مرت عشر سنوات منذ طرح رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ مبادرة وفكرة؛ أما المبادرة فهي "الحزام والطريق" المشروع التنموي العملاق الذي سارعت معظم دول العالم بالانضمام إليه والاستفادة منه، وأما الفكرة فهي "رابطة المصير المشترك للبشرية"، والتي تكشف للعالم أن الصين تسعى لإيجاد عالم بلا قطب واحد، ولا تتمنى أن يكون العالم قائما على تبعية وخدمة بعض سكانه للبعض الآخر.
في السنوات العشر الماضية، خطت الصين خطوات واسعة، وتحديدا منذ تولي الرئيس شي زعامة الحزب الشيوعي الصيني ورئاسة الصين، سواء على طريق التنمية الداخلية والتي نقلت المجتمع الصيني نقلات نوعية على كافة الأصعدة أو على المستوى الدولي، وأحدثت نقلات كبرى على الساحة الدولية، وهو ما جعل الصين لاعبا أساسيا ومهما على مسرح الأحداث العالمية. مبادرة "الحزام والطريق"، هي مبادرة تنموية، في الأساس، تنطلق من التجربة التنموية الصينية، وتمثل نموذجا جديدا من التعاون القائم على تبادل المنافع. وأهم محرك للمبادرة هو اعتمادها بشكل أساسي على إمكانيات وقدرات أعضائها لتحقيق الاستفادة المتبادلة والربح للجميع.
مثلت مبادرة "الحزام والطريق"، منذ إطلاق الدعوة لتدشينها قبل 10 سنوات، وتحديدا في 7 سبتمبر 2013، قوة دفع ومحركا أساسيا للاقتصاد الدولي، وهو ما انعكس إيجابا على معدلات النمو والبطالة والتضخم ومستوى دخل الفرد في الدول الأعضاء، نتيجة ارتفاع الناتج الإجمالي. وقادت الصين وحشدت حولها عشرات الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لرسم طريق ونمط تنموي جديد، سيتطور مستقبلا إلى نمط سياسي وثقافي وحضاري. وأكدت الحكومة الصينية في شهر سبتمبر 2023، أنها وقعت على مدار العشر سنوات الماضية وثائق تعاون لمبادرة "الحزام والطريق" مع أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية، وهو ما يعد انتصارا للمبادرة ويبرز رغبة دول العالم في تحقيق التنمية من خلال التعاون دون تبعية لأحد.
وترى الدول الأعضاء في مبادرة "الحزام والطريق"، البديل السريع والآمن والموثوق به والشريك التنموي الفاعل. ولا يمكن أن نتخيل حجم محاولات الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول للتصدي لمبادرة "الحزام والطريق" ومواجهتها، لما تعتبره من وجهة نظرها، تهديدا وضغوطا عليها. ومن أبرز التحديات التي تواجه المبادرة، المشروعات المنافسة للحد من نفوذها وإضعاف تأثيرها. ومن أبرز هذه المشروعات الموازية والسياسات المنافسة وأحدثها "الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا مرورا بالشرق الأوسط"، والذي أطلق عليه البعض مصطلح "ممر بايدن". هذا المشروع وغيره يستهدف إحباط الجهود الصينية لتعزيز التعاون والعلاقات الدولية.
حمى المبادرات.. "الممر الكبير" بين الهند وأوروبا
دفعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال انعقاد القمة الأخيرة لمجموعة العشرين في الهند، باتجاه مشروع "الممر الكبير" أو "ممر بايدن" كما أسماه البعض، وهو من شأنه أن يربط الهند وأوروبا بخطوط سكك الحديد والنقل البحري عبر الشرق الأوسط، مع دور للسعودية والإمارات وإسرائيل داخل منظومة العمل. ويحاول جو بايدن، إقناع السعودية وإسرائيل بتطبيع العلاقات بينهما. بيد أنّ بعض المسؤولين في إدارة بايدن أوضحوا أنّ الاتفاق على مشروع البنية التحتية الرئيسي، والذي لا يزال جدوله الزمني غير واضح، "ليس إشارة تمهيدية للتطبيع على وجه التحديد". وجاء في وثيقة نشرتها إدارة بايدن بشأن إعلان "الممر" الكبير بين الهند وأوروبا: "نريد إطلاق حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا، ونهدف إلى إنشاء عقد تجاري، مع تشجيع تطوير وتصدير الطاقة النظيفة. وسيشمل المشروع أيضا مدّ كابلات بحرية."
