منذ الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني التي حررت الأفكار، وأطلقت مشروع الإصلاح والانفتاح العظيم، وحتى الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، والتي اعتمدت ((قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن تعميق إصلاح مؤسسات الحزب والدولة)) و((خطة تعميق إصلاح مؤسسات الحزب والدولة)). إن "الإصلاح" هو الموضوع الثابت في جميع الجلسات الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وكانت نتائج الإصلاح لها تأثير عميق على التنمية الاقتصادية ومستوى معيشة الشعب في الصين.
ركزت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، والتي عقدت في الفترة من الخامس عشر إلى الثامن عشر من يوليو، بشكل مكثف على تعميق الإصلاح على نحو شامل لدفع التحديث الصيني النمط. وقد تم في هذه الجلسة اعتماد ((قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن تعميق الإصلاح على نحو شامل لدفع التحديث الصيني النمط)) (يشار إليه فيما يلي بـ"القرار"). في "القرار"، وردت كلمة "الإصلاح" أكثر من خمسين مرة، مما يعكس تصميم الصين على تعميق إصلاح الأنظمة والآليات.
تعميق الإصلاح بشكل شامل قوة دافعة أساسية لدفع التحديث الصيني النمط. لا تخلو عملية دفع التحديث الصيني النمط من التحديات، وتتطلب منظورا تطلعيا وإصلاحات وابتكارات متواصلة لدفع تطوير المشروعات وإزالة العوائق والصعوبات التي تعترض التقدم، فضلا عن خلق زخم ومزايا جديدة للتنمية. في ظل تصاعد الأحادية الدولية، واستمرار الصراعات الجيوسياسية، وظهور موجة مناهضة العولمة، لم تظهر بعد نقاط نمو اقتصادية جديدة محليا، ودخل إصلاح الأنظمة وإصلاح الآليات منطقة المياه العميقة، مما يجعل عملية دفع التحديث الصيني النمط تواجه تحديات جديدة.
في هذا الإطار، فإن التخطيط الشامل لتعميق الإصلاح الذي تم إقراره في الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني يحدد مسارا واضحا لتحقيق التحديث الصيني النمط، ويوفر دعما مستمرا لتنمية الصين والعالم، ويعكس الفهم العميق للصين لنمط التنمية الاقتصادية الخاص بها.
طريق التقدم.. الإنجازات العظيمة لتعميق الإصلاح بشكل شامل منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني.
منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أدركت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ونواتها الرفيق شي جين بينغ، الاختناقات في الأنظمة والآليات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والتعليمية، وقامت بعملية إصلاح ثورية غير مسبوقة بعزم وقوة كبيرة، مما أسهم في تحقيق إنجازات تاريخية في قضايا الحزب والدولة.
في عام 2023، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين 126 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا)، وهو ما يمثل حوالي 18% من الاقتصاد العالمي، مما يجعلها ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وفيما يتعلق بهيكل التنمية الاقتصادية، فإننا نصر على وضع الاقتصاد الحقيقي في مركز التنمية الاقتصادية وتجنب "التحول من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي". إحدى الخصائص الرئيسية للتحديث الصيني النمط، والذي يختلف عن التحديث في الدول الغربية المتقدمة هو أنه لا يعتمد على قطاع الخدمات كصناعة رئيسية، بل يعتمد على قطاع التصنيع كقاعدة اقتصادية. في عام 2023، بلغت نسبة القيمة المضافة للتصنيع العالي التقنية فوق الحجم المحدد 7ر15% وصناعة المعدات فوق الحجم المحدد 6ر33% من القيمة المضافة للصناعات فوق الحجم المحدد. وتم تحقيق النجاح في معركة القضاء على الفقر كما هو مقرر وبناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وتحقيق الهدف المئوي الأول، وانطلاق الخطوة الثابتة على مسار تحقيق الرخاء المشترك لكل الشعب. كما تم تطبيق التقنيات الخضراء والرقمية في الصناعات التقليدية لتحسين جودة البيئة في الصين بشكل بارز.
قبل المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، وبسبب السلسلة الطويلة لإدارة صناديق تمويل الأبحاث، كان يجب على الباحثين تحمل المهام البحثية وملء التقارير المالية المعقدة في نفس الوقت. فبذلت الصين جهودها في بناء نظام التقييم الشامل للعلوم، واتخاذ الاعتماد على الذات في العلوم والتكنولوجيا ركيزة إستراتيجية للتنمية الصينية. زادت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير بشكل مستمر، واحتلت براءات الاختراع الفعالة في الصين المرتبة الأولى في العالم، وتم تحقيق تقدم كبير في المجالات التي تساهم في تشكيل قوى منتجة حديثة النوعية، مثل الذكاء الاصطناعي واستكشاف البحر العميق والفضاء وغيرها.
