منذ عام 2019، دخل نظام التصنيف المهني في الصين ست وخمسون مهنة جديدة، مثل محلل البيانات الجنائية الإلكترونية ومسؤول انبعاثات الكربون، مما يوفر فرص عمل متنوعة للشباب الذين يتطلعون إلى شق طريقهم بأنفسهم في سوق العمل المتغيرة.

الشغف عنصر حاسم

تقول لو تسه تشيان، مدربة اختبار الشغف البالغة من العمر 28 عاما، إن حب المهنة عامل حاسم في اختيار الشاب للوظيفة، وإنها خير مثال على ذلك.

بناء على رغبة والديها، عملت لو في أحد البنوك بمسقط رأسها بعد التخرج في الجامعة. ولكن بعد أسبوعين فقط، تركت "وظيفتها الذهبية". قالت: "موطني في بلدة صغيرة، حتى لا يوجد فيها مقهى مناسب، ناهيك عن ناد للكتاب." كانت لو تسه تشيان قليلة الخبرة وغير واثقة من نفسها ومرتبكة.

"اختبار الشغف"، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثين عاما ويساعد الناس على اكتشاف شغفهم في الحياة، كان قد انتشر في ذلك الوقت من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين. قررت لو تسه تشيان قبول هذا الاختبار. قالت: "بعد تحديد أولويات حياتي، اكتشفت أن لدي شغفا كبيرا بتسويق العلامات التجارية." ومنذ ذلك الحين، شهدت لو تسه تشيان تطورا مهما في حياتها المهنية، إذ حصلت على شهادة التأهيل وصارت رسميا مدربة اختبار الشغف.

قالت لو تسه تشيان: "يمكن لمدرب الشغف مساعدة الآخرين في العثور على اختيارات التوظيف المفضلة لديهم، أما أنا ففهمت أكثر كيف أعيش شغفي من خلال هذه المهنة التي تفيد الآخرين وتفيدني."

سون نا، وهي في الثلاثين من العمر، واحدة من عميلات لو تسه تشيان. سئمت من العمل الممل في مؤسسة عامة. ومع ذلك، وبسبب الافتقار إلى المهارات المهنية ونقص اللياقة البدنية بعد الحمل والولادة، كانت قلقة ومرتبكة بشأن قيمة حياتها.

بمساعدة لو تسه تشيان، اختارت سون نا أن تتبع قلبها وبدأت في القيام بأشياء ممتعة مع أصدقائها المرحين، والعيش بأسلوب حياة أكثر راحة، وتعلم المزيد عن المعنى الحقيقي للحياة والذهاب في رحلات غير مقيدة. أيقظت هذه المشاعر التي تبدو بسيطة للغاية شخصية سون نا الأصلية. فركزت نظرها على وظيفة منظم التخزين، وبدأت العمل من منزلها، ثم شاركت في عملية تنظيم المنزل مع أصدقائها عبر الإنترنت. لقد غيّر العديد منهم علاقاتهم الأسرية بشكل غير مباشر من خلال تنظيم منازلهم وبدأوا في إدارة حياتهم بشكل أفضل. من خلال هذا التحول، حققت سون نا إدارة أفضل للوقت وإدارة الجسم، وأصبحت أكثر ثقة وحزما. اليوم، أصبحت منظمة محلية مؤثرة، وتدعى لإلقاء محاضرات عبر الإنترنت وخارج الإنترنت حول هذا الموضوع.

حتى الآن، قدمت لو تسه تشيان الاستشارات في أكثر من 200 حالة وساعدت العديد من الأشخاص في العثور على أنفسهم بنجاح، مما سمح لها بمشاهدة الطاقة الهائلة الموجودة في الشغف.

اكتشاف الذات

تشانغ تشه، مذيع البث المباشر للتجارة الإلكترونية، من مواليد ما بعد عام 2000، اعترف بصراحة أنه اختار مجال البث المباشر لأنه كان متفائلا بشأن آفاق هذا القطاع، ثم، من خلال تجربته وجد العمل متوافقا تماما مع شخصيته وقدرته. قال: "أنا شخص يعيش اللحظة. المجتمع يتغير، وأنا أتغير أيضا، هناك دائما طريقة تناسبني وتسمح لي بالاستمرار في التحسن." قد يمثل موقفه تجاه العمل الطريقة التي يختار بها بعض الشباب وظائفهم.

