ملف العدد < الرئيسية

منتدى التعاون العربي- الصيني وآفاق الشراكة الإستراتيجية في العصر الجديد

: مشاركة
2024-01-09 14:33:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

في وقتنا الحالي، تطرأ العديد من التغيرات على دول العالم بشكل غير مسبوق. فمن ناحية، يمثل السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك تيارا تاريخيا مهما. ومن ناحية أخرى، نشهد تصرفات الهيمنة الأمريكية والغربية وسياسة القوة وفرض الأمر الواقع، بما فيها القتل والسلب والنهب والاستقواء على الضعفاء وكسب المصالح الأنانية والاحتيال؛ وخير مثال ما يحدث في غزة من عدوان إسرائيلي على فلسطين، مما يأتي بأضرار خطيرة على العالم بأسره. ويتفاقم العجز في السلام والتنمية والأمن والحوكمة، مما يفرض تحديات غير مسبوقة على المجتمع البشري، الأمر الذي يجعل للتعاون المشترك بين الدول أهمية كبيرة لمواجهة هذه التحديات.

ويصادف هذا العام مرور عشرين عاما على إنشاء منتدى التعاون العربي- الصيني، الذي أعلن تأسيسه في 30 يناير 2004، خلال زيارة الرئيس الصيني السابق هو جين تاو لمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة. والحقيقة التي يؤكدها التاريخ القديم، أن التبادلات الودية بين الصين والدول العربية علاقات قديمة قدم الزمان، وقد ساهم في هذه العلاقات طريق الحرير البحري والبري القديم وأدى إلى التواصل العميق بين الصين والعالم العربي.

ويلتزم منتدى التعاون العربي- الصيني بتعزيز التواصل للبناء الذاتي، وتحسين جميع آليات المنتدى في ضوء مقاصده المتمثلة في التحاور والتعاون والسلام والتنمية. وقد لعب المنتدى دورا مهما في إثراء الدلالة الإستراتيجية للعلاقات العربية- الصينية على نحو مطرد، وتعزيز التعاون العملي بين الدول العربية والصين.

وبنظرة سريعة على التاريخ الحديث، نجد أنه في عام 1956، كانت هناك أحداث مفصلية ومهمة؛ فقد أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع مصر. وبحلول عام 1990، أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع اثنتين وعشرين دولة عربية. وفي عام 1993، أنشأت جامعة الدول العربية مكتب تمثيل لها في بكين، وفي عام 1999، تم توقيع "مذكرة التفاهم بين وزارة خارجية جمهورية الصين الشعبية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية بشأن إنشاء آلية للتشاور السياسي".

نقاط مهمة على طريق منتدى التعاون العربي- الصيني

في عام 2004، تأسس منتدى التعاون العربي- الصيني، الذي صار إطارا للتعاون الجماعي وشمل العديد من المجالات والآليات. كما لعب المنتدى دورا متزايد الأهمية في تعزيز التعاون الإستراتيجي بين الصين والدول العربية في القرن الحادي والعشرين.

في عام 2010، أقامت الصين والدول العربية علاقات التعاون الإستراتيجي القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة، وأسست الصين علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة أو علاقات الشراكة الإستراتيجية أو علاقات التعاون الإستراتيجي مع عشر دول عربية.

وألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابا مهما في يونيو عام 2014، خلال حفل افتتاح الدورة السادسة للمؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني التي عقدت في بكين، وطرح التشارك الصيني- العربي في بناء "الحزام والطريق"، وإنشاء نمط جديد للتعاون الصيني- العربي، واستجابت الدول العربية بشكل إيجابي، ودخل التعاون الجماعي بين الدول العربية والصين حقبة جديدة نحو التطور الشامل. وتتواصل التبادلات المتكررة الرفيعة المستوى بين الجانبين على نحو متزايد، وتزداد الثقة الإستراتيجية المتبادلة.

منذ تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني، وخاصة منذ إطلاق الرئيس شي جين بينغ لمبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013، حقق التعاون العربي- الصيني تقدما واضحا وإنجازات مهمة في كافة المجالات، وشكلت مبادرة "الحزام والطريق" منصة جديدة للتعاون العربي- الصيني.

ومنذ العام التالي لإطلاق مبادرة الحزام والطريق، أي في عام 2014، بدأت زيارات القادة والزعماء العرب تتزايد إلى الصين، والتخطيط المشترك مع الجانب الصيني بشأن التعاون الإستراتيجي المستقبلي، كما تصاعدت في الوقت نفسه التبادلات الرفيعة المستوى بين الصين والدول العربية بشكل جلي، مما ساهم في مواصلة تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وزيادة التعاون العملي بشكل واقعي.

