ملف العدد < الرئيسية

حق الاختيار.. مفتاح الحوكمة الريفية

: مشاركة
2023-09-10 14:53:00 الصين اليوم:Source تشانغ جيوان ما لي:Author

في الثالث من يوليو عام 2023، توجه تشو هونغ وي، أمين فرع الحزب الشيوعي الصيني بقرية هوانغنيدون في مدينة ليشوي التابعة لمقاطعة تشجيانغ، إلى بيت القروي تشو ون بينغ لطلب رأيه ورأي زوجته حول تركيب مصابيح الشارع وتحسين نظام إمداد المياه في القرية، ثم تابع طريقه إلى بيوت آخرين من أهل القرية. قال السيد تشو إن إدارة القرية تلتمس آراء القرويين حيال الشؤون الرئيسية المتعلقة بمصالحهم المباشرة، ووضعت حق صنع القرار في أيدي القرويين لجعلهم يقررون الشؤون المدنية حقا.

القرويون يقررون الشؤون المدنية

في بداية عام 2014، عاد تشو هونغ وي إلى قرية هوانغنيدون، بعد أن عمل خارجها لسنوات، وانتخب أمينا لفرع الحزب الشيوعي الصيني بالقرية. في ذلك الوقت، كانت مقاطعة تشجيانغ تقوم بتنفيذ سياسة إدارة الشؤون القروية بشفافية، فأعلن تشو هونغ وي جميع الحسابات المالية المتعلقة بالمشروعات في القرية بعد المناقشة مع كوادر القرى الأخرى. كان تشو هونغ وي يعتقد أنه يمكنه كسب ثقة القرويين عبر هذا الإجراء، لكنهم سخروا منه، لظنهم أن تلك الحسابات غير حقيقية، لأنها سُجلت من قبل كوادر القرية من دون مراقبة.

كانت القرية تواجه مشكلات عدة متراكمة، فعكف تشو هونغ وي على زيارة بيوت أهل القرية لمعرفة آرائهم. خلال زياراته التي استمرت ثلاثة أشهر، اكتشف أن السبب الرئيسي لتوتر العلاقة بين كوادر القرية وأهلها هو معلومات شؤون القرية المحجوبة عن القرويين. كان أهل القرية يشعرون بالضيق وهم يرون الكوادر يعقدون الاجتماعات لتقرير مصير قريتهم، بينما أهل القرية لا يستطيعون المشاركة في صنع القرار والاختيار. وكان كوادر القرية يشعرون بالظلم، لاعتقادهم أنهم لم يحصلوا على دعم وثقة القرويين، على الرغم من أنهم يبذلون جهودا حثيثة لتطوير القرية.

كيف يمكن إزالة سوء الفهم بين الكوادر والقرويين واستعادة الثقة بينهم؟ اعتقد تشو هونغ وي أن الشفافية والإفصاح عن شؤون القرية هي المفتاح. لذلك، تم انتخاب 52 ممثلا من بين آلاف القرويين لتشكيل مجلس ممثلي القرية. ويتم التصويت بالاقتراع السري على الشؤون الرئيسية حول القرية. ودعت قرية هوانغنيدون شخصيات تتمتع بقدر عال من الحكمة والثقة للمشاركة في اجتماعات مشتركة لفرع الحزب الشيوعي الصيني بالقرية ولجنة القرويين، وتقديم الاقتراحات وتوجيه وتحسين القرارات المهنية عبر التصويت، والتأكيد على الالتزام بنتائج التصويت.

لسنوات عديدة، اعتمد القرويون في قرية هوانغنيدون على الزراعة التقليدية رئيسيا، وكان الدخل الجماعي للقرية منخفضا للغاية، وواجه القرويون صعوبات في زيادة الدخل، مع أن عندهم موردا طبيعا كبيرا للتنمية، حيث يقع عند مدخل قرية هوانغنيدون خليج بِيشوّي بجانب نهر يانشي، والذي يُعتبر مكان استحمام طبيعيا معروفا لدى القرويين. ويمكن تحويل هذه الموارد الطبيعية المحلية الممتازة إلى قيمة اقتصادية، ولكن أجل ذلك، كان لا بد من هدم العشرات من غرف الإنتاج الشاغرة وقطع أشجار البرتقال والخيزران في بعض القرى، وهدم النُزُل الذي استثمر فيه القروي ليو ليان فو مائتي ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا). واجه تشو هونغ وي والكوادر الآخرون مشكلة كيفية هدم تلك البنايات وضمان حصول القرويين على التعويض.