في السنوات الأخيرة، خلقت التطبيقات الواسعة لتقنية الذكاء الاصطناعي مهنة جديدة، هي مدرب الذكاء الاصطناعي. في عام 2019، دخل هوي جيان بين، وهو من مواليد ما بعد التسعينيات، هذا المجال بعد أن أعلنت إحدى الشركات عن وظيفة شاغرة. كان هوي عاطلا عن العمل وقرر أن يخوض التجربة. بعد نجاحه في الحصول على فرصة العمل والتدريب في هذه الشركة، تعمق فهم هوي جيان بين لهذه المهنة. مدرب الذكاء الاصطناعي هو مهنة تساعد الذكاء الاصطناعي على فهم الصور والصوت والنصوص والمحتويات الأخرى، بحيث يمكن التعرف عليها بسرعة. على سبيل المثال، قال هوي إن التطبيق الذي يساعد في تصنيف القمامة يمكنه تحديد نوع القمامة من خلال التقاط الصور، وهو نتيجة التدريب المتكرر على الذكاء الآلي من قِبَل مدرب الذكاء الاصطناعي في المرحلة المبكرة من "وضع العلامات" على صور القمامة مثل الزجاجات والعلب البلاستيكية.

بفضل أدائه المتميز، رقي هوي جيان بين إلى منصب مدير في الشركة. بالإضافة إلى إرشاد مدربي الذكاء الاصطناعي في الشركة، يشارك أيضا في تدريب الموظفين الجدد. قال هوي جيان بين: "هذه المهنة تناسب إيقاع حياتي، كما أنها تمنحني إحساسا كبيرا بالإنجاز." التقدير الذي حصل عليه في العمل يجعله يشعر أن جهوده ذات مغزى. هناك نقص كبير في مدربي الذكاء الاصطناعي، كما أن هناك متطلبات عالية تجاه قدرة المدربين. قال هوي جيان بين: "سأستمر في صقل وتحسين قدرتي على العمل في المستقبل، وقيادة الفريق للقيام بالعمل بشكل أفضل."

خلال "الدورتين السنويتين" للصين في عام 2021، قدمت اللجنة المركزية لعصبة الشبيبة الشيوعية الصينية اقتراحا بشأن تعزيز نمو وتطور الشباب المحترف الجديد. تظهر نتائج استطلاع أجري مؤخرا أن العامل الأكثر أهمية لاختيار الشباب لوظائفهم الحالية هو الهوايات والاهتمامات، حيث تمثل 23%، ومساحة التطوير وإظهار الكفاءة احتلت أيضا مرتبة متقدمة بين عوامل الاختيار.

تعتقد تشو دي، الباحثة في معهد علم الاجتماع التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية الذي شارك في الاستطلاع المشار إليه أعلاه، أن الشباب المعاصر، وخاصة من مواليد ما بعد عام 1995 وما بعد عام 2000، لا يواجهون صعوبة في العثور على عمل، ولكن في اختيار المهنة. قالت تشو دي: "هم أكثر استعدادا لتجربة المزيد من الاختيارات بدلا من الحصول على وظيفة مستقرة." أصبح التوظيف الآن أكثر مرونة ويغطي مستويات مختلفة مثل موظفي توصيل الطعام، ومذيعي البث المباشر للتجارة الإلكترونية، وممارسي التكنولوجيا الفائقة. أضافت تشو دي: "لا يقتصر الأمر على التأكيد على الذات والمصلحة، ولكن معظم الشباب يعلقون أهمية كبيرة على العلاقة المتناغمة بين العمل والحياة والأسرة. إن شكل التوظيف المرن للمهن الجديدة وارتباطها الوثيق بالحياة يتماشى بشكل أكبر مع احتياجات الشباب."

