تعد السوق الوطنية لتجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة بالصين، والتي تعرف اختصارا بسوق CCER، مسارا مهما لمساعدة بلادنا ومؤسساتها على تحقيق الحياد الكربوني، كما أنها جزء مهم من تعزيز التنمية العميقة لسوق الكربون وخفض تكاليف الحد من الانبعاثات. لقد استغرق استكشاف بناء سوق الكربون الوطنية الطوعية أكثر من عشر سنوات؛ وبدأ إبرام الصفقات منذ إصدار "التدابير المؤقتة لإدارة تجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة" في عام 2012. وفي الثاني والعشرين من يناير عام 2024، تم رسميا إطلاق سوق CCER في الصين.

مسيرة عشر سنوات

عند الحديث عن ولادة سوق CCER بالصين، لا بد من ذكر سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي. إن التزام المجموعة الصينية العامة للطاقة النووية (CGN) بتطوير الطاقة النظيفة التزام ثابت. قال ليو جيا بي، مدير مركز تسويق الطاقة الإلكترونية في شركة الطاقة الجديدة القابضة المحدودة التابعة للمجموعة الصينية العامة للطاقة النووية: "ولدت سوق CCER بالصين من رحم سوق الكربون في الاتحاد الأوروبي. وانضمت الصين إلى تلك السوق من خلال آلية التعاون في مجال الطاقة النظيفة التابعة لآلية التنمية النظيفة، وهي إحدى آليات الامتثال المرنة الثلاث لبروتوكول كيوتو، وبدأت تشارك بشكل رئيسي في صفقات تخفيض الانبعاثات من مشروعات الطاقة المتجددة التي تلبي المعايير."

بدأ دخول المجموعة الصينية العامة للطاقة النووية سوق الاتحاد الأوروبي في عام 2007. قال ليو جيا بي إن المشاركة في سوق الكربون بالاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت لعبت دورا معينا في تحفيز تنمية الطاقة المتجددة في الصين. منذ عام 2013، شرعت الصين في الخطوات التجريبية لسوق تجارة الكربون الخاصة بها، ولكن عدد المشروعات الضخم فاجأ السوق التجريبية المحدودة التي أطلقت ولم تستطع استيعابها. وبسبب عدم التوازن بين العرض والطلب وافتقار بعض المشروعات إلى المعايير الموحدة، أعلنت الجهة المختصة في مارس 2017 تعليق قبول تسجيل المشروعات في السوق والتوقف عن إصدار تخفيض الانبعاث مؤقتا.

في شهر أكتوبر عام 2023، أصدرت وزارة الإيكولوجيا والبيئة وإدارة الدولة لتنظيم السوق "التدابير الإدارية لتجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة (تجريبي)"، ثم أصدرت الإدارات والمؤسسات المعنية على التوالي الدفعة الأولى من القواعد واللوائح، مثل منهجية المشروعات وقواعد تسجيل المشروعات والمبادئ التوجيهية لتصميم المشروعات وتنفيذها وقواعد المعاملات وقواعد التحقق والفحص. وعلى أساس الاستعداد الكامل للسياسات والضمانات المؤسسية، تم رسميا إطلاق سوق CCER، حيث بلغ إجمالي حجم التداول في اليوم الأول لافتتاح السوق حوالي 375 ألف طن بلغت قيمتها حوالي 835ر23 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا).

منذ فترة طويلة، يقوم فريق بحثي برئاسة تشانغ دا، الأستاذ المشارك في معهد الطاقة والبيئة والاقتصاد بجامعة تشينغهوا ونائب مدير مركز المضايق الثلاثة للمناخ والكربون المنخفض بجامعة تشينغهوا، بإجراء أبحاث متعمقة حول سوق الكربون. قال السيد تشانغ إن سوق CCER، أداة سياسية أساسية مهمة للمساعدة في تحقيق هدف "الكربون المزدوج". وأضاف أن هذه السوق ستكمل سوق الامتثال الإلزامي التي تم إطلاقها في عام 2021، لتشكلا معا نظاما وطنيا موحدا كاملا لتجارة الكربون.

وقال تشانغ إن المنهجية الحالية تشمل التشجير وبالوعة الكربون، ودمج توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية وتوليد الكهرباء بطاقة الرياح البحرية في شبكة الكهرباء، وزراعة أشجار المانغروف، وستكون هناك منهجيات جديدة في المستقبل لدعم تطوير المزيد من فئات وأنواع الخفض الطوعي للانبعاثات. وأضاف: "يؤكد إطلاق سوق تجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة أيضا على زيادة شفافية المعلومات، وسيتم الإعلان عن المشروعات ومعلومات خفض الانبعاثات التي تم تطويرها وفقا للمنهجية الجديدة في النظام الوطني لتسجيل الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة ومنصة المعلومات، وسيتم إعلان بيانات الصفقات في المنظومة الوطنية لتجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة أمام كافة أوساط المجتمع للمراجعة والاستفسار."