لم يكن لدى الكوادر أي فكرة عن كيفية حل هذه المشكلة، فاقترح القرويون القيام بالتصويت. أخيرا، وافق جميع ممثلي القرويين على مشروع الاستفادة من خليج بِيشوّي. وعبر ليو ليان فو، كممثل عن القرويين، عن دعمه في تطوير صناعة السياحة في القرية، وبادر بهدم نُزُله وعدم طلب أي تعويض من القرية. كما أعرب القرويون، الذين طلب منهم هدم منازلهم وقطع أشجارهم من أجل تنفيذ المشروع، عن رغبتهم في الاستثمار والمشاركة في تطوير خليج بِيشوّي.

شارك تشانغ تشنغ، رئيس مجلس نواب الشعب لناحية هوانغتسون، في الأعمال المتعلقة بالتصويت على أساس الشفافية، وأدارها لسنوات عديدة. أشار إلى أن التصويت على أساس الشفافية هو أحد نماذج الحوكمة الريفية التي استكشفتها مدينة ليشوي بمقاطعة تشجيانغ خلال تنفيذ مشروع بناء ألف قرية تجريبية وتجديد عشرة آلاف قرية، ويهدف إلى إعطاء حق الاختيار للمزارعين وليس اتخاذ القرارات بدلا منهم، مما يشكل نظاما وآلية لضمان حق القرويين في المشاركة في إدارة ومراقبة شؤون القرية. وفقا لممارسات قرية هوانغنيدون، تولد لدى القرويين إحساس قوي بالمسؤولية والملكية خلال المشاركة في صنع قرارات شؤون القرية، مما شكل نمطا حيويا للحوكمة الريفية يتمثل في إنجاز الشؤون الرئيسية وتمييز الخير من الشر وإدارة الأمور بشكل مشترك.

منذ عام 2014، قامت قرية هوانغنيدون بالتصويت على 106 قرارات على أساس الشفافية بشأن شؤون القرية الرئيسية، وبلغ معدل الموافقة 98%، ونسبة 100% منها معروفة بين القرويين ، بينما بلغت نسبة رضا القرويين أكثر من 90%.

التشارك في الحوكمة والرخاء

تقع قرية سونغتشوانغ بناحية ساندو التابعة لمحافظة سونغيانغ بين جبال وأنهار خضراء، ويعود تاريخها إلى أكثر من خمسمائة سنة. بفضل الهواء النقي والمناظر الطبيعية الخلابة فيها، أصبحت مقصدا مفضلا للسياح طلبا للراحة والاستجمام، خلال أيام الصيف الحارة.

قبل عشر سنوات، كانت قرية سونغتشوانغ مختلفة تماما عما هي عليه الآن، وكانت غير معروفة. في عام 2014، أُدرجت قرية سونغتشوانغ في الدفعة الثالثة لقائمة القرى التقليدية الصينية، وحصلت على دعم مالي قدره ثلاثة ملايين يوان. بعد سنوات متتالية من ترميم القرية والمحافظة عليها، حصلت سونغتشوانغ على دعم مالي آخر من مشروع "إنقاذ المنازل القديمة" في عام 2018، فشهدت تغيرات غير مسبوقة، بفضل مشاركة القرويين الأصليين والجدد والعائدين في صنع القرارات.

سون ينغ ينغ "قروية جديدة" في سونغتشوانغ، وهي مستثمرة جاءت من شانغهاي. في عام 2018، زارت سون ينغ ينغ القرية ووجدت الحيوية الكامنة في المناظر الطبيعية، وقررت تنفيذ خطتها ببناء أول مجمع نزل في قرية سونغتشوانغ، حيث استأجرت 18 منزلا قديما لتجديدها. وبفضل جهود فريق الإدارة والتجديد، شهدت تلك المنازل القديمة حياة جديدة. منذ ذلك الحين، أصبح لدى القرية غرف لاستقبال الزوار ومقاهي ومطاعم وأماكن لقراءة الكتب وغرف اجتماعات ونواد صحية وغيرها لأول مرة. خلال عطلة العيد الوطني في عام 2022، بلغ متوسط تدفق الزوار اليومي في قرية سونغتشوانغ ألفي فرد/ مرة، بزيادة حوالي عشر مرات مقارنة بالسنوات الثلاث السالفة.

قام يه شنغ تشونغ، وهو من السكان الأصليين لقرية سونغتشوانغ، بزراعة الدراق العسلي لسنوات عديدة، وكان يبيعه في المدينة. حاليا، مع تزايد الزوار، يتمكن يه شنغ تشونغ والقرويون الآخرون من بيع محاصيلهم من دون مغادرة القرية. كان لي ون شنغ يعيش في خارج سونغتشوانغ، وقد عاد إليها مؤخرا. عمل في شانغهاي لسنوات عديدة، وبعد تقاعده، استقر مع زوجته في القرية للتمتع بالحياة، ويدير متجرا صغيرا فيها. كما عاد أخوه، الذي كان يقوم بالتجارة في مدينة نينغبوه، إلى القرية لبيع كعك جينيون بالسمسم (أحد المأكولات التقليدية في تشجيانغ)، خلال موسم الذروة السياحية، ويمكنه بيع أكثر من ألف قطعة من كعك جينيون بالسمسم يوميا.

