ملف العدد < الرئيسية

ترميم البيوت القديمة لإنعاش المناطق الريفية

: مشاركة
2023-09-10 14:50:00 الصين اليوم:Source تشانغ جيوان شيا يوان يوان:Author

في قرية تشنجيابو التابعة لبلدة سيدو في محافظة سونغيانغ بمدينة ليشوي في مقاطعة تشجيانغ، ترى أزقة قديمة وسلالم حجرية ومئات البيوت المبنية بالقرميد الأخضر والطين الأصفر، وفقا لمنحدرات الجبال. هذه القرية التي يرجع تاريخها إلى 640 عاما وتشتهر بالأشجار المعمرة وغابات الخيزران، يأتيها في عز الصيف الحالي عدد كبير من السياح للزيارة والتمتع بالمناظر الريفية.

يبلغ ارتفاع تشنجيابو 850 مترا فوق سطح البحر، وبسبب جبالها العالية وطرقها الوعرة، واجهت صعوبات اقتصادية جمة، مما جعل كثيرا شبابها يذهبون للعمل خارجها، فصارت قرية فارغة.

في سنة 2014، بدأت تشنجيابو تنفذ مشروع "الإنعاش الأخضر للمناطق الريفية في مقاطعة تشجيانغ"، من أجل حماية وتطوير القرية واستكشاف طرق جديدة لتحويل الموارد البيئية إلى أرباح حقيقية. بفضل العمل الدؤوب، تم تحويل البيوت الطينية المتداعية إلى مكتبات أنيقة وأماكن إقامة مريحة وورش فنية وقواعد للابتكار الثقافي، فصارت تشنجيابو قرية مقصدا مشهورا للسياحة.

المحافظة على الخصائص الأصلية

في سنة 2016، بدأت محافظة سونغيانغ مشروع "إنقاذ البيوت القديمة" الخيري لحماية القرى التقليدية، في إطار خطة أطلقتها وزارة المالية الصينية وإدارة الآثار الصينية لترميم البيوت القديمة وحمايتها وإعادة استخدامها، بمخصصات مالية بلغت أربعين مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 1ر7 يوانات تقريبا حاليا). وقد وقع الاختيار على سونغيانغ لتكون المحافظة التجريبية الوحيدة في الصين لتنفيذ هذا المشروع بشكل كامل. لم تكن هناك تجربة سابقة تسترشد بها سونغيانغ.

قال تشنغ شنغ، نائب رئيس متحف سونغيانغ، إن المناظر الريفية تختلف من قرية إلى أخرى، وأفضل طريقة لإصلاح المناظر التقليدية للقرية وإعادة الحيوية للبيوت القديمة، هي التدخل البشري على نحو أكثر طبيعية، واتباع أسلوب الإنتاج والحياة المنخفض الكربون والبيئي والصديق للبيئة.

معظم البيوت القديمة في سونغيانغ بنايات على الطراز المعماري لفترة أسرتي مينغ وتشينغ وفترة جمهورية الصين، فجدرانها مبنية بالتراب المدكوك والقرميد المتعرج الصغير باللون الأزرق، مع هياكل خشبية. لكن، مع مغادرة السكان المحليين للقرية، تهدمت بعض البيوت بعد سقوط أعمدتها وانهيار جدرانها. قال تشنغ شنغ إن ترميم البيوت القديمة مع المحافظة مناظرها الأصلية أصعب من بناء بيوت جديدة. من أجل المحافظة على خصائص البيوت القديمة وتحسين ظروفها للإقامة، استعانت سونغيانغ بخبراء من معهد تصميم وأبحاث البنايات القديمة، للمشاركة في ترميم تلك البيوت القديمة وتقديم الإرشادات التقنية في الأعمال. كان أغلبية أعضاء فريق الترميم حرفيين محليين، وقد نهضوا بمهمة ترميم تلك البيوت بمهارات البناء التقليدية لكي تشبه البيوت الأصلية.

تسنغ شين ليانغ، الذي بدأ تعلم النجارة وهو في الخامسة عشر من عمره على أيدي حرفيين بارعين، يمارس أعمال النجارة منذ ثلاثين عاما ونيف في هانغتشو. يرى أن مهارات التراب المدكوك والقرميد وغيرها من المهارات التقليدية على وشك الانقراض. بعد سماع الخبر عن مشروع "إنقاذ البيوت القديمة" في سونغيانغ، عاد مع ابنه البالغ من العمر 23 عاما إلى مسقط رأسه وشاركا في أعمال الترميم. يشعر تسنغ شين ليانغ بالسعادة لأن دخله قد زاد ولأنه رأى مهارات البناء التقليدية تعود من جديد. قال إنه منذ إطلاق مشروع "إنقاذ البيوت القديمة"، عمل في سونغيانغ أكثر من ثلاثين فريق عمل تضم ألفي حرفي. أكملوا ترميم 312 بيتا في 75 قرية بسونغيانغ حتى الآن. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قامت سونغيانغ أيضا بترميم الممرات والآبار والمقابر القديمة وفق لمبدأ "ترميم القديم مع المحافظة على مناظره الأصلية".

إعادة استخدام البيوت القديمة

لم يكن ممكنا أن يكون مشروع إنقاذ البيوت القديمة مستداما لو ركزت سونغيانغ على حماية البيوت القديمة فقط من دون الاهتمام بتطورها. تمسكت سونغيانغ بمبدأ "الاستخدام المعقول هو أفضل طريقة للحماية"، فاعتبرت البيوت التي قد تم ترميمها "رافعة" لتحريك استخدام الموارد البيئية مثل الجبال والأنهار والغابات والحقول والبحيرات والموارد التاريخية، سعيا لإبداع واستكشاف الصناعات المتنوعة لتوظيف موارد التنمية الكامنة في المناطق الريفية.