إطلاق السوق في الوقت المناسب

لقد جاء إطلاق سوق CCER في هذا الوقت ملبيا لطلب السوق واحتياجات المجتمع. قال تشانغ دا: "بعد أكثر من عامين من بدء تشغيل سوق الامتثال الإلزامي، نلاحظ أن مخزون سوق تجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة أصبح غير كاف." وفقا للإحصاءات، تم حتى الآن تسجيل 1315 مشروعا، لكن عدد المشروعات التي أطلقت بالفعل لتخفيض الانبعاثات بلغ عددها 391 مشروعا فقط، وبلغ إجمالي تخفيضاتها 77 مليون طن، منها حوالي 60 مليون طن يستخدم لتسوية وتعويض حصص السوق التجريبية وحصص أسواق الكربون الأخرى للدولة. بحلول يونيو عام 2023، بلغ حجم التداول التراكمي لتجارة الخفض الطوعي لانبعاثات الغازات الدفيئة لتسع مؤسسات تجارية في جميع أنحاء البلاد 450 مليون طن. وأكد تشانغ أنه مع التوسع التدريجي لسوق الامتثال الإلزامي في المستقبل، سيزيد الطلب على تجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة أكثر. وقال: "إن سوق CCER ستحفز حماسة المؤسسات والمجموعات والأفراد في مختلف الأوساط للحد من الانبعاثات، وتعزز التطوير الابتكاري في تقنيات النمو المنخفض الكربون والنمو الخالي من الكربون والنمو السلبي للكربون. كما سترفع الوعي بالحد من انبعاثات الكربون في المجتمع بأسره، وتلعب دورا إيجابيا لتقليل التكلفة الإجمالية لخفض الانبعاثات." ومن وجهة نظره، فإن إطلاق السوق الوطنية لتجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة سيقدم لبعض مشروعات الطاقة الجديدة فرصة للاستفادة من سوق الكربون، ويضيف قناة إيرادات إضافية لها. بالإضافة إلى ذلك، فإن سوق CCER تنظم بصرامة معايير ومواصفات المشروعات، من أجل المحافظة على توازن نسبي بين العرض والطلب، وهو مظهر من مظاهر التنمية العالية الجودة.

بعد أكثر من أربعين عاما من التطوير، تغطي أعمال المجموعة الصينية العامة للطاقة النووية مجالات الطاقة النووية والوقود النووي والطاقة الجديدة والتكنولوجيا النووية غير الكهربائية والرقمنة وحماية البيئة القائمة على التكنولوجيا والتمويل الصناعي، وغيرها. من بين مؤسسات توليد الكهرباء في الصين، تعد المجموعة الصينية العامة للطاقة النووية واحدة من أوائل المؤسسات العاملة في صناعة توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية وشاركت في إعداد منهجية دمج الكهرباء المولدة بالطاقة الحرارية الضوئية في شبكة الكهرباء. بالمقارنة مع توليد الكهرباء بالطاقة الكهروضوئية التقليدية، فإن توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية له مزايا كبيرة. قال ليو جيا بي: "توليد الكهرباء بالطاقة الكهروضوئية يحول الطاقة الشمسية مباشرة إلى كهرباء، لكن كثافتها قليلة وكفاءة تخزينها منخفضة. وكمثال، فإنه في المناطق التي تتمتع بموارد الرياح والطاقة الشمسية خلال النهار، يتم بيع كمية كبيرة من الكهرباء الفائضة إلى مناطق أخرى، لكنها لا بد أن تشتريها بسعر مرتفع لاستهلاكها في الليل. يزيد توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية من تحويل الطاقة الحرارية في العملية الوسيطة، والتي يمكن فهمها على أن طاقة حرارية لها دور في كل من تخزين الطاقة وتوليد الكهرباء، وهي أكثر استقرارا نسبيا."

ومع ذلك، وبسبب التكنولوجيا المعقدة والمتطلبات الأعلى في الظروف الجغرافية، لم يشهد توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية تطورا بحجم كبير في الوقت الحالي، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التكنولوجيا والمواد الخام ومعدات المنبع والتشغيل النهائي، وهذا له تأثير كبير على تشغيل مؤسسات توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية، في ظل اتجاه انخفاض الدعم لها عاما بعد عام.

قال ليو جيا بي إن شركة الطاقة الجديدة القابضة المحدودة التابعة للمجموعة الصينية العامة للطاقة النووية، قامت في عام 2018 بتشغيل أول محطة تجارية لتوليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية الشمسية في الصين، وهي محطة دلينغها النموذجية لتوليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية في مقاطعة تشينغهاي. قال السيد ليو: "في ذلك الوقت، كانت المشكلة هي أنه كان هناك عدد قليل من المصنعين في السلسلة الصناعية في المنبع وكذلك في المصب، وأن الاستثمار كبير نسبيا، وأن اعتمادها على الدعم الوطني شديد جدا، وكانت الفوائد الاقتصادية منخفضة نسبيا."