مع التركيز على إصلاح النظام الاقتصادي، تم تشكيل السوق الصينية الموحدة بشكل مطرد، وتم تعزيز التعاون الإقليمي، وانخفضت تكاليف تداول عناصر الإنتاج والمنتجات بشكل ملحوظ، وتم تحسين فعالية توزيع الموارد بشكل واضح. تم تقليل أنواع الضرائب ومعدلاتها، مما خفّف الضغط على كيانات الأعمال في السوق بشكل فعال، وأدى إلى تحفيز حيوية السوق. منذ عام 2013، بلغ إجمالي التخفيضات الضريبية واسترداد وتأجيل دفع الضرائب والرسوم في الصين أكثر من 15 تريليون يوان. وقد أدى ذلك إلى تقليل أعباء الشركات لدخول السوق وتحسين كفاءة الإنتاج.
المضي قدما.. كتابة فصل مجيد من الإصلاح في المسار الجديد للتحديث الصيني النمط
التحديث الصيني النمط هو قضية عظيمة وصعبة. تعد الفترات الحالية والمستقبلية فترات حاسمة لدفع بناء الصين دولة قوية بشكل شامل، ونهضة الأمة الصينية من خلال تعزيز التحديث الصيني النمط. مع دخول الإصلاح إلى مستويات أعمق، ودخول عملية التحديث الصيني النمط إلى مرحلة جديدة، من الضروري مواصلة إزالة العقبات في عملية التحديث بشكل شامل ومنظم.
أولا، بناء نظام اقتصاد السوق الاشتراكي العالي المستوى، وتسهيل التداول الاقتصادي الداخلي، وبناء سوق موحدة. أشارت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، إلى أن نظام اقتصاد السوق الاشتراكي العالي المستوى هو ضمانة مهمة للتحديث الصيني النمط، فيجب إدارته بمرونة ومنهجية. يسعى نظام اقتصاد السوق الاشتراكي العالي المستوى إلى التنسيق بين مزايا السوق الفعالة والحكومة الواعدة. وهذا يتطلب المحافظة على دور السوق الحاسم في توزيع الموارد في السوق لتعزيز فعالية التوزيع، وأن تمارس الحكومة المراقبة الفعالة لمنع فشل السوق والمحافظة على عدالة توزيع الموارد في المجالات الرئيسية. يجب الاستمرار في تعميق إصلاح سوق عناصر الإنتاج لبناء سوق موحدة داخلية، وكسر الحواجز بين المقاطعات وتعزيز التدفق الحر لعناصر الإنتاج على نطاق أوسع، وتحقيق التوزيع الفعال للموارد على أساس عوامل الأرض وسوق العمل والبيانات والتقنيات الحاصلة على براءات الاختراع.
ثانيا، التمسك بالتنمية العالية الجودة ودفع إصلاح آلية ونظام التعليم والعلوم والتكنولوجيا والأكفاء وتسريع تشكيل قوى منتجة حديثة النوعية. يعد الابتكار التكنولوجي القوة الدافعة الرئيسية لتشكيل قوى منتجة حديثة النوعية. حاليا، تعمل آلية التعليم ونظام العلوم والتكنولوجيا وآلية الأكفاء في الصين بشكل منفصل، وتفتقر إلى الاستقلالية. لذلك، من الضروري تعميق إصلاح آلية ونظام التعليم والعلوم والتكنولوجيا والأكفاء، وتعزيز عدالة التعليم، وزيادة الاستثمار في البحث العلمي، ورفع معايير معاملة الباحثين، وجذب الأكفاء الممتازين من الخارج، كما ينبغي تعزيز التكامل بين الصناعات والجامعات والأبحاث. يجب تطوير التكنولوجيا وتشكيل سلاسل الصناعات الناشئة لتشكل نقطة نمو اقتصادي جديدة، ويجب أن يكون نموذج الإنتاج الجديد المستدام والأخضر قوة دافعة رئيسية لتسريع إنشاء نظام صناعي حديث. يتطلب ذلك التركيز على تحقيق الريادة في التكنولوجيا، وتعزيز البحث الأساسي، والسعي لتحقيق اختراقات في التقنيات الرئيسية، وتسريع تشكيل قوى منتجة حديثة النوعية.
ثالثا، دفع الجولة الجديدة من الإصلاح المالي والضريبي وتحسين إستراتيجية التنمية الإقليمية المنسقة. أشارت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني إلى ضرورة تحسين نظام التخطيط الإستراتيجي الوطني وآلية تنسيق السياسات، وتعميق إصلاح النظام المالي والضريبي، و"تحسين آلية تنفيذ إستراتيجية التنمية الإقليمية المنسقة". لقد مر ثلاثون عاما منذ إصلاح نظام تقاسم الضرائب، الذي أسس العلاقة المالية بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية بشكل أساسي، ولكن لم يتم حل مشكلة التنمية الإقليمية المنسقة، واتسعت الفجوة في التنمية بين المناطق. بالإضافة إلى ذلك، تباطأ النمو الاقتصادي الصيني في السنوات الأخيرة، وانخفض تمويل الأراضي، وكان نمو الإيرادات المالية أقل من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة. يجب إطلاق جولة جديدة من الإصلاح المالي والضريبي، مع التركيز على تنمية المصادر الضريبية الجديدة، وتعزيز القوة المالية المحلية، وتحسين هيكل الصناعة، وتعزيز التحول والتحديث، وإعادة تنظيم السلطات والمسؤوليات بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وتحسين هيكل الإيرادات المالية في المناطق المتخلفة اقتصاديا، وتحسين آلية التحويل المالي، وتقليل التفاوت في التنمية بين المناطق المختلفة.
