التراث الثقافي غير المادي ثروة نفيسة للبشرية تنتقل من جيل إلى جيل، حاملا ذاكرة التاريخ والجينات الثقافية للأمم. أصبح كل عنصر من التراث الثقافي غير المادي من الكلاسيكيات الخالدة بعد تجارب قاسية في نهر الزمان، لكنه يواجه تحديا من حيث الابتكار والتوارث، بسبب التطور السريع للعلوم والتكنولوجيا والإنترنت. وقد تبنت الصين في السنوات الأخيرة، سلسلة من الأفكار والمساعي الجديدة لتوارث وتطوير التراث الثقافي غير المادي.

"الاندماج في الحياة" من أجل استدامة التراث الثقافي غير المادي

مع تسارع العولمة والتحول الرقمي والتطور العلمي والتكنولوجي، تغيرت أنماط حياة الناس ومفاهيمهم بشكل كبير، مما أدى إلى اندثار بعض الثقافات التقليدية تدريجيا. ولأن بعض مشروعات التراث الثقافي غير المادي لا تواكب هذه التغيرات، فإنها فقدت وظيفتها سواء للاستخدام أو المشاهدة في الحياة المعاصرة، فضعفت وصار استمرارها مهددا. تواجه عناصر كثيرة من التراث الثقافي غير المادي تحديات البقاء القاسية.

للتعاطي مع الحالات المعقدة والمتنوعة لحماية التراث الثقافي غير المادي، لا مندوحة عن التمسك بموقف موضوعي وإيجابي، والالتزام بمبادئ: "الحماية هي الطريق الرئيسي"، "تبني حلول مختلفة حسب الحالة"، "دفع الابتكار والتطوير"، "الاندماج في الحياة"، والأخير منها له أولوية قصوى، كونه يعنى توظيف دور المجتمع إلى أبعد حد ممكن وتحفيز الناس على الانخراط في المشاهد المختلفة للتراث الثقافي غير المادي، لدفع التطور العالي النوعية والمستدام لحماية التراث الثقافي غير المادي. لن يكون التراث الثقافي غير المادي قادرا على البقاء والتطور بشكل أفضل إلا بمواكبة أنماط حياة الناس وسعيهم المعنوي في العصر الحديث. لقد بات "الاندماج في الحياة" وسيلة مهما للحماية والتوارث المستدام للتراث الثقافي غير المادي. من دون عودته إلى الحياة واندماجه في المجتمع الحديث، لن تسطع حيويته الجديدة في المجتمع الحديث.

"طريق جديد آخر".. السياحة تعزز اقتراب التراث الثقافي غير المادي من حياة الناس

ترافق ضغوط الحياة المعاصرة الناس مثل ظلهم؛ فالاشتغال بالعمل ومسؤوليات الأسرة والتنافس الاجتماعي، كلها أمور تجعل الناس يشعرون بالتعب دائما. السياحة، مثل "بهارات" الحياة، تضيف لمسة من الألوان الرائعة إلى الأيام العادية.

يعد دخول التراث الثقافي غير المادي إلى الحياة المعاصرة واندماجه في السياحة المعاصرة، أحد أفضل الطرق لحمايته. السياحة ليست نشاطا ترفيهيا فحسب، وإنما أيضا أضحت طريقة للتعبير عن حب الحياة واستكشاف الذات وتعزيز التعرف على العالم، وكل ذلك يجعل التراث الثقافي غير المادي محتوى استكشافيا مهما للسياحة. يمتاز التراث الثقافي غير المادي بتنوعه وطابعه الحيوي، بينما تتسم السياحة بالتجربة والتميز، مما يجعل تطور التراث غير المادي والسياحة ملائما تماما لمتطلبات التنمية السياحية وأهداف حماية ونقل التراث. إن اندماج التراث الثقافي غير المادي والسياحة هو تكامل بينهما. ومع الإقبال المتزايد على السياحة، تبرز وظيفة الثقافة المتمثلة في تعليم وإرشاد الجماهير أثناء قيامهم بالسياحة، فيعزز التراث الثقافي غير المادي حيويته الذاتية ويعظم القوة التنافسية للسياحة في الوقت نفسه.