جاء إطلاق سوق CCER ببصيص من النور. وفقا لحساب ليو جيا بي، فإن مشروع توليد الكهرباء بقدرة خمسين ميغاوات، والذي يعمل لمدة ألفي ساعة في السنة، يمكن أن يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو ثمانين ألف طن. وإذا بيعت الانبعاثات بسعر من أربعين إلى ستين يوانا للطن في سوق CCER، فإن الدخل السنوي سيتراوح من ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين يوان، مما سيحسن بشكل فعال دخل مشروعات توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية، ومن ثم تعزيز تطوير تكنولوجيا توليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الضوئية.

التحسين التدريجي وتعزيز التشغيل المستقر للسوق بشكل مشترك

منذ أن طرحت الصين رسميا هدف "الكربون المزدوج"، ارتفع الوعي العام في قطاع الكربون المغمور بشكل كبير، وبدأ عدد متزايد من المؤسسات تهتم بانبعاثات الكربون، وتضع خطة للحياد الكربوني، وتنتبه لحساب بيانات الانبعاثات. وفي الوقت نفسه، ظهر العديد من المهن "الخضراء" الجديدة؛ مثل وسطاء الصفقات، ومديري أصول الكربون، ومدققي الكربون إلخ، وكثرت التدريبات المهنية بجميع أنواعها. يعتقد ليو جيا بي: "أنه على الرغم من اختلاف مدى التوغل في القطاع لكل من المؤسسات والمجموعات، هذا يمثل بداية جيدة، وقد خطى الجميع الخطوة الأولى لممارسة مفهوم الحد من انبعاثات الكربون."

مثل المجموعة الصينية العامة للطاقة النووية، رحبت شركات كثيرة بإطلاق سوق CCER، قال تشانغ دا، إن الإعلان عن إطلاق السوق لقي استجابة حارة، وأجرى المجتمع بشتى قطاعاته نقاشا ساخنا حول أساليب الإدارة ومنهجية المشروعات ووثائق السياسة الأخرى، كما طفق أصحاب المشروعات الذين استوفوا شروط تطبيق المنهجية الجديدة يستعدون بنشاط لتطوير مشروعاتهم.

اقترح تشانغ على المؤسسات في هذا القطاع، أن تتعرف بجدية على القواعد في أقرب وقت ممكن، وتفهم تفاصيل المتطلبات التي طرحتها السوق، وتعمل على تحسين الظروف الداعمة، مثل إعداد الوثائق والمستندات المطلوبة للمشروعات، وصياغة ملفات تطويرها، لضمان مطابقة جودة البيانات المستوى المطلوب، ومن أجل ذلك، تقوم وزارة الإيكولوجيا والبيئة الآن بأعمال الدعاية والتدريب في هذا الصدد.

في الرابع من فبراير عام 2024، أصدرت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات "المبادئ التوجيهية لبلوغ ذروة الكربون ونظام معايير الحياد الكربوني في القطاع الصناعي"، والتي تقترح أنه بحلول عام 2025، يتم إنشاء نظام قياسي لذروة الكربون والحياد الكربوني في المجال الصناعي مبدئيا، وصياغة أكثر من 200 معيار مطلوب بشكل عاجل لبلوغ ذروة الكربون، مع التركيز على صياغة المعايير في مجالات المحاسبة العامة الأساسية، ومحاسبة غازات الدفيئة، والتكنولوجيا والمعدات المنخفضة الكربون، إلخ، لتقديم الدعم الفني للمجال الصناعي لإجراء تقييم الكربون وتقليل انبعاثات الكربون. بحلول عام 2030، سيتم تشكيل نظام قياسي كامل نسبيا لذروة الكربون والحياد الكربوني في القطاع الصناعي، وسيتم تسريع معايير الحد من الكربون بشكل منسق، وإدارة انبعاثات الكربون، والتقييم المنخفض الكربون، وذلك لتحقيق التغطية الكاملة للمعايير في الصناعات الرئيسية والمجالات الرئيسية، ودعم الذروة الشاملة لانبعاثات الكربون في القطاع الصناعي، وتحويل تركيز أعمال المعايرة تدريجيا إلى هدف الحياد الكربوني.

قال تشانغ دا: "أعطى طرح هذه الوثيقة دفعة قوية للبناء المستقبلي للسوق الوطنية لتجارة الخفض الطوعي لانبعاثات غازات الدفيئة. ومن أجل تحسين وتشغيل سوق CCER في الصين بسلامة، سنواصل التعاون بنشاط مع الأجهزة المعنية، وسنواصل الاهتمام بتشغيل سوق CCER من منظور البحث العلمي، وتقديم الدعم النظري والتطبيقي لتطويرها." وأضاف أنه يأمل في تعزيز تعميم تجربة الصين في سوق CCER من خلال التبادلات الأكاديمية الدولية، وتحسين تأثير الصين في تسعير الكربون على المستوى الدولي.