في عام 2016، أصدرت الحكومة الصينية "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية"، والتي وضعت الخطة الإستراتيجية الشاملة والتصميم الرفيع المستوى للتنمية المستقبلية للعلاقات الصينية- العربية في الحقبة الجديدة.

وفي عام 2018، أعلن الرئيس شي جين بينغ اتفاق الصين والدول العربية على إقامة "شراكة إستراتيجية صينية- عربية موجهة نحو المستقبل للتعاون الشامل والتنمية المشتركة"، وذلك خلال الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني. وفي يوليو 2020، خلال الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني، توصلت الدول العربية والصين إلى توافق حول إدراج "البناء المشترك لرابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد".

الصين تحتاج إلى العرب والعرب يحتاجون إلى الصين

تدعم الصين بقوة الدول العربية في تعزيز وحدتها، وحماية سيادتها ووحدة أراضيها، وتدعو إلى تحقيق السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط على أساس "مبادرة السلام العربية"؛ وتدعم الصين بقوة عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، والقضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس الشرقية على أساس حدود 1967.

في ذات الوقت تدافع الدول العربية أيضا عن مصالح الصين الجوهرية، وتدعم السيادة والسلامة الإقليمية للصين، وتؤكد على مبدأ الصين الواحدة وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ولا تقيم أي علاقات رسمية أو تنخرط في أي تبادلات رسمية مع تايوان، وتدعم التنمية السلمية للعلاقات بين جانبي مضيق تايوان والقضية الكبرى للتوحيد السلمي للصين.

تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري

وقعت الصين اتفاقيات تعاون ثنائية بشأن التعاون الاقتصادي والتجاري والفني مع اثنتين وعشرين دولة عربية ودول مجلس التعاون الخليجي. ومنذ تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني، حققت الصين والدول العربية نموا ملحوظا في حجم التبادل التجاري، وحجم العقود المبرمة بين الجانبين.

وفي إطار عملية التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية، تم تأسيس آلية للزيارات المتبادلة لرجال الأعمال بين الصين والسعودية والإمارات والجزائر، كما أقامت مجالس الأعمال الثنائية مع مصر والمغرب وتونس والإمارات. ومنذ عام 2005، عُقدت العديد من الدورات لمؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين؛ وتم إنشاء آليات التعاون الصناعي والتجاري المتعددة الأطراف بين المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية، والاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية والاتحاد المصرفي العربي وغيرها.

وقد قال الرئيس شي جين بينغ في خطابه بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة في يناير 2016: "إن التبادلات بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط تجاوزت حواجز المكان والزمان. إن التعامل الصادق بين الأمتين الصينية والعربية، خلال المعاملات الأمينة والصداقة المخلصة على طريق الحرير القديم، والمشاركة في السراء والضراء في النضال من أجل الاستقلال الوطني، والتضامن والمؤازرة لبناء مسيرة الوطن، ثقة ثابتة لا تنكسر ولا تكسب بالمال." وهذه الجملة ليست مجرد موجز للتبادلات التاريخية والصداقة التقليدية بين الدول العربية والصين فحسب، وإنما أيضا ملخص شامل لتطور العلاقات العربية- الصينية المعاصرة.

وتشير الأرقام والحقائق إلى مدى تطور العلاقات العربية- الصينية. حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين أكثر من 431 مليار دولار أمريكي في عام 2022، كما بلغ 9ر1999 مليار دولار أمريكي خلال النصف الأول من عام 2023. وتبلغ استثمارات الصين في المنطقة العربية نحو 200 مليار دولار أمريكي، مما يمكن الصين من أن تلعب دورا مهما في مساعدة الدول العربية على بناء قدراتها وتوطين التكنولوجيا وتنفيذ الخطط التنموية وتبادل الخبرات والتكنولوجيا الصينية. ويمكن للدول العربية التي تحتاج إلى معدلات تنموية واقتصادية عاجلة وضخمة أن تكون محركا قويا للاقتصاد الصيني، وفرصة لتوطين الصناعات الصينية في المنطقة العربية وتصنع فرص الدخول إلى الأسواق المختلفة، سواء العربية أو الأفريقية أو الأوروبية.