وفي الوقت نفسه، هناك ميزة أخرى مهمة للسياحة وهي التوجه نحو الحياة، حيث يؤدي قدوم عدد كبير من السياح من أماكن أخرى إلى جلب مشاهد الحياة واحتياجات المعيشة إلى مشروعات التراث الثقافي غير المادي المحلية، وتحسين النظام الإيكولوجي للتراث الثقافي غير المادي، وجعل التراث الثقافي غير المادي المحلي مفعما بالحيوية، وتلك نقطة انطلاق جديدة لحماية التراث الثقافي غير المادي.

لقد بات عدد متزايد من مشروعات التراث الثقافي غير المادي والمنخرطين فيه مكونا مهما للمشاهد السياحية، مما يشكل تطبيقا مبتكرا للتراث الثقافي غير المادي ويبرز رموزا ثقافية إقليمية مميزة. يجلب التراث الثقافي غير المادي للزوار تجارب ممتعة وافرة والمزيد من البهجة. وفي الوقت ذاته، ينال المنخرطون في التراث الثقافي غير المادي المزيد من الشعور بالكسب.

وبجانب ذلك، السياحة طريقة مهمة للابتكار الثقافي. السياحة ليست مجرد جولات للجسد بين الجبال والأنهار، بل هي رحلات لأفكار البشر عبر الزمان والمكان أيضا. والسياحة ليست أسلوبا للتعلم الثقافي فحسب، وإنما أيضا طريقة جديدة لتحقيق الابتكار الثقافي. تساعد السياحة في فتح آفاق الناس وإثراء شعورهم وتعزيز الإلهام وإعادة الإبداع بين المناظر السياحية الحقيقية.

يواجه تطوير السياحة مشكلات أيضا، وأكبر مشكلة هي "تشابه الأسلوب والطابع في المقاصد السياحية وتشابه التذكارات السياحية وتشابه تجسيد الميزات الثقافية". ولا غرو أن دخول التراث الثقافي غير المادي إلى المواقع السياحية يساعد في حل مشكلة "تشابه تجسيد الميزات الثقافية".

"التراث الثقافي غير المادي في المواقع السياحية".. إجراء عملي لدمج التراث الثقافي غير المادي في السياحة

دخول التراث الثقافي غير المادي إلى المواقع السياحية لا يثري مفهوم السياحة فقط، وإنما أيضا يوسع طرق حماية التراث الثقافي غير المادي. إن الأشكال الغنية والمتنوعة للمواقع السياحية تشكل حيزا للزيارة والتجريب للسياح، ويمكن أن يصبح معظمها "مساحات تحمل التراث الثقافي غير المادي".

إن مفهوم "التراث الثقافي غير المادي يأتي بالشعور الأكثر بهجة خلال السياحة" يمثل عاملا جوهريا لدخوله إلى المواقع السياحية. تتمسك الجمعية الصينية لحماية التراث الثقافي غير المادي، في السنوات الماضية، بمفهوم "التراث الثقافي غير المادي يأتي بالشعور الأكثر بهجة خلال السياحة" وبدمج التراث الثقافي غير المادي في السياحة، وتتخذ "دخول التراث الثقافي غير المادي إلى المواقع السياحية" مفتاح العمل المهم في عملها. أخذت الجمعية زمام المبادرة في إجراء نشاطات "دخول التراث الثقافي غير المادي إلى المواقع السياحية" في الصين، وتواصل الابتكار في هذا النمط، وتتخذ المواقع السياحية والمنتجعات والمدن السياحية والشوارع السياحية والقرى السياحية والمناطق السياحية الأخرى، كمشاهد مهمة لاندماج التراث الثقافي غير المادي في السياحة. يعتبر هذا النمط وشيجة تربط بين التراث الثقافي غير المادي والسياحة، لجعل المواقع السياحية مشاهد رئيسية لحماية وتوارث التراث الثقافي غير المادي في الصين، الأمر الذي يدفع بقوة وصول اندماج الثقافة في السياحة إلى مستوى جديد.

