوى وأكثر حيوية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والتعاون في مجالات متعددة.