التعاون العربي- الصيني في العصر الجديد

لقد شكلت القمة العربية- الصينية الأولى، والتى عُقدت بالرياض في ديسمبر 2022، نقطة تحوّل فارقة في تاريخ العلاقات العربية- الصينية. وتُعد هذه القمة وزيارة الرئيس شي الأخيرة للمنطقة هي الحدث الدبلوماسي الأهمّ والأرفع مستوى في العلاقات بين الدول العربية والصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وقد دشنت لمرحلة جديدة في مسيرة علاقات التعاون المتميزة بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية الصديقة. وقد وصف تقرير الخارجية الصينية الذى صدر قبيل القمة العربية- الصينية الأولي، هذه المرحلة بـ"العصر الجديد". حيث أشار التقرير إلى العديد من تفاصيل العلاقات العربية- الصينية التاريخية المتجذرة والقائمة منذ أكثر من ألفي عام، فقد شهد طريق الحرير القديم بداية العلاقات العربية- الصينية بتفاصيل عدة.

وفي تاريخنا الحديث، عملت الدول العربية والصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية معا بجد وإخلاص على كافة المناحي السياسية والاقتصادية والتجارية، وكانت مصر هي أول دولة عربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية. ومنذ ذلك التاريخ الممتد لنحو ثمانية وستين عاما، أصبحت الصين والدول العربية دولا شقيقة مخلصة وتعمل معا بروح الفريق الواحد.

وقد ربط بين الدول العربية والصين تفاهم واحترام متبادل وتنسيق مشترك تجاه العديد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وهناك قدر كبير من التفاهم في الأفكار والتصورات بشأن قضايا الأمن الجماعي الدولي والقضايا الحساسة بالمنطقة، وهو ما أكدت عليه وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية الصادرة في الثالث عشر من يناير 2016، والتي نصت على: "تلتزم الصين بتطوير علاقاتها مع الدول العربية على أساس المبادئ الخمسة المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي".

متطلبات إقامة رابطة المصير المشترك بين الدول العربية والصين في العصر الجديد

أكدت وثائق القمة العربية- الصينية الأولى الانطلاق إلى آفاق أرحب، ارتكازا على ما يجمع بين الدول العربية والصين من رغبة في توثيق أطر العلاقات المشتركة بما يتناسب مع معطيات العصر، ومع ما يمتلكه الطرفان من إمكانيات بشرية وموارد طبيعية هائلة، وحرص متبادل على تحقيق نوع من التكامل في مختلف المجالات، في ظل عالم تتسارع فيه بشكل واضح خطى التعاون شرقا وغربا. وهو ما يستوجب ضرورة العمل على توحيد الجهود لإقامة رابطة المصير المشترك بين الدول العربية والصين في العصر الجديد، خاصة وأن العالم يمرّ اليوم بتغيّرات لم يشهد مثلها منذ مائة عام.

وعلى ضوء ذلك تبرز أهمية علاقات الشراكة الإستراتيجية العربية- الصينية القائمة على التعاون الشامل والتطور المشترك والتي تهدف إلى التوجه نحو المستقبل. ومن المهم أن تنظر الدول العربية للصين كلاعب دولي يمكن الاعتماد عليه، في ظل بزوغ ونمو تعدد الأقطاب، وإدراك دول المنطقة أهمية وضرورة تنويع علاقاتها، بما يضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية على حد سواء. وعليها الاستفادة من التجربة التنموية الصينية، والتى تميزت بقدر كبير من الشمول للنواحي الاقتصادية والاجتماعية، والتي حقق الاقتصاد الصيني من خلالها نجاحات كبيرة، خاصة في مجالات تشجيع الصناعات وزيادة التصدير وجذب الاستثمار المحلي والأجنبي والمحافظة على نمو اقتصادي مرتفع ومستدام ومتزن.

لقد تطور منتدى التعاون العربي- الصيني ملتزمًا بالتقاليد والريادة والابتكار، وأهداف الحوار والسلام والتنمية، ليصبح منصة مهمة لتطوير الحوار الجماعي والتعاون العملي بين الصين والدول العربية. ومنذ تأسيس المنتدى، رفعت الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية دائما راية الحوار الحضاري، ودعا الجانبان إلى احترام التنوع الحضاري العالمي، والمشاركة بإيجابية في التبادلات الثقافية المثمرة والمتنوعة.

وختاما، فإن الإنجازات الهائلة التي حققها التعاون الجماعي بين الدول العربية والصين منذ تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني تبرهن على نحو كامل، بأن الصين والدول العربية ملتزمة بتطبيق المفاهيم الجديدة للعلاقات الدولية المتمثلة في الاحترام المتبادل والعدالة والتعاون المربح للجانبين، وتعزيز التدابير الفعالة للعمل معا على حل مشكلات التنمية في الشرق الأوسط.

--

 أحمد سلام، خبير في الشؤون الصينية، والمستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4