قال يه قن تشونغ، أمين فرع الحزب الشيوعي الصيني بقرية سونغتشوانغ: "تم تحفيز القوة الدافعة الداخلية لتنمية القرية، وعادت الحيوية النشيطة بفضل توجيه آلية الحوكمة المشتركة وتحقيق الرخاء المشترك بين القرويين الأصليين والجدد والعائدين. في الوقت الراهن، نقوم بالتشاور وتعزيز الكثير من شؤون القرويين في ظل هذه الآلية." كما أشار إلى أن القرويين الجدد والقرويين الذين عادوا من الخارج والقرويين الأصليين هم القوى المحركة الثلاث لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال، مما يخلق إمكانيات أكبر لتطوير القرية.

يه قاو شوي، الأمين الأسبق لفرع الحزب الشيوعي الصيني بقرية سونغتشوانغ، يبلغ عمره 78 سنة. قال الرجل الذي شهد التغيرات السريعة في القرية: "لم نتوقع أن تتطور قريتنا بشكل جيد هكذا." يعتقد يه قاو شوي أن القرويين الأصليين والجدد والعائدين يبذلون جهودهم في تخطيط الحوكمة والتنمية الريفية والمشاركة فيها ودعمها، مما يشكل نموذج التنمية المتمثل في "القروي الأصلي مسؤول عن تطوير الصناعة المحلية والقروي العائد مسؤول عن استكشاف الثقافة المحلية والقروي الجديد مسؤول عن تقديم الابتكار"، وتم تحقيق التنمية التي تجمع بين المحافظة على القرية القديمة وتطوير الصناعات المحلية.

كلنا وسطاء

كانت قرية هوانغفانغكو بناحية جيتشاي تخطط للقيام بهدم بعض البنايات فيها من أجل تنفيذ مشروع لتحسين البنية التحتية والبيئة، وكان ذلك سيؤثر على حياة بعض القرويين الآخرين ويضطرهم لمغادرة القرية مؤقتا، فاشتكوا وعارضوا المشروع.

بالنسبة للقرويين، يمكنهم الاستفادة من تحسن بيئة القرية، لكن مشروع تحسين البيئة قد يصبح مشكلة يصعب حلها، إن لم يحظى بدعمهم. ولكسب تأييد القرويين للمشروع، استكشفت قرية هوانغفانغكو أسلوب "الوساطة". مثلا، لإقناع اثنين القرويين بالموافقة على المشروع وتأييده، دعتهما لجنة ناحية جيتشاي إلى مركز الوساطة، حيث قام الوسطاء وكوادر القرية والشيوخ والجيران بالوساطة وشرح أسباب تنفيذ الحوكمة البيئية والخطة المستقبلية. أخيرا، بادر القرويون بهدم بناياتهم لتوسيع طريق القرية، من دون الحصول على تعويض.

أطلقت القرية على نموذج الوساطة لتسوية النزاعات في القرية اسم "نموذج جيتشاي". قال ليو جينغ لي، نائب أمين فرع الحزب الشيوعي الصيني بناحية جيتشاي، إنه خلال الوساطة في نزاعات القرويين، يمكن لهم اختيار الوسطاء الذين يثقون بهم، ويمكن للقرويين الآخرين مراقبة عملية الوساطة وتقييم النتائج بعد الانتهاء، مما يحقق حل النزاعات وتعميم المعرفة القانونية في نفس الوقت. وهذا يجعل أهل القرية يتعرفون على القوانين واللوائح، ويحسنون قدرتهم على التوسط في النزاعات، مما يمكنهم من التوصل إلى توافق في الآراء بدون وساطة اللجنة، ومن ثم تجنب الحوادث والنزاعات وتحقيق الهدوء.

حاليا، يعمل أكثر من مائة وسيط في محافظة تشينغتيان، وهم يتمتعون بخبرات ثرية في حل النزاعات بالقرية، ويستخدمون طرقا مناسبة للقرويين لتسوية النزاعات، مما يعزز سعادتهم وأمنهم. والأهم من ذلك أنه بعد تطوير الاقتصاد الريفي وتحسين البيئة الريفية، أصبحت النزاعات بين القرويين أقل.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4