مهنة جديدة

وفقا لتقرير توظيف الطلاب الجامعيين لعام 2020 الصادر عن المعهد الصيني لأبحاث التوظيف في جامعة رنمين الصينية وموقع Zhaopin.com (منصة التطوير الوظيفي الرائدة في الصين)، فإن خريجي الجامعات يميلون أكثر إلى قطاعات اقتصادية جديدة. تُعد مهنة مذيع البث المباشر للتجارة الإلكترونية من الاختيارات الشائعة.

على الرغم من إدراجها رسميا في المهن الجديدة كمسوق إنترنت في يونيو عام 2020، فإن الوظيفة الجديدة ظلت شائعة لفترة طويلة. قالت قاو ون جيون، الباحثة المساعدة في معهد علم الاجتماع بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن مهنة مذيع البث المباشر للتجارة الإلكترونية تعتمد على منصات التجارة الإلكترونية الناضجة نسبيا وصناعة البث المباشر المستقرة. لذلك من السهل تشكيل مسار تطوير احترافي وموحد لها. وفي الوقت نفسه، تواجه المهنة تجانس محتوى البث المباشر والحاجة إلى التدريب المهني.

أصدرت مجلة ((شياوكانغ)) الصينية قائمة أفضل 100محافظة للتجارة الإلكترونية في الصين في فبراير عام 2021، واحتلت إيوو المرتبة الأولى. قال تشيو يانغ، مدير قسم تدريس وبحوث التجارة الإلكترونية في كلية إيوو الصناعية والتجارية: "تتمتع إيوو بمستوى عال في تطوير صناعة البث المباشر." واستجابة للاحتياجات الاجتماعية، افتتحت الكلية دورات البث المباشر في عام 2017، التي تغطي تصميم المنتج وتصوير الفيديو القصير وإنتاج النص ومهارات البث المباشر ومراقبة التأثير، لتنمية المهارات المعنية للطلاب بشكل شامل.

في مايو عام 2020، بتفويض من إدارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي بمقاطعة تشجيانغ، طورت الكلية مواصفات التقييم المهني وبنوك الأسئلة للبث المباشر للتجارة الإلكترونية. حصلت الدفعة الأولى المكونة من 19 طالبا على تصريح مزاولة مهنة البث المباشر للتجارة الإلكترونية. في الشهر التالي، أنشأت الكلية مدرسة البث المباشر للتجارة الإلكترونية.

أصبح تشانغ تشه من أفراد الدفعة الأولى لخريجي مدرسة البث المباشر للتجارة الإلكترونية بعد تخرجه في تخصص التجارة الإلكترونية. صار المعسكر التدريبي الذي شاركت المدرسة ومنصة .com1688 في تأسيسه فرصة جيدة له لتطبيق ما تعلّمه. باع تشانغ ما بضاعة قيمتها حوالي ثلاثمائة ألف يوان في ثلاثة أيام متتالية. قال تشانغ تشه: "منافسات البث المباشر للتجارة الإلكترونية شرسة. الخبرة المكتسبة في المدرسة عرّفتني الكثير من الأفكار في فترة زمنية قصيرة، مما منحني ميزة كبيرة."

قال تشيو يانغ إن قاعدة البث المباشر هي إحدى طرق التعاون بين المدرسة والمؤسسة لتطوير أكفاء البث المباشر. من خلال تكامل الموارد من كلا الجانبين، يمكن تحقيق نتائج مربحة لكل الأطراف؛ للمدرسة والمؤسسة والطلاب. بالإضافة إلى ذلك، تجري المدرسة تعاونا نشيطا مع شركاء في ماليزيا ومنطقة هونغ كونغ ومنطقة ماكاو ومنطقة تايوان لبناء منصة أوسع للطلاب.

خلال جائحة كوفيد- 19، أنشأت كلية إيوو الصناعية والتجارية منصة سحابية للشباب في مقاطعة تشجيانغ ومنطقة تايوان. في عام 2020، تم تنظيم 1069 شابا في منطقة تايوان عبر الإنترنت وخارج الإنترنت للمشاركة في أنشطة مثل "قاعة الدراسة السحابية تشجيانغ- تايوان لريادة الأعمال الطلابية" و"الدورة الخامسة لورشة العمل إيوو- تايوان للتجارة الإلكترونية". أصبحت كلية إيوو الصناعية والتجارية مسرحا مهما للشباب على جانبي مضيق تايوان للسعي وراء أحلامهم، وقد فازت بالعديد من الأوسمة.