ابتكرت الجمعية بعض المفاهيم، خلال ممارسة الأعمال، ودفعت تطبيقها وشقت طريقا جديدا تدريجيا. على سبيل المثال، يدفع مفهوم "التراث الثقافي غير المادي يأتي بالشعور الأكثر بهجة خلال السياحة" دخول التراث الثقافي غير المادي إلى المواقع السياحية. بالاعتماد على تنوع التراث الثقافي غير المادي وتميزه وخبرته ومشاركته وحياته، فقد جلبت للسياح خمس تجارب جيدة وهي: "المظهر الجيد، والطعام الجيد، والاستماع الجيد، والمرح، وسهولة الاستخدام"، مما يسلط الضوء على السحر غير المحدود والقيمة العظيمة للتراث الثقافي غير المادي في المنطقة السياحية.

يعتمد مفهوم "الانطلاق من احتياجات الشعب" على احتياجات السياح، مما يتيح للسياح "الاستمتاع بالتراث الثقافي غير المادي"، وممارسة مبدأ "تقاسم الشعب التراث الثقافي غير المادي للشعب" بشكل حقيقي.

مفهوم "جلب التراث الثقافي غير المادي للسياح وجعل المواقع السياحية جزءا مهما من النظم الإيكولوجية الثقافية الإقليمية"، يجعل المناطق السياحية للتراث الثقافي غير المادية أرضا تجريبية مهمة لتعزيز "الحماية الثقافية والإيكولوجية".

أشكال "دخول التراث الثقافي غير المادي إلى المواقع السياحية" وافرة ومتنوعة. وقد حققت النشاطات المعنية التي قامت الجمعية الصينية لحماية التراث الثقافي غير المادي بدور رئيسي فيها نتائج ممتازة.

في عام 2023، عقد الاجتماع السنوي الأول لحماية التراث الثقافي غير المادي الصيني في "الشارع القديم" بمدينة يويلين في مقاطعة شنشي. لقد جعل نشاط "دخول التراث الثقافي غير المادي إلى الشارع" ذلك الشارع القديم يكتسب حيوية جديدة. وجعلت "سوق التراث الثقافي غير المادي" كل ركن من أركان الشارع القديم في يويلين تفيض بأجواء الثقافة التقليدية، وزارها ستمائة ألف شخص في خمسة أيام، وشكلت سحرا فريدا للشارع.

في عام 2024، عقد الاجتماع السنوي الثاني لحماية التراث الثقافي غير المادي الصيني في موقع "بلدة ياوهو" السياحي بمدينة ييشينغ في ووشي بمقاطعة جيانغسو. زار "سوق التراث الثقافي غير المادي" 160 ألف شخص في ثلاثة أيام. وخلال هذا النشاط، تجاوز عدد مرات التعرض لهذا الموضوع 6ر1 مليار مرة.

إن مفهوم تلخيص هذه الأنشطة هو "جعل التراث الثقافي غير المادي حيا والسياحة أكثر سعادة". وقد أوجدت الجمعية الصينية لحماية التراث الثقافي غير المادي طريقة جديدة لتحقيق التطور المندمج بين التراث الثقافي غير المادي والسياحة عن طريق الاستكشاف المستمر.

التراث الثقافي غير المادي ثروة مشتركة للبشرية وهو أيضا مصدر لهويتنا وفخرنا. علينا حماية وتوارث التراث الثقافي غير المادي الحي وجعل المزيد من الناس يعرفون ويتمتعون ويهتمون بالثروة الحضارية المشتركة للبشرية. الآن، يشكل نمط اندماج الثقافة في السياحة وضعا جيدا، الأمر الذي يجعل الجمعية الصينية لحماية التراث الثقافي غير المادي تواصل الابتكار بحزم وتهتم بدفع تطوير اندماج التراث الثقافي غير المادي في السياحة، من أجل حماية التراث الثقافي غير المادي الصيني على نحو شامل وتوارثه إلى الأبد.

--

وانغ شياو فنغ، رئيس الجمعية الصينية لحماية التراث الثقافي غير المادي.