في خريف عام 2023، قررت أنا وزوجتي أن نزور شينجيانغ مرة أخرى. سبق لي أن ذهبت إلى شينجيانغ مرات خلال عملي في قطاع تداول البضائع بالصين لنحو عشرين سنة. في ذلك الوقت، كانت الشركة التي أعمل فيها أنشأت مكتبا لها في أورومتشي حاضرة شينجيانغ، فكنت أتنقل بين بكين وأورومتشي من حين إلى آخر، وكان زملائي وعملائي من أبناء قوميات هان والويغور والقازاق والطاجيك وغيرها من القوميات الصينية. وقد زرت أماكن عديدة في شينجيانغ للسياحة في وقت الفراغ من العمل.

بعد اتخاذ قرار السفر مرة أخرى إلى شينجيانغ، ذهبت إلى مركز خدمات طلب التأشيرة الصينية في العاصمة الألمانية برلين، وهناك قال لي موظف بالمركز إن السفر إلى شيجيانغ لا يحتاج إلا إلى تأشيرة دخول الصين. من أجل ضمان نجاح رحلتي تماما، استشرت الأجهزة المعنية في بكين بعد الوصول إلى العاصمة الصينية، وحصلت على نفس الإجابة، إلا إذا أردنا السفر إلى المناطق الحدودية المجاورة لأفغانستان وباكستان. ولأننا أردنا زيارة تلك المناطق الحدودية أيضا، كان علينا أن نحصل على تصريح اجتياز الحدود. وبالفعل، قمت بعمل إجراءات الحصول على التصريح في قاعة الخدمات الإدارية بحي تونغتشو في بكين، حيث كنا نقيم. كانت الإجراءات بسيطة للغاية، فقد تسلمنا التصريح بعد تحميل صورة جواز السفر والتأشيرة وصورة شخصية إلكترونية لكل منا.

رحلة للبحث عن الحقائق

في اليوم الأول للرحلة، زرت أنا وزوجتي مدينة كاشغر القديمة والبازار الكبير الشهير. في البازار، الذي يعج بالسياح من أنحاء الصين، تباع المنتجات المحلية وخاصة أطعمة شينجيانغ مثل الدجاج المتّبل مع صلصة الفلفل والدجاج المقلي مع البطاطس والفلفل والشعرية والأرز مع اللحم والجزر (بيلاف(. وعندما أرخى الليل سدوله، تحولت بعض الشوارع في المدينة القديمة إلى شوارع للأطعمة، حيث يجتمع أبناء مختلف القوميات ينشدون الأغاني الشائعة بحماسة، مغمورين في أجواء من البهجة، ولا يمكن أن تميز بين محلي وزائر.

ولأنني مولع بالثقافة البوذية، لا بد أن أذهب إلى المعابد البوذية العتيقة في كل زياراتي إلى الصين، ولم تكن هذه الزيارة استثناء. في اليوم الثاني من رحلتنا، سافرنا إلى أطلال باغودة مور البوذية التي تبعد حوالي أربعين كيلومترا عن مدينة كاشغر القديمة، حيث صادفنا مجموعة من الفتيات الويغوريات الجميلات، وهن راقصات بفرقة فنية متخصصة. لم تظهر الفتيات تحفظا أمام وجهي الأجنبي، ومن دون تكلف عبرن عن آرائهن بحرية. سردت الفتيات قصص طفولتهن في بيئة اللغة المزدوجة؛ الصينية ولغة القومية التي ينتمون إليها، وتحدثن عن الموضوعات التي تدور بينهن في فترة الراحة، مثل إصلاح التعليم وفقا للمعايير المرتفعة والتطورات السريعة للتصنيع في العصر الجديد.

من نافذة السيارة، رأينا حقول القطن على مدى البصر، ولمحنا فيها آلات جني القطن وأكياس القطن المكبوسة متراصة هناك. ظهر أمام عيوننا مشهد الحصاد المفعم بالحركة والنشاط. يبدأ موسم جني القطن هنا من نهاية شهر أغسطس حتى شهر نوفمبر عادة.