رابعا، مواصلة توسيع الانفتاح العالي المستوى على العالم الخارجي. الانفتاح العالي المستوى على العالم الخارجي هو خيار إستراتيجي مهم لتحقيق التنمية الاقتصادية العالية الجودة، وهو تعميق الإصلاح والانفتاح بشكل شامل من نقطة انطلاق أعلى. الانفتاح هو علامة مميزة للتحديث الصيني النمط، فمن ناحية، يساعد الالتزام بالانفتاح على العالم الخارجي على تعظيم مزايا التصدير والحصول على حصة أكبر في السوق العالمية، ومن ناحية أخرى، يجذب الاستثمارات الأجنبية، ويرفع جودة ومستوى التعاون التجاري والاستثماري، ويجذب بشكل أفضل الموارد والعوامل العالمية ذات الجودة العالية، ويساعد على تشكيل مزايا جديدة للمشاركة في التعاون والمنافسة الاقتصادية الدولية. ينبغي للصين تشجيع الشركات المحلية على ريادة الأعمال في الدول الأجنبية وبناء بيئة تجارية أكثر اكتمالا، ووضع معايير للمنتجات تتوافق مع المعايير الدولية، وخفض الحواجز أمام الأجانب للعمل في الصين.
خامسا، التمسك بالتنمية الخضراء المنسقة وتحسين نظام الحضارة الإيكولوجية. التحديث الصيني النمط هو تحديث يتسم بالتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. ينبغي الالتزام بالتنمية المستدامة وتحسين القوانين واللوائح، وتعزيز قوة التنفيذ، وتشجيع المشاركة العامة في عملية الإدارة الإيكولوجية، ودفع المشاركة المشتركة من قبل الأطراف المتعددة، وتعزيز خفض الكربون وتقليل التلوث وتوسيع المساحات الخضراء ونموها، ودفع إصلاح نظام الإدارة الإيكولوجية بشكل أعمق وأدق، ومواصلة دفع نظام التفتيش لحماية البيئة وتحسين نظام الإدارة العمودي لمراقبة مؤسسات حماية البيئة وإنفاذ القوانين.
المحافظة على التطلعات الأصلية.. خطة الصين لابتكار التنمية الحديثة في العالم
منذ عام 1978، كان للجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في الصين تأثير كبير على اتجاه التنمية الطويل الأمد للصين والعالم. في ظل ركود الاقتصاد العالمي وتزايد النزاعات الجيوسياسية، حافظ الاقتصاد الصيني على نمو مستقر، بمساهمة تقارب 30% في نمو الاقتصاد العالمي، وهو عامل استقرار مهم للنمو الاقتصادي العالمي. في النصف الأول من عام 2024، نما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 5% على أساس سنوي بالأسعار الثابتة، متطابقا بشكل أساسي مع الهدف السنوي المحدد في بداية العام، مما يظهر مرونة الاقتصاد الصيني. أعطت التغيرات غير المسبوقة في القرن الحادي والعشرين الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب أهمية خاصة، وستصبح هذه الجلسة علامة فارقة جديدة، وستوفر الصين أفكارا وحلولا جديدة للدول الأخرى من خلال تعزيز التحديث الصيني النمط. لقد بدأت جولة جديدة من الثورة العلمية والتكنولوجية والثورة الصناعية في الظهور. وكانت سياسة الانفتاح المتزايدة التوسع التي تنتهجها الصين سببا في دفع التداول العالمي للتقنيات المتطورة ورأس المال العامل. كما قامت الصين بتشجيع الشركات الصينية على ريادة الأعمال في الخارج وتقديم المنتجات العالية الجودة للعالم، واستخدام منصة التعاون الدولي في إطار "الحزام والطريق" لمساعدة الدول النامية على بناء البنية التحتية والنظم الصناعية وترقية سلاسل الصناعة، مما يعكس روح الصين ومسؤوليتها الكبرى المتمثلة في توحيد عناصر التكنولوجيا المتقدمة الخاصة بها مع التنمية الاقتصادية العالمية. إن الإصلاح، الذي يهدف إلى تسريع تشكيل قوى منتجة حديثة النوعية وبناء نظام صناعي حديث، سيدفع تطبيق التكنولوجيا الرقمية والتكنولوجيا الخضراء في النظام الصناعي، ويعزز التحول الرقمي والأخضر في صناعات مختلفة، ويدفع تطبيق التكنولوجيا الجديدة على نطاق عالمي، ويضخ الزخم الصيني في النمو الاقتصادي العالمي.
ــــــ
ليانغ هاو قوانغ، باحث ومدير مركز أبحاث التحديث الصيني التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.