قال تشيو يانغ: "تتم المحافظة على بيئة التجارة الإلكترونية في إيوو بشكل جيد، والعديد من الأشياء الناشئة أسهل في التطوير هنا." وقال إن حكومة إيوو صاغت سلسلة من سياسات البث المباشر في السنوات الأخيرة لدعم تنمية الصناعة وقدمت الكثير من الدعم في تدريب الأكفاء. وأضاف تشيو يانغ: "أي شخص مشترك في الضمان الاجتماعي في إيوو، يمكنه المشاركة في تدريب شهادة القدرة المهنية مجانا، وتمنح الحكومة كل شخص دعما بقيمة 980 يوانا (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات)." حتى الآن، تم إجراء 21 دورة للتدريب على التجارة الإلكترونية عبر البث المباشر، وحصل أكثر من 810 أشخاص على رخصة مزاولة المهنة."

الضمان الاجتماعي

لو تسه تشيان لديها نظريتها الخاصة حول خطر تراجع الهوية الاجتماعية بعد الاستقالة. قالت: "يهتم معظم الناس بمسألة الوظيفة اللائقة، ولكن في الواقع، وراء المظهر اللائق، على ما يبدو، هناك احتكاك داخلي كبير، لذلك يهتم المزيد والمزيد من الناس أكثر بـ"َالهوية الذاتية". قالت سون نا أيضا إن والديها قد شهدا تغييرات إيجابية فيها مثل توثيق العلاقة مع أفراد الأسرة، وهما يدعمان تماما تحولها إلى مهنة جديدة.

ومع الأسف، فإن لو تسه تشيان وسون نا ليستا سوى فردين من بين القلائل المحظوظين. وفقا لتشو دي، من نتائج الاستطلاع، فإن معظم الشباب في المهن الجديدة يتمتعون بدرجة عالية نسبيا من الهوية المهنية، في حين يتمتع أفراد أسرهم بدرجة منخفضة نسبيا منها. هذا يدل على أن البيئة الاجتماعية والاعتراف الاجتماعي بالمهن الجديدة لم يتم تأسيسهما بعد. قالت تشو دي: "يمكن أيضا استخدام الهوايات العالية المستوى للبقاء على قيد الحياة. يجب ألا نكون متحيزين ضد هذه المهن الناشئة."

قالت تشو دي، إنه بسبب النقص المؤقت في تطوير الأعمال، فإن رواتب بعض المهن الجديدة ليست جيدة مثل الرواتب في القطاعات الأخرى. وأضافت: "يجب علينا زيادة جهودنا للترويج المستمر لتطوير وتحسين أشكال الأعمال الجديدة من خلال الابتكار، حتى يتمكن الشباب من تحقيق مصالحهم وتطلعاتهم، بل يتمتعون برفاهية أفضل." صدرت في عام 2020، وثائق مثل ((آراء ديوان مجلس الدولة الصيني حول دعم التوظيف المرن المتعدد القنوات)) و((خطة العمل للتدريب على المهارات لملايين الشباب))، بغرض المساعدة في حماية حقوق التوظيف الشباب في المهن الجديدة. قالت تشو دي إن الإعلان المستمر عن الوظائف الجديدة من قِبَل وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي هو تأكيد للتقدم في هذا المجال.

كما اتخذت الحكومات المحلية إجراءات عملية لتوفير حماية عمل وأمن أفضل للعاملين الشباب في المهن الجديدة. تعتقد تشو دي أن هذا يمثل تحديا كبيرا للحكومات على جميع المستويات، ولكنه أيضا خطوة كبيرة إلى الأمام. قالت: "الاختلافات الداخلية للمهن الجديدة كبيرة جدا. ندعو الحكومة وجميع قطاعات المجتمع لمواصلة الاهتمام باحتياجات الممارسين وحماية حقوقهم وتنميتهم."