شينجيانغ هي أكبر منطقة منتجة للقطن في الصين. في عام 2022، بلغ إجمالي إنتاجها 3906ر5 ملايين طن، أي أكثر من 90% من إجمالي إنتاج الصين من القطن لأول مرة. في الوقت الحالي، تبلغ مساحة حقول القطن في شينجيانغ حوالي 40 مليون مو (الهكتار يساوي 15 مو) من الأرض الزراعية التي تبلغ مساحتها 106 ملايين مو.

خلال زيارتي لشينجيانغ في عام 2019، قابلت بعض أبناء مناطق الصين الداخلية، الذين جاءوا إلى شينجيانغ للعمل في جني القطن في شينجيانغ لكسب الأموال. مع تعميم الإنتاج الآلي بقوة في السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة استخدام الآلات في زراعة وجني القطن بشينجيانغ. حسب البيانات المعنية، ارتفعت نسبة استخدام الآلات في جني القطن بشينجيانغ من 21% في عام 2016 إلى 81% في عام 2022. وبالطبع، وجدنا بعض مزارعي القطن يجنون القطن يدويا في قرية قريبة، حيث يصعب استخدام الآلات المتقدمة في هذه الحقول الصغيرة المبعثرة.

التطبيقات الرقمية في كل مكان

خلال فترة زيارتنا لشينجيانغ، لم تكن لدينا فرص كثيرة لاستخدام النقود، فالدفع يكون عبر الويتشات وتشيفوباو وغيرهما من تطبيقات الدفع بالهاتف النقال في المتاجر وساحات وقوف السيارات والمطاعم بجانب الطريق السريع. ما أدهشني أكثر هو ظهور الدفع بالهاتف النقال في البازار الكبير في كاشغر، حيث تتوفر شبكة الجيل الرابع والجيل الخامس.

محافظة تاكسكورقان الذاتية الحكم لقومية الطاجيك هي المنطقة الحدودية التي خططنا زيارتها، وهي تابعة لمنطقة كاشغر، وتقع على حدود الصين مع كل من طاجيكستان وأفغانستان وباكستان، ومأهولة بأبناء قومية الطاجيك. على الطريق إلى هناك، مررنا بمحطة فحص مثل محطة تحصيل الرسوم. عندما دخلنا المحطة، سمعنا من مكبر للصوت باللغة الصينية: "افتح نافذة العربة، وانظر إلى الكاميرا." لا أفهم اللغة الصينية، وكنت أقود السيارة، فمُنعت من المرور. شرحت زوجتي الأمر لي، ونفذت التعليمات، فسُمح لنا بالمرور. أعتقد أن ما حدث هو مطابقة بيانات جواز السفر والتأشيرة من خلال التعرف على الوجه. يفعل كل الزوار نفس الشيء، بدون تمييز على أساس العرق أو الجنسية. كانت هذه المرة آخر فحص قابلناه خلال الأربعة أيام التي أمضيناها في المنطقة الحدودية. وعندما قمنا بإجراءات الإقامة في الفندق، كانت الإجراءات مثل الإجراءات في الدول الأخرى، وهي التصوير والتسجيل الإلكتروني بدون استخدام الورق.

في كل مكان زرناه، وجدنا أن التقنيات الرقمية تُطبق على نطاق واسع وليس فقط التعرف على الوجه، وهي تقنيات تبسّط مختلف الإجراءات الإدارية إلى حد كبير، وترفع فعالية الخدمات الإدارية.

احتضان العصر الجديد

صادف عام 2023 الذكرى السنوية العاشرة لطرح البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق". خلال آلاف السنين، ظلت منطقة شينجيانغ الواقعة في المنطقة الخلفية لآسيا وأوروبا ممرا مهما لطريق الحرير، وتربط الصين بالدول الأخرى في آسيا وأوروبا اقتصاديا وثقافيا. الآن، مع التطور المتعمق المستمر لمبادرة "الحزام والطريق"، فإن طريق الحرير القديم الذي كانت وسيلة النقل الرئيسية عليه قوافل الإبل، يستعيد حيويته ونشاطه مرة أخرى، اعتمادا على شبكة النقل والمواصلات المجسّمة الحديثة، والتي تجمع بين السكك الحديدية والطرق العامة والطيران.