باو تشاو هوه، الذي خرج من تشنجيابو للعمل وهو في السادسة عشر من عمره، عاد إلى مسقط رأسه في سنة 2012 وتولى منصب رئيس لجنة الحزب الشيوعي الصيني بالقرية. مع طرح مهمة بناء "القرى الجميلة" الوطنية، تطلع باو تشاو هوه إلى تطور جديد وأخضر لقريته. واستنادا إلى الموارد الطبيعية المميزة في تشنجيابو وخبرات التجارة الوافرة خلال عمله في الخارج، اتصل باو تشاو هوه بعديد من المستثمرين ونجح في عام 2016 في توقيع عقد مع مكتبة شيانفنغ التي أُدرجت في قائمة "أجمل عشر مكتبات في العالم". حظيت مكتبة شيانفنغ الفرعية في تشنجيابو بإقبال كبير بسرعة.

من أجل تحويل موارد القرية إلى أرباح حقيقية، لا بد من دمج الفوائد البيئية مع الفوائد الاقتصادية والاجتماعية. إن مبدأ جذب الاستثمار في تشنجيابو هو توظيف الموارد البيئية وفقا لخصائص المجتمع المحلي وزيادة دخل القرويين، فقد جذبت تشنجيابو حوالي مائة مليون يوان من الاستثمار وتم بناء أماكن إقامة عالية الجودة وذات خصائص محلية. استقبلت القرية حوالي أربعمائة ألف زائر في عام 2022 وحققت دخلا أكثر من 19 مليون يوان من الصناعات المختلفة.

تغيرات تشنجيابو صورة مصغرة لتطور القرى التقليدية في محافظة سونغيانغ التي يتبعها أكثر من مائة قرية تقليدية محمية بشكل كامل، منها 78 قرية على المستوى الوطني. بنيت في جميع القرى التقليدية البيوت التقليدية بين الجبال والأنهار وهذا يجسد الترتيب الجميل لـ"الجبال والأنهار- الحقول- القرى".

أشارت البيانات الرسمية إلى أنه قد تم نقل حقوق الاستخدام لأكثر من ستمائة بيت قديم في سونغيانغ، وجذبت المحافظة نحو مليار يوان من الاستثمار وأنشأت أكثر من خمسمائة مكان إقامة وكسبت حوالي 136 مليون يوان كل سنة. وبالإضافة إلى ذلك، اُستخدمت 60% من البيوت التقليدية في سونغيانغ كأماكن إقامة، وللأبحاث العلمية والابتكار الثقافي وغيرها من الصناعات الجديدة مما يساعد على زيادة الدخل السنوي لكل أسرة بأكثر من 20%.

المحافظة على حيوية البيوت القديمة

قال تشنغ شنغ، إنه من أجل حماية القرية والاحتفاظ بالموارد البشرية الريفية، ينبغي تجنب ظهور الأوضاع المحرجة، مثل "المنازل جميلية لكن ظروف الإقامة سيئة". فلم تتمسك سونغيانغ بمبدأ حماية وترميم الآثار القديمة فحسب، وإنما أيضا أولت اهتماما لاستخدام البيوت القديمة بعد إكمال الترميم. في هذا السياق، عملت سونغيانغ في تحسين ظروف الإقامة لتلك البيوت.

مع تحسن الأحوال في تشنجيابو، عاد كثير من الشباب الذين عملوا في الخارج لريادة الأعمال، ومنهم وانغ تشي جيه البالغة من العمر 34 عاما. في عام 2021، عادت السيدة وانغ إلى مسقط رأسها مع أختها الصغيرة لإعادة تأهيل البيوت القديمة. فتحت مطعما للأطباق الريفية وكسبت أكثر من مائة ألف يوان كل سنة. قالت إن القرية التي كانت بيوتها متداعية صارت مكانا جميلا. كان عدد السكان المقيمين الدائمين في القرية أقل من أربعين شخصا، أما الآن، فزاد إلى أكثر من مائتين وكثير منهم شباب.

في قرية بينغتيان التي تبعد خمسة كيلومترات عن تشنجيابو، يمكنك أن ترى كثيرا من فنادق يونشانغ بينغتيان التي شاركت في تأسيسها يه لي تشين بعد عودتها إلى مسقط رأسها. عملت يه لي تشين في هانغتشو، حاضرة مقاطعة تشجيانغ في شركة للملابس. قبلت دعوة وشاركت في أعمال حماية وتطوير القرية القديمة في عام 2014 وذلك بسبب حبها لمسقط رأسها. بعد ثماني سنوات من الجهود، حولت السيدة يه عدة بيوت قديمة متداعية إلى تجمع يونشانغ بينغتيان التجاري المكون من ستة أماكن إقامة. وفي نفس الوقت، أنجزت بناء المطاعم ومقاهي الشاي وقاعة تجريب الزراعة وورشة صباغة النسيج على التوالي. يعمل المهندسون المعماريون والمصممون المشاهير من جامعة تشينغهوا وجامعة هونغ كونغ هناك. قالت يه لي تشين إن دخل التشغيل السنوي للتجمع التجاري تجاوز ثمانية ملايين يوان وقدمت المحلات للقرويين المحليين فرص العمل بدون حاجة إلى الذهاب إلى الأماكن البعيدة.

بفضل جمال مناظر الريف وزيادة دخل القرويين، حصلت القرى التقليدية والمتخلفة على قوة جديدة واستعادت حيويتها من جديد.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4