ملف العدد < الرئيسية

القطاع الخاص الصيني.. دور مهم وثقة في إدارة الحكومة للاقتصاد

: مشاركة
2023-05-12 13:55:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

ثمة جناحان رئيسيان يقودان النظام الاقتصادي وعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي دولة، أحدهما القطاع العام، فيما يتمثل الآخر في القطاع الخاص. وبالنظر إلى إدارة الاقتصاد في الصين، يمكن ملاحظة أن الثاني يلعب دورا مهما فيما وصلت إليه الصين من نهضة وتنمية اقتصادية في الوقت الراهن، جعلتها تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وذلك بفضل إفساح الحكومة الصينية المجال أمام القطاع الخاص للعب دور مهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والثقة التي يبديها القطاع الخاص إزاء السياسات الحكومية التي تعضد من دوره ومساهمته الإيجابية في الاقتصاد الصيني من جهة أخرى، رغم ما قد يواجهه من صعوبات تعمل الحكومة والسلطات المختصة على تيسير إجراءات وخطوات مواجهتها.

دعم الدولة للقطاع الخاص

تُبدي السلطات الصينية في أعلى مستوياتها اهتماما مكثفا بتفعيل ودعم دور القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد صدرت مؤخرا العديد من التصريحات والمواقف التي تؤكد دعم الدولة للاقتصاد الخاص. ففي تصريحات له أثناء الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في مارس 2023، أكد الرئيس شي جين بينغ دعم بلاده للقطاع الخاص، وحث على التوجيه المناسب للتنمية الصحية والعالية الجودة للقطاع الخاص في المرحلة المقبلة، وشدد على ضرورة العمل على تحسين البيئة المرتبطة بتطوير الشركات الخاصة، وحل المشكلات المؤسسية التي تحد من منافستها في السوق بشكل عادل، وتطبيق القانون بشأن صون حقوق الملكية للشركات الخاصة، وحقوق رواد الأعمال، علاوة على عدم التمييز في المعاملة بين الشركات المملوكة للدولة والشركات ذات الملكية الخاصة.

تلك المعاني ذاتها، أكد عليها رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ في مؤتمر صحفي عُقد على هامش الدورتين السنويتين في مارس 2023، حيث أكد على دعم الدولة للقطاع الخاص، والتزامها بحماية حقوق المستثمرين، وذلك انطلاقا من الأهمية التي تمثلها مسألة تقوية دور هذا القطاع في تحقيق الانتعاش المأمول للاقتصاد الصيني في المرحلة المقبلة، مشددا على اعتزام الصين توفير بيئة أفضل ومساحة أوسع لتفعيل دور الشركات الخاصة في عملية التنمية. كما أكد لي تشيانغ أيضا خلال مشاركته في منتدى بوآو الآسيوي في 30 مارس 2023، اعتزام الحكومة الصينية تقديم دعم إضافي للقطاع الخاص، معلنا عن نيتها تدشين حزمة من الإجراءات والخطوات الجديدة لتسهيل الوصول إلى الأسواق، وكذلك العمل على تهيئة بيئة الأعمال، وذلك بهدف دفع شركات القطاع الخاص للمشاركة في عملية التنمية، وتحفيز الشركات الأجنبية على القدوم للاستثمار في الصين.

كذلك، أكد تقرير عمل الحكومة المقدم للدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني في 5 مارس 2023، اعتزام الدولة تعزيز وتطوير القطاع العام وتشجيع ودعم وتوجيه تنمية القطاع الخاص، وتشجيع دور المؤسسات الخاصة في تنمية ودعم تنمية الأعمال التجارية المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والأفراد العاملين لحسابهم الخاص، وكذلك خلق بيئة يمكن فيها للشركات تحت جميع أشكال الملكية أن تتنافس وتنمو على قدم المساواة.

وإبان انعقاد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في ديسمبر 2022، تعهد الرئيس شي وكبار المسؤولين بالعمل على إنعاش الاستهلاك ودعم القطاع الخاص، وتوجيه المزيد من رأس المال الخاص إلى بناء المشروعات الوطنية الكبرى، علاوة على اتخاذ الترتيبات القانونية والمؤسسية لضمان المساواة في المعاملة بين الشركات الخاصة والمؤسسات المملوكة للدولة، بجانب السماح بمزيد من السياسات الداعمة للشركات، خاصة شركات التكنولوجيا، ودعم قيامها بلعب دور ريادي في تحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل والمنافسة بالسوق الدولية. كما أكد التقرير المقدم للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2022، على أن السلطات "ستوفر بيئة مؤاتية للمؤسسات الخاصة، وتحمي حقوق ملكيتها وحقوق ومصالح رواد الأعمال وفقا للقانون، وتسهل نمو القطاع الخاص". وفي الإطار ذاته، أكد بنك الشعب (المركزي) الصيني في 28 ديسمبر 2022، اعتزامه خفض تكاليف التمويل الشاملة للشركات، وزيادة الدعم للمؤسسات الخاصة طبقا لمساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وفي حقيقة الأمر، فإن التصريحات السابقة عن موقف الدولة تجاه دور القطاع الخاص، تعكس في طياتها مجموعة من الحقائق، لعل من أبرزها ما يلي:

- الأهمية الكبيرة التي يحظى بها القطاع الخاص لدى السلطات الصينية، ولاسيما على مستوى القيادة العليا في الصين، ممثلة في الرئيس شي جين بينغ ورئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، وكذلك الحزب الشيوعي الصيني.

- التعويل الكبير من جانب الصين على دور القطاع الخاص في استعادة الانتعاش الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، لاسيما في ظل التحديات العديدة التي مازال يواجهها الاقتصاد الصيني، ومن أبرزها تباطؤ الإنتاج، ازدياد معدلات البطالة، انخفاض الأجور، علاوة على ركود سوق العقارات.

- رغبة السلطات الصينية في فتح صفحة جديدة مع القطاع الخاص، بعد الإجراءات التنظيمية التي تم اتخاذها في الفترة الأخيرة إزاء قطاع التكنولوجيا وشركات التعليم، والتي نُظر إليها على أنها تستهدف تحجيم دوره.

محرك رئيسي للنمو الاقتصادي

ارتبط النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته الصين خلال العقود الماضية، ولاسيما منذ تدشين سياسة الإصلاح والانفتاح، بالمساهمات البارزة التي قدمها القطاع الخاص، والذي تطور ليصبح جزءا رئيسيا من الاقتصاد الصيني، إذ تضاعف عدد المؤسسات الخاصة أربع مرات من 85ر10 ملايين شركة في عام 2012 إلى 57ر44 مليون شركة في عام 2021. ومن هذا المنطلق، يلعب القطاع الخاص الصيني دورا مهما كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي في الصين، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي، عبر إسهامه في استقرار النمو وتوفير فرص العمل وتعزيز التكيف الهيكلي ودعم عملية الابتكار التكنولوجي، وجذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز التجارة الخارجية، وهو ما تؤكده لغة الأرقام. فوفقا لإحصاءات وزارة التجارة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، تساهم الشركات الخاصة بأكثر من 50% من الإيرادات الضريبية للبلاد، وبنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 70% من الابتكار في مجال التكنولوجيا، علاوة على ما يزيد على 80% من العمالة في المناطق الحضرية. كما أنها تشكل 90% من عدد الشركات في البلاد، التي تخلق 90% من فرص العمل الجديدة في البلاد. بجانب إسهامها بأكثر من نصف إجمالي الاستثمار والتجارة الخارجية للبلاد.

وكقوة رئيسية في الابتكار، تلعب الشركات الخاصة دورا رئيسيا في المساعدة على تحقيق تنمية عالية المستوى. فطبقا لتقرير صادر في سبتمبر 2022، عن اتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين، بلغ إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير الذي سجلته أكبر 1000 شركة خاصة هذا العام 1ر1 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات حاليا)، وهو ما يمثل 39% من إجمالي الإنفاق الوطني، و50% من إجمالي إنفاق الشركات في الصين.

وقد أدى تطوير الشركات الخاصة إلى جعل التنمية الاقتصادية الإقليمية أكثر توازنا. على الرغم من أن معظم الشركات الخاصة لا تزال متمركزة في المناطق الشرقية، فإن هناك العديد منها وجد نقاط نمو جديدة تعمل بنجاح في المناطق الوسطى والغربية والشمالية الشرقية، مستفيدة من الفوائد المتولدة من إستراتيجيات التنمية الاقتصادية الإقليمية للبلاد. لم يوفر هذا قوة دفع قوية للنمو السريع لهذه المناطق فحسب، وإنما أيضا عزز تحسين التخطيط الهيكلي الاقتصادي للصين والتنمية المنسقة للاقتصادات الإقليمية. كما يلعب القطاع الخاص أيضا دورا رئيسيا في تنفيذ المسؤولية الاجتماعية. بحلول نهاية نوفمبر 2020، قدمت 123 ألف مؤسسة خاصة مساعدات موجهة لما يقرب من 140 ألف قرية فقيرة في الصين، استفاد منها 79ر17 مليون شخص.

وعلى المستوى الدولي، يُعد تطوير القطاع الخاص وسيلة مهمة لتوسيع ولوج الصين إلى السوق العالمية، حيث يوجد حاليا 28 مؤسسة خاصة صينية مُدرجة حاليا في قائمة فورشن لأقوى 500 شركة، مقارنة مع خمس شركات فقط في عام 2012. وفي السنوات الأخيرة، شاركت المزيد من الشركات الصينية الخاصة في بناء "الحزام والطريق"، وأنشأت شبكات تسويق وخدمات لوجستية دولية، ونفذت مشروعات استثمارية خارجية، لتصبح العمود الفقري في توسيع رؤية السوق الدولية.

سياسات تعزز الثقة في مواجهة التحديات

أشار تقرير صادر في عام 2022، عن اتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين، إلى معاناة الكثير من الشركات الخاصة الصينية من تحديات صعبة في الداخل والخارج، نتيجة جائحة كوفيد- 19 والاضطرابات الجيوسياسية. وتتمثل أبرز هذه التحديات في تراجع ربحية وكفاءة تشغيل أكبر 500 شركة خاصة صينية، حيث بلغ إجمالي أرباحها 73ر1 تريليون يوان، بانخفاض بلغت نسبته 8ر12% عن عام 2021. بجانب تباطؤ طلب السوق وارتفاع تكاليف التشغيل. كما أشار بعض أعضاء اللجنة الوطنية الرابعة عشرة للمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى إلى وجود بعض أوجه القصور فى حماية ودعم القطاع الخاص فى القوانين الحالية، وخاصة الافتقار إلى تشريعات لتطوير وحماية المؤسسات الخاصة. علاوة على العقبات التي تواجهها الشركات الخاصة في دخول الصناعة والوصول إليها، خاصة في قطاعات مثل التمويل والبترول والطاقة الكهربائية.

وبهدف مساعدة الشركات الخاصة، على مواجهة الصعوبات المشار إليها، وتعزيز ثقتها في الإدارة الحكومية للاقتصاد، أطلقت الحكومة الصينية حزمة من السياسات. في عام 2022، أصدر مجلس الدولة وثيقة تتضمن مجموعة من الإجراءات بهدف جعل الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر قدرة على الصمود في وجه التحديات القصيرة المدى. ومن بين تلك الإجراءات قيام الحكومات المحلية بترتيب أموال الإنقاذ الخاصة للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وتقديم إعانات الإيجارات وفوائد القروض وعوامل أخرى للشركات التي تواجه صعوبات في التشغيل.

وفي أواخر عام 2022، أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية عن حزمة إجراءات تعتزم اتخاذها لمساعدة الشركات الخاصة، ومنها: مساعدة هذه الشركات على خفض تكاليف التشغيل، تخفيف الصعوبات في الحصول على التمويل وتحصيل الديون، علاوة على تشجيع مزودي الخدمات الرقمية على تقليل تكاليف المنصات السحابية للشركات الصغيرة والمتوسطة لتمكينها من الاستفادة المثلى من التقنيات الرقمية.

كذلك، أشار تشاو تشين شين، نائب مدير اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في يناير 2023، إلى تعهد الصين بتعميق الإصلاح الاقتصادي والتركيز على حل المشكلات البارزة التي تواجهها الشركات الخاصة من أجل تعزيز نمو القطاع الخاص في عام 2023، وذلك من خلال تكثيف الجهود لإزالة المزيد من الحواجز أمام الوصول إلى الأسواق، وتشجيع مشاركة الشركات الخاصة في المشروعات الإستراتيجية الوطنية الكبرى، وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الخاصة.

وفي الإطار ذاته، قدم أعضاء المجلس الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني خلال الدورتين السنويتين، العديد من المقترحات لتعزيز تنمية المشروعات الخاصة في السنوات المقبلة، ومنها: إصدار قانون وطني لتعزيز القطاع الخاص، وذلك بهدف تعزيز التنمية المشتركة للشركات الخاصة والشركات المملوكة للدولة، ومنع التمييز ضد الشركات الخاصة والتأكد من أنها تتطور بما يتماشى مع قواعد وديناميكيات السوق، وتقديم ضمانات مؤسسية للقطاع الخاص، بما يعزز بشكل كبير ثقة رواد الأعمال من القطاع الخاص لمتابعة الأعمال بجرأة في السنوات المقبلة.

ومن النتائج الإيجابية لهذه الجهود، حدوث تحسن في النشاط التجاري للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في الصين، ومعظمها شركات خاصة. حيث شهد مؤشر تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أكبر ارتفاع في النمو في العامين الماضيين. وفقا لجمعية الصين للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، جاء المؤشر، الذي يستند إلى مسح شمل 3000 شركة صغيرة ومتوسطة، عند 9ر88 نقطة في فبراير 2023، وهو أعلى بنقطة واحدة من يناير، وهذه أكبر زيادة منذ عام 2021.

وفي الختام، يمكن القول إن القطاع الخاص يمثل ركنا رئيسيا في الاقتصاد والمجتمع في الصين، وذلك من خلال الدور المهم الذي يلعبه في تطوير اقتصاد السوق الاشتراكي والتنمية الاقتصادية العالية الجودة، بما يؤدي إلى تحسين سُبل حياة الشعب الصيني. كما أن تنامي اهتمام الدولة بتعزيز دور القطاع الخاص، وقيامها باتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات الهادفة إلى تمكينه من التغلب على الصعوبات التي يواجهها، وإيجاد ظروف أفضل للسوق، سيؤدي إلى تعزيز ثقة القطاع الخاص، بما يدفع المزيد من الشركات ورجال الأعمال إلى زيادة الانخراط في العملية الإنتاجية، الأمر الذي يدفع الاقتصاد الصيني إلى الانتعاش وتحقيق المزيد من النمو في الفترة المقبلة.

--

عادل علي، إعلامي وباحث سياسي من مصر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4