من حسن الحظ أن أكون شاهدا على التنمية المحلية. عندما اُفتتح ميناء آلاشانكوه- دروزبا الجديد للسكك الحديدية في المنطقة الحدودية، كنت مسؤولا عن القيام بإجراءات المرور بالميناء الجديد للدفعة الأولى من الحاويات المنقولة من الصين إلى أوروبا، بمساعدة المسؤولين المحليين في شينجيانغ. خلال زيارتي الأخيرة لمحافظة تاكسكورقان، شعرت بالمغزى المهم لـ"الحزام والطريق" الذي يُعتبر مشروع القرن.

منذ أكثر من ألفي سنة، ظلت محافظة تاكسكورقان بلدة مهمة على طريق الحرير القديم إلى هضبة البامير. كانت قوافل الإبل الضخمة برنين أجراسها، من الصين والدول الأخرى، تمر بهذا المكان، وهنا توقف شيوان تسانغ لتفسير الأسفار البوذية المقدسة في طريق عودته إلى الشرق بعد رحلته للحصول على الأسفار البوذية المقدسة في الغرب. يتمتع هذا المكان بآثار إنسانية ومعالم ثقافية فريدة، لا تقل في شيء عن التراث التاريخي في اليونان القديمة وروما القديمة.

الآن، يدرك الناس بشكل أوضح أن طريق الحرير القديم صورة مصغرة لارتباط الصين بالعالم، فلديهم رغبة متعاظمة في معرفته. أما محافظة تاكسكورقان، فأصبحت مقصدا سياحيا مشهورا على خط حدود الصين. وفقا للمعلومات، سجل عدد زوار تاكسكورقان في عام 2023 رقما قياسيا تاريخيا. وفي ظل "حماسة السياحة"، ركزت حكومة المحافظة قوتها على بناء المنشآت التحتية، فأنجزت بناء دفعة من المتاحف والفنادق والمطاعم، ووسّعت قنوات التوظيف، وازدادت فرص التوظيف، مما يجلب فوائد ملموسة لأبناء الشعب المحليين.

خلال هذه الرحلة، زرت متحف طريق الحرير في شينجيانغ. وأثارت مجموعة من التلاميذ المحليين انتباهي، وكان معلمهم يشرح لهم باللغتين الصينية والويغورية. رغم أنني لم أفهم كلامهما، تحدثت معهم حينا بعد حين. وكانوا متحمسين ويبادرون للتحدث معي باللغة الإنجليزية. عرفت خلال الدردشة معهم أنهم تلاميذ في الصفوف الأولية للمدارس المحلية ويدرسون باللغة الصينية ولغة القومية التي ينتمون إليها، ويستخدمون لغتهم الأم لغة الويغور أو لغة الطاجيك، كما يدرسون باللغة الصينية. أما طلاب الصفوف الأعلى، فيدرسون باللغة الصينية وفي بيوتهم يتحدثون بلغات قومياتهم. أخبرني الطلاب أن جيرانهم من مختلف الأماكن، فبينهم أبناء كوتشار وأبناء تاكسكورقان وأبناء شانغهاي، يرجع الفضل لذلك إلى بناء التجمعات السكنية المختلطة لأبناء مختلف القوميات والذي تُنفذه الحكومة المحلية ويهدف إلى تحقيق التبادل والاندماج بين مختلف القوميات.

من خلال هذه الرحلة القصيرة إلى شينجيانغ، يمكن أن أقول بقوة واقتناع إن السياسات التي تطبقها حكومة الصين لتعزيز النمو الاقتصادي والمحافظة على استقرار المجتمع في شينجيانغ ناجحة. طوال رحلتنا، لم أجد ظاهرة اضطهاد تجاه أبناء قومية مثل قومية الويغور. وبالعكس، وجدت التجمعات السكنية والمستشفيات والمدارس ورياض الأطفال والمصانع الجديدة وأبناء شينجيانغ بوجوههم المفعمة بابتسامات السعادة. أقترح بإخلاص على كل الصحفيين الغربيين أن يسافروا إلى شينجيانغ لرؤيتها بعيونهم.

--

د. أوي بيرنس، اقتصادي ألماني وخبير في الشؤون الصينية.