"ممر لوبيتو" في أفريقيا
من جهة أخرى، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أنهما توحّدان جهودهما لدعم مشروع آخر للبنية التحتية، وهذه المرة في أفريقيا. هذا المشروع هو "ممر لوبيتو"، الذي يربط جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا عبر ميناء لوبيتو في أنغولا. وقال مايكل كوجلمان، الخبير في شؤون جنوبي آسيا في مركز ويلسون بواشنطن، عبر منصة "إكس"، إنّه إذا تحقّق ذلك، فسوف يغيّر قواعد اللعبة عبر تعزيز الروابط بين الهند والشرق الأوسط. وأضاف أنّ ذلك يهدف إلى مواجهة مبادرة "الحزام والطريق". وهناك أيضا "مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي"، التي أطلقتها قمة الدول السبع في عام 2022 وأعلنت تخصيص 600 مليار دولار أمريكي، منها 200 مليار من الولايات المتحدة الأمريكية، وقبلها بعام أطلقت قمة الدول السبع نفسها مبادرة أخرى بعنوان "من أجل بناء عالم أفضل"، ولم ينفق مما اتفق عليه سوى 70 مليون دولار أمريكي وهو مبلغ هزيل للغاية، فضلا عن مشروعات منافسة أخرى مثل تحالف "كواد" الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والهند وأستراليا، وكذلك الشراكة الأمنية "أوكوس" والتي تضم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، وغير ذلك من المشروعات المنافسة.
أبعاد أمريكية
وترى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها أن مبادرة "الحزام والطريق" بقيادة الصين ستحد بشكل هائل من النفوذ والطموحات الأمريكية وستشجع الكثير من الدول على الخروج من العباءة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التنموية. كما أن المبادرة تمثل تجمعا للقوى والدول والاقتصادات الناشئة، وهو ما سيقلص نصيب الاقتصاد الأمريكي بالأسواق العالمية كما يمثل تهديدا للنفوذ الأمريكي والغربي في العديد من مناطق العالم ومن أبرزها آسيا الوسطى، وأفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم.
التنمية الصينية في أفريقيا
اللافت أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودولا أخرى تذكرت الآن فقط، وليس قبل ذلك، قارة بحجم أفريقيا، فشرعوا في تأسيس منتديات للتعاون المشترك بين كل منهم وأفريقيا، على غرار منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، الذي دشنته الصين في عام 2000 بعد أن استشعرت قوة الصين في القارة واتساع مساحة علاقاتها مع الدول الأفريقية، والتنامي الكبير في مساهماتها في تنمية القارة الأفريقية التي عانت من تجاهل القوى الكبرى لعقود طويلة. تلك القوى الكبرى تعاملت مع أفريقيا بوصفها مجرد مخزون إستراتيجي لها يمدها بالقوى البشرية والثروات الطبيعية الهائلة، كما تمثل سوقا لمنتجاتها وحقلا لتجاربها وامتدادا لثقافاتها، من دون احترام للهوية. كما مثلت أفريقيا حديقة خلفية لها، وأراضي محتلة في ماضيها المأساوي الملوث بدماء أبناء هذه الشعوب.
في حين أن بكين أطلقت، قبل عقد من الزمن، مبادرة "الحزام والطريق" ببنية تحتية قدرت قيمتها بنحو تريليون دولار أمريكي. تريد المبادرة الصينية اقتصادا عالميا منتعشا، عبر تسهيل انتقال البضائع والتكنولوجيا والمواد الأساسية للصناعات، ليكون "الحزام والطريق" طريقا اقتصاديا تنمويا استثماريا يساعد الدول المتشاطرة لهذا الطريق في تحقيق أهدافها التنموية وطموحات شعوبها في الرخاء والرفاه، بما ينعكس بالفائدة على جميع الأطراف، وذلك انطلاقا من المقولة الصينية القديمة: "إذا صرنا معا نصل أسرع".
--
محمد وديع، رئيس تحرير الطبعة الإنجليزية لموقع ((صدى البلد